منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب - عرض مشاركة واحدة - الأشاعرة وموقف أهل السنة منهم
عرض مشاركة واحدة
قديم 2008-12-05, 22:56   رقم المشاركة : 10
معلومات العضو
محمد ناصر الدين
عضو جديد
 
إحصائية العضو










افتراضي

الخلاف في العقيدة
هل كل خلاف في العقيدة سواء كان في الأصول أو في الفروع يترتب عليه الكفر أو الضلالة، والبدعة والفسق؟
وهل وقع بين الصحابة وعلماء السلف الطيب خلاف في العقائد؟
وهل وقع بينهم رضي الله عنهم على إثر ذلك الخلاف تضليل لبعضهم أو تفسيق؟
عند الإجابة على هذه الأسئلة يتضح خطأ الذين يجازفون بتضليل الأشاعرة والماتريدية وعلماء الأمة وأعلامها وكل من خالفهم بغير علم ولا روية.
وكان الأجدر بهم - وحال الأمة من التفكك والتشرذم يدمى له قلب كل غيور - أن يُحمل الخلاف إذا وجد على محامل حسنة تتفق مع صدر ديننا الرحب، ويُلتمس العذر قدر المستطاع كي لا يزيدوا في فرقة الأمة وتشتتها، ويعينوا عليها أعداءها، كالتي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثاً.
ولبيان قضية الخلاف في العقيدة نقول:
إن العقيدة تنقسم إلى أصول وفروع، والأصول تنقسم كذلك إلى أصول الدين وأصول مذهب أهل السنة والجماعة، أما أصول الدين، مثل: وجود الله تعالى ووحدانيته وبقاؤه وقدمه، وحدوث العالم، وهو كل ما سوى الله تعالى من الموجودات، وصدق الرسل والأنبياء، ونحو ذلك من القضايا، فحكم المخالف فيها الخروج من الملة بلا خلاف لكونها أعمدة الدين وأسسه التي ينبني عليها، ومثال المخالفين فيها أصحاب الديانات والنحل الأخرى كاليهودية والنصرانية والمجوسية والبوذية..إلخ
نقل الإمام النووي - رحمه الله تعالى - عن الإمام المتولي قوله (روضة الطالبين 10 / 64):
(من اعتقد قدم العالم أو حدوث الصانع أو نفى ما هو ثابت للقديم بالإجماع، ككونه عالماً قادراً، أو أثبت ما هو منفي عنه بالإجماع، كالألوان، أو أثبت له الاتصال والانفصال، كان كافراً، وكذا من جحد جواز بعثة الرسل، أو أنكر نبوة نبي من الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم، أو كذبه، أو جحد آية من القرآن مجمعاً عليها، أو زاد في القرآن كلمة واعتقد أنها منه، أو سبَّ نبياً أو استخف به، أو استحل محرماً بالإجماع، كالخمر والزنى واللواط، أو حرم حلالاً بالإجماع، أو نفى وجوب مجمع على وجوبه، كركعة من الصلوات الخمس، أو اعتقد وجوب ما ليس بواجب بالإجماع، كصلاة سادسة وصوم شوال، أو نسب عائشة رضي الله عنها إلى الفاحشة، أو ادعى النبوة بعد نبينا ، أو صدق مدّعياً لها، أو عظم صنماً بالسجود له، أو تقرب إليه بالذبح باسمه فكل هذا كفر) اهـ.
وهنا قضية هامة وخطرة لابد من التعريج عليها قبل الانتقال إلى الخلاف في أصول أهل السنة والجماعة بشيء من البسط حسب ما يقتضيه المقام، وهي قول الإمام المتولي (أو أثبت له الاتصال أو الانفصال) فجعل إثبات الاتصال والانفصال لله تعالى من الأمور المكفرة ووافقه على ذلك الإمام النووي، وسيأتي معنا أقوال العلماء التي تنزه الله تعالى عن الاتصال والانفصال والمكان والحيز والجهة وكل ما لا يليق به من صفات المخلوقين.
والاتصال والانفصال هو الدخول والخروج الذي ينزه أهل السنة الله تعالى عن الاتصاف بأحدهما.
هذه القضية من الأهمية والخطورة بمكان، ولولا عدم الفهم لها فهماً صحيحاً من قبل هؤلاء الذين ينكرون على الأشاعرة لأجلها ما أدرجناها هنا لدقتها، بيد أننا سنحاول أن لا ندخل في تفاصيلها وسنكتفي بالبيان الإجمالي وبنقل أقوال العلماء المحذرة من وصف الله تعالى بأي شيء من ذلك، ومن أراد الاستزادة والتفصيل فليراجع المسألة في مظانها من كتب العقائد.
