منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب - عرض مشاركة واحدة - حرية التصرف في جسم الإنسان
عرض مشاركة واحدة
قديم 2011-05-20, 17:41   رقم المشاركة : 3
معلومات العضو
yacine414
عضو مميّز
 
إحصائية العضو










B10 تابع للفصل الأول

أ- طبيعة التبرع: بعد أن جزمنا في كون أن الأعضاء البشرية لا يمكن بأي حال من الاحوال أن تكون محلا أو موضوع تصرف مالي وهذا ما يدعونا إلى القول أن ماورد في قانون الصحة هو نظام خاص يتمثل في منح أعضاء بشرية إلى شخص في حاجة إليها بدون عوض بهدف إنساني بحت.
ب- أحكام التبرع: إن هذا الحكم الخاص في التعامل بالأعضاء البشرية له أركان ويرتب أثار نجملها فيما يلي:
1- أركان التبرع: باستقراء قانون الصحة توصلنا إلى قيام التبرع بالأعضاء الآدمية على الأركان التالية:
أ-التراضي: ويختلف الأمر هنا بين ما إذا كان الأمر يتعلق بتبرع إنسان حي أو بتبرع إنسان قبل وفاته.
* تبرع إنسان حي: بالرجوع إلى نص المادة 162 نستخلص أن المشرع يشترط في هذا النوع من التبرع الموافقة الصريحة للشخص الواهب أو المتبرع، كما يشترط ضمن المادة 166 الموافقة الصريحة للمتبرع له أو المستقبل كما تذكر المادة، وهو ما يجعلنا نقول بإقتراب هذا التصرف من عقد الهبة المنظم بأحكام المواد 202 إلى 212 إذ تنص المادة 206 على أن الهبة تنعقد بالإيجاب والقبول ومعناه التراضي، فهنا بمجرد حصول تراضي بين الطرفين فإنه يجوز نزع العضو البشري من صاحبه وزرعه في جسم الإنسان الآخر.
* تبرع الإنسان الميت أثناء حياته: وهذا النوع من التبرع يختلف عن التبرع الوارد على أعضاء إنسان حي ذلك أنه يأخذ ثلاث حالات:
الحالة الأولى: حالة ما إذا أبدى المتبرع موافقته أثناء حياته على قبوله التبرع فهنا يجوز إنتزاع أعضاءه بعد وفاته طبقا للمادة 167 فقرة 02 وهنا التبرع يكون أشبه إلى الوصية التي هي تمليك مضاف إلى ما بعد الموت.
الحالة الثانية: حالة ما إذا توفى الشخص دون أن يبدي موافقته، في هذه الحالة فالأصل أنه لا يجوز انتزاع أعضاءه لكن يجوز استثناءا إذا تمت موافقة أحد أعضاء الأسرة حسب الترتيب الأولوية التالي: الأب أو الأم، الزوج أو الزوجة، الإبن أو البنت، الأخ أو الأخت أو الوالي الشرعي إذا لم تكن للمتوفي أسرة وذلك حسب ما تنص عليه المادة 167 فقرة 02، كما تنص نفس المادة فقرة 03 على أنه يجوز انتزاع القرنية والكلية بدون موافقة المتبرع قبل وفاته، إذا تعدر الإتصال في الوقت المناسب بأسرة المتوفي أو ممثليه الشرعيين أو كان تأخير الأجل يؤدي إلى عدم صلاحية العضو.
الحالة الثالثة: حالة ما إذا عبر الشخص قبل وفاته كتابيا عن عدم موافقته على انتزاع أعضاءه، في هذه الحالة فإن المادة 165 تمنع القيام باقتطاع أعضاءه منعا باتا.
وفي كل هذا فإنه وسواء تعلق الأمر بالتبرع الصادر من إنسان حي أو الصادر من إنسان ميت فإنه وطبقا للمادة 163 فإنه لا يعتد بإرادة القصر والراشدين المحرومين من قدرة التميز، أو المصابين بأمراض من طبيعتها أن تضر بصحة المتبرع أو المستقبل.
ب-المحل: بالرجوع إلى قانون الصحة فإن محل هذا التبرع لا ينحصر في الأعضاء البشرية فقط وإنما تذكر مصطلح أنسجة لكن يبقى أي تصرف من هذا القبيل هو تصرف وارد على الجسم ولا يختلف الأمر بين العضو والنسيج فكلها تشكل مكونات لجسم الإنسان، هذا المحل وحسب ما سبق ذكره فإنه يتسم بحساسية خاصة، تختلف تماما عن عقود التبرع.
ج-السبب: و هو الدافع من التعاقد و الذي يتجسد بنية التبرع بهدف إنساني يكون القصد من ورائه مساعد شخص على إنقاذ حياته و هو في حقيقته سبب مشروع سيما و أن هذا التصرف يقوم أساسا على انتفاء العوض أو المقابل المالي.
د- الشكلية والاجراءات: إن التصرف الوارد على الأعضاء البشرية يشترط لقيامه شكليات وإجراءات معينة وهو يختلف أيضا حسب كل حالة.
الحالة الأولى: التبرع الصادر من إنسان حي: إن المشرع الجزائري اشترط وبصورة صريحة وطبقا للمادة 162 من قانون الصحة أن تتم موافقة المتبرع كتابة. وإن كان لم يحدد لنا ماذا يقصد بالكتابة هل هي الكتابة الرسمية أم يكفي أن يحرر محضر بموافقة المتبرع وتتم هذه الكتابة وفق الإجراءات التالية:
1- حضور شاهدين اثنين.
2- إيداعها لدى المؤسسة والطبيب رئيس المصلحة.
3- ضرورة اخبار الطبيب للمتبرع بالأخطار الطبية المحتملة التي قد تتسبب فيها عملية الإنتزاع.
الحالة الثانية: التبرع الصادر من إنسان متوفى أثناء حياته.
اشترط في الشخص المتوفى الذي لم يرغب أثناء حياته في انتزاع أعضاءه بعد وفاته أن يعبر عن هذا الرفض كتابة ولكن نفس الإشكال المطروح سابقا حول كيف تتم هذه الكتابة ؟.
إلا أنه لم يشترط في المتوفى الذي عبر عن موافقته في التبرع بأعضاءه بعد وفاته أن تصدر الموافقة في شكل مكتوب و هو ما نلمسه من سكوت المادة 164 من قانون الصحة التي أوجبت شرط الموافقة فقط ونفس الشيء في موافقة الأقارب المذكورين بالمادة 164 قانون الصحة لم يذكر المشرع أي شكلية أو اجراء معين لإبداء هذه الموافقة.
وهذه الشكلية لم تشترط في المتبرع فقط وإنما اشترطت حتى في المستقبل إذ نصت المادة 166 على أنه لا تزرع الأنسجة والأعضاء البشرية إلا بعد أن يعرب المستقبل عن رضاه بحضور الطبيب رئيس المصلحة التي قبل بها وحضور شاهدين إثنين، ونصت الفقرة الثانية على أنه إذا لم يكن المستقبل غير قادر على التعبير عن رضاه أمكن أحد أعضاء أسرته حسب الترتيب الوارد بالمادة 164 أن يوافق على ذلك كتابيا، وإذا تعلق الأمر بأشخاص لا يتمتعون بالأهلية القانونية أمكن أن يعطي الموافقة الأب أو للأم أو للوالي الشرعي حسب الحالة، وأما القصر فيعطي الموافقة التي تعنيهم الأب و إن تعذر ذلك فالوالي الشرعي ويتم التعبير عن الموافقة وفق الإجراءات التالية:
- إعلان الطبيب المعالج الشخص المستقبل أو الأشخاص المذكورين في الفقرة السابقة بالأخطار الطبية التي تنجر عن ذلك.
غير أن المشرع رتب على ذلك استثناءا في المادة 166 فقرة 04 يجوز فيه نزع الأنسجة والأعضاء دون الموافقة المذكورة في الفقرتين الأولى والثانية من المادة 166 في حالتين:
- إذا اقتضت ذلك ظروف استثنائية.
- إذا تعذر الاتصال في الوقت المناسب بالأسرة أو الممثلين الشرعيين للمستقبل الذي قد يتسبب أي تأخير في وفاة المستقبل.
- ويشترط في كل ذلك أن يؤكد هذه الحالة الطبيب رئيس المصلحة بحضور شاهدين إثنين.
إن كل هذه الأحكام تؤكد لنا ما سبق قوله ومن أن التبرع المقصود هنا ليس تبرع بمفهوم القانون المدني إذ بالرجوع إلى المادة 206 من قانون الأسرة فإنها لا تشترط لقيام عقد الهبة سوى التراضي الذي يتم بالإيجاب والقبول دون أية شكليات أخرى ما عدا إذا ما تعلق الأمر بهبة العقارات فإن التصرف لا بد من شهرة وكذلك الحال في الوصية إذ بالرجوع إلى أحكام قانون الأسرة نجد أن ركن انعقادها هو الايجاب دون اشتراط أي شكلية وإن كان قد حصر طرق إثباتها ضمن المادة 191 في تصريح الموصي أمام الموثق وتحرير عقد بذلك، أو بموجب حكم مؤشر به على هامش أصل الملكية، غير أن هذه الأحكام تختلف تماما عما ورد في قانون الصحة فيما يتعلق بالتبرع الوارد على الأعضاء البشرية.
أثار التبرع: ترتب موافقة المتبرع إلتزام اتجاه المستقبل بتسليمه العضو البشري, غير أن هذه الموافقة ليست لها قوة ملزمة إذ يجوز رجوع المتبرع عن موافقته في أي وقت شاء طبقا لما نصت عليه المادة 162, وهذا الحكم الذي يختلف عما ورد في نص المادة211 قانون الأسرة التي لا تجيز للواهب الرجوع عن هبته إلا في حالات محددة حصرا في حين لا يجوز الرجوع عن الهبة إذا كانت بقصد المنفعة العامة المادة 212.
نستخلص من كل ما سبق أنه ورغم أن المشرع الجزائري لم يكن دقيقا في نصوصه الواردة في قانون الصحة فيما يتعلق بالتصرف في الأعضاء البشرية إلى درجة أنه خلق لبس في فهم النصوص ومعانيها، لكن وفي حقيقة الأمر وبالرجوع إلى المادة 01 من القانون المدني وباعتباره الشريعة العامة والتي تنص على "أن يسري القانون على جميع المسائل التي تتناولها نصوصه في لفظها أو في فحواها" وأنه وبتفحص فحوى المواد المدرجة في قانون الصحة وتفحص معانيها نستخلص أن نية المشرع الجزائري كانت واضحة في اخراج جسم الانسان من مجال التصرفات المالية و الاتجاه نحو وضع نظام خاص بعمليات التصرف في الأعضاء البشرية.

المبحث الثاني: التصرفات الطبية الحديثة الواردة على جسم الإنسان وتأثيرها على نطاق الحماية الجنائية للجسم
إن معالجة تأثير التصرفات الطبية الحديثة ومدى حرية إعمالها على جسم الإنسان يتعلق أساسا بنطاق الحماية الجنائية للجسم البشري وبالرجوع إلى معظم التشريعات الوضعية وكذا أحكام الشريعة الإسلامية فإننا نجد أنها تحاول الحد من حرية التصرف في جسم الإنسان بوضع هذه التصرفات ضمن أطرها الشرعية، وذلك بإقرار بعض هذه التصرفات مثل عمليات نقل وزرع الأعضاء البشرية وعمليات التلقيح الاصطناعي من جهة، ووضع قيود وضوابط للقيام بها من جهة أخرى، لذلك ارتأينا تقسيم هذا المبحث إلى ثلاث مطالب فنتناول في المطلب الأول عمليات نقل وزراعة الأعضاء البشرية، وفي مطلب ثاني عمليات التلقيح الاصطناعي، ونلخص في الأخير إلى عمليات الاستنساخ البشري في مطلب ثالث.
المطلب الأول: عمليات نقل وزرع الأعضاء البشرية
تعد هذه العمليات من بين أهم التصرفات الطبية التي توصل إليها العلم الحديث والتي لا تزال تنال اهتمام رجال القانون، خاصة إذا ما تعلق الأمر بمدى حرية الأطباء في إعمالها وهل هناك قيود تنظيمية وقانونية مفروضة للقيام بها، سيما إذا علمنا أن معظم التشريعات الحديثة تبيح هذه العمليات. لذلك ارتأينا تناول هذا ضمن ثلاث فروع أولها أسباب إباحة عمليات نقل وزراعة الأعضاء البشرية في فرع أول، ثم ضرورة تنظيم عمليات اقتطاع الأعضاء البشرية بما يوفر الحماية الجنائية للجسم في فرع ثاني، ثم نخلص إلى موقف المشرع الجزائري من ذلك في الفرع الثالث.
الفرع الأول: أسباب إباحة عمليات نقل وزرع الأعضاء
إن الأصل في الأفعال الإباحة، ما لم يوجد نص قانوني يجرم الفعل ويفرض له جزاءا معينا لمنفعة تخص شخص بعينه كتحريم بعض الأفعال للمصلحة العامة كحفظ السكينة العامة، أو النظام العام، غير أن المصلحة التي يرى المشرع أنها جديرة بالحماية عن طريق تجريم بعض الأفعال قد تزول بسبب ظهور أسباب وظروف جديدة تعدم تجريم الفعل، فيصبح الفعل ليس مجرد مباح فقط بل ضروري القيام به، وعليه تنتفي المسؤولية المدنية والجنائية، وقد يقتضي الأمر إخضاع جسم الإنسان لعمليات اقتطاع لأعضائه تؤدي إلى المساس بجسمه، ومع ذلك تخرج عن دائرة التجريم بسبب النص على إباحتها وفي هذا الصدد اختلف فقهاء القانون وكذا التشريعات العالمية حول سبب إباحة اقتطاع الأعضاء فمنهم من قسمها إلى أسباب خاصة بالمريض، ومنهم من قسمها إلى أسباب خاصة بالطبيب.
أ-الأسباب الخاصة بالمريض: وتتمثل في:
1-رضاء المريض:يرى جانب من التشريعات وكذا الفقه أن رضاء المريض هو سبب خروج عمليات نقل وزرع الأعضاء البشرية من دائرة التجريم، سواء كان رضاء صريح أو ضمني يفهم من ظروف الحال، غير أنه ما يمكن قوله عن هذا الرأي أن الحق في سلامة الجسد هو من الحقوق غير القابلة للتصرف فيها لأن مصلحة المجتمع فيها هي الغالبة على مصلحة الفرد، وما ينبني على هذا القول أن هذا الرأي يتناسى أن حق الفرد على جسمه ليس حق فردي وإنما هو حق للمجتمع له حق إرتفاق على الجسم، وبالتالي فالشخص لا يحق له التصرف في جسده على الوجه الذي يمس إرتفاق المجتمع، ولذلك فإن رضاء المريض متى كان واردا على تصرف قد يمس سلامة جسده فإنه ليس سببا للإباحة.
غير أنه لا يختلف اثنان أن سلامة جسم الإنسان من النظام العام وحماية هذا الجسم تستدعيه مصلحة المجتمع، غير أنه ورغم ذلك فإنه لا يمكن الاعتداد بالمساس والتصرف في جسم الإنسان بدون رضا هذا المريض.
2-حالة الضرورة: والضرورة هي الحالة التي يكون عليها الشخص عندما يواجه خطر ولا يستطيع إبعاده أو تلافيه إلا بارتكاب أفعال مجرمة بموجب نصوص القانون، أما في مجال إباحة أفعال التصرف في جسم الإنسان بنزع أعضاءه فالضرورة هي حالة الموازنة بين أخف الضررين إذ يجد الطبيب نفسه في حالة اختيار بين ترك الإنسان يموت أو اعتداء على سلامة جسمه لإنقاذه، فالطبيب هنا يكون واقعا تحت تأثير أكراه معنوي أنشأته حالة الضرورة ودفعته إلى إتيان فعل مجرم من أجل إنقاذ حياة المريض، وهو ما حدث فعلا في فرنسا حين قام طبيب باستعمال كليتي فتاة لزرعها لشقيقها التوأم الذي كان يعاني من فشل كلوي حاد وقاتل، غير أن الدعوى المرفوعة ضد الطبيب حفظت على أساس أنه غير مسئول جزائيا لأنه كان واقع تحت تأثير حالة الضرورة التي دفعته إلى مخالفة نصوص القانون، على الرغم من أن قانون العقوبات الفرنسي لم يتضمن أي نص عام لبيان مفهوم حالة الضرورة وتحديد شروطها1.
