فكانت زينب تفخر على أزواج النبي صلى الله عليه وسلم تقول زوجكن أهليكن وزوّجني الله تعالى من فوق سبع سموات « ([1]) .
وقال ابن مسعود رضى الله عنه » العرش فوق الماء والله فوق العرش لا يخفى عليه شيء من أعمالكم « ([2]) .
ويقول الإمام البخاري في » صحيحه« » كتاب التوحيد، باب وكان عرشه على الماء ، وهو ربُّ العرش العظيم « : قال أبو عالية : استوى إلى السماء : ارتفع . وقال مجاهد ، استوى : علا على العرش .
ويقول إمام أهل السنة أحمد بن حنبل رحمه الله :
» ولا نرضى أن يقول : كلام الله ويسكت حتى نقول : إنه غير مخلوق « ([3]) .
و» حبس هشام بن عبد الملك رجلا في التجهم فتاب فجيء به إلى هشام ليمتحنه فقال : الحمد لله على التوبة أتشهد أن الله على عرشه بائن من خلقه قال : أشهد أن الله على عرشه ولا أدري ما بائن من خلقه فقال : ردوه إلى الحبس فإنه لم يتب « ([4]) .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية
في » الفتوى الحموية « (ص 23) : روى أبو بكر البيهقي في
» الأسماء والصفات « بإسناد صحيح عن الأوزاعي قال :
كنّا – والتابعون متوافرون – نقول : إنّ الله - تعالى ذكره – فوق عرشه ، ونؤمن بما وردت به السنّة من الصفات « .
% وقال رحمه الله أيضا (ص 64 ) :
» فما يمكن أحداً قط أن ينقل عن واحد من السلف
ما يدل – لا نصاّ ولا ظاهراً – أنهم كانوا يعتقدون أنّ الله ليس فوق العرش ، ولا أن الله ليس له سمع وبصر ويدّ حقيقية ، وقد رأيت هذا
( [1] ) » صحيح البخاري « ( 7420)
( [2] ) صححه الذهبي وابن القيم والألباني كما في » مختصر العلو« ( ص 103)
( [3] ) » الإبانة عن شريعة الفرقة الناجية « ( الكتاب الثالث ) ( 1/ 314)
( [4] ) » ذم الكلام وأهله « لشيخ الإسلام أبي إسماعيل الأنصاري (4/ 338)
المعنى ينتحله بعض من يحكيه عن السلف ويقولون: إن طريقة أهل التأويل هي في الحقيقة طريقة السلف ، بمعنى أن الفريقين اتفقوا على أن هذه الآيات والأحاديث لم تدل على صفات الله سبحانه وتعالى ، ولكن السلف سكتوا عن تأويلها ، والمتأخرون رأوا المصلحة في تأويلها لمسيس الحاجة إلى ذلك ، ويقولون: الفرق أن هؤلاء يعينون المراد بالتأويل ، وأولئك لا يعينون لجواز أن يراد غيره ، وهذا القول على الإطلاق كذب صريح على السلف ، أمّا في كثير من الصفات فقطعاً ، مثل أن الله تعالى فوق العرش ، فإن من تأمل كلام السلف المنقول عنهم الذي لم يحك هنا عشره علم بالاضطرار أن القوم كانوا مصرحين بأن الله فوق العرش حقيقة ، وأنهم ما اعتقدوا خلاف هذا قط ، وكثير منهم صرّح في كثير من الصفات بمثل ذلك .
والله يعلم أني بعد البحث التام ومطالعة ما أمكن من كلام السلف ما رأيت كلام أحد منهم يدل – لا نصاً ولا ظاهراً ولا بالقرائن – على نفي الصفات الخبرية في نفس الأمر، بل الذي رأيته أن كثيراً من كلامهم يدل – إمّا نصّاً وإمّا ظاهراً – على تقرير جنس هذه الصفات ، ولا أنقل عن كل واحد منهم إثبات كل صفة ، بل الذي رأيته أنهم يثبتون جنسها في الجملة ، وما رأيت أحداً منهم نفاها ، وإنما ينفون التشبيه وينكرون على المشبهة الذين يشبهون الله بخلقه ، مع إنكارهم على من ينفي الصفات أيضاً ، كقول نعيم بن حماد الخزاعي شيخ البخاري : من شبه الله بخلقه فقد كفر ، ومن جحد ما وصف الله به نفسه فقد كفر ، وليس ما وصف الله به نفسه ولا رسوله تشبيهاً « .
ما هو التشبيه في مفهوم السلف
اعلم – رعاك الله – أن التشبيه عند السلف هو أن يُقال: يد كيد ، وسمع كسمع .
وأما من رمى من يثبت الصفات الواردة في الكتاب والسنة الصحيحة بالتشبيه ، فهو جهمي معطل .
قال الإمام الحافظ الترمذي رحمه الله تعالى في » سننه« تحت » باب ما جاء في فضل الصدقة « من أبواب الزكاة :
» وقد قال غيرُ واحد من أهل العلم في هذا الحديث وما يشبه هذا من الروايات من الصفات ونزول الرّب تبـارك وتعالى كلَّ ليلةِ إلى السماء الدنيا ، قالوا : قد تثبتُ الروايات في هذا ويُؤمًنُ بها ولا يُتَوَهمُ ولا يُقال كيف .
هكذا روي عن مالك بن أنس وسفيان بن عيينه وعبدالله بن المبارك أنهم قالوا في هذه الأحاديث: أمرّوها بلا(كيف) ، وهكذا قول أهل العلم من أهل السنّة والجماعة.
وأمّا الجهمية فأنكرت هذه الروايات وقالوا هذا تشبيه.
وقد ذكر الله تعالى في غير موضع من كتابه اليدَ والسمعً والبصرَ فتأوّلت الجهمية هذه الآيات وفسّروها على غير ما فسّر أهل العلم وقالوا إنّ الله لم يخلق آدم بيده ، وقالوا إنّما معنى اليد القوّة .
وقال إسحق بن إبراهيم : إنّما يكون التشبيه إذا قال يدٌ كيدٍ أو مثل يدٍ أو سمع كسمع أو مثل سمع ، فإذا قال سمع كسمع أو مثل سمع فهذا تشبيه .
وأمّا إذا قال كما قال الله يدٌ وسمعٌ وبصرٌ ولا يقول كيف ولا يقول مثل سمع ولا كسمع فهذا لا يكون تشبيهاً وهو كما قال الله تبارك وتعالى في كتابه ]ليس كمثله شيء وهو السميع البصير[([1]) .
% وقال عبد الرحمن بن أبي حاتم سمعت أبي يقول: » علامة الجهمية تسميتهم أهل السنة مشبهة « ([2]) .
% وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في » الفتوى الحموية« (ص 64 ) :
( [1] ) » سنن الترمذي « ( أبواب الزكاة /باب ما جاء في فضل الصدقة )
( [2] ) » شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة « (2 / 588)