كثيرا ما نقرأ أو نسمع من البعض التصريح بوصف الله تعالى بأنه (بائن من خلقه بذاته!!) وهذا القول هو ما حذر العلماء منه، لأن البينونة بالذات هي الانفصال الذي حكم العلماء بحرمة وصف الله تعالى به كما مر من قول المتولي وإقرار النووي رحمهما الله، وكما سيأتي من نصوص غيرهما من العلماء، فهذا القول - وهو قولهم بائن بذاته – فضلا عن كونه قولاً ممتنعاً عقلاً فهو أيضاً قولٌ مبتدع لم يرد في كتاب ولا سنة ولا على لسان أحد من الصحابة أو التابعين.
وإليك أقوال العلماء في إنكار لفظة (بذاته):
قال الحافظ الذهبي أثناء ترجمة ابن الزاغوني (سير أعلام النبلاء19/607):
(قد ذكرنا أن لفظة بذاته لا حاجة إليها، وهي تشغب النفوس، وتركها أولى، والله أعـلــم) اهـ.
وقال الحافظ ابن حجر العسقلاني عند شرحه لحديث "إن أحدكم إذا قام في صلاته فإنه يناجي ربه أو إن ربه بينه وبين القبلة..." الحديث، قالوفيه - أي الحديث - الرد على من زعم أنه على العرش بذاته) اهـ.
وقال الحافظ الذهبي في كتاب(العلو / ص263)بعد أن نقل قول يحيى بن عمار: (بل نقول هو بذاته على العرش وعلمه محيط بكل شيء) قال الذهبي (قولك "بذاته"من كيسك) اهـ.
وقال أيضاً في ترجمة الحافظ أبي القاسم إسماعيل بن محمد التيمي (سير أعلام النبلاء 20/86):
(قلت: الصواب الكف عن إطلاق ذلك،إذ لم يأت فيه نص، ولو فرضنا أن المعنى صحيح فليس لنا أن نتفوه بشيء لم يأذن به الله خوفاً من أن يدخل القلب شيء من البدعة. اللهم احفظ علينا إيماننا) اهـ.
وافتراض الذهبي لصحة المعنى محمول على ما ذكره صاحب الترجمة من المعاني الصحيحة للفظة (بذاته) لا على المعنى الظاهر المتبادرإلى الذهن منها.
وقال الإمام بدر الدين بن جماعة رحمه الله تعالى في كتابه (إيضاح الدليل ص/107):
(فمن جعل الاستواء في حقه تعالى ما يفهم من صفات المحدثين وقال: استـوى بذاته، أو قال: استوى حقيقة فقد ابتدع بهذه الزيادة التي لم تثبت في السنة ولا عن أحد من الأئمة المقتدى بهم) اهـ.
وقال الحافظ الذهبي في (العلو/ ص 256):
(وقد نقموا عليه ـ يعني ابن أبي زيد القيرواني ـ في قوله بذاته. فليته تركها) اهـ.
هذا مع اليقين بأن الإمام ابن أبي زيد القيرواني لم يُرِدْ بهذه اللفظة - إذا صحَّت عنه([9])- المعنى الذي يريده البعض من ذكرها، كما هو بيّن وجليّ من أقوال شراح رسالته، وهو أشعري محب للإمام أبي الحسن كما هو واضح من جوابه لمن لامه في حُبِّه، قال: (ما الأشعري إلا رجل مشهور بالردِّ على أهل البدع وعلى القدرية والجهمية متمسك بالسنن) اهـ، وقد ذكره التاج السبكي ضمن الطبقة الثانية من الأشاعرة الذين فات الحافظ ابن عساكر ذكرهم في كتابه " التبيين " (تبيين كذب المفتري ص/123، طبقات الشافعية الكبرى 3/ 368، 372).
وقال الإمام ابن عبدالبر رحمه الله (الاستذكار 8 /153):
(وقد قالت فرقة منتسبة إلى السنة: إنه - تعالى - ينزل بذاته! وهذا قول مهجور، لأنه تعالى ذِكْرُه ليس بمحل للحركات ولا فيه شيء من علامات المخلوقات.) اهـ.
وقال الحافظ الذهبي رحمه الله تعالى (السير 20/331، في ترجمة كوتاه):
(وكذا قوله( وجاء ربك ) ونحوه، فنقول: جاء، وينزل، وننهى عن القول: ينزل بذاته، كما لا نقول: ينزل بعلمه، بل نسكت ولا نتفاصح على الرسول صلى الله عليه وسلم بعبارات مبتدعة، والله أعلم) اهـ.
