منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب - عرض مشاركة واحدة - العروبة في شعر أحمد سحنون الجزائري ـ فتحي بودفلة .
عرض مشاركة واحدة
قديم 2011-05-26, 23:59   رقم المشاركة : 6
معلومات العضو
~~ أغيلاس ~~
عضو متألق
 
الصورة الرمزية ~~ أغيلاس ~~
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

الفصل الخامس : مظاهر العروبة في شعر أحمد سحنون

(فتحي بودفلة)
أوّلا : معجم العروبة في شعر أحمد سحنون[1] :
المقصود ها هنا إحصاء جميع الألفاظ والتراكيب التي عنى بها الشاعر مفهوم العروبة أو شيئا منها
من خلال استقراء ديوانه والتنقيب في قصائده ...وها هي بعض نتائج هذا الاستقراء والإحصاء:
1) لم يستعمل الشاعر اصطلاح (العروبة) إلاّ في مواضع محدودة أحصينا منها أربعة: عنوان قصيدة (وفد العروبة)[2] نظمها بمناسبة زيارة وفد المعلمين العرب وإقامة حفل استقبال الدكتورة بنت الشاطئ بوزارة الأوقاف الجزائرية , وفي ذات القصيدة يقول الشاعر :
وفد العروبة جاء يحمل للجزائر بلسما
أهلاً بإخواننا الكرام الذائدين عن الحمى
هذا القطاع من العروبة كاد يتلفه الظما
جفّت منابعه وغاض رواؤه وتجهّما
أهلا بعائشة التي قدر البيان بها سما...
كما ذكرها في قصيدة (مات ابن باديس) حيث جاء فيها :
مات ابن باديس سيف العرب واحربا
من للعروبة بعد السيف بالغلب؟[3]
2) مادة (ع ر ب) من غير لفظة العروبة وردت فيما يقارب عشرة مواضع
موضعين بلفظ العرب في قصيدة (ماذا جنى قطب؟) [4]ثلاثة مواضع في قصيدة (مات ابن باديس)[5] بلفظ أمة العرب وسيف العرب ولفظ العرب مطلق عن أيّ وصف وموضعين في قصيدة (عظمة محمد )[6] بلفظ وحدّ العرب وجيش العرب وباقي المواضع متفرقة على قصائد شتّى...
3) أكثر ما تناول الشاعر مفهوم العروبة تناوله بلفظ (الضّاد) فقد ورد في أكثر من عشرين موضعا[7]... بعضها بلفظ الضّاد مطلق من أيّ وصف أو قيد كقوله يمدح الشيخ البشري الإبراهيمي في قصيدة (جمعية العلماء أدّت رسالتها)[8]
إن حاق بالدين سوء فهو ذائده
أو حلّ بالضاد شرّ فهو فاديها...
قد رفّ كالروض حسنا والربيع سنا
يمثل الضاد ماضيها آتيها...
فيا بني الضاد يا شعب الجزائر يا
جند الرسول ارجعوا للضاد ماضيها
وقد تأتي مقيدة بإضافتها إلى اللغة أو الأمة أو الشباب أو الفتى والشاعر واللغة … ونحو ذلك كقوله :
لغة الضاد التي ما برحت
لغة الإعجاز سميت بكساد[9]
أو كقوله:
لا تقل شمس بني الضادّ اختفت
وطوت أيامهم سود عواد
لا تضق ذرعا ولا تهلك أسى
أمة الضاد ستحظى بالمراد[10]
4) وقد أكثر من تناول موضوع العروبة من جهة اللغة واللسان ولكن بغير مادة (ع,ر,ب) ولا بلفظ الضّاد وإنما بمرادفات شتّى وأوصاف عدّة لعلّ من أهمّها : لغة الأحرار , لغة السؤدد , اللغة الكريمة , لسان السادة الأخيار , لغة المليار , لغة الصفر على اليسار, الفصحى ...[11]
5) كما تناولها من جهة التاريخ مستعملا ألفاظا مثل التاريخ نفسه والماضي والسجل الخالد الآثار ونحوها ...[12]
6) واستعمل ألفاظا تدلّ على أمة العروبة كلّها كقوله الأمة العزيمة[13] أو على بعض الأمة كفلسطين [14] والقدس[15] وموطن أقدام الأنبياء وموطن نسل الوحي[16]ومصر وعمان وسوريا[17] وتونس[18]
ولنحاول الآن قراءة هذا المعجم بشيء من التأمّل والتمعّن ...وليكن أوّل سؤال نطرحه وأوّل مطلب نبحثه :
لماذا عبّر عن العروبة أكثر ما عبّر بلفظ الضّاد دون سواه ؟
ولفظ الضّاد مجاز مرسل عن اللغة العربية فقد أطلق الجزء وأراد به الكلّ واختير من أجزائها الضاد دون سواه من الحروف قيل لأنّ العربية انفردت به من دون سائر اللغات[19] وقيل لأنّه لا يلفظه صحيحا مكتملا إلاّ الفصيح الذي أحسن النطق العربي...وقيل غير ذلك...ولكن المهم أن اللسان العربي صار في عرف العام والخاص يصطلح عليه بالضّاد أو بلغة الضاد.
يمكننا أن نرجع هذه الظاهرة ـ بشيء من الجرأة والمجازفة ـ إلى شخصية الشاعر , فهي لصيقة باللغة ومتعلقة باللسان العربي أكثر من تعلقها بالتاريخ والجغرافية , وكلّ إناء بما فيه ينضب ... لهذا السبب نظر الشاعر إلى العروبة من زاوية لسانها ولغتها التي كان مفتتنا بفصاحتها المعجزة ومشتغلاً بالبحث في أسرارها وأغوارها ...ولم يلتفت أو قل لم يهتمّ كثيرا بالعروبة من جهة الأرض أو السياسة أو التاريخ ...
