أولاً: من عرب الجاهلية:
كانت الصوفية منتشرة في جزيرة العرب قبل الإسلام، وكانت معروفة باسم (الكهانة)، حيث كان في كل قبيلة كاهن.
روى ابن أبي حاتم في تفسير: ((يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ)) [النساء:51] عن جابر بن عبد الله بن حرام الأنصاري، سئل عن الطواغيت، فقال: إن في جهينة واحداً، وفي أسلم واحداً، وفي هلال واحداً، وفي كل حي واحداً، وهم كهان كانت تنزل عليهم الشياطين.
وكانوا يسمون الكاهن أيضاً (العراف)، والمعنى واحد؛ لأن معنى كلمة (الكاهن) هو (العارف)، جاء في لسان العرب: ...والعرب تسمي كل من يتعاطى علماً دقيقاً كاهناً، ومنهم من كان يسمي المنجم والطبيب كاهناً...الكاهن الذي يتعاطى الخبر عن الكائنات في مستقبل الزمان، ويدعي معرفة الأسرار....
ومن أشهر كهان الجاهلية شق بن صعب القسري (من نسله خالد بن عبد الله القسري وأخوه أسد)، ويوحي الاسم (شق) أنه لقب وليس اسماً، وكذلك (سطيح)، واسمه ربيع بن ربيعة المازني الأزدي، ومما تذكره الكتب عنهما، نستطيع أن نظن أنهما، مثل أحمد البدوي، جُذبا جذبة استغرقتهما إلى الأبد.
ومن عارفي الجاهلية الذين دخلوا في صراع مع الإسلام: مسيلمة الكذاب، والأسود العنسي، وسجاح.
* ثانياً: من الهند:-
حيث يقدَّر أن الهندوسية عرفت هناك منذ حوالي ثمانمائة سنة قبل المسيح، والكهانة الهندوسية هي نفس الكهانة في كل مكان، عقيدة وطريقة، وهي نفس الصوفية، حيث تقوم عقيدتها على وحدة الوجود، وطقوسها هي نفس الطقوس الإشراقية في كل مكان: الخلوة، والجوع، والسهر، والصمت، وتركيز الفكر والبصر والجلسة الثابتة، أو ضبط التنفس حسب إيقاع معين.
ثالثاً: من فرس الجاهلية:-
وقد كان الفرس قبل الإسلام يدينون بالزرادشتية (المجوسية)، المبنية على وحدة الوجود، منحدرة من اتحاد أو حلول بين انبثاقات صادرة عن إلهين اثنين (النور والظلمة)، وكان مذهب الأكثرية المجوسية يرجع المبدأين (النور والظلمة) إلى كائن أعلى واحد، منه انبثق الوجود، ثم جاءت المانوية متفقة مع الزرادشتية في أصل العقيدة.
رابعاً: من اليونان:
حيث كانت تسيطر الإيلوسية، التي هي نفس الكهانة الهندوسية ونفس الغنوصية ونفس الصوفية عند المسلمين، مع فوارق يقتضيها اختلاف الظروف والثقافات والإشراقات.
وعندما سيطر اليونانيون بقيادة الإسكندر بن فيليب المكدوني على بلاد الشام ومصر والعراق وفارس وبعض الهند، سيطرت ثقافتهم، بعد أن امتزجت بالثقافة الشرقية على البلاد، منذ القرن الثالث قبل الميلاد، فانتشرت الإيلوسية وكهانتها وثقافتها، بما في ذلك الأوفاق والزايرجة والطلاسم واستنطاق الحروف واستخدامها وأسرارها، هذه العلوم التي لم تزل علوماً أساسية عند متصوفة المسلمين، والتي هي نفس السحر وأبوابه، والتي انبثقت أصلاً من الكهانة المصرية الفرعونية.
ثم انحدرت الإيلوسية إلى الرومان، وانتشرت في الإمبراطورية الرومانية، حتى إن بعض القياصرة كانوا يحجون إلى إيلوسيس.
وعندما ظهرت المسيحية، حاربت الإيلوسية (شأن دين الإسلام في أي عصر كان)، فتسترت بالكتمان، حتى ظهرت في القرن الثاني الميلادي باسم (الغنوصية)، أي: المعرفة، (باليونانية Gnosis)، ومنها الغنوصي، أي العارف، وانتشرت الغنوصية حيث انتشرت المسيحية، وخاصة في بلاد الشرق: مصر والشام والعراق واليمن وبعض فارس، وهي البلاد التي دخلت في الإسلام قبل غيرها، وكان بين غنوصية سورية وغنوصية الإسكندرية بعض الفوارق، لتأثر الأخيرة بشيء من اليهودية.