السؤال السابع:إذا كان المعنى المشترك الكلي هو أصل معنى اللفظ في لغة العرب وكان المنقول عن العرب أكثر من معنى لإطلاق اللفظ فكيف السبيل لمعرفة المعنى المشترك الكلي ؟ فمثلاً ذكر بعض أهل اللغة أن اليد هي الكف وذكر بعضهم أنها من أطراف الأصابع إلى الكف وآخرون أنها من أطراف الأصابع إلى المنكب وغيرهم أنها من أطراف الأصابع إلى الكتف ، وقد ثبت عن بعض الصحابة فمن بعدهم إطلاق اليد وإرادة من أطراف الأصابع إلى المنكب.
الجواب:
هذه التفسيرات من بعض أهل اللغة لليد راجعة إلى اختلاف المراد بها في مختلف سياقات الكلام، فتارة يراد بها هذا، وتارة يراد بها هذا، وتارة يراد بها هذا، فالسياق هو الذي يحدد المراد من هذه المعاني، وقد تحدد المراد أدلة خارجة عن السياق الذي ورد فيه لفظ اليد، ويد الإنسان يعلم بالحس أن لها أصابع وكفاً وذراعاً ومرفق وعضداً، ويعرف المراد من هذه بحسب ما يرد فيه ذكر اليد، ولايشتبه هذا على أكثر الناس، فإذا قيل فلان له يدان، شمل ذلك كل ما يدخل تحت هذا الاسم، وإذا قيل: لمسه بيده كان المتبادر أنه لمسه بكفه، وإذا قيل: قطعت يده، فالغالب أنه يراد قطع الكف، ولما أخبر سبحانه أنه خلق آدم بيديه وأنه يأخذ السماوات والأرض بيده، علمنا أن لله يدين يخلق بهما ويبسطهما ويقبضهما ويقبض ما شاء بهما، ولا نزيد على هذا إلاّ ما جاء به الدليل، كإثبات الأصابع له سبحانه وتعالى، ولا يجوز لنا أن نتخيل كيفية يده، فإن ذلك مما يستحيل الوصول إليه، ولايحيطون به علماً.
السؤال الثامن: هل يصح قول إن المعنى المشترك الكلي للصفات هو الظاهر المتبادر إلى ذهن الموحد سليم الفطرة الذي يفهم لغة العرب ؟ وما دخل التوحيد والفطرة في هذا الأمر ؟ وهل كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إذا سمعوا آيات الصفات قبل إسلامهم يتبادر إلى ذهنهم أمر مغاير لما يتبادر إليها بمجرد إسلامهم ؟
الجواب:
الحمد لله لاريب أن الصحابة ممن من الله عليهم بالإسلام وغيرهم من أهل اللسان يفهمون معاني هذه الأسماء وهذه الألفاظ، فيعقلون معنى الحياة والسمع والبصر والعلم والقدرة والغضب والاستواء والعزة والرحمة والإرادة ومعنى الوجه والعين واليد وغير ذلك مما جاء مضافاً إلى الله تعالى.
ولكن من لم يؤمن بالقرآن ويدخل في الإسلام قد يكذب بذلك كله أو بعضه، وما يقر به قد تكون له تصورات تدور في خياله ويتوهمها، فقد يتصور تكيفاً أو يتصور تمثيلاً، ومنشأ ذلك الجهل ووساوس الشيطان، كما قد يتلقى شيئاً من ذلك من أبويه فيكون مقلداً لهما، ولمن قبلهما (إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مهتدون)، وأما من من الله عليه بالإيمان بالله ورسوله، ودخل في الإسلام، فإنه يفهم معاني هذه الأسماء والألفاظ فهماً بريئاً من آثار الجاهلية، بل يفهمها على الوجه الموافق لبيان الله ورسوله، فإنه تعالى لما أخبر عن نفسه بهذه الأسماء وهذه الصفات بين أن ليس كمثله شيء وليس له ند ولا كفؤ ولاسمي، وبين تعالى أن العباد لايحيطون به علماً، فأثبت الصحابة والمؤمنون من بعدهم ما أثبته الله لنفسه كما دلت عليه نصوص الكتاب والسنة، فآمنوا بأنه تعالى ثابتة له هذه الصفات، ولكنها لاتماثل صفات المخلوقين، ولايحيطون بها علماً، فلا يعلمون حقائقها وكيفياتها، فهم يعلمون ويؤمنون بأنه تعالى حي قيوم سميع بصير عليم قدير، وأنه يتكلم ويغضب ويرضى إلى غير ذلك مما وصف الله به نفسه ووصفه به رسوله، ويفهمون معاني هذه الصفات، فالحياة ضد الموت، والسمع ضد الصمم وهو إدراك الأصوات، والبصر هو إدراك المرئيات، فيفهمون من معنى أنه سميع بصير أنه سميع لأصوات العباد، وأنه تعالى يراهم كما قال لموسى وهارون عليهما السلام: (إنني معكما أسمع وأرى)، وهم يؤمنون بأنه لا يلزم من إثبات هذه الصفات مماثلته تعالى لخلقه.
وإن كان بين أسمائه وصفاته، وأسماء بعض العباد وصفاتهم قدر مشترك، فإن توهم التشبيه بسبب ثبوت القدر المشترك هو من الباطل الذي قام عليه مذهب أهل التعطيل، حيث زعموا أن إثبات الصفات لله يستلزم التشبيه، وتفرع عن هذه الشبهة شبهات، وحصل الافتراق بين الأمة في هذا الباب، وعصم الله أهل السنة والجماعة فلزموا ما كان عليه الصدر الأول، قبل أن تحدث المحدثات، وتثار الشبهات، والله أسأل أن يهدينا إلى الحق بإذنه إنه يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم، والله أعلم.
السؤال التاسع: ما الحيلة فيمن تشوهت فطرته ، وكيف سيفهم المعنى الصحيح للصفات الخبرية؟
الجواب:
من تشوهت فطرته فالحيلة أن يدعى ويعلم ويدعى له، وإذا صحت نيته في معرفة الحق فحري أن يهديه الله، وأن يلهمه الصواب، أما إن غلب عليه التعصب للمذهب والآراء والآباء والشيوخ فالأحرى به ألا يوفق لمعرفة الحق وقبوله، قال الله تعالى: (والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين)، وقال تعالى: (أفرأيت من اتخذ إلهه هواه وأضله الله على علم وختم على سمعه وقلبه وجعل على بصره غشاوة فمن يهديه من بعد الله أفلا تذكرون)، ولا يملك هداية القلوب إلاّ الله: (إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء)، فالداعي إلى الله لا يملك إلاّ البلاغ كما هو شأن الرسل صلوات الله وسلامه عليهم: (فهل على الرسل إلاّ البلاغ المبين)، (إن عليك إلاّ البلاغ)، وقال تعالى: (وما أرسلنا من رسول إلاّ بلسان قومه ليبين لهم فيضل الله من يشاء ويهدي من يشاء وهو العزيز الحكيم).
السؤال العاشر: هل المعنى المشترك الكلي لصفة ما هو المعنى الموجود في كل من يتصف بهذه الصفة على الحقيقة؟ وهل يكفي في معرفة هذا المعنى المشترك بين موصوفين بنفس الصفة مجرد اتصاف كل منهما بها، أم لا بد من شيء زائد إذ قد يكون في صفة أحدهما من المعاني ما ليس في نفس الصفة في الآخر؟ وإن كان الجواب نعم فما هو هذا الشيء الزائد؟
الجواب:
القدر المشترك هو مسمى الاسم المطلق، أي غير المضاف، ومسمى الاسم المطلق غير موجود في الخارج، لكنه ثابت لكل من صح إطلاق هذا الاسم عليه، كمطلق الوجود فإنه ثابت لكل موجود، وهذا حكم جميع الأسماء المتواطئة، أي المتفقة في معنى هذا الاسم العام، لكن إذا أضيف الاسم المطلق دل على القدر المشترك مقيداً بما يختص به المضاف إليه، فوجود الله هو وجودٌ واجبٌ قديمٌ لايجوز عليه الحدوث ولا العدم، ووجود المخلوق وجود ممكن محدث يجوز عليه العدم، وبهذا يعلم أنه لايوجد في الخارج إلاّ ما هو معين مختص، فكل من المسميين أو الموصوفين بصفة لايشركه فيها الآخر، لكنه يشركه في مطلق هذا الاسم وهذا الوصف؛ فالعالمان كل منهما مستقل بعلمه مختص به، لكنهما مشتركان في مطلق العالِمية، أو مطلق عالِم، والمعنى المطلق للعالم أو العالمية مشترك بينهما، لكن هذا المشترك لايوجد إلاّ في الذهن، فعلم أن لا اشتراك بينهما في أمر موجود في الخارج، وقس على هذا سائر الأسماء المتواطئة، وهي الأسماء العامة سواء تفاضل المعنى في أفرادها أو تساوى، والله أعلم.
السؤال الحادي عشر: هل صواب أن يقال إن المعنى المشترك الكلي الذي نثبته لصفات الله عز وجل هو الذي يفهم من خلالــه أحكام الصفات وأفعالها التي يصح تعلقها بها ولوازمها وآثارها ؟
أو أن يقال إن المعنى المشترك الكلي هو الذي يفهم من خلال أحكام الصفة وأفعالها وآثارها ولوازمها التي أخبرنا الله عنها ويكون موجوداً في كل من يتصف بهذه الصفة ؟
إذ على الثاني فإننا قد فهمنا من إخبار النبي عليه السلام عن صفة الأصابع أن الله عز وجل يقلب قلوب العباد بين أصبعين منها، وفهمنا من حديث الحبر أن الله سبحانه يضع الأرضين على إصبع والسماوات على إصبع والجبال على إصبع ... الحديث، فمعنى التقليب موجود في أصابع الإنسان فعلمنا بخبر النبي عليه السلام أنه معنى مشترك، ومعنى وضع الأشياء على الأصابع موجود في أصابع الإنسان فعلمنا بالخبر كذلك أنه معنى مشترك.
أما على الأول فإنه لو لم يأت الشرع بأي شيء عن صفة الأصابع سوى ذكر أن لله أصابع فإننا سنفهم من خلال المعنى المشترك ـ بعد أن نعرف ما هو أولاً ـ أحكام الأصابع والأفعال التي يصح تعلقها بها ولوازمها وآثارها، فهل يمكن إن صح هذا الأول أن يقال من معاني صفة الأصابع لله أنه يصح أن يشير بها سبحانه وأن هذا معنى مشترك بينها وبين أصابع الإنسان؟
الجواب:
تقدم أن المعنى المشترك أو القدر المشترك هو مسمى الاسم المطلق، فيثبت هذا المعنى لكل ما يصدق عليه هذا الاسم، وكل ما يثبت من الأحكام للمعنى المشترك يكون ثابتاً للمسمى بهذا الاسم، فلوازم القدر المشترك تثبت لكل من ثبت له القدر المشترك، فلوازم القدر المشترك مشتركة، لأن ثبوت الملزوم يقتضي ثبوت اللازم، وأحكامها من وجوب أو جواز أو امتناع هي كذلك مشتركة، فمثلاً الإنسان اسم لكل آدمي، فالقدر المشترك ثابت لكل فرد من بني آدم، وهذا القدر يستلزم وجوباً الآدمية والحيوانية والحدوث والإمكان، وثانياً: يستلزم امتناع أن يكون ملكاً أو جنياً والفرض أنه إنسان، وامتناع أن يكون واجب الوجود، ثالثاً: ويستلزم جواز أن يكون مؤمناً أو كافراً، عالماً أو جاهلاً، قادراً أو عاجزاً، فما ذكر من هذه الأحكام من وجوب أو جواز أو امتناع هي مشتركة بين من يسمى بهذا الاسم: (الإنسان)، ويقال مثل ذلك في كل اسم يطلق على الخالق والمخلوق، وكل صفة تطلق على الخالق والمخلوق؛ كالموجود والوجود، والحي والحياة، والسميع والسمع، والبصير والبصر، والعالم والعلم، وكل ما يستلزمه الاسم المطلق أي المجرد عن الإضافة وجوباً وجوازاً وامتناعاً فإنه مشترك، فإن كان الملزوم مشتركاً كان اللازم مشتركاً، فإن ثبوت الملزوم يقتضي ثبوت اللازم ولابد، فثبوت هذه الأسماء أو هذه الصفات يستلزم نفي ضدها، فهذا اللازم مشترك فيجب نفي ضد هذه الأسماء والصفات عن كل من ثبتت له.
ومطلق العلم أو السمع أو البصر يستلزم الحياة، فكل من ثبتت له هذه الصفات ثبت له هذا اللازم، فهذا اللازم مشترك لأنه من لوازم القدر المشترك للعلم والسمع والبصر.
وعلى هذا فالأصابع جاءت مضافة إلى الله ومضافة إلى الإنسان، فالقدر المشترك أن الأصابع التي يكون بها الفعل لليد، وعلى هذا فالله تعالى يفعل بيده وبأصابعه ما شاء على ما يليق به مما أخبرنا به أو لم يخبرنا به، فمما أخبرنا به في كتابه أو لسان رسوله صلى الله عليه وسلم: خلق آدم بيديه، وأخذه السماوات والأرض بيديه، وجعله ما شاء على أصابعه، وكون القلوب بين أصبعين من أصابعه يقلبها كيف يشاء، وكل ذلك يثبت لله على ما يليق به، لايماثل صفات المخلوقين وأفعالهم.
والإنسان يفعل بيديه وبأصابعه ما يناسب قدرته وإرادته، فمطلق اليد والأصابع، والفعل باليد وبالأصابع ثابت للخالق والمخلوق، كل على ما يليق به، كما يقال ذلك في جميع الصفات التي تضاف إلى الخالق أو تضاف إلى المخلوق.
والإشارة بالأصابع تدخل في جنس الفعل فيكون جوازها من لوازم القدر المشترك، وما ثبت جوازه على الرب فإنه لايجوز إثباته أو نفيه إلاّ بدليل، وثبوت مطلق الفعل لايستلزم القدرة على كل فعل، ولهذا اختص الرب بأنه فعال لما يريد وأنه على كل شيء قدير، واختص المخلوق بقصور القدرة وقصور الإرادة فلا يقدر على كل ما يريد، ولايفعل كل ما يريد، واختص الرب بكمال القدرة وكمال الإرادة، واختص المخلوق بالنقص في القدرة والفعل والإرادة، والله أعلم.
السؤال الثاني عشر: ما الجواب المناسب إذا قال المخالف في ما ورد في ضحك ربنا سبحانه: نحن لا نعرف الضحك إلا هذا الذي نشاهده في الإنسان وهو المتبادر للفظ الضحك بإطلاق فإما أن تشبهوا الله بالإنسان وإما أن تثبتوا الضحك كصفة فقط ويقال ما نعلمه من معنى ضحك الله هو فقط أن هذا الضحك دليل على إرادة الرحمة والإحسان كما قال الأعرابي: ((لن نعدم من رب يضحك خيراً))؟
الجواب:
ما ورد في هذا السؤال هو شبهة كل من نفى حقائق الصفات الفعلية من المحبة والرضا والغضب والفرح والضحك، بل هي شبهة كل من نفى صفات الله أو شيئاً منها، وهي أنهم لايعقلون من هذه الصفات إلاّ ما يشاهدونه ويعلمونه من أنفسهم فيلزم عندهم من إثبات هذه الصفات لله تشبيهه بالمخلوق، ففروا من ذلك بنفي حقائق الصفات عن الله، ورأوا أنها لاتثبت لله إلاّ على نحو ما هي ثابتة للمخلوق فيجب نفيها، ثم وقفوا من النصوص الدالة على إثبات هذه الصفات لله أحد موقفين:
إما التفويض والتجهيل، وأنه لاسبيل إلى فهم معانيها، وإما تأويلها بصرفها عن ظواهرها.
فالجهمية والمعتزلة طردوا هذا في جميع الصفات، والأشاعرة ونحوهم فرقوا بين الصفات بلا فرقان، فلزمهم التناقض في إثباتهم ونفيهم وتأويلهم، كما أن التناقض لازم للجهمية والمعتزلة كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "كل واحد من النفاة لما أخبر به الرسول من الصفات لا ينفي شيئاً فراراً مما هو محذور إلا وقد أثبت ما يلزمه فيه نظير ما فر منه".
فيقال لصاحب هذا السؤال يلزمك أن تقول مثل هذا في سائر صفات الله الفعلية بل والذاتية ليس هذا خاصاً بالضحك والفرح، وأهل السنة -ولله الحمد- يؤمنون بكل ما أخبر الله به عن نفسه، وما أخبر به عنه رسوله صلى الله عليه وسلم، وينزهونه عن مماثلة المخلوقات، ولايكيفون صفاته بل يفوضون العلم بالكيفيات فيقولون: لايعلم كيف هو إلاّ هو.
ولايعلم كيفية صفاته إلاّ هو على حد قول الإمام مالك وغيره: الاستواء معلوم، والكيف مجهول.
وقول الإمام مالك هذا منهج يحتزى في جميع الصفات، فيقال: النزول معلوم، والكيف مجهول، والغضب معلوم، والكيف مجهول، والفرح معلوم والكيف مجهول، والضحك معلوم والكيف مجهول، ومعلوم أن الفرح ضد الحزن، والضحك ضد البكاء، كما قال تعالى: (وأنه هو أضحك وأبكى)، فالله يوصف بالفرح دون الحزن، وبالضحك دون البكاء، وفرحه تعالى وضحكه من توابع محبته وتعجبه، كما في حديث لله أشد فرحاً بتوبة عبده من أحدكم ...الحديث، وحديث يضحك الله إلى رجلين يقتل أحدهما الآخر... الحديث، فمُورِد هذا السؤال في خصوص الضحك يلزمه أن يقول بقول الأشاعرة في ما نفوه ثم فوضوا أو تأولوا ما جاء في النصوص، بل يلزمه أن يقول ما قاله في صفة الضحك بقول المعتزلة والجهمية في جميع الصفات فإن الشبهة واحدة كما تقدم، والتناقض لازم له على كل تقدير، ولا يخلصه إلاّ الإيمان بكل ما جاء عن الله ورسوله على منهج السلف الصالح والصحابة والتابعين لهم بإحسان والله أعلم.
السؤال الثالث عشر: قال ابن فارس في المقاييس الضحك دليل الانكشاف والبروز، وقد قال أبو رزين رضي الله عنه لما علم من النبي صلى الله عليه وسلم أن الله يضحك ، لن نعدم من رب يضحك خيراً، فهل يصح أن يقال إن الضحك صفة فعلية متعلقة بمشيئة الله وإرادته و أنها تدل على عَجَب الله من خلقه أو فرحه بهم وأن من آثار معرفة العبد بها أن يعلم إرادة الخير منه سبحانه لخلقه بدليل إقرار النبي عليه السلام أبا رزين على فهمه؟ وهل اعتقاد أن ضحك الرب يُرى دون اعتقاد ما يلزم من ذلك مما لم يأت به الخبر كالفم والأسنان يكون تشبيهاً؟
الجواب
يراجع فيه ما سبق؛ السؤال الثاني عشر، والسؤال الرابع.
السؤال الرابع عشر: هل أصل معنى اليد هو الكف ؟وما الظاهر المتبادر من يد الله على حسب لغة العرب شيخنا الكريم؟ وما معنى الصفات التالية: الساق، الضحك، الإصبع.
الجواب:
يرجع في جواب هذا السؤال إلى الأسئلة المتقدمة؛ الثاني عشر لمعرفة الكلام في الضحك، والأول والسابع والحادي عشر لمعرفة الكلام في الضحك واليد، وأما الساق فقد دلت السنة الصحيحة عليها كما في صحيح البخاري: "ينادي مناد ليذهب كل قوم إلى ما كانوا يعبدون"، وفيه "حتى يبقى من كان يعبد الله"... "قال: فيأتيهم الجبار"... "فيكشف عن ساقه، فيسجد له كل مؤمن" ..الحديث.