العامل الثاني غير البعيد عمّا تقدم انتسابه للحركة الإصلاحية التي تزعمتها جمعية علماء المسلمين والتي ترى أنّ العنصر الأساسي والمهم في تحديد الهوية العربية هو اللسان يقول الإمام ابن باديس عليه رحمة الله الواسعة : "...تكاد لا تخلص أمة من الأمم لعرق واحد , وتكاد لا تكون أمة من الأمم لا تتكلم بلسان واحد , فليس الذي يكوّن الأمة ويربط أجزاءها ويُوجد شعورها ويوجهها إلى غايتها هو هبوطها من سلالة واحدة . وإنما الذي يفعل ذلك هو تكلّمها بلسان واحد ولو وضعت أخوين شقيقين يتكلم كلّ واحد منهما بلسان وشاهدت ما بينهما من اختلاف نظر وتباين قصد وتباعد تفكير , ثمّ وضعت شاميا وجزائريا ـ مثلا ـ ينطقان باللسان العربي ورأيت ما بينهما من اتّحاد وتقارب في ذلك كلّه , لو فعلت هذا لأدركت بالمشاهدة الفرق العظيم بين الدم واللغة في توحيد الأمم ." [20]
لكن هذا فيما يخص دلالة الضاد على اللغة العربية ولكن لماذا اختار الضاد دون سواه من المفردات والمعاني كالتصريح بالعربية مثلا أو استعمال لفظة الفصحى أو شيئاً من هذا القبيل لماذا الضاد دون سواه ؟
لعلّ سبب ذلك ـ فيما نحسب ونزعم ـ هو شاعرية الشيخ أحمد سحنون التي من شأنها أن تدفعه للبحث عن الصور الشعرية والفنية البديعة التي تفتح مخيّلة قارئه وتجعله يتفاعل مع قصائده وأدبه... وكذلك تحدّي الشاعر الذي يجعله يبحث دائما عن الشيء الجديد الغريب الطريف الخارج عن معتاد الناس ومعهودهم ... وتسمية الضاد فيها كثير من الشاعرية فهي تصوّر هذا الحرف في حلّةٍ من الفخامة والجلال والعظمة تناسب استعلاءه , استعلاء فوق استعلاء غيره بما فيه من الاستطالة والإطباق ... وتصوّره بكثير من جود العربي وكرمه وعطاء البدوي وبذله فهو أوسع الحروف مخرجا وأكثرها صوتا وأطولها زمانا ...فكأني به شيخا كبيرا جليلا محترما... يمثل العرب أحسن تمثيل اجتمعت فيه الفصاحة والمهابة والمروءة والكرم ...
ثمّ ما الأفضل للقارئ والشاعر على حدٍّ سواء أيصرّح بالعروبة والعربية والعرب أم يكني بالضّاد؟ طبعا الأبدع والأنفع والأمتع تسمية الضّاد ... كما هو ظاهر بيّنٌ فإنّها أغرب وأطرف وأمتع وأعذب...
المطلب الثاني: ألا يمكن تقييد هذه المصطلحات وتوزيع هذه الألفاظ وفق معلم زماني مرحلي؟
نعم إنّ المتتبع للمراحل الثلاث التي مرّ بها الشاعر ؛ الإصلاحية والثورية والدعوية يلاحظ أنّ كلّ مرحلة من هذه المراحل قد غلب عليها اصطلاح خاص وألفاظ بعينها دون غيرها...
مرحلة الحركة الإصلاحية : أطنب فيها الشاعر من ذكر اصطلاح (الضّاد) أكثر من غيرها من المراحل فانظر مثلا قصائد (إلى المعلم ) (إلى التلميذ) (على الشاعر) (جمعية العلماء) (روح باديس) (الذكرى الثالثة لوفاة ابن باديس) ...
نعم لم تخل هذه المرحلة من ذكر اصطلاحات وألفاظ أخرى غير (الضّاد) كالعرب في قصيدة (مات ابن باديس) والفصحى في قصيدة (عبد الحميد بن باديس) ولكنّها بالمقارنة إلى اصطلاح الضّاد قليلة جدّاً
في مرحلة الدعوة : أصبح التصريح بالعرب والعروبة وغيرها من المصطلحات المتقدمة أوضح وأكثر فانظر مثلا إلى قصائد مثل (فلسطين) (من وحي المأساة) (فلسطين إنّا أجبنا النداء) (وضيعتا للغة الأحرار) (وفد العروبة) (ماذا جنى قطب)
نعم ـ كذلك ـ لم تخل هذه المرحلة من استعمال اصطلاح ولفظ الضّاد في قصيدة (يا أميرا على القلوب) التي قالها يوم نقل رفاة أمير الجزائر ومؤسس وباني صرح دولتها عبد القادر بن محي الدين الجزائري عليه رحمة الله الواسعة ...وقصيدة (وفد العروبة) و(الذكرى الثانية لوفاة الإبراهيمي) ولكنّها إذا قورنت بشعره الأوّل فهي لا تكاد تذكر[21] ...
ويكاد شعره أثناء الثورة يخلو من ذكر العروبة لقلّة أصل الشعر أوّلاً ولأنّه غلب عليه الجانب الوجداني الشخصي والجانب الوطني الثوري وانظر إلى بعض إنتاجه وقصائده خلال هذه المرحلة من نحو (إلى ولدي رجاء) (العصفورة) (المبعد) (بلادي) (البطل)...
ثمّ لنعد الآن ولنحاول قراءة هذه الظاهرة ونبحث في أسبابها وما عساه مخفي وراءها ...
إنّ مرحلة الاحتلال وفترة اشتغال الشاعر بالحركة الإصلاحية كانت تستدعي ردّا على المستعمر الذي يحاول بكلّ ما أوتي من قوة طمس معالم الشخصية الجزائرية بكلّ ما تحمله من مقومات (الدين , اللغة , التاريخ , الوطن ...) والحديث عن كلّ عنصر من عناصر هذه الشخصية كان من شأنه أن يردّ هذه المحاولة ويصدّها ويثير في أفراد هذا الشعب هذا الشعور المتوهّج بتميّز شخصيته في مقابل الشخصية التي يريد المستعمر أن يلصقها به , فكلمة (الضّاد) لوحدها كانت كافية للدلالة على كلّ عناصر هذه الشخصية من دين ولسان وأرض وتاريخ وجنس أو أجناس حتّى ...ولم يكن يومها في حسّ الشاعر والقارئ على حدٍّ سواء تضارب أو تعارض بين مكونات الأمة وثوابتها ...وَوَقَعَ اختيار الشاعر على لفظة (الضّاد) دون غيرها من الألفاظ الأخرى للأسباب المتقدمة ذكرها...ثمّ لماذا عدل في مرحلة الدعوة عن اصطلاح الضاد البليغ والبديع إلى ألفاظ أخرى مباشرة وصريحة كالفظ العرب والعروبة والعربية رغم كونها أقلّ شاعرية من اصطلاح الضّاد ؟
