منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب - عرض مشاركة واحدة - الأشاعرة وموقف أهل السنة منهم
عرض مشاركة واحدة
قديم 2008-12-05, 23:07   رقم المشاركة : 12
معلومات العضو
محمد ناصر الدين
عضو جديد
 
إحصائية العضو










افتراضي

التفويض والتأويل

التفويض: مأخوذ من قولهم فوض إليه الأمر. أي ردّه إليه.
والمعنى الشرعي لا يخرج عن المعنى اللغوي، فهو شرعاً: ردُّ العلم بهذه المتشابهات إلى الله تعالى وعدم الخوض في معناها وذلك بعد تنزيه الله تعالى عن ظواهرها غير المرادة للشارع.
والتأويل: أصله من الأَوْلِ وهو الرجوع.
وهو شرعاً: صرف اللفظ عن الظاهر بقرينة تقتضي ذلك.
وهذان المذهبان كما أسلفنا هما المذهبان المعتبران المأثوران عن أهل السنة والجماعة في أبواب المتشابه، ولا اعتبار لمن جنح إلى التعطيل أو التشبيه من المذاهب الأخرى التي رفضتها الأمة ولفظتها.

·انحصار الحق في التفويض والتأويل:
هذه النصوص المتشابهة في الصفات إما أن تُثبت أو تُنفى، ونفيها تعطيل ظاهر، لأنه نفيٌ لما أثبت الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم، والإثبات إما أن يكون معه حمل الكلام على ظاهره وحقيقته التي يعهدها البشر، أو يصرف الكلام معه عن هذا الظاهر وهذه الحقيقة، والأول نعني حملَ الكلام على الظاهر والحقيقة يفضي قطعاً إلى التشبيه، لأن حقائق وظواهرهذه الألفاظ أجسام وكيفيات مخلوقة، والله تعالى منزه عنها.
ولا يقال: نحملها على الظاهر ونفوض العلم بالكيفية إلى الله تعالى.
لأن هذا القول تناقض صريح أوقعت فيه الغفلة، إذ ليس من ظاهر ولا حقيـقة هنـا إلا الجسم، وهذا لا يصح قطعاً وصف الله تعالى به.
بقي القسم الأخير الذي هو صرف الكلام عن الحقيقة والظاهر، ثم بعد صرفه عن الظاهر إما أن يُتوقفَ عن التماس معنى له ويوكلَ العلمُ به إلى الله تعالى، وهذا هو التفويض الذي عليه جماهير السلف الصالح، أو يلتمسَ له معنى لائقٌ بالله تعالى حسب مناحي الكلام عند العرب وما تسيغه لغتهم، وهذا هو التأويل الذي عليه خلف الأمة وجماعات من سلفها الصالح.
بهذين المذهبين تنحصر القسمة الصحيحة في هذه القضية.
لهذا نرى العلماء ينصّون عندما يعرض لهم شيء من هذه المتشابهات على أنه (إما تفويض وإما تأويل) إذ ليس بعدهما إلا التشبيه أو التعطيل.
قال الإمام الأبّي رحمه الله تعالى (شرح صحيح مسلم للأبي 7 / 190) أثناء شرحه لحديث " إن الله يمسك السموات على أصبع ":
(والحديث من أحاديث الصفات فيصرف الكلام عن ظاهره المحال الموهم للجارحة، ويكون فيه المذهبان المتقدمان، إما الإمساك عن التأويل والإيمان به على ما يليق، ويصرف علمه إلى الله تعالى، أو يتأول) اهـ.
وقال الإمام العلامة بدر الدين بن جماعة (إيضاح الدليل ص/103):
(واتفق السلف وأهل التأويل على أن ما لا يليق من ذلك بجلال الرب تعالى غير مراد... واختلفوا في تعيين ما يليق بجلاله من المعاني المحتملة... فسكت السلف عنه، وأوله المتأولون) اهـ.
وقال الإمام ابن الجوزي- رحمه الله تعالى - في حديث النزول (دفع شبه التشبيه 194):
(روى حديث النزول عشرون صحابياً، وقد تقدم أنه يستحيل على الله عز وجل الحركة والنقلة والتغير، فيبقى الناس رجلين: أحدهما، المتأول بمعنى أنه يقرب برحمته... والثاني، الساكت عن الكلام في ذلك مع اعتقاد التنزيه) اهـ.
وقال الإمام النووي - رحمه الله تعالى - في شرحه على صحيح مسلم (5 / 24) أثناء الكلام على حديث الجارية، ما نصه:
(هذا الحديث من أحاديث الصفات، وفيها مذهبان، أحدهما، الإيمان به من غير خوض في معناه مع اعتقاد أن الله تعالى ليس كمثله شيء، وتنزيهه عن سمات المخلوقات، والثاني، تأويله بما يليق)’اهـ.
وقـال أيضـاً أثنـاء الكلام على حديث إمساك السماوات على أصبع والأرضين على أصبع (17 / 129) ما نصه: (هذا من أحاديث الصفات، وقد سبق فيها المذهبان، التأويل والإمساك عنه مع الإيمان بها ومع اعتقاد أن الظاهر منها غير مراد) اهـ.
ونقل الحافظ ابن حجر قول ابن دقيق العيد مؤيداً له وموافقاً عليه في حديث " لا شخص أغير من الله " (الفتح 13 / 411): (قال ابن دقيق العيد: المنزهون لله إما ساكت عن التأويل، وإما مؤول) اهـ.
وعلى الجملة فإن أقوال العلماء في حصر الحق في هذين المذهبين لا تحصى كثرة، وبما نقلناه من نصوصهم مقنع.