وتجدر الإشارة أن هناك اتجاهين في تحديد الطبيعة القانونية لحالة الضرورة، فمنهم من اعتبرها سبب من أسباب الإباحة على أساس أنها لا تكون ضغط أو تأثير على إرادة الجراح، ومنهم من اعتبرها مانع من موانع المسؤولية كونها تعدم إرادة الشخص وتضعه في موقف يفقد فيه الاختيار إلى حد كبير.
غير أنه وما يمكن قوله أنه لا يجب تجاهل الشخص المتنازل أو المأخوذ منه العضو، والذي يظل إنسان سليم ولا يمكن التصرف في جسمه على الصورة التي يمكن أن تسبب له عجزا أو قد تؤدي حتى إلى وفاته، لذلك فإن مسؤولية الجراح تظل قائمة بحسب احتمالات النجاح أو الفشل، فإذا كانت نسبة النجاح في الحالات العادية عالية ومع ذلك فشل الطبيب فإنه يسأل على ذلك. ولهذا فإن تبني حالة الضرورة كأساس لإباحة اقتطاع الأعضاء يخضع لشرط الموازنة بين ما يتعرض له المعطي من مخاطر مجهولة في حالة التصرف بإحداث التعديل أو التغيير على جسمه، وبين ما قد يصيب المريض. لذلك وجب توافر الشروط الآتية للقول بوجود حالة الضرورة.
- وجود خطر محدق يتطلب استئصال العضو.
- أن يكون نقل ذلك العضو هو الوسيلة الوحيدة لإنقاذ حياة المريض.
- أن لا يؤدي الاستئصال إلى موت المعطي أو إصابته بضرر بالغ.
- مراعاة مدى تجانس خلايا المعطي والمزروع له حتى لا يتم طرد هذه الخلايا2.
ب-الأسباب الخاصة بالطبيب: ويتمثل في:
1- انتفاء القصد الجنائي لدى الطبيب: يعتبر هذا الاتجاه أن انتفاء القصد الجنائي لدى الجراح هو سبب إباحة اقتطاع الأعضاء البشرية، على اعتبار أن إرادة الطبيب يفترض أن لا تتجه إلى الإضرار بصحة المريض وسلامة تكامله الجسدي، وإنما تهدف إلى تخليصه من آلامه ومعاناته وبذلك فهو يدرك مسبقا نتائج عمله ومع ذلك فإن قصده في شفاء المرض يوقعه في مغبة سوء التقدير3.
غير أن ما يمكن قوله حول هذا الرأي أنه لا يفرق بين القصد والباعث، هذا الأخير الذي مهما كان شريفا ونبيلا فهو ليس ركن في الجريمة أو عنصر من عناصرها. فأمل الطبيب في شفاء المريض لا يمنع من مساءلته طالما أدى تصرفه بالمساس بحرمة الكيان الجسدي، لأن المسؤولية الجنائية تقوم على عاملي العلم والإرادة لذلك فإنه ورغم انتفاء قصد الجراح في أذية المريض فإن مسؤوليته قائمة4 إضافة إلى أن قصد الشفاء هو مبرر عام قد يستفيد منه أي إنسان حتى من لا صلة له بالطب.
2- الترخيص القانوني: يستند هذا الاتجاه إلى أن أساس إباحة التصرف في الجسم الإنسان هو ترخيص القانون، فعدم مساءلة الطبيب عما يسببه من أضرار أثناء أدائه لأعماله مرده القوانين التي تنظم مهنته، والتي خولت للأطباء إجراء ما يرونه مناسبا ويؤدي غرضه العلاجي وأزاح عنهم عبء المسؤولية ما يمكن أن يعد من هذه الأعمال لو قام به غيره داخلا حيز الإجرام والاعتداء1.
وترى أغلبية التشريعات أن الأطباء بصفتهم هاته يستمدون من الدولة الحق في استعمال جميع الإمكانيات والوسائل الجاري العمل بها للعناية بالمريض.
وتجدر الإشارة في هذا الصدد أن الشريعة الإسلامية اتجهت إلى أن أسباب إباحة الأعمال الطبية هي توافر شروط معينة، تتمثل في أن يكون من يقوم بها أي المعالج بصيرا متعاطيا لأمور الطب، والمراد بالبصير هو من يعرف العلة ودوائها، ويكون قد تلقى ومارس أعمال الطب مرتين على الأقل فأصاب، ولا يكفي الأخذ من الكتب كما في سائر العلوم الطبية، والطبيب الحاذق يجب فضلا عن معرفته علاج الأبدان أن يكون له خبرة باعتلال القلوب والأرواح2.
وبذلك فالغالب أن الشريعة الإسلامية هو أخذها بإذن الشارع الذي يعادل ترخيص القانون بالإضافة إلى إذن المريض، إذ لا يكفي أحدهما لتبرير الآخر وإنما وجب توافر الاثنين معا.
والعلة من ربط إذن المريض بإذن الشارع هو فرض بعض القيود والضمانات على المعالج، والتي مفادها حماية المريض في صحته وجسمه، والتي من بينها قصد العلاج فلا يجوز أن تتجه إرادة المعالج إلى غرض آخر وإلا قامت مسؤوليته الجزائية، هذه الأخيرة التي لا تجد لها أساس في حالة توافر الإذنين معا، وهذا تطبيقا للقاعدة الشرعية الكلية والتي مفادها بأن الجواز الشرعي ينافي الضمان فإذا فعل الشخص ما يجوز شرعا فلا يسأل عما نتج عن قيامه بأعماله وإن سبب ضررا 3. وفي هذا يقر فضيلة الشيخ الصاوي كبير الوعاظ بوزارة الشؤون الدينية والأوقاف بدولة الإمارات العربية المتحدة 4.بأن مشروعية نقل الأعضاء من الأموات إلى الأحياء بقصد علاجهم مرجعه قواعد فقهية ثابتة جاء بها الشرع تتمثل في جلب المصالحة أولى من درء المفاسد، والحي أولى من الميت والضرورات تبيح المحظورات.
الفرع الثاني: ضرورة تنظيم اقتطاع الأعضاء البشرية بما يحقق الحماية الجنائية للجسم
إن اقتطاع ونقل الأعضاء أصبح اليوم أمر مشروعا لا ريب فيه باعتراف علماء الإسلام وتأكيد القوانين الوضعية لمجمل دول العالم، محددة بذلك الشروط المطلوبة من المؤسسات الصحية استيفائها للسماح لها باقتطاع الأعضاء من المتبرعين، وأغلب هذه الشروط تعتبر قيود تتعلق بالطاقم الطبي والتقنيات والتجهيزات اللازمة لحفظ الجسم وحفظ الأعضاء، وهذه القيود قد تكون تنظيمية تتعلق بالمؤسسات الصحية وقد تكون متعلقة بالأطباء، وقد تكون قيود قانونية لمنع التعامل التجاري بالأعضاء.
أ-القيود التنظيمية المتعلقة بالمؤسسات الصحية: يرخص القانون بإباحة الأعمال الطبية لأنها لا تنتج اعتداء على الحق في سلامة الجسم، لذلك نجد أن معظم الدول دأبت على وضع قيود على المؤسسات الصحية المختصة بعمليات اقتطاع الأعضاء البشرية، ونعطي في ذلك مثالا عن التجربة السعودية والتي تعتبر أولى الدول العربية الإسلامية التي كان لها قانون خاص بالأعضاء منذ1960 والذي من خلاله نجد قيود تنظيمية كثيرة مفروضة على المؤسسات الصحية الهدف منها هو تحقيق الحماية المشروعة للجسم البشري، إذ ومند 1985 إلى يومنا هذا نجد أكثر من 1500عملية زراعة كلى تمت في مؤسسات صحية يقدر عددها ب 37 مركز منها أربعة مراكز لزراعة القلب وأربعة لزراعة الكبد و 16 لزراعة قرنية العيون1، أنشأت المملكة على رأس هذه المؤسسات الصحية المركز السعودي لزراعة الأعضاء الذي يعتبر المركز المشرف على كل عمليات نقل وزراعة الأعضاء، وهو السلطة الإدارية الوحيدة إذ يتابع كل الحالات، و يتمتع بسلطة إيقاف أي مؤسسة قليلة الفاعلية، كما تفرض على هذه المؤسسات أن يوجد مركز متحكم في جميع الزراعات على مستوى المؤسسات الصحية يتولى مسؤولية الإبلاغ بحصول الوفاة الدماغية، وهو الوحيد الذي ينقل الأعضاء إضافة إلى ذلك وفي إطار القيود التنظيمية المفروضة على المؤسسات الصحية فإن فرنسا تعد أكبر الدول التي تضع هذه القيود ضمن المرسوم رقم 845/90 الصادر بتاريخ 24 ديسمبر 1990 2 الذي يشترط توفير الإمكانيات المادية لهذه المؤسسات مع وجود إطار إداري متخصص وحصول ترخيص لهذه المؤسسات لممارسة نشاطاتها، ويتم التأكد من وجود هذا الترخيص من طرف المؤسسة الفرنسية لزرع الأعضاء France Transplanent3، هذا الترخيص الذي يشترط أن لا يتجدد ضمنيا والملاحظ أن معظم التشريعات العالمية تضع قيود تنظيمية على مؤسساتها الصحية الخاصة بزراعة الأعضاء كل حسب نظامها وقوانينها .
ب- القيود التنظيمية المتعلقة بالأطباء: ويتعلق الأمر خاصة بالأطباء القائمين بهذه العمليات هم بصفة عامة أطباء جراحين حسب الاختصاص، مع ضرورة تضافر الجهود لتتم عمليات زرع الأعضاء وعلى أحسن وجه، وتتمثل هذه القيود في الترخيص الممنوح للأطباء والذي بدونه لا يمكنهم القيام بأي عملية، وفي هذا الصدد يقرر المشرع الفرنسي جزاء لكل طبيب خرق شرط الترخيص بعقوبة حبس سنتين وغرامة قدرها 200.000 فرنك فرنسي4.
إضافة إلى منع الأطباء من الموافقة على قيام بعمليات اقتطاع للأعضاء مع علمهم بوجود مقابل مالي، لذلك كما تجمع جل التشريعات على منع الأطباء الذين يعاينون ويثبتون وفاة المتبرع من أن يكونوا من بين المجموعة التي تقوم بعملية زرع العضو للمريض، كما يحظر عليهم القيام بهذه العمليات دون احترام رغبة المتبرع أو احترام أهداف الاقتطاع.
ولعل الحكمة من وضع هذه القيود هو توفير أحسن الظروف للقيام بعمليات اقتطاع الأعضاء داخل هذه المؤسسات.
ج- القيود القانونية لمنع التعامل التجاري بالأعضاء: هناك أيضا بعض الشروط والقيود القانونية التي لا بد من توافرها للسماح بإجراء عمليات اقتطاع الأعضاء، وتجمع جل التشريعات على اعتبارها مبادئ وتتمثل في:
1- مبدأ مجانية التصرف: إذ تجمع كل التشريعات على تجريم الاتجار بالأعضاء بوجه عام حسب ما فصلناه في المبحث الأول، من هذا الفصل إضافة إلى التوصيات والقرارات الصادرة عن المنظمات والهيئات الدولية التي تستنكر وتدين كل أشكال الاتجار بالأعضاء والتي تؤكد ضرورة اتسام هذه التصرفات بالطابع الخيري الإنساني، وإن وقع خلاف حول مبدأ مجانية التصرف إذ يرى هذا الاتجاه أن وجود المقابل المادي لا يعني بالضرورة خروج الجسم إلى عالم الاتجار ولا يهدد القيم الإنسانية1.
ونحن نذهب مع أصحاب الرأي الثاني وهو ضرورة تخصيص مقابل مالي رمزي في شكل مكافأة تشجيعية لتشجيع الجمهور على التبرع 2.
2- مبدأ سرية التصرف: ويعتبر هذا المبدأ من أهم ضمانات المبدأ السابق، ذلك أن مبدأ السرية يعمل على منع التفكير في الاتجار بالأعضاء البشرية أو أي ابتزاز مادي قد يقع على المرضى أو أهاليهم.
غير أن مبدأ السرية محدود المجال خاصة في مجال نقل وزراعة الأعضاء بين الأحياء خاصة بين أفراد نفس العائلة، وبذلك فيمكن وضع هذا المبدأ ضمن خانة الاستثناء.
ومع ذلك يبقى في رأينا مبدأ السرية الوسيلة الأنجع للحماية من الاتفاقات التي قد تقع على الجسم، سيما وأن جل دول العالم خاصة الجزائر تعاني من نقص كبير في الأعضاء القابلة للـزرع لذلك نجد بأنه وفي دول كثيرة خاصة آسيا وضعت لنفسها أسواقا وشبكات لاستغلال الطبقات الضعيفة3.

الفرع الثالث: موقف المشرع الجزائري فيما يتعلق بعمليات اقتطاع الأعضاء البشرية
ساير المشرع الجزائري جل التشريعات العالمية فيما يتعلق بإباحة التصرف في الأعضاء البشرية، مستندا في إباحة هذه التصرفات إلى ترخيص القانون فقط، إذ تنص المادة 197 من قانون الصحة وترقيتها على أنه تتوقف ممارسة مهنة الطبيب وجراح الأسنان على رخص يسلمها الوزير المكلف بالصحة بناءا على الشروط التالية.
- يلزم على الطالب لهذه الرخص أن يكون حاصلا على شهادة دكتوراه في الطب أو جراح أسنان أو صيدلي أو شهادة أجنبية معترف بمعادلتها، وتنص المادة الثانية من مدونة أخلاقيات الطب أنه تفرض أحكام هذه المدونة لأخلاقيات الطب على كل طبيب أو جراح أسنان أو صيدلي أو طالب في الطب أو في جراحة الأسنان أو في الصيدلة مرخص له ممارسة المهنة وفق الشروط المنصوص عليها في التشريع والتنظيم المعمول بهما"
يتضح من خلال هذه النصوص أن المشرع الجزائري يستند إلي إباحة نقل وزرع الأعضاء إلى الترخيص القانوني الذي يصدره وزير الصحة، وعليه فإن هذا السند يدخل فيما يأذن به القانون فالترخيص القانوني هو الأساس الوحيد الذي يستطيع الطبيب بواسطته تبرير كل التطبيقات والتصرفات الماسة بجسم الإنسان كإحدى تطبيقات الإباحة استعمالا للحق 1 .
وقد يقوم بعمله بدون أدنى خطأ مادي أو تقني أو فني ومع ذلك يسأل بموجب المواد 266 264 وما يليها من قانون العقوبات التي تعاقب على جرائم الضرب، ذلك لأن فعل الطبيب في هذه الحالة قد وقع باطلا من بدايته وما بني على باطل فهو باطل.
كما نصت المادة 198 من قانون الصحة وترقيتها " لا يجوز لأحد أن يمارس مهنة طبيب أو اختصاصي أو جراح أو صيدلي اختصاصي إذا لم يكن حائزا لشهادة الاختصاص الطبي أو بشهادة معترف بها. " ويعتبر كل شخص يمارس هذه المهنة بدون ترخيص فإن كل أعماله غير مشروعة طبقا للمادة 214 2، وتكون عقوبته طبقا للمادة 234 من نفس القانون التي تحيلنا إلى المادة 243 من قانون العقوبات3.
نخلص إلى أن المشرع الجزائري يستند إلى ترخيص القانون وفي إباحة تنظيم عمليات اقتطاع الأعضاء، آخذا في ذلك بما نصت عليه جل التشريعات المقارنة4 .
ويجدر القول أيضا أن المشرع الجزائري شأنه شأن باقي التشريعات إذ نظم عمليات اقتطاع الأعضاء بفرض قيود تنظيمية على المؤسسات الصحية، وكذا على الأطباء القائمين بهذه العمليات وأخرى قانونية لتجنب التعامل التجاري بالأعضاء.