لعلّ ذلك يعود إلى التيارات الفكرية القومية التي قويت وانتشرت في عقدي الستينات والسبعينات من القرن الماضي ...هذه التيارات التي تبنت العروبة تبنيا مخالفا لتبني الشاعر ...تبنيا فيه كثير من التهجّم على باقي عناصر ومعالم الشخصية الجزائرية (الإسلام , اللغة , الأرض , التاريخ , الأجناس ...) فهو تبنٍ وضعه أصحابه لمجابهة الإسلام وحربه والتحرر من تعاليمه وحدوده أكثر من زعمهم جمع الأمة والنهوض بها وتمييزها عن باقي الأمم ...لهذا السبب لجأ الشاعر في هذه الفترة إلى الاصطلاحات المباشرة الظاهرة فهو يذكر مادة (ع.ر.ب) مقرونة بما يحدّد معناها , اللغة , الأرض , الجنس... ولا يقصد بها كلّ مكونات الشخصية الجزائرية كما كان من قبل... ولم يكتف بالتفريق بين هذه العناصر كما فعل بين العرق والدين مطلقا في قصيدة (سلمان منا أهل البيت) أو بين العروبة والإسلام تحديدا كما فعل في قصيدتي (فلسطين) و(ماذا جنى قطب) بل وصل الأمر إلى رفض العروبة وردّها إذا خالفت تعاليم العقيدة والدين كما في قصيدة (من وحي المأساة) ...بل وأصبح يستعمل عناصر أخرى يشيد بها ويفخر وهي مخالفة لعروبة العرق واللغة ...كقوله في قصيدة (العامل الجزائري)
أنا ابن الجزائر من له مثل أبائِيّه
أنا ابن الأمازيغ لن أذلَّ لأعدائيّه[22]
فالخلاصة أنّ الضاد في زمن مقاومة الاحتلال كان يعني في حسِّ الجزائريين شخصية الأمّة كلّها لا عنصرا منها بينما هو اليوم في زمن الاستقلال يدلّ على عنصر اللغة دون سواه ... وكذلك الشأن بالنسبة للإسلام والوطنية والعروبة والتاريخ وغير ذلك من ثوابت الأمة وعناصر شخصيتها كانت متداخلة – مشتركة المعاني- لأنّها تطلق جميعا في مقابل شيء واحد هو شخصية المستعمر... بينما هي اليوم متميزة بل يصل بها الأمر في حسِّ بعض المستغربين والمولدين ثقافيا وفكريا إلى حدّ التعارض والتناقض ...فاختار الشيخ أبدع لفظ وأشعره ليعبر عن شخصية الأمة في عهد الاحتلال ومجال الاختيار أمامه كان واسعا ...بينما اختار في زمن الاستقلال الألفاظ المباشرة والمحدّدة ليقع التمييز فهو إنّما يريد الحديث عن عنصر واحد من عناصر شخصية الأمة لا كلّها ... والله أعلم بالحقّ والصواب .
ثانيا : مواضيع العروبة في شعر أحمد سحنون :
1. الإشادة والتنويه بلغة الضّاد
لأنّ أصل العروبة عنده هي اللسان العربي - لكنّه لم ينل قدسيته عظمته إلاّ بتبني القرآن والإسلام لهذا اللسان – فقد توسع في التغني به والإشادة بالعربية في مواضيع عدّة وجوانب شتّى ...
فهو أحيانا يصف حالها بين أهلها الذين نعتوها بالكساد وبالرجعية وعدم القدرة على مواكبة العصر والتطوّر ...فيذود عنها ويدافع عليها بقوّة واستماتة حيث يقول في قصيدة (إلى التلميذ):
لغة الضاد التي ما برحت لغة الإعجاز سميت بكساد[23]
فإعجاز القرآن أكبر دليل على قوة وأصالة هذه اللغة إذ لم يستطع أن يتمثل في غيرها
وهو أكبر دليل على صلاحها للحاضر والمستقبل وقدرتها على مواكبة كلّ متغيّرٍ لأنّ القرآن محفوظ وباق والعربية به محفوظة وباقية ...
وفي قصيدته (إلى المعلم) يدعو المعلم المربي إلى العمل على فكّ أسر لغة الضاد ورفع غبنها بتربية نشئ يذود عنها ويتولى مهمّة إحيائها حيث يقول :
هات من نشئ الحمى خير عتاد وادّخر لغدٍ جند جهاد
هات نشئاً صالحا يبني العلا ويفكّ الضاد من أسر الأعادي[24]
والأعادي في عرف الشاعر وجمعية العلماء ـ هكذا بالجمع ـ هم الاستعمار أوّلا والجهل ثانيا جهل الأمية المتفشية بسبب تجهيل فرنسا للشعب الجزائري وكذا الجهل المركّب لبعض أبناء هذا الوطن الجريح بسبب تبعيتهم لفرنسا وتبنيهم لثقافتها وارتدائهم لباس حضارتها والذين نسبوا للعربية العجز والكساد والرجعية والتخلّف والفساد...
وكما استحثّ المعلم والتلميذ على نجدة لغة الضّاد فعل الشيء نفسه مع الشعراء وأهل الأدب فقد كتب لشاعر الجزائر محمد العيد آل خليفة يحثّه على العودة لقرض الشعر ونسجه بعد أن توقف مدّة عن الكتابة حيث يقول في قصيدته (إلى الشاعر)
شاعر الضاد والحمى ما دهاك فحرمت النهى ثمار نُهاكا
أيطيب السكوت والضاد في شدّةِ أسر لم تلق منه فكاكا[25]
ولا يكتفي الشاعر بحثّ خاصة الأمة على الهبّ لنجدة الضاد بل يوجّه نداءه للشعب كلّه حيث يقول :
فيا بني الضاد يا شعب الجزائر يا جند الرسول ارجعوا للضاد ماضيها[26]

2. الإشادة والتنويه بجنس العرب
وإن كان التنويه المطلق ها هنا كثيرا ما يكون فيه تداخلٌ كبيرٌ مع الإشادة بأمة الإسلام فهو حين يمجّد العرب إنّما يمجّدهم ملتزمين عقيدتهم عاملين بتعاليم دينهم فإن هم تجردوا منها وتركوا العمل بها صاروا محلّ استهجان الشاعر واستقباحه وذمه لا إشادته
يقول مادحا الجيوش العربية انطلاقا من انتمائهم العرقي وتاريخهم الحافل بالبطولات والأمجاد :
نحمد الله نحن أزكى وأحمد نحن أغلى الورى تراثا وأخلد
نحن نسل الهدى ونشء المعالي نحن جند الإله جند محمد
نحن أحفاد خالد والمثنى من له مثل ما لنا من سؤدد[27]
ويقول في حقّ من انتسب للعرب على حساب العقيدة والدين :
فيا أيّها المسلمون اذكروا عقيدتكم في أزكى نسب
وإن ذكر الناس أنسابهم وباهوا بما عندهم من حسب
فقولوا لهم : إننا مسلمون ولا تجهلوا فتقولوا : عرب
3. الاهتمام بالبلاد العربية
فقد تناول في شعره بلدانا عربية شتى ومدنا إسلامية عدّة
فوصف الحرمين بأبهى الأوصاف وأحسنها وتألم لفلسطين وشكر مصر لما شاركت وساعدت في تحرّر ونهضة الجزائر وذمّها لما قتلت دعاة الإسلام وتحدث عن تونس وعن المغرب وعن سوريا والأردن... وكلّ ذلك إنما هو مظهر من مظاهر العروبة خاصة وأنّه في أكثر هذه القصائد يصرّح بهذا الرابط ويشيد به
فمن بين أهمّ القصائد التي احتفل فيها الشاعر بالبلدان العربية وخصّها بالذكر فيها ما يلي:
(هنا ولد الإسلام)[28] (يا لها أمنية أحيت مواتي)[29] القصيدتين في التغني بالحرمين الشريفين نظمهما بمناسبة حجّه للبقاع المقدسة , (يا شباب النيل)[30] (وفد العروبة)[31] القصيدتين نظمهما في أهل مصر والثانية بمناسبة زيارة وفد المعلمين العرب وإقامة حفلة للدكتورة عائشة بنت الشاطئ بوزارة الأوقاف , (المغرب العربي)[32] ....والقصائد من هذا النوع كثيرة جدّاً
4. الاهتمام بعلماء العرب وأعلامهم
فمن مظاهر هذه العروبة أنّ اهتماماته برجال الدعوة والإصلاح لم ينصبّ على أبناء قطره وبلده فقط بل بل عمّ رجالات الوطن العربي كلّه ... فقد نظم قصيدة في منتهى الروعة يرثي فيها سيد قطب عنونها بـ : (ما ذا جنى قطب؟) قال في مطلعها :
المّ بنا من فاجع الهمّ ما جلا وحلّ بنا من فادح الظلم ما حلا
وأصبح مرمى للأذى كلّ مؤمن وذلّ من الأحرار من لم يكن ذلا[33]
وممّا جاء فيها
أتشنق مصر خير أبنائها حجىً وتقوىً وأخلاقاً فما أفضع القتلا
أتخنق مصر مجدها وتدوسه لقد عدمت مصر الكياسة والعقلا
وماذا جنى قطب لتزهق روحه ويشنق أين العدل؟ قد شنقوا العدلا
وما ذنب قطب غير إيقاظ قومه ونشر تعاليم الحنيفية المثلا
لئن كان هذا ذنب قطب وصحبه فما أبخس العليا وما أفضع الفضلا
إلى أن يقول :
ولم لا يثور العرب ضدّ طغاتهم إذا كان صمت الحرّ يغري به الندلا
كفاكم سكوتا فلتهبوا لتنقدوا كرامتكم إن كنتم للعلا أهلا
وجودوا ببذل الروح من أجل دينكم وفي نصرة الإسلام فلترخصوا البذلا
ومن ذلك رثاؤه للعالم والزعيم المصلح محي الدين القليبي التونسي في قصيدة (مات محي الدين)[34]
يقول في مطلعها :
أيّ وجه أطفأ الموت سناه أيّ طود عاصف الدهر طواه
أيّ كنز من فخار وعلا وكمالات ترى القبر حواه
إلى أن يقول :
مات محي الدين ما أشأمه ناعيا جدد للقلب اساه
مات لكن لم يمت من عمره كلّه في طاعة الله قضاه
ومن ذلك رثاؤه للمنصف باي تونس في قصيدة بعنوان (أتونس خطبك خطب الشمال)[35] جاء في أوّلها :
لقد عصفت الموت بالمنصف فما أنت يا موت بالمنصف
أتعصف بالذائدين الحماة وبالمستبدين لا تعصف[36]
وممّا جاء فيها كذلك :
أتونس خطبك خطب الشمال فلوذي بصبرك لا تأسفي
وجرح الجزائر لم يشفه تأس إذا كلّ جرح شفي
أتونس ترعاك عين الإله إذا غاب عنك الصديق الوفي
سينتقم الله ممّن بغى وما الله للوعد بالمخلف
فحديثه عن أمثال هؤلاء الأعلام من أدباء ومفكرين وزعماء الأمة العربية مظهر من المظاهر التي تتجلّى فيها عروبة الشاعر خاصة وأنه كثيرا ما كان يشير في مثل هذه القصائد إلى هذه الوشيجة ... ففي القصيدة التي خصّ بها سيد قطب استعمل الشاعر في خطابه لفظة العرب مرتين يحثهم على رفض هذا الصنيع واستهجانه وعلى الثورة على الظلم والاستبداد والعودة للالتزام بتعاليم الإسلام ...وكذلك صنع في قصيدة المنصف باي تونس حيث اعتبر موته مأساة مغربية تأثّرت لها دول شمال إفريقيا كلّها ...
5. الاشتغال بقضايا الأمة العربية
لا نقصد ها هنا مجرد ذكر هذه البلدان كما تقدم معنا في العنصر الثالث بل اهتمام الشاعر واشتغاله بقضايا مخصوصة من قضايا الأمة العربية ...فإذا كانت الجزائر بآلامها وآمالها قد شغلت الحيّز الأكبر من شعره فإنّ ذلك لم يمنعه من الاشتغال بقضايا الأمة العربية والاهتمام بها والمشاركة فيها بأدبه وقصائده ...
ولعلّ أكثر القضايا العربية تواجدا وتداولا في قصائد الشيخ أحمد سحنون القضية الفلسطينية فقد خصّها بأكثر من قصيدة منها (فلسطين)[37] والتي جاء في مطلعها:
أموطئي أقدام النبيين والرسل وموطن نسل الوحي بورك من نسل
فداك العدا لا تقبلي قسمة العدا وللموت سيري لا تببتي على دخل
ولا تحفلي بالناس إن جار حكمهم عليك فإنّ الله يحكم بالعدل
فالشاعر يتفاعل مع قضية فلسطين بأحاسيسه ووجدانه وبفكره وأرائه معاً... يبدأ القصيدة بداية شاعرية يتغنى فيها بموطن الوحي ومهد النبيّين ثمّ يدلي برأيه وموقفه من أحداث القضية ومستجداتها فهو لا يرضى بالتقسيم الدولي لفلسطين ويطالب أبناء فلسطين برفضه وردّه وأنّ الموت أهون وأحبّ من الرضا بقسمة الذلّ والخنوع ...ثمّ يهوّن الأمر ويخفّف عن الشعب الفلسطيني ضغط ما يسمى بالمجتمع الدولي بأن لا يحتفل بحكمهم ولو اجتمع الناس كلهم عليه إن كان هذا الحكم ظالما جائرا وأن الحكم الحقيقي الحكم العادل والدائم هو حكم الله عزّ وجلّ والذي سيظهر ولا بدّ عاجلا أم آجلا بانتصار فلسطين واستردادها ...وقد مضى الشاعر على هذا النحو في قصائده التي خصّ بها فلسطين يسلي أهلها حينا ويشحذ هممهم حينا آخر يحثُّ العرب على نصرتهم على القتال على البذل على العودة إلى دينهم سبيلِ النصر وسببِه...
ففي قصيدة (نحن نسل الهدى[38]) والتي خصّها للقضية الفلسطينية يقول :
يارفاقا في القدس لا تحزنوا أن جلّ خطب بمن قضى واستشهد
وفيها يقول أيضا :
نحن أحفاد خالد والمثنى من له مثل ما لنا من سؤدد
سوف نقضي على اليهود وأشياع اليهود ومن أعانا وأيّد
وفي قصيدة (فلسطين)
ويا أغنياء المسلمين تسابقوا إلى البذل والإيثار ذي ساعة البذل
ويا شعراء الضاد حثوا شعوبكم بشعر يداويها من الجبن والبخل
فما الشعر إلاّ ثورة غير أنّها تصول بلا كف وتسعى بلا رجل
ومن القضايا التي خصّها الشاعر ببعض قصائده قضية الحروب العربية الصهيونية فقد تفاعل معها مثله مثل جلّ المسلمين والعرب الذين رأوا فيها أملا تجدّد وحلما بازغا يوشك أن يتحقق
ففي قصيدة (فلسطين) يقول :
لقد جدَّ جدُّ العرب فاقتحموا الوغى ولا تدفعوا جدّ الحوادث بالهزل
ويا شعراء الضاد حثوا شعوبكم بشعر يداويها من الجبن والبخل
فما الشعر إلاّ ثورة غير أنّها (تصول بلا كفّ وتسعى بلا رجل)
ويا أيّها الجيش الذي رجّ ذكره قلوب العدى باكر فلسطين كالوبل
سترجع منشور اللواء مظفّرا ويرجع أعداء النبيين بالثكل
وفي قصيدة (فلسطين إنّا أجبنا النداء)[39]
فلسطين إنا أجبنا النداء وإنا مددنا إليك اليدا
وجئناك يا موطن الأنبيا ء لنسحق كل جموع العدا
إلى القدس نطرد منه اليهود إلى مصر ندفع عنها العدا
إلى سوريا كي نفك الحصار عن أرضها ونجيب الندا
لعمان إذ صمدت للعدا وحق لعمان أن تصمدا
هلمّ نستأصل الظالمين ومن حالف الظلم أو أيدا
ونمحوا من الأرض حكم الطغاة وما وطد الظلم أو شيدا

