منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب - عرض مشاركة واحدة - خوارج مع الدعاة مرجئة مع الحكام
عرض مشاركة واحدة
قديم 2011-05-14, 18:13   رقم المشاركة : 10
معلومات العضو
جمال البليدي
عضو محترف
 
الصورة الرمزية جمال البليدي
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

النصوص الواردة في المسألة

1- عن عبادة بن الصامت قال: "دَعَانَا النَّبِيُّ فَبَايَعْنَاهُ فَقَالَ فِيمَا أَخَذَ عَلَيْنَا أَنْ بَايَعَنَا عَلَى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ فِي مَنْشَطِنَا وَمَكْرَهِنَا وَعُسْرِنَا وَيُسْرِنَا وَأَثَرَةً عَلَيْنَا وَأَنْ لا نُنَازِعَ الأَمْرَ أَهْلَهُ (إِلا) أَنْ (تَرَوْا) (كُفْرًا) (بَوَاحًا) عِنْدَكُمْ مِنْ اللَّهِ (فِيهِ بُرْهَانٌ)" متفق عليه.
2- وعن عوف بن مالك الأشجعي أن النبي قال: "خِيَارُ أَئِمَّتِكُمْ: الَّذِينَ تُحِبُّونَهُمْ وَيُحِبُّونَكُمْ، وَيُصَلُّونَ عَلَيْكُمْ وَتُصَلُّونَ عَلَيْهِمْ، وَشِرَارُ أَئِمَّتِكُمْ: الَّذِينَ تُبْغِضُونَهُمْ وَيُبْغِضُونَكُمْ، وَتَلْعَنُونَهُمْ وَيَلْعَنُونَكُمْ!. قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَفَلا نُنَابِذُهُمْ بِالسَّيْفِ؟!. فَقَالَ: لا مَا أَقَامُوا فِيكُمْ الصَّلاةَ ... الحديث" أخرجه مسلم.

(بعض) أقوال أهل العلم في هذه الأحاديث (باختصار)

قال الحافظ في "الفتح" (13/37):
"أجمع الفقهاء على وجوب طاعة السلطان المتغلب والجهاد معه وأن طاعته خير من الخروج عليه .. ولم يستثنوا من ذلك إلا إذا وقع من السلطان الكفر الصريح فلا تجوز طاعته في ذلك بل تجب مجاهدته لمن قدر عليها"اهـ.

وقد ذكر مثل قول الحافظ جمع من أهل العلم كابن بