2011-05-25, 11:34
|
رقم المشاركة : 6
|
معلومات
العضو |
|
إحصائية
العضو |
|
|
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
إن ما يصنع حول القبور المعبودة من دون الله مثل سيدي عبيد و قبر البدوي ، والحسين بمصر وأشباه ذلك ، وما يقع من بعض الجهال من الحجاج وغيرهم عند قبر النبي صلى الله عليه وسلم من طلب المدد والنصر على الأعداء ، والاستغاثة به والشكوى إليه ونحو ذلك ، أن هذه عبادة لغير الله عز وجل ، وأن هذا شرك الجاهلية الأولى ، وهكذا ما قد يقع من بعض الصوفية من اعتقادهم أن بعض الأولياء يتصرف في الكون ويدبر هذا العالم والعياذ بالله شرك أكبر في الربوبية .
وهكذا ما يقع من اعتقاد بعض الناس ، أن بعض المخلوقات له صلة بالرب عز وجل ، وأنه يستغني بذلك عن متابعة الرسول محمد صلى الله عليه وسلم ، أو أنه يعلم الغيب ، أو أنه يتصرف في الكائنات ، وما أشبه ذلك ، فإنه كفر بالله أكبر ، وشرك ظاهر ، يخرج صاحبه من الملة الإسلامية إن كان ينتسب إليها .
فلا توحيد ولا إسلام ولا إيمان ولا نجاة إلا بإفراد الله بالعبادة ، والإيمان بأنه مالك الملك ، ومدبر الأمور ، وأنه كامل في ذاته وصفاته وأسمائه وأفعاله ، لا شريك له ، ولا شبيه له ، ولا يقاس بخلقه عز وجل ، فله الكمال المطلق في ذاته وصفاته وأفعاله ، وهو مدبر الملك جل وعلا ، لا شريك له ، ولا معقب لحكمه .
هذا هو توحيد الله ، وهذا هو إفراده بالعبادة ، وهذا هو دين الرسل كلهم ، وهذا معنى قوله تعالى : إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ يعني : إياك نوحد ونطيع ونرجو ونخاف ، كما قال ابن عباس رضي الله عنهما : نعبدك وحدك ، ونرجوك ونخافك .
وإياك نستعين على طاعتك ، وفي جميع أمورنا . فالعبادة هي توحيد الله عز وجل والإخلاص له في طاعة أوامره ، وترك نواهيه سبحانه وتعالى ، مع الإيمان الكامل بأنه مستحق للعبادة وأنه رب العالمين المدبر لعباده ، والمالك لكل شيء ، والخالق لكل شيء ، وأنه الكامل في ذاته ، وأسمائه وصفاته وأفعاله ، ولا نقص فيه ، ولا عيب فيه ، ولا مشارك له في شيء من ذلك ، سبحانه وتعالى ، بل له الكمال المطلق في كل شيء جل وعلا ......
.....................
الشرك شركان : أكبر وأصغر :
فالشرك الأكبر ينافي توحيد الله ، وينافي الإسلام ، ويحبط الأعمال ، والمشركون في النار ، وكل عمل أو قول دلت الأدلة على أنه كفر بالله : كالاستغاثة بالأموات أو الأصنام ، أو اعتقاد حل ما حرم الله ، أو تحريم ما أحله الله ، أو تكذيب بعض رسله ، فهذه الأشياء تحبط الأعمال ، وتوجب الردة عن الإسلام ، كما سبق بيان ذلك .
قال تعالى في أول سورة النساء : إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا فهنا قد بين الله أن الشرك لا يغفر ، ثم علق ما دونه على المشيئة فأمره إلى الله سبحانه وتعالى ، إن شاء غفر له وإن شاء عذبه ، على قدر المعاصي التي مات عليها ، غير تائب ، ثم بعد أن يطهر بالنار يخرجه الله منها إلى الجنة ، بإجماع أهل السنة والجماعة خلافا للخوارج والمعتزلة ، ومن سار على نهجهم .
أما في آية الزمر ، فعمم وأطلق فقال سبحانه : قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ قال العلماء : هذه الآية في التائبين ، أما آية النساء فهي في غير التائبين ، ممن مات على الشرك مصرا على بعض المعاصي ، وهي قوله سبحانه : إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ
أما من مات على ما دون الشرك كالزنا والمعاصي الأخرى ، وهو يؤمن أنها محرمة ، ولم يستحلها ولكنه انتقل إلى الآخرة ولم يتب منها ، فهذا تحت مشيئة الله عند أهل السنة والجماعة إن شاء الله غفر له ، وأدخله الجنة لتوحيده وإسلامه ، وإن شاء سبحانه عذبه على قدر المعاصي التي مات عليها بالنار من الزنا وشرب الخمر ، أو عقوقه لوالديه ، أو قطيعة أرحامه ، أو غير ذلك من الكبائر كما سبق إيضاح ذلك .
وذهب الخوارج إلى أن صاحب المعصية مخلد في النار وهو بالمعاصي كافر أيضا ، ووافقهم المعتزلة بتخليده في النار ، ولكن أهل السنة والجماعة خالفوهم في ذلك ورأوا أن الزاني والسارق والعاق لوالديه وغيرهم من أهل الكبائر لا يكفرون بذلك ، ولا يخلدون في النار ، إذا لم يستحل هذه المعاصي ، بل هم تحت مشيئة الله كما تقدم ، فهذه أمور عظيمة ينبغي أن نعرفها جيدا ، وأن نفهمها كثيرا ، لأنها من أصول العقيدة .
وأن يعرف المسلم حقيقة دينه ، وضده من الشرك بالله تعالى ، ويعلم أن باب التوبة من الشرك والمعاصي مفتوح إلى أن تطلع الشمس من مغربها .
ولكن المصيبة العظيمة ، وهي الغفلة عن دين الله ، وعدم التفقه فيه ، فربما وقع العبد في الشرك والكفر بالله وهو لا يبالي ، لغلبة الجهل ، وقلة العلم بما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم من الهدى ودين الحق . فانتبه لنفسك أيها العاقل ، وعظم حرمات ربك ، وأخلص لله العمل ، وسارع إلى الخيرات ، واعرف دينك بأدلته ، وتفقه في القرآن والسنة بالإقبال على كتاب الله ، وبحضور حلقات العلم وصحبة الأخيار ، حتى تعرف دينك على بصيرة .
وأكثر من سؤال ربك الثبات على الهدى والحق ، ثم إذا وقعت في معصية فبادر بالتوبة فكل بني آدم خطاء ، وخير الخطائين التوابون ، كما جاء في الحديث الصحيح ، لأن المعصية نقص في الدين ، وضعف في الإيمان .
فالبدار البدار إلى التوبة ، والإقلاع والندم ، والله يتوب على من تاب ، وهو القائل سبحانه : وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ وقال عز وجل : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا فالتوبة لا بد منها ، وهي لازمة للعبد دائما ، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول : " التوبة تهدم ما كان قبلها " فاستقم عليها ، فكلما وقعت منك زلة فبادر بالتوبة والإصلاح ، وكن متفقها في دينك ، لا تشغل بحظك في الدنيا عن حظك من الآخرة ، بل اجعل للدنيا وقتا ، وللتعلم وللتفقه في الدين ، والتبصر والمطالعة والمذاكرة والعناية بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، وحضور حلقات العلم ومصاحبة الأخيار غالب وقتك ، فهذه الأمور هي أهم شأنك ، وسبب سعادتك .
وهناك نوع آخر وهو الشرك الأصغر مثل الرياء ، والسمعة في بعض العمل أو القول ، ومثل أن يقول الإنسان ما شاء الله وشاء فلان ، والحلف بغير الله ، كالحلف بالأمانة والكعبة والنبي وأشباه ذلك ، فهذه وأشباهها من الشرك الأصغر ، فلا بد من الحذر من ذلك ، قال النبي صلى الله عليه وسلم لما قال له رجل : ما شاء الله وشئت : " أجعلتني لله ندا؟ ما شاء الله وحده "
وقال النبي صلى الله عليه وسلم : " لا تقولوا ما شاء الله وشاء فلان ولكن قولوا ما شاء الله ثم شاء فلان "
وقال صلى الله عليه وسلم : " من كان حالفا فليحلف بالله أو ليصمت " وقال : " لا تحلفوا بآبائكم ولا بأمهاتكم ولا بالأنداد ولا تحلفوا بالله إلا وأنتم صادقون " وقال صلى الله عليه وسلم : " من حلف بغير الله فقد أشرك " إلى غير هذا من الأحاديث الصحيحة الواردة في هذا المعنى ، ومن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم : " أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر " فسئل عنه فقال " الرياء "
وقد يكون الرياء كفرا أكبر إذا دخل صاحبه في الدين رياء ونفاقا ، وأظهر الإسلام لا عن إيمان ولا عن محبة ، فإنه يصير بهذا منافقا كافرا كفرا أكبر .
وكذلك إذا حلف بغير الله ، وعظم المحلوف به مثل تعظيم الله ، أو اعتقد أنه يعلم الغيب ، أو يصلح أن يعبد مع الله سبحانه ، صار بذلك مشركا شركا أكبر . أما إذا جرى على اللسان ، الحلف بغير الله كالكعبة ، والنبي وغيرهما ، بدون هذا الاعتقاد ، فإنه يكون مشركا شركا أصغر فقط .
وأسأل الله عز وجل أن يمنحنا وإياكم الفقه في دينه ، والثبات عليه ، وأن يرزقنا وإياكم الاستقامة عليه ، وأن يعيذنا وإياكم من شرور أنفسنا ، وسيئات أعمالنا ، ومن مضلات الفتن إنه تعالى جواد كريم .
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وأتباعه بإحسان إلى يوم الدين .
من مقال بعنوان(حقيقة التوحيد والشرك)
الإمام ابن باز رحمه الله
|
|
|