ومن قضايا العروبة التي هزّت كيان الشاعر وأثّرت فيه قضية الصراع العربي العربي والقتال بين الدول العربية التي يجمعها الدين الحنيف والجنس العريق واللغة الخالدة والأرض الغنية المعطاء والتاريخ المجيد والحاضر المؤلم التعيس والمستقبل بكل آماله وأحلامه ... فالشاعر يستغرب كيف يجمع بين شعبين كلّ هذه المقومات والعناصر ويربط بينهم كلّ هذه الوشائج والأواصر ثمّ يراهم يتصارعون ويتقاتلون ويتباغضون كالأعداء الألدّاء وخير مثال على ذلك الصراع الفلسطيني الأردني والفلسطيني اللبناني ... حيث يقول عليه رحمة الله في قصيدة (من وحي المأساة)[40]
جهلنا فلم نتبع ما وجب ولم نشكر الله فيما وهب
فحلّ بنا من ضروب الشقا ء كلّ بلاء وكلّ عطب
وكنّا نضيق بظلم اليهود فصرنا نضيق بظلم العرب
وما عجبا أن شكونا العدو ولكن شكوى الصديق العجب
أفي رجب وهو شهر حرام دماء تراق وحرب تشبّ
وليس لها غيرنا من وقود فنحن اللهيب ونحن الحطب
ظاهر في هذه الأبيات ألم الشاعر ووجعه وتأثره العميق من هذا الصراع بين الإخوة العرب الذي يصفه بضروب الشقاء وبكلّ البلاء والعطب ... وهو يستغرب ويستعجب كيف يحدث هذا الفعل الشنيع ؟ كيف يقاتل المسلمون أنفسهم ويحرقون ذواتهم بأيديهم فهم في نار الفتنة هذه اللهيبُ وهم الحطب ؟ ...كيف يحصل هذا في بلاد الإسلام وفي أشهر الله الحرام وهي رمز للأمان وعلامة للسلام ... والشاعر يردُّ ذلك كلّه للجهل والبعد عن أحكام الإسلام وعدم استشعار حقيقة وفضل وقيمة النعم وشكرها كما يردّه للعصبية العرقية المقيتة ويبيّن أن سبيل النجاة من هذه الفتن هي العودة إلى الدين عملا وانتسابا حيث يقول في آخر القصيدة :
فيا أيّها المسلمون اذكروا عقيدتكم في أزكى نسب
وإن ذكر الناس أنسابهم وباهوا بما عندهم من حسب
فقولوا لهم : إننا مسلمون ولا تجهلوا فتقولوا عرب
وفي هذه الخاتمة إشارة لطيفة إلى الوحدة العربية التي يرى الشاعر أنّ أساسها إنّما هو العقيدة والإسلام فالأنساب المذمومة ها هنا والتي ينصح الشاعر العرب بأن لا يلتفتوا إليها ولا يعوّلوا عليها ليست أنساب قيس وربيعة وتميم فهذه قد بادت ولم يعد الفخر بها مجديا ولا التعصّب لها موجودا وكائنا وإنّما قصده الانتسابات القطرية المحدودة والقومية المجزوءة فهذا أردني وذاك سوري والآخر فلسطيني على حساب عموم العروبة والإسلام ...
6. حديثه عن تاريخ العروبة
وبحديثه عن التاريخ يمجّد صنع العرب وحضارتهم وفضلهم على الأمم ففي قصيدة (أين الصدّاح)[41]
أين يا صدّاح ما كان لنا من رخاء وصفاء وهــــناء
أين ولّى ذلك العهد الذي قد جمعنا فيه أشتات المنى
أين دنيانا التي عشنا بـها كطيور الروض حبا وغــنا
أين ما كان لنا من سؤدد عز فيه كل مظلوم بــنا
أين عز كان أخفاق لــلوا أين مجد كان وضاء الســنا
أين ذلك العهد أين اختفى أين غابت كلها تلك الـدنا
سوف يغدو نجمنا مؤتلفا سوف تغدوا هذه الدنيا لنـا
وفي قصيدة (ذكرى الثورة) [42] يقول:
يحق لنا أن نباهي الأمــــم ونرفع هامتنا في شمم
لو آنا مضينا على نـــهجنا نؤم الشعوب ونهدي الأمم
ونبني حضارتنا فذة محصنة بجميل الشيـم
ولم ننحرف عن هوى ديننا ولم نتخذ من هوانا صنم
فأعظم بها نعمة فارعها فأهون شيء زوال النعم
وبالشكر لله فلتحمها تدم ، أن من يحم شيأ يــدم
وفي قصيدة (ذكريات المجد)[43] والتي نظمها بمناسبة المولد النبوي يقول
ذكريات المجد في الماضي المجيد مغرباتي كل يوم بنشيد
من له ماض كماضي العرب فـــي صفحات المجد والصـيت البعيد
كانت الدنّيا ظلاما مطبقا طافحا بالشر والظلم المـبيد
وإذا الكون تغشاه الســنا مشرق الأنوار من ثغر وليد
وإذا ابن البيد والقفـر له في مواريث العلا أقوى رصــيد
وإذ إبن العرب طه قد اتـى منقدا صرعى الهوى أسرى الجمود
وإذا ابن البيد والفقر لـه في مواريث العلا أقوى رصيد
يا ليوم أصبح العرب به بابن عبد الله في عز وطيد
وفيها يقول :
هل رأى التاريخ في أبطاله مسعرا في الحرب مثل (ابن الوليد)؟
أم راى مثل (ابن عرف) أو رأى (كابن عفّان ) أ خا فضل وجود؟
هل أرى مثل (ابى بكر) إذا ضلت الآراء ، ذا رأي سديد؟
أو أرى مثل (علي) مثلا للتقى والعلم والبأس الشديد
هل أرى مثل (صلاح الدين) في ساسة العلم او مثل (الرشيد)
إننا أحفاد أبطال الورى إننا أبطال تاريخ مجيدا


7. التداول المعنوي بين العروبة والوطنية والإسلام
...........لأنّه في حسّه لا تناقض بين هذه الاصطلاحات في فترة الاستعمار على الأقلّ ...لأنّ الفرق بدأ يتشخّص فيما بعد خاصة بعد مقتل سيّد قطب ووفاة البشير الإبراهيمي عليهما رحمة الله الواسعة ...فحديثه عن الإسلام وما أكثره إنّما هو حديث عن العروبة كذلك وحديثه عن الوطنية وعن القومية وعن الجزائر وعن التاريخ واللغة وعن كلّ مقومات الأمة هو حديث عن العروبة كذلك

ثالثا : العروبة في شعر أحمد سحنون بين مرحلتي الاحتلال والاستقلال
ü العروبة في مرحلة الاحتلال سواء فترة الحركة الإصلاحية أو الثورة التحريرية كانت كثيرا ما تطلق في شعر الشيخ أحمد سحنون ويقصد بها شخصية الأمة وثوابتها ...فقد يعني بها الإسلام أو الوطنية أو اللسان أو ذلك كلّه , فهو حين يخاطب المعلم بقوله
هات نشأ صالحا يبني العلا ويفكّ الضّاد من أسر الأعادي[44]
فالمأسور هنا هو الشعب الجزائري نفسه بتاريخه المغيّب وبدينه المعطّل ولسانه المبعد وأرضه المغتصبة ...فكأنّه قال يفكّ الشعب من أسر الأعادي ويفكّ هوّيته وشخصيته وثوابته التي تتعرّض للمسخ والفرنسة والتغريب...
وحين يخاطب بني أمته في قصيدة (جمعية المسلمين أدّت رسالتها) بقوله :
فيا بني الضّاد يا شعب الجزائر يا جند الرسول ارجعوا للضّاد ماضيها[45]
فقد جعل الوطنية المتمثلة في (شعب الجزائر) والإسلامية المتمثلة في (جند الرسول) أبدالا من العروبة التي أشار إليها (ببني الضاد) فسيّان عنده قوله : يا عرب أو يا مسلمون أو يا جزائريون... لأنّ المقصود المعيّن ها هنا واحد , والماضي المطلوب من الأمة إحياؤه هو التراث التاريخي المشترك بين هذه المرجعيات الثلاث
ü أما بعد الاستقلال فيمكننا ملاحظة شيئاً من التغيّر في طريقة تعامل الشاعر مع (العروبة) فلم يعد يتغنى بها مطلقا ـ في الغالب الأعمّ ـ دون تحديد لمعناها , وبيان دقيق لمفهومها ومراده منها ... ولعلّ سبب ذلك راجع إلى أنّ مفهوم العروبة قد بدأ يأخذ اتّجاهين اثنين متناقضين ومتعاكسين ... اتّجاه بقي محافظا على أصول العروبة الأولى التي دعا إليها أمير البيان شكيب أرسلان والتي هذّبها إمام الدعوة والإصلاح في الجزائر الإمام الشيخ عبد الحميد ابن باديس[46] والمستمدّة عناصرها أساسا من الدين واللسان قبل الجنس والأرض...
واتّجاه آخر يرى في العروبة قِوامة كقوامة الدين , وأنّها قسيمةٌ للإسلام ومستقلّةٌ عنه... وقد قاد هذا الاتجاه أحزاب قومية ويسارية كاناصريين والبعثيين وغيرهم ...فكان لا بدّ على الشاعر من إضافة البيان الذي من شأنه أن يصنّف عروبته في أيّ الاتجاهين هي؟...
ففي قصيدة (ماذا جنى قطب)[47] فرّق الشاعر بين العروبة والإسلام على خلاف عادته وعهده قبل الاستقلال أين كان كثيرا ما يطلق أحد المصطلحين ويريد به الآخر ...فأصبح يدعو العرب إلى الإسلام ..إلى العودة إلى تعاليمه والالتزام بأحكامه يقول مخاطبا الأمة العربية :
...وجودوا ببذل الروح من أجل دينكم وفي نصرة الإسلام فلترخصوا البذلا
ولا تنصبوا للحكم إلاّ أخا هدى يغار على الدين الحنيفي أن يبلا
ولا تقبلوا للرأي حكما فإنّه حليف هوى قد خالف الله والرسْلا
وهل يحكم المخلوق والله حاكم بنص كتاب لم يزل يتلى
وما الكفر إلاّ الحكم بالرأي والهوى ومن ها هنا قد ضيّع العرب السؤلا
بل ويدعو على غير عادته بعض العرب للثورة والانتفاضة على بعض ويفرّق بين عرب ابتعدوا عن الإسلام وعرب التزموا به ... يفرق بين عرب دعاة للهداية وعرب دعاة للضلال والغواية حيث يقول في نفس القصيدة :
ولم لا يثور العرب ضدّ طغاتهم إذا كان صمت الحرّ يغرى به النذلا...
وعودوا إلى ما كنتم من جهادكم سينصر حزب المؤمنين وإن قلا [قلاّ]
وذودوا عن الأحكام من جار أو طغى وردوا إلى الإسلام من ضلّ أو زلا