وبهذا يتضح أن لفظة بذاته غير ثابتة عن سلف الأمة الطيب ويأباها العقل والنقل. فأي حجة أقوى من هذه الحجة ونصوص الأئمة لا تحتمل معها أي معنى آخر، ونحن إذ نثبت هذا لا نحتم على مخالفينا اتباع ما نقول، كلاَّ، وإنما حسبنا أن يكفُّوا عن إساءتهم لعلماء الأمة وأئمة الهدى الذين لا يفتأون يُجرِّحونهم ويقعون في أعراضهم!! قـال أبـو الحسيـن ابن المنـادي - رحمـه الله - كمــا نقله ابن الجـوزي مـن خطّه (دفع شبه التشبيه 192):
(ولسنا نختلف أن الجبار لا يعلوه شيء من خلقه بحال، وأنه لا يحلّ بالأشياء بنفسه، ولا يزول عنها، لأنه لو حل بها لكان منها، ولو زال عنها لنأى عنها..) اهـ.
وقول ابن المنادي (وأنه لا يحلّ بالأشياء بنفسه ولا يزول عنها) هو عين ما يعنيه العلماء بقولهم: إن الله تعالى لا يوصف بالاتصال والانفصال والدخول والخروج.
وابن المنـادي هو الإمام أحمد بن جعفر المقرئ الحافظ كما وصفه الذهبي(السير 15 / 361)قال: (قال عنه الدانيّ: مقرئ جليل غاية في الإتقان، فصيح اللسان، عالم بالآثار، نهاية في علم العربية، صاحب سنة ثقة مأمون.) اهـ.
قال العلامة ابن خلدون رحمه الله تعالى (المقدمة ص/868):
(يقع كثيراً في كلام أهل العقائد من علماء الحديث والفقه أن الله تعالى مباين لمخلوقاته، ويقع للمتكلمين أنه لا مباين ولا متصل، ويقع للفلاسفة أنه لا داخل العالم ولا خارجه... فلنبينْ تفصيل هذه المذاهب ونشرحْ حقيقة كلِّ واحد منها حتى تتضح معانيها، فنقول: إن المباينة تقال لمعنيين أحدهما: المباينة في الحيز والجهة، ويقابلها [أي المباينة بهذا المعنى] الاتصال، وتُشعِر هذه المقابلة على هذه التقيدَ بالمكان إمّا صريحاً وهو تجسيم، أو لزوماً وهو تشبيه من قبيل القول بالجهة، وقد نقل مثله عن بعض علماء السلف من التصريح بهذه المباينة، فيحتمل غير هذا المعنى، ومن أجل ذلك أنكر المتكلمون هذه المباينة، وقالوا: لا يقال في البارئ أنه مباينٌ مخلوقاتَه ولا متصل بها، لأن ذلك إنما يكون للمتحيزات، وما يقال من أن المحلَّ لا يخلو عن الاتصاف بالمعنى وضدّه [أي نقيضه] فهو مشروط بصحة الاتصاف أولاً، وأمّا مع امتناعه فلا، بل يجوز الخلوُّ عن المعنى وضدِّه كما يقال في الجماد لا عالم ولا جاهل ولا قادر ولا عاجز ولا كاتب ولا أمّي، وصحة الاتصاف بهـذه المباينـة [أي المباينة في الحيز والجهة] مشروط بالحصول في الجهة، على ما تقرر من مدلولها، والبارئ منزه عن ذلك، ذكره ابن التلمساني في شرح اللمع لإمام الحرمين، وقال: " ولا يقال في البارئ مباين للعالم ولا متصل به، ولا داخل فيه ولا خارج عنه. ".....
وأما المعنى الآخر للمباينة فهو المغايرة والمخالفة، فيقال: البارئ مباين لمخلوقاته في ذاته وهويته ووجوده وصفاته، ويقابله الاتحاد والامتزاج والاختلاط، وهذه المباينة هي مذهب أهل الحق كلهم من جمهور السلف وعلماء الشرائع والمتكلمين والمتصوفة الأقدمين كأهـل الرسالـة [أي من جاء ذكرهم في رسالة القشيري] ومن نحا منحاهم) اهـ.
وقال ابن الجوزي- رحمه الله تعالى - (دفع شبه التشبيه ص 130):
(فإن التجاور والتباين من لوازم المتحيز في المتحيزات، وقد ثبت أن الاجتماع والافتراق من لوازم المتحيز، والحق سبحانه وتعالى لا يوصف بالتحيز... وكذا ينبغي أن يقال: ليس بداخل العالم وليس بخارج منه، لأن الدخول والخروج من لوازم المتحيزات وهما كالحركة والسكون وسائر الأعراض التي تختص بالأجرام.... وكلام هؤلاء كله مبني على الحس، وقد حملهم الحس على التشبيه والتخليط) اهـ.

ولقد فرعوا على القول بأن الله تعالى بائن بذاته من خلقه ـ وهي بينونة حسية ـ وعلى إثبات الحد له سبحانه وتعالى، فرعوا على ذلك القول بالجهة لله تعالى أي أنه تعالى بجهة الفوق حساً ويشار إليه بالإشارة الحسية، ونسبوا لله تعالى المكان.