منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب - عرض مشاركة واحدة - الخلاصة المفيدة في إثبات معاني صفات الله الحميدة وإبطال طريقة التفويض
عرض مشاركة واحدة
قديم 2008-12-07, 10:45   رقم المشاركة : 5
معلومات العضو
ليتيم الشافعي
مشرف سابق
 
الصورة الرمزية ليتيم الشافعي
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

ما هو التأويل الذي لا يعلمه إلا الله
وهل نصوص الصفات من المتشابهات ؟


قال العلامة ابن عثيمين ـ رحمه الله ـ :
» والشبهة التي احتج بها أهل التجهيل هي وقف أكثر السلف على ( إلا الله) من قوله تعالى : (فأمّا الذين في قلوبهم زيغ فيتّبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم يقولون آمنا به كلّ من عند ربّنا )[ آل عمران : 7 ] .
وقد بنوا شبهتهم عل مقدمتين :
الأولى : أن آيات الصفات من المتشابه .
الثانية : أن التأويل المذكور في الآية : هو صرف اللفظ عن ظاهره إلى المعنى الذي يخالف الظاهر فتكون النتيجة أن لآيات الصفات معنى يخالف ظاهرها لا يعلمه إلا الله .

والرد عليهم من وجوه :
الأول : أن نسألهم ماذا يريدون بالتشابه الذي أطلقوه على آيات الصفات أيريدون اشتباه المعنى وخفاءه أم يريدون اشتباه الحقيقة وخفاءها ؟
فإن أرادوا المعنى الأول – وهو مرادهم – فليست آيات الصفات منه ؛ لأنها ظاهرة المعنى ، وإن أرادوا المعنى الثاني فآيات الصفات منه ؛ لأنه لا يعلم حقيقتها وكيفيتها إلاّ الله تعالى . وبهذا عرف أنه لا يصحّ إطلاق التشابه على آيات الصفات بل لا بدّ من التفصيل السابق.

الثاني : إن قولهم :إن التأويل المذكور في الآية هو صرف اللفظ عن ظاهره إلى المعنى الذي يُخالف الظاهر غير صحيح ، فإن هذا المعنى
للتأويل اصطلاح حادث لم يعرفه العرب والصحابة الذين نزل القرآن بلغتهم وإنما المعروف عندهم أن التأويل يراد به معنيان :
إمّا التفسير ويكون التأويل على هذا معلوماً لأولي العلم كما قال ابن عباس رضي الله عنهما : أنا من الراسخين في العلم الذين يعلمون تأويله وعليه يحمل وقف كثير من السلف على قوله تعالى : ]والراسخون في العلم[ من الآية السابقة.
وإمّا حقيقة الشيء ومآله وعلى هذا يكون تأويل ما أخبر الله به عن نفسه وعن اليوم الآخر غير معلوم لنا ؛ لأن ذلك هو الحقيقة والكيفية التي هو عليها وهو مجهول لنا كما قاله مالك وغيره في الاستواء وغيره وعليه يحمل وقف جمهور السلف على قوله تعالى: (وما يعلم تأويله إلاّ الله )من الآية السابقة « ([1]) .

الاشتراك في المعنى الكلي


» ما من شيئين إلا وبينهما قدر مشترك يشتركان فيه ، وقدر مختص يتميز به كل واحد عن الآخر فيشبهان من وجه ويفترقان من وجه .
فالحياة ( مثلا ) وصف مشترك بين الخالق والمخلوق قال الله تعالى: (وتوكّل على الحيّ الذي لا يموت ) [ الفرقان:58] ، وقال : (يُخرج الحيّ من الميّت ويُخرج الميّت من الحيّ ) [الروم:19] ، لكن حياة الخالق تختصّ به فهي حياة كاملة من جميع الوجوه لم تسبق بعدم ولا يلحقها فناء ، بخلاف حياة المخلوق فإنها حياة ناقصة مسبوقة بعدم متلوّة بفناء ، قال الله تعالى (كل من عليها فان ، ويبقى وجه ربّك ذو الجلال
والإكرام ) [ الرحمن: 26-27] .
فالقدر المشترك ( وهو مطلق الحياة ) كلي لا يختص بأحدهما دون الآخر ، لكن ما يختص به كل واحد ويتميز به لم يقع فيه اشتراك

( [1] ) » فتح رب البرية بتلخيص الحموية « (103)
وحينئذٍ لا محذور من الاشتراك في هذا المعنى الكلي ، وإنمّا المحذور أن يجعل أحدهما مشاركاً للآخر فيما يختص به .
ثم إنّ إرادة ذلك – أعني نفي مطلق التشابه – تستلزم التعطيل المحض ، لأنه إذا نفى عن الله تعالى صفة الوجود ( مثلا ) بحجة أن للمخلوق صفة وجود فإثباتها للخالق يستلزم التشبيه على هذا التقدير ، لزم على نفيه أن يكون الخالق معدوماً، ثم يلزمه على هذا اللازم الفاسد أن يقع في تشبيه آخر وهو تشبيه الخالق بالمعدوم لاشتراكهما في صفة العدم فيلزمه على قاعدته – تشبيهه بالمعدوم – فإن نفى عنه الوجود والعدم ، وقع في تشبيه ثالث أشد وهو تشبيهه بالممتنعات ؛ لأن الوجود والعدم نقيضان يمتنع انتفاؤهما كما يمتنع اجتماعهما « ([1]).

ومن خلال هذا البيان يتبين لنا معنى كاف التشبيه في مثل قوله r:
» لا يتوضأ أحدكم فيُحسن وضوءه فيسبغه، ثم يأتي المسجد لا يُريد إلا الصلاة فيه ، إلا تبَشبش الله إليه ، كما يتبشبشُ أهلُ الغائب بطلعته « ([2]) .

وصيغة التفضيل في مثل قوله r» »اللَّهُ أَفْرَحُ بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ مِنْ أَحَدِكُمْ سَقَطَ عَلَى بَعِيرِهِ وَقَدْ أَضَلَّهُ فِي أَرْضِ فَلاةٍ «
متفق عليه ، واللفظ للبخاري .
فيكون الاشتراك في المعنى الكلي دون المعنى المختص.

ومن ذلك تتجلى لنا فائدة بسط النبي rأصابعه وقبضها، حين قال :
» يأخذ الله عزّ وجلّ سمواته وأرضيه بيديه فيقول : أنا الله أنا الملك « رواه مسلم .

( [1] ) » تقريب التدمرية« (98-99)

( [2] ) رواه ابن خزيمة وصححه المحدث الألباني في» صحيح الترغيب والترهيب« (رقم 298)