المتغيّر الثاني في علاقة الشاعر بالعروبة ـ في مرحلة الاستقلال ـ أنّه عليه رحمة الله تناولها في بعض قصائده بمفهومها السلبي المنافي لروح الإسلام وتعاليمه ... فانتقدها وبيّن عوارها وفضح مثالبها ومعايبها
ومن شواهد ذلك كلّه قوله في قصيدة (من وحي المأساة)
فيا أيّها المسلمون اذكروا عقيدتكم في أزكى نسب
وإن ذكر الناس أنسابهم وباهوا بما عندهم من حسب
فقولوا لهم : إننا مسلمون ولا تجهلوا فتقولوا عرب[48]
فالانتساب هنا للعقيدة والإسلام ... وهو أزكى نسب وأرفعه, ومهما تفاخر الناس بأجناسهم وتباهوا بأنسابهم وأحسابهم فالشاعر يأمر المسلمين بأن ينسبوا أنفسهم للإسلام لا غير ولعقيدة التوحيد دون سواهما...وأن لا يعودوا إلى الجاهلية الأولى جاهلية داحس والغبراء جاهلية يوم بعاث جاهلية العرب القائمة على العصبية القبلية ...والعودة إلى هذه الجاهلية إنّما يكون بالحمية المنتنة حمية الانتساب إلى العرب دون الإسلام
فانظر هنا كيف انتقد العروبة ونهى عن الانتساب للعرب لكن أيّ عروبة أهي العروبة التي جابه بها الشعب الجزائري فرنسا وتصدّوا بها لمحاولة مسخه وتغريبه ...اللهمّ لا !...
أهي العروبة التي دعا إليها أمير البيان شكيب أرسلان القائمة أصلا على اللسان والدين ...اللهمّ لا !...
إنّما هي الحمية المفرّقة والجاهلية المشتّتة ...التي يستغلّها الصليبي والصهيوني والمنصّر والمستشرق والمستعمر ... في ضرب الإسلام والمسلمين
وغير بعيد عن هذا المعنى ما جاء في قصيدة (سلمان منّا أهل البيت) حيث بيّن فيها أنّ الشرف والفضل إنّما يكون للروح والدين لا للجنس والنسب وأنّ التقوى قد تبلغ بصاحبها من الشرف أكرمه وأسماه حيث يقول فيها :
أعظم شيء به تهنا قول الرسول سلمان منا
سلمان من صفوة كرام عاش لدين الإسلام ركنا
موطنه فارس ولكن بموطن الروح كان يعنى...[49]
(فتحي بودفلة)