وتتمثل القيود التنظيمية المفروضة على المؤسسات الصحية في حصر قانون الصحة المراكز الصحية المرخصة لممارسة نقل وزراعة الأعضاء البشرية في المستشفيات التي سيصدر بتحديدها قرار من وزير الصحة، ويبين هذا القرار الصادر الشروط الواجب توافرها في المستشفيات1 "لا ينزع الأطباء الأنسجة البشرية ولا يزرعها إلا في المستشفيات التي يرخص لها بذلك وزير الصحة...." وطبقا لهذه المادة أصدر وزير الصحة قرار رقم 19 المؤرخ في 23/03/1991 تضمن هذا القرار كيفية تطبيق المادة 167 السابق الإشارة إليها وحدد فيه المستشفيات المرخص لها بممارسة عمليات نقل الأعضاء وهذا المستشفيات هي:
- المستشفى الجامعي الجزائر الوسطى.
- المستشفى الجامعي الجزائر الشرقية.
- المستشفى الجامعي الجزائر الغربية.
- المستشفى الجامعي الجزائر باب الواد.
- المستشفى المركزي العسكري عين النعجة.
- العيادة المتعددة الخدمات بقسنطينة.
ونعتقد بأن النص يمكن أن يضم لاحقا مؤسسات صحية تابعة للقطاع الخاص، لأن عمليات نقل الأعضاء متعلقة بالوقت وغير قابلة للانتظار، إضافة إلى أن المؤسسات الخاصة تكفل الحماية وتوفر أكثر ضمانات للمنقول منه والمنزوع له، والحفاظ على السلامة الجسدية والفيزيولوجيا والنفسية لهم .نظرا لفارق الإمكانيات التقنية والتكنولوجيا بين القطاع العام والخاص .
إضافة إلى ذلك فقد فرض قانون الصحة على المؤسسات الصحية الحصول على الترخيص لممارسة عمليات نقل الأعضاء البشرية، إذ وجب على هذه المؤسسات أن تتمتع بـ:
- اللجنة الطبية المنصوص عليها في المادة 167 من القانون 85/05 والمكلفة بإثبات حالة الوفاة للشخص المعرض للاستئصال أعضاءه ضمن الشروط المذكورة بالنصوص القانونية وكذا التأكد من عمليات إعادة ترميم الجثة، ويشترط تمتع هذه اللجنة بكفاءة خاصة ووسائل تقنية وتكنولوجيا والتي تمكن من التحقق من حدوث الموت على وجه اليقين كما اشترط ضرورة تبرير هذه المؤسسات لعمليات الاستئصال بما يوفر السلامة للمتبرع والمتلقي، بمعنى أن يكون الهدف علاجي وفتح سجل خاص تدون فيه اللجنة ما قامت به من أعمال وما توصلت إليه من نتائج 1.
أما القيود المفروضة على الأطباء فإن الأمر يتعلق بالقائمين بهذه العمليات حتى تتوفر الاستقلالية لتحديد لحظة الوفاة، وحماية المتبرع لذلك تضمن القانون 90/17 لسنة 1990 حظرا على الأطباء الذين يعاينون ويثبتون وفاة المتبرع من أن يكونوا من بين المجموعة التي تقوم بزرع العضو للمريض، إذ نصت المادة 165 فقرة أخيرة من قانون الصحة "لا يمكن للطبيب الذي عاين وأثبت وفاة المتبرع أن يكون من بين المجموعة التي تقوم بعملية الزرع.
كما يفرض عليهم احترام أهداف الاقتطاع ورغبة المتوفي وإلا عد ذلك اعتداءا على حرمة التكامل الجسدي وحرمة الجثة، إذ نصت المادة 164 من قانون الصحة " ويجوز النقل إذا عبر المتوفى أثناء حياته على قبول ذلك.غير أنه يمنع على الأطباء الانتزاع إذا عبر المتوفى أثناء حياته كتابيا عن عدم رغبته في زرع أعضاءه ما عدا في حالتين أوردتهما المادة 164 المعدلة يجوز لهم دون موافقة المتوفى ولا أفراد عائلته إذ نصت " غير أنه يجوز انتزاع القرنية والكلية بدون الموافقة المشار إليها في الفقرة الثانية إذا تعذر الاتصال في الوقت المناسب بأسرة المتوفى وممثليه الشرعيين أو إذا كان التأخر في أجل الانتزاع يؤدي إلى عدم صلاحية العضو موضوع الزرع" 2.
كما يمنع على الأطباء انتزاع الأعضاء من القصر أو الراشدين المحرومين من قدرة التمييز ومن هم مصابين بأمراض من طبيعتها أن تضر بصحتهم مستقبلا.
كما فرض عليهم القانون ضرورة تحرير محضر بالعملية يحمل في طياته تقريرا مفصلا كلي وشامل عن العملية وملاحظات الأطباء عن حالة الجسم وعن الأعضاء المقتطعة ويخطر به الطبيب الشرعي لدى المحكمة بصفة مباشرة لضمان عدم تزويره فيما لو حصل نزاع بعد ذلك.
أما القيود القانونية لمنع التعامل التجاري بالأعضاء فقد ساير المشرع الجزائري أغلب التشريعات آخذا بالمبدأين السابقي الذكر والمتمثلين في:
-مبدأ مجانية التصرف: وهو المبدأ المكرس بنص المادة 165 فقرة01 من قانون الصحة التي تنص على أن نقل الأعضاء لا يكون إلا على سبيل التبرع" أي أن الشخص يتنازل عن العضو من أعضائه بدون مقابل مادي على وجه الهبة وقد اعتبر المشرع الجزائري هذا المبدأ هو الوحيد والأوحد لعدم خروج هذه العمليات عن غرضها العلاجي.
-مبدأ سرية التصرف: وهو المبدأ المنصوص عليه بالمادة 165 فقرة 02 التي تنص " يمنع كشف هوية المتبرع للمستفيد وكذا هوية الأخير لعائلة المتبرع"
غير أنه وما ينبني على أن المشرع الجزائري ورغم نصه على كل هذه الأحكام المتعلقة بزرع ونقل الأعضاء البشرية إلا أنه لم ينص على الجزاء المترتب على المخالفة أحكام هذه النصوص وهو الأمر الذي يدفع القاضي الجزائري في حالة ما إذا واجهته قضايا دقيقة من هذا النوع إلى تطبيق أحكام قانون العقوبات المتعلقة بجرائم التعدي والتي تتسم بالعمومية ولا تحقق الحماية القانونية الكافية للضحايا.
المطلب الثاني: عمليات التلقيح الاصطناعي
من المسلم به أن معظم التشريعات الجنائية تتفق على جواز اللجوء إلى التلقيح الاصطناعي في حالة فشل وسائل العلاج لحالات العقم عن طريق العلاج العادي، غير أن هذه العمليات تطرح إشكالات خاصة من منظور الشريعة الإسلامية سيما إذا تعلق الأمر بالتلقيح الاصطناعي خارج إطار العلاقات الشرعية إضافة إلى المشاكل إلي تطرحها مسألة تأجير الأرحام والأم البديلة، لذلك ارتأينا تقسيم هذا المطلب إلى 03 فروع فنتناول التلقيح الاصطناعي الداخلي في فرع أول، ثم التلقيح الاصطناعي في الخارجي في الفرع الثاني، ثم موقف المشرع الجزائري من ذلك في فرع الثالث.
الفرع الأول: التلقيح الاصطناعي الداخلي
إن من أهم أغراض الزواج هو حفظ النسل الذي هو من الكليات الخمس، التي لا تتحقق إلا بالإنجاب، غير أن العقم يعد أمرا استثنائيا يخضع تفسيره إلى كثير من التأويلات العلمية فقد يكون نتيجة لوجود خلل بيولوجي على مستوى قناة الرحم، أو يتعلق بالرجل كخلل بيولوجي أيضا في الخصيتين يؤدي إلى ضعف الخصوبة1, غير أن العلوم الإحيائية والطبية لم تتوانى في إيجاد الحلول والعلاج لكل الأعراض المرضية، والتلقيح الاصطناعي الداخلي يعد من أهم الابتكارات الحديثة والذي يأخذ الصور التالية.
أ- التلقيح الاصطناعي من الزوج لزوجته: ويتم هذا التلقيح حسب العلماء عن طريق استخلاص الحيوانات المنوية من الزوج واختيار الصالح منها للإخصاب، وإدخالها في قناة فالوب الخاصة بالزوجة ويكون ذلك بسبب ضعف قدرة الخصية على إنتاج الحيوانات المنوية بالنسبة للرجل، أو وجود انسداد في قناة فالوب الخاصة بالمرأة، مما يحول دون اتصال المائين وتذهب كل التشريعات وكذا الفقهاء إلى إجازة القيام بمثل هذه العملية إذا توافرت شروطها، ذلك لأنها لا تثير أية مشكلة أخلاقية أو دينية ولا حتى قانونية غير أنه يشترط لإجراء هذه العملية ضرورة الحصول على رضا الزوج والزوجة وهناك من يشترط أن يكون هذا الرضا مكتوبا وليس شفويا2.
وما يمكن طرحه كسؤال هنا. هو ما مدى قيام جريمة الاغتصاب إذا قام الطبيب بعملية التلقيح بدون رضا الزوجين؟.
الحقيقة أنه لا يمكن أن يكون هذا الفعل مكونا لجريمة اغتصاب، لأن فعل الاغتصاب هو سلوك مادي بمعنى اتصال الرجل بالمرأة اتصالا تاما دون رضاها أي هو الوطء الطبيعي بإيلاج عضو التذكير في فرج الأنثى، ومع ذلك فيمكن قيام جريمة أخرى كالفعل المخل بالحياء مثلا، وهو نفس ما ذهب إليه الدكتور محمد نجيب حسني1.
ب- التلقيح الاصطناعي بعد وفاة الزوج: توصل العلم الحديث في مجال التلقيح الاصطناعي إلى إمكانية وجود بنوك لحفظ الحيوانات المنوية للزوج بعد وفاته، والدليل على ذلك وجود الكثير من حالات الإخصاب ثم الحمل لكثير من السيدات بعد وفاة أزواجهم2.
وقد ظهر هذا النوع من التلقيح في فرنسا وأثار بخصوصه جدل في الأوساط الفقهية حول مشروعيته فهناك من دعا إلى تجريمه نظرا لتعارضه مع القيم الإنسانية إلى حد كبير، بالإضافة إلى أن عملية تجميد الأجنة نتج عنها مخاطر كثيرة لما فيه من امتهان لكرامة الإنسان وتشبيهه بالشيء، كما أن حفظ الأجنة المجمدة في الآزوت هو أمر بالغ الخطورة ذلك أنه يجعل الأزواج الذين يحصلون على أول مولود بطريقة طبيعية يهملون الأجنة الموضوعة على مستوى بنوك الأجنة، والحقيقة أن النطفة الأمشاج في حقيقتها تعد إنسانا بحسب المآل ولهذا فإن إتلافها لا يمكن أن يوصف إلا حالة إجهاض3.
في حين هناك من أجاز هذا النوع من التلقيح على شرط أن يكن الزوج قد رضي بإجراء هذه العملية بعد وفاته كتابيا حال حياته 4.
وفي هذا الصدد تثور إشكالية التلقيح الاصطناعي في حالة الزوج المحكوم عليه بعقوبة سالبة الحرية ؟ .
انقسم الفقه في هذا الخصوص إلى اتجاهين الأول يرى أن الإنجاب من الحقوق الشخصية التي تصر عليها المواثيق الدولية وبعض الدساتير، والقوانين الحديثة، فلا يجوز حرمان المحكوم من هذا الحق، أما الاتجاه الثاني فيرى أن المحكوم عليه إذا كان ليس على درجة من الخطورة أو كانت العقوبات المسلطة عليه قصيرة المدى حيث يمكن له التردد على أسرته ومتابعة شؤونه الخاصة ومنها الإنجاب بالطرق الطبيعية، وهذا عكس الجرائم الشديدة الجسامة التي تقتضي توقيع عقوبات طويلة الأمد حيث لا يجوز للمحكوم عليه مغادرة مقر إقامته في السجن حتى نهاية مدة العقوبة، و بالتالي لا يمكن إجراء عمليات تلقيح اصطناعي عليه أيا كانت صورته.
الفرع الثاني: التلقيح الاصطناعي الخارجي
يتم باقتران ماء الرجل وماء المرأة خارج الرحم في وسط مخبري، في حالة التلقيح الاصطناعي الخارجي أو حتى داخل رحم أخرى للأسباب التالية:
- مرض بطانية الرحمية Endométrioses
- عدم انتظام عملية التبويض عند المرأة PC.O.S
- وجود خلل في السائل المنوي
- وجود مشاكل في عنق الرحم كتكون أجسام مضادة للسائل المنوي.1
لهذه الأسباب فإن التصرفات الواردة على الجسم البشري بهذا الشكل أثارت الكثير من الجدل لدى الأوساط الفقهية والدينية والقانونية 2 حول مدى حرية القيام بها ولهذا التلقيح صور تتمثل في :
أ- حالة أطفال الأنابيب: إن اللجوء إلى التلقيح عن طريق الأنبوب يستعمل في حالة ما إذا كان الزوجين عقيمين أو سليمين، ولكن الزوجة لا تحمل لإصابتها بمرض خطير يحول دون حملها وتتم هذه العملية بإعطاء المرأة حقنة برجونال بعد ابتداء الدورة موعد التبويض، ثم يجري تحليل الدم لمعرفة نسبة زيادة هرمون الأستروجين3.غير أنه يشترط في جميع الأحوال موافقة الزوجين وإلا عد ذلك اعتداء على الحقوق.
وتجدر الإشارة في هذا الخصوص أن العلم في مجال التلقيح الاصطناعي عن طريق الأنبوب قد تمكن من القدرة على التحكم في جنس المولود حسب رغبة الزوجين قبل عملية التلقيح بين الحيوان المنوي والبويضة، عن طريق عزل الجينات الأنثوية عن الجينات الذكرية بداخل الأنبوب.
وتجمع أغلب القوانين على إباحة التلقيح بهذه الطريق، ما دام يتم بوسائل إخصاب الخاصة بالزوجين الشرعيين.
أما شريعتنا الإسلامية فإنه وفي البداية لا بد من بيان الفتاوى الصادرة عن الفقهاء حول هذه المسألة، إذ أن الشريعة أجازت التلقيح الصناعي ولكن ليس بجميع صوره واعتبرت أن التلقيح يفترض له حالتين:
- أن يتم بين الزوج وزوجته.
- أن يتم ذلك ضمن الحدود الشريعة، التي لا تنشأ عنها اختلاط الأنساب ولا فقدان أواصر القرابة.
وبذلك فالصورة الوحيدة للتلقيح الاصطناعي إلي تجيزها الشريعة الإسلامية هي تقنية التلقيح الذي يتم بين الزوج و زوجته أي ببويضة المرأة ومني الزوج. وبذلك فإنها تجيز اللجوء إلى تلقيح الاصطناعي عن طريق أطفال الأنابيب.
وفي هذا الخصوص فقد صدرت عن بعض العلماء المسلمين في كل من مصر والكويت والأردن فتاوى شرعية تجيز هذه الصور بشرط اتخاذ كل موجبات الحيطة والحذر لعدم الوقوع في المحظور.
ب-الأم البديلة ومسألة تأجير الأرحام: يدعونا الكلام في هذه النقطة إلى تحديد الأم البديلة أو تأجير الرحم، فهذا المصطلح يعبر عن عدة تعابير أهمها الأم البديلة –إجارة الرحم- الأم بالواسطة.
وهذه الصورة تتمثل في إعادة زرع البويضة الملقحة أو النطفة الأمشاج فقد يتعذر أحيانا إعادة زرعها في رحم المرأة صاحبتها مما يقتضي زرعها في رحم امرأة أخرى عن طريق ما يسمى بالرحم المستأجرة أو الأم البديلة، ذلك أن الإخصاب في الأنبوب ونقل الجنين ينطوي عادة على قتل كائنات بشرية وهو نوع من الإجهاض ولدا فإن الأم البديلة تعتبر بحق كحل لهذه المشكلة الناتجة عن عدم القدرة على إرجاع البويضة المخصبة إلى الرحم المستخلصة منه 1.
ومن ثمة يمكن تعريف الأم البديلة أنها المرأة التي تحمل بويضة مخصبة في رحمها لامرأة أخرى مجانا أو بمقابل، فتقوم بمهمة حمل الجنين ووضعه على أن يتم ذلك للزوجة التي تسلمه لها بعد الإنجاب.
وقد تكون الزوجة هي الأم البيولوجية وتستخرج منها البويضة بعد إخصابها بنطفة الزوج ثم تدخل في رحم الأم البديلة.
غير أن مسألة تأجير الأرحام لا تكون مشروعة حتما إذا كان الزوج لا تربطه أي علاقة بالأم البديلة أي علاقة زواج شرعية أما إذا كانت الأم البديلة زوجة للزوج فتنتفي عدم المشروعية عند بعض لأن إدخال نطفة الزوج إلى رحمها لا يتعارض مع القواعد الشرعية لإباحة الإنجاب بتلك الوسائل الصناعية حتى ولو كانت نطفة الزوج تم إخصابها ببويضة الأولى، فالعبرة بالخلايا التناسلية للرجل في هذه الحالة ولا يؤثر في مشروعية هذا الإجراء القول أن الجنين يتغذى من دم الأم البديلة وقد شبه ذلك بحالة الأم المرضعة. إذا فالعبرة بالخلايا الأصلية إلي تشكل نواة لنشأة الطفل2 .
وعلى الرغم من هذا فإن هذا الموضوع لقي اتجاهين فهناك من أباح هذا التصرف على أساس أنها تساعد الفرد على الإنجاب أي كانت الطريقة لأن الأمومة والأبوة لا ترتبط فقط بالاتصال الجنسي بل كذلك بالجانب السيكولوجي3، وهناك من عارض هذا التصرف على أساس أنها عملية تجارية لها مخاطر على الطفل الذي يولد ويوضع من أم ثم يسلم إلى أم أخرى وهو ما يشكل ازدواجية الأمومة وبالتالي تفقد الأم البديلة دورها الطبيعي فالأمومة لها وظيفة اجتماعية 4.
وهو نفس الاتجاه الذي أقرته الشريعة الإسلامية التي لا تعترف إلا بالإنجاب عن طريق التلقيح الذي يتم بين الرجل وزوجته بالخلايا التناسلية لكل واحد منهما، وذلك تجنبا لأي اختلاط في الأنساب وتجنبا للآثار القانونية السلبية التي تظهر فيها بعد، سيما إذا ما تعلق الأمر بالميراث مثلا من يرث الطفل الذي يكون من أم بيولوجية وأصله من بويضة امرأة أخرى هل يرث أمه صاحبة البويضة أم الأم البديلة، كون أن الأمومة تعني الحمل. كل هذه الإشكالات التي يمكن أن تنتج دفعت علماء الشريعة إلى رفض كل عملية تلقيح يمكن أن تؤدي إلى تفريق الأسر وضياع مصير الأبناء
الفرع الثالث: موقف المشرع الجزائري من عمليات التلقيح الاصطناعي
قبل تعديل قانون الأسرة بموجب القانون 02/05 لم يكن المشرع الجزائري يتطرق للأحكام القانونية المتعلقة بالتلقيح الاصطناعي، رغم أن هذه العملية كانت تجري في بلادنا حتى قبل صدور هذا القانون وتبعا لذلك كان يعتمد على المادة 41 من قانون الأسرة التي تعتبر الزواج هو الوسيلة الطبيعية للإنجاب، ولكن ومع التعديل الجديد لقانون الأسرة فقد جاء النص عليه صراحة بنص المادة 45 مكرر التي أجازت صراحة لجوء الزوجين إلى عمليات التلقيح الاصطناعي ضمن الشروط التالية.
1- وجود علاقة شرعية وهي الزواج الذي يبرم برضا الزوجين على الوجه الشرعي، من أهدافه تكوين أسرة أساسها المودة والرحمة والتعاون وإحصان الزوجين والمحافظة على الأنساب1.
2- أن يكون التلقيح برضا الزوجين إذ لا يمكن إرغام أحد الزوجين على القيام بهذه العمليات وإلا عد ذلك اعتداء على سلامة الجسم وبالتالي يخرج هذا التصرف عن نطاقه المشروع مشكلا بذلك جريمة يعاقب عليها القانون.
3- أن يتم التلقيح بمني الزوج وبويضة رحم الزوجة دون غيره وهو ما يعبر على أن المشرع الجزائري يعترف ضمنيا بكل صور التلقيح الاصطناعي ما دامت تتم بمني الزوج وبويضة الزوجة على الوجه الشرعي ما عدا التلقيح الذي يتم باستعمال الأم البديلة أو تأخير الأرحام فقد نص صراحة في الفقرة الأخيرة من نفس المادة على أنه لا يجوز استعمال الأم البديلة مطلقا كوسيلة للإنجاب" وبالتالي فإن هذا النص هو شرط ومنع في نفس الوقت، فالشرط هو أن يتم الإخصاب بمني الزوج وبويضة الزوجة أما المنع فهو عدم جواز اللجوء إلى الأم البديلة أو تأجير الأرحام، لأن المشرع الجزائري الذي يأخذ أغلب أحكامه من الشريعة الإسلامية، والتي تجيز التلقيح الاصطناعي الذي يتم بمني الزوج وبويضة الزوجة دون غيرهما لا يعترف إلا بالأمومة الكاملة ويمنع ازدواجها.
ومن كل هذا نخلص أن عمليات التلقيح الاصطناعي ليست من مطلق حرية الأطباء ولا حرية الأفراد أنفسهم، وإنما تخضع لضوابط قانونية وشرعية تحكمها لضمان عدم خروجها عن المقاصد الشريعة.
ومع ذلك فإن نص المادة 45 مكرر يبقى يشوبه القصور، لأنه يعطي حكما بصيغة الوجوب باعتباره قاعدة آمرة في حين لا يرتب أي جزاء عن مخالفة هذه الأحكام.
المطلب الثالث: الاستنساخ البشري
عرف علم الوراثة أو ما يسمى بالهندسة الوراثية خطوات عملاقة في إطار البحوث الجارية على جسم الإنسان، والجدير الذكر وبعدما تناولنا عمليات زرع الأعضاء البشرية، وكذا التلقيح الاصطناعي وخلصنا إلى أن هذه العمليات لا تتم بحرية مطلقة وإنما تتم بضوابط وشروط أن نتناول في هذا المطلب عمليات الاستنساخ البشري، لذلك قسمنا هذا المطلب إلى 03 فروع فتناول الاستنساخ ومخاطره في فرع أول، ثم الاستنساخ والبحث العلمي في الفرع الثاني، ثم نخلص إلى موقف المشرع الجزائري.
الفرع الأول: مفهوم الاستنساخ ومخاطره
يعرف الاستنساخ لغة1 أنه أخذ صورة الأصل بحيث يكون هناك توافق في جميع الحركات والسكنات، وبذلك فهو الإكثار من الأصل أما اصطلاحا فإنه معرفة المعلومات الوراثية للخلايا الجسدية وزرعها في بويضة مفرغة من مورثاتها لتكون جنين بشري له نفس الصفات الوراثية للكائن الأول الذي استخلص منه الخلية.
ومن خلال البحوث العلمية المجرات في مجال الهندسة الوراثية اكتشف العلماء أن هناك خلية واحدة تتميز عن غيرها من الخلايا باحتوائها في نواتها على كافة الصفات الوراثية لتكوين كائن كامل الصفات، والمعلوم أن أول عملية استنساخ تمت في 27 فبراير 1997 أين تمكن فريق من الباحثين يرأسهم العالم الاسكتلندي آيان ويلموت بنجاح من استنساخ النعجة دولي.
ومع ذلك ورغم ما للاستنساخ من مخاطر لأنه يشكل بحق جريمة لا إنسانية لأن الشخص المستنسخ له كامل الحقوق في كفالة حقه في الحياة وهو ما لا يمكن توفيره لعدم إحاطة هذا التصرف بقيود صارمة، فإن هناك من أيد هذا التصرف واعتبره مشروعا. على أساس أنه يساهم في تسهيل وتحسين حياة الأجيال لسيطرته على انتشار الخلايا السرطانية في الجسم باستعمال تقنية الاستنساخ بالتخصيب المخبري، عن طريق عزل عناصر وراثية NAD من أحد الأجنة المستنسخة مع استعمال طريقة الاختيار الوراثي القياسي لمعرفة ما إذا كان الجنين يحمل مرضا وراثيا.