وأما الآية فقد اختلف فيها فمنهم من فسرها بالساق التي هي لربنا، ومنهم من فسرها بالشدة، والآية محتملة، لكن مع ورود الحديث يترجح حمل الساق على الصفة، ويُفَسِّر الآية، فإن الحديث والآية متطابقان.
والقول في الساق كالقول في اليد والأصابع؛ نثبت المعنى، من غير تعطيل ولا تمثيل ولا تكييف.
ونعلم أن الساق من شأن الرجل، كما أن الأصابع المذكورة في حديث الحبر من شأن اليد، والجميع عند أهل العلم والإيمان ليس فيه أي إشكال، وإنما تشكل على الذين يسبق إلى أذهانهم توهم التشبيه، فيلجأون إلى التعطيل مع التفويض، أو التأويل الذي حقيقته التحريف.
ومن عوفي فليحمد الله، وليسأل الله الهدى لما اختلف فيه من الحق بإذنه، والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم.
السؤال الخامس عشر والأخير: بالنسبة للطول والعرض في حق الله سبحانه، هل يقال بأن هذه الألفاظ مجملة فإن كان المقصود بان الله لا يرى منه شيء دون شيء ويعلم منه شيء دون شيء ويتميز منه شيء دون شيء وأنه يشار إليه وأن المخلوقات كلها في قبضته ((وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ)) وكما قال عبد العزيز الماجشون : (( والله ما دلهم على عظيم ما وصف من نفسه ، وما تحيط به قبضته الا صغر نظيرها منهم عندهم ، إن ذلك الذى ألقى فى روعهم وخلق على معرفته قلوبهم )) فهذا المقصود حق والألفاظ مبتدعة وإن كان المقصود شيء آخر كأن يقبل أن ينقسم ويتفرق ونحو هذا فهذا باطل ينافي كمال الصمدية وإن كان شيء آخر فليبين. وهل "المقدار" مصطلح شرعي للتعبير عن المعنى الأول الصحيح استنباطاً من الآية السابقة يا شيخنا؟
الجواب:
قال الله تعالى: (ليس كمثله شيء وهو السميع البصير)، وقال تعالى: (ولايحيطون به علماً)،
وقال تعالى: (لاتدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار)،
ففي هذه الآيات دلالة على ما يجب الإيمان به، وهو مذهب أهل السنة والجماعة، من أنه تعالى لامثل له، فليس كمثله شيء في ذاته، ولا في صفاته، ولا في أفعاله، ولايحيط العباد به علماً ولا رؤية، وذلك يدل على امتناع العلم بكيفية ذاته، أو كيفية صفاته، فلا يعلم كيف هو إلاّ هو، ولا يعلم كيفية صفاته إلاّ هو، فالعباد لايعلمون من شأن الله إلاّ ما علمهم، ولا يرونه إلاّ كيف شاء
وما ورد في السؤال من ذكر الطول والعرض هو مما لايجوز التكلم به لانفياً ولا إثباتاً، لأنه يدخل في باب كيفية ذات الباري سبحانه وتعالى، والتفكير فيه هو من التفكير فيما لاسبيل إلى الوصول فيه إلى شيء،
ونقول في مثله لا تُفكِر، ولا تسأل، ولا تحكم، كما قال ابن عباس رضي الله عنهما: تفكروا في مخلوقات الله، ولاتفكروا في ذات الله. ونقول آمنا بالله الحي القيوم، العلي العظيم، الكبير المتعال، لا علم لنا إلاّ ما علمناه، ونعوذ به أن نقفوا ما ليس لنا به علم، أو نكون من المتكلفين، (سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ * وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ * وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)
هذا ما تيسر والله أعلم.
لحفظ اللقاء كاملا على ملف وورد
اضغط هنا
" من ملتقى اهل الحديث وفقهم الله ونفع بهم وأثابهم على جهودهم خير الجزاء "