[1] هو معجم تقريبي لبقاء بعض القصائد القليلة خارجة عن الاستقراء فالوقت المخصص للبحث والذي لا يتجاوز عشرين يوما والاطّلاع على الديوان الذي لم يزد على سويعات خلال يومين فقط لم يسمح لنا بالاستقراء الكلي الشامل على أن نرجع له إن شاء الله بعد تقديم البحث وعرضه لنكمل ونجبر ما فيه من نقص آمين .......

[2] شعراء الجزائر , ديوان أحمد سحنون , الشركة الوطنية للنشر والتوزيع الجزائر 1977م ص182

[3] المصدر نفسه ص 239

[4] المصدر نفسه ص261 ـ 262

[5] المصدر نفسه ص239 ـ 24

[6] المصدر نفسه ص 237 ـ 238

[7] انظر الصفحات التالية في المصدر السابق : 12 ـ 14 ـ 19 ـ 18 ـ 25 ـ 26 ـ 27 ـ 129 ـ 183 ـ 247 ـ 248 ـ 241 ـ 238 ......

[8] المصدر نفسه ص 25 ـ 26

[9] المصدر نفسه ص 14 من قصيدة (إلى التلميذ)

[10] المصدر نفسه ص12 من قصيدة (إلى المعلم)

[11] المصدر نفسه انظر الصفحات التالية : 254 ـ 244 ـ 142 ...

[12] انظر على سبيل المثال لا الحصر في المصدر نفسه ص: 142 ـ 26 ـ 27 ـ ...

[13] المصدر نفسه 142

[14] المصدر نفسه 118 ـ 132 ...

[15] المصدر نفسه ص 132 ـ 133 ـ 134 ...

[16] المصدر نفسه ص 128

[17] المصدر نفسه ص132

[18] المصدر نفسه ص263 وانظر ص264 ـ 265 ...

[19] وهو ادّعاء لم يسلم به كثير من المحققين وقالوا أنّ لغات سامية كثيرة غير العربية حوت على صوت الضاد منها الآكادية والأوغارتية

[20] قاله سنة 1936 نقلا عن د. صالح خرفي , في رحاب المغرب العربي , دار الغرب الإسلامي بيروت 1985م من محاضرة عبد الحميد بن باديس والعروبة ص127

[21] مع العلم أنّ موضوع هذه القصائد رجالات من عهده الأول رجالات من عهد الاحتلال والمقاومة (الأمير عبد القادر والبشير الإبراهيمي) فكأنّ مناسبة القصيدة عادت بالشاعر إلى عهده الأوّل فاسترجع ألفاظها وعباراتها وتراكيبها وقصيدة وفد العروبة قالها في وفد معلمي العربية وفي الترحيب ببنت الشاطئ التي كان الشاعر يعتبرها من أساطين اللغة العربية فلعل هذا هو السبب الذي جعله يذكر فيها لفظة الضّاد والله أعلم ...

[22] النصوص الأدبية , اختيار شرح وتعليق محمد الصالح رمضان , توفيق محمد شاهين , دار الكتاب الجزائري 1384هـ 1964م ج1\ص111

[23] المصدر نفسه الصفحة 14

[24] المصدر نفسه ص 12

[25] المرجع نفسه ص18 ـ 19

[26] المرجع السابق ص26 من قصيدة (جمعية العلماء أدّت رسالتها) 25 ـ 26

[27] من قصيدة (نحن نسل الهدى) الديوان ص 134

[28] المرجع نفسه 231

[29] المرجع نفسه 234

[30] المرجع نفسه 187

[31] المرجع نفسه 182

[32] المرجع نفسه 117

[33] المرجع نفسه ص261 -262

[34] المرجع نفسه ص 265

[35] المرجع السابق ص 263 – 264

[36] لعل هذه من انسيابات أقلام الأدباء وعثراتهم أو لعلّه قصد بالبيت الدعاء لا مناقشة الموت والقدر...خاصة وأنّ الشيخ معروف بصبره والتزامه بتعاليم الإسلام ... وأنّه في القصيدة أشار إلى الصبر والرضا بقضاء الله ... عليه رحمة الله الواسعة

[37] الديوان ص128

[38] الديوان 134

[39] الديوان 132

[40] الديوان 130 – 131

[41] الديوان 158

[42] الديوان 109 - 110

[43] الديوان 200

[44] الديوان ص 12 قصيدة (إلى المعلم)

[45] الديوان ص 27 قصيدة (جمعية المسلمين أدّت رسالتها)

[46] دعوة شكيب أرسلان في منتصف القرن العشرين للعروبة والوحدة العربية كانت قائمة على الوحدة السياسية وحدة تنطلق من الدين والتاريخ واللسان بهدف التطوّر والتقدم والالتحاق بركب الغرب المتقدم وفي تعليق أو بيان الإمام عبد الحميد بن باديس فرّق بين الوحدة المعنوية الروحية القائمة أصلاً وبين الوحدة السياسية التي لا ينبغي التفكير فيها قبل تحرير الأوطان أوّلا ثمّ تحرير الإنسان ثانيا ... راجع إن شئت محاضرة عبد الحميد بن باديس والعروبة من كتاب الأستاذ الدكتور صالح خرفي , دار الغرب الإسلامي ص123

[47] الديوان ص 261 ـ 262

[48] المصدر السابق ص 131

[49] المرجع السابق ص 296









آخر تعديل طاهر القلب 2011-06-05 في 22:27.
رد مع اقتباس