لكن ما يمكن قوله هو إجماع كل دول العالم والمنظمات الدولية على حظر الاستنساخ إذ لقي الاستنساخ ردود فعل معارضة له إذ هناك إجماع تشريعي دولي على تجريمه، إذ بمجرد الإعلان عن بلوغ النعجة دولي شهرها السابع انتشرت صورها في أرجاء العالم، حتى أصدر البرلمان النرويجي قرار يمنع منعا باتا الاستنساخ كما دعا رئيس الجمهورية الفرنسي في نفس اليوم المجلس الاستشاري القومي للأخلاق إلى دراسة القانون الفرنسي للتأكد من عدم وجود ثغرات فيه تمكن العلماء الفرنسيين من القيام بهذه التصرفات2، كما حضرت ايطاليا ذلك ودعا وزير الصحة الحكومة إلى منع إجراء مثل هذه العميلات، سواء على الحيوان، أو على الإنسان، وهو نفسه ما اقترحه الرئيس الأمريكي بيل كلينتون حول حظر الاستنساخ لمدة 15 سنة قائلا أن ذلك غير مقبول أخلاقيا3.
أما شريعتنا الغراء فعلى الرغم من أنه لا يوجد أي دليل في الشريعة ينص على حصر إنتاج الكائن البشري في الإنجاب الطبيعي، فإن موقفها كان المنع البات على أساس أن الاستنساخ إيجاد شيء موجود أصلا، وبالتالي فهو ليس خلقا لأن المختص بالخلق هو الله سبحانه وتعالى والاستنساخ يتم من أصل خلقه الله ويحتاج إلى بويضة أودعها الله في رحم الأم بواسطة شفرات وراثية أوجدها الله وخص بها كل شخص لذاته وفي هذا يقول تبارك وتعالى " يا أيها الناس ضرب مثل فاستمعوا له إن الذين تدعون من دون الله لن يخلقوا ذبابا ولو اجتمعوا له "1.
ويحتج علماء الشريعة بذريعة سد الذرائع لتحريم الاستنساخ فهم مجمعون عليها بمعنى أنه إذا كان الاستنساخ مباحا ونتائجه خطيرة على البشرية فإقراره يؤدي إلى مفاسد في السنن ومنعه هو سد للفساد، لأن أول مقاصد الشريعة هو حفظ النسل الذي هو الحد الفاصل بين الحلال والحرام.
وفي هذا أصدر مجمع الفقه الإسلامي في دورته العاشرة المنعقدة في 1998 مجموعة من التوصيات دعا من خلالها علماء الإسلام إلى الاستعانة بالعلم لتحقيق الأغراض المشروعة، لأن الاستنساخ يمس بخصوصية دقيقة في حرمة الكيان البشري وهي حق الإنسان في التحفظ على ذاتيته.
الفرع الثاني: الاستنساخ والبحث العلمي
إذا كان الاستنساخ يثير العديد المشاكل الدينية والأخلاقية إلا أنه لا يمكن إنكار دور الدراسات العلمية في مجالات التخصيب المعملي والبحوث الوراثية، سيما وأنها تعمل على مكافحة الأمراض وإيجاد الأدوية للأمراض المستعصية مما يعطي نفعا في مجال الطب، وفي اكتشاف معالجات الحروق التي يتعرض لها الجلد أو زراعة النخاع العظمي لعلاج أمراض السرطان، وفقدان الدم الناتج عن التلف الجيني وكذا معالجة مشاكل العقم، غير أنه من الضروري احترام قدسية الجسم خاصة وأن هذه البحوث لا تخلو من النظرية والتجريب.
غير أن هناك رأي لبعض علماء الطب يبيح الاستنساخ في مفهوم آخر، يتمثل في استنساخ إنسان كامل وذلك إما بأخذ خلية من عضو الكبد أو الكلية أو غيرها، ثم إعادة زرعها في بويضة إذ يتوقع أن يكون المستنسخ هو العضو الذي أخذت منه الخلية أو بزرع بعض الجينات الخلوية للأعضاء البشرية في رحم بعض الحيوانات مثل الخنازير والأغنام وذلك أثناء نموها الجنيني تتكون حيوانات حاملة لأعضاء يمكن استئصالها وزرعا، للإنسان لأغراض علاجية.
غير أن النتيجة التي يمكن أن نخلص إليها أنه ومهما كان للاستنساخ من فوائد، فهو محظور ويشكل تعديا الذي يدخل في دائرة الإجرام الغير متعارف عليه، سواء كان علاجي أو تناسلي و إن كانت أغراضه هي البحث العلمي فإنه لا يمكن أن يدخل في دائرة التصرفات الطبية المشروعة على جسم الإنسان، نظرا للمشاكل الاجتماعية إلي يطرحها بتوسيع الإجرام وكذا المشاكل القانونية وحتى الدينية.
الفرع الثالث: موقف المشرع الجزائري من عمليات الاستنساخ البشري
على الرغم من أن المشرع الجزائري لم ينص أبدا على موقفه من هذا التصرف في جميع القوانين الجزائرية، ولم تصدر بهذا الشأن أي قرار أو تعليمية أو توصية عن وزارة الصحة تمنع الأطباء من إجراء مثل هذه العمليات، وربما يرجع ذلك إلى استبعاد حدوث مثل هذا العمليات في بلادنا نظرا للنقص الهائل في الإمكانيات الطبية، ومع ذلك يمكن استخلاص رفض المشرع لأي تصرف يمس بذاتية الفرد بالرجوع إلى الدستور الجزائري وكذا مدونة أخلاقيات الطب وقانون الصحة وكذا قانون الأسرة.
في الدستور الجزائري: نصت المادة 31 من الدستور الجزائري الصادر في 28 نوفمبر 1996 على أنه " لا يجوز انتهاك حرمة حياة المواطن الخاصة وحرمة شرفه ويحميهما القانون".
وبذلك فالمشرع الجزائري يميل إلى حظر الاستنساخ، لأن حق الفرد في الحياة وفي التحفظ على داخليته محمي قانونا وحقه في تكوين أسرة لا مفر منه وتكوين هذه الأسرة برباط غير الزواج الشرعي الطبيعي أمر يهدد استقرار مشاعر الأمة والانتماء ووحدة المجتمع وينمي مشاعر الفرقة والغيرة والحقد، وبهذا فإن المنطق يدعو إلى رفض كل الوسائل خارج نطاق العلاقة الزوجية الشرعية للإنجاب1.
في قانون الأسرة الجزائري: إن الاستنساخ البشري يتعارض مع الكثير من المفاهيم والمبادئ الهامة في قانون الأسرة الجزائري وعلى رأسها مسألة الزواج التي تنص عليها المادة 204 من قانون الأسرة ومسألة النسب كذلك فقانون الأسرة الجزائري يستمد أحكامه من الشريعة الإسلامية التي لا تعترف إلا بصورة واحدة للنسب التي جاءت بها المادة 40 ومن قانون الأسرة " يثبت النسب بالزواج الصحيح وبالإقرار أو بالبيّنة أو بنكاح الشبهة وبكل نكاح تم فسخه قبل الدخول " كما تنص المادة 41 منه " ينسب الولد لأبيه متى كان الزواج شرعيا وأمكن الاتصال و لم ينفه بالطرق المشروعة".
في قانون الصحة ومدونة أخلاقيات مهنة الطب: يتعارض مفهوم الاستنساخ مع نص المادة 07 من مدونة أخلاقيات الطب3 التي تحث الطبيب على الدفاع عن صحة الأفراد البدنية والعقلية، ذلك أن العمل الطبي هو كل نشاط يرد على جسم الإنسان أو نفسه يتفق في طبيعته أو كيفيته مع الأصول العلمية والقواعد المتعارف عليها نظريا وعلميا.
إضافة إلى أن الاستنساخ يتعارض أيضا مع نص المادة 03 من قانون حماية الصحة وترقيتها، التي تنص " ترمي الأهداف المسطرة في مجال الصحة إلى حماية حياة الإنسان من الأمراض والأخطار وتحسين ظروف المعيشة والعمل على توفير العلاج".
ومن ثمة فلا يمكن أن يكون الاستنساخ عمل طبي غرضه العلاج كونه يهدم كل القيم الإنسانية فيعدم الأبوة والبنوة ويشتت الأواصر وتختلط الحرمات1.
وما يمكن استخلاصه أن المشرع الجزائري يحمي حق الفرد في داخليته مسايرا بذلك المواثيق الدولية والإعلان العالمي لحقوق الإنسان في مادته 11، على اعتبار أن هذا الحق وثيق الصلة بالكثير
من الأمور الخاصة بالأفراد كالإنجاب والميراث...الخ.