هو يتحاشاها إن كانت زوجته أو زميلته أو مديرته، ولكنه يعجب بها إذا كانت في المحور العام بمحيطه، وإذا لم تقع عليه ضغوط الشعور بهيمنتها وقوة شخصيتها وتأثيرات نجاحها، وهو يشجعها إن كانت ابنته ويفخر بها ويزهو بقوتها، ولكنه يغار منها ويحبطها إن كانت زوجته.
هل المرأة القوية تهديد للرجل المقرب منها..؟ مما قرأت هذه المقولة التي قالها رجل أعتبره جاهلا (لا تجادل امرأة فإن غلبتك احتقرتك وإن غلبتها كرهتك) وكامرأة أقول إن المرأة بالعكس تشعر بالثقة والفرحة عندما تفوز على الرجل لأنها ستكبر في عينه، وينظر لها بانبهار كونها تتطلع لحصد ثنائه، وأما إذا غلبها فهي ترمقه بإعجاب، ولا ننسى أن المرأة الطبيعية تحب الرجل القوي الشخصية ولا تنجذب نحو الإمعة والضعيف، وطالما رأينا في الأفلام كيف تظل المرأة متوحشة حتى يروضها رجل صارم، وكيف تتصرف بغرور وترفع حتى يكسر أنفها رجل معتد بشخصيته ورجولته.
ربما الخوف من المرأة القوية يأتي من هنا ألا يكون الرجل بمستوى رباطة جأشها وثبات تدبيرها، ويأتي أيضا من كون الرجل يفضل المرأة الضعيفة لأنها تحتاج إليه ولا تحسن التصرف بدونه، ولأنه لا يريد أن يشعر بأن دوره ملغي وعديم الشأن إذا تعاظمت شخصيتها ونمت، وأصبحت المسيطرة الآمرة التي يشعر بالضآلة بوجودها، بل إنه حتى غير موجود في خارطة احتياجاتها.
في رواية ذهب مع الريح نتعجب من اختيار البطل للزواج من فتاة بسيطة هادئة ربة بيت على الاقتران من الفتاة التي يحبها وتحبه لأنها طموحة ومسيطرة ومستقلة.
هذه المرأة التي تنجح في الحياة العملية وتدير مؤسسة كاملة بنجاح تفشل في إدارة حياتها الزوجية، فمن قرأ مذكرات وزيرة الخارجية الأميركية مادلين أولبرايت يرى ألمها لطلاقها لأن زوجها لم يطق بقاءه في الصف الثاني بينما تصعد هي إلى القمة.
بينما يحظى الرجل القوي بزوجة تقف وراءه وتدعمه وتساعده وتتحمل حتى نزواته وتتكفل بتربية أولاده والإشراف على منزله، فإن المرأة القوية المسؤولة بالعكس تدفع ثمن طموحها ونبوغها وتألقها، وربما يحاربها شريكها ويشعر بأنه أجدر منها بالنجاح، ويقوض عزيمتها ويكسرها فيكون الأفضل لها في هذه الحالة الانفصال والعيش وحيدة دون شريك لأنه لن يقبل أن يقف خلفها أو يسمى ظلها، ويخيرها بينه وبين حقيقتها وكيانها ووظيفتها ونجاحها، ولأنها قوية بما فيه الكفاية فهي تنحاز لنفسها ولذاتها، ولا تهدر وجودها من أجل إرضاء رجل أناني يفضل نرجسيته على حق زوجته الطبيعي بإثبات الوجود.
هناك قلة من الرجال الذين لا يتضايقون من نجاح زوجاتهم وتألقهن حتى لو كانت وظائفهم عادية لأن داخلهم عامر بالمحبة من جهة، ولأنهم من جهة أخرى واثقون من أنفسهم ويدركون أنه لولا أنهم مميزون لما ملكوا هذه الزوجة الناجحة، ولما رأتهم أقوى وأفضل رجال الكون. رئيسة وزراء أستراليا مخطوبة لمزين شعر نسائي، وهو يفتخر بذاته ووظيفته ويعتز بها ويتألق فيها، ولا يقارن نفسه بخطيبته إلا بأنهما الاثنان ناجحان في محيطهما، ويكافحان لأداء دورهما بالحياة. ليس المهم كيف ينظر الناس إليك بل كيف ترى نفسك، وللأسف الكثيرون لا يرون بأنهم أفضل مما يعاملون أنفسهم، ولو علموا لما حسدوا غيرهم وانكفؤوا على ذواتهم.
-****************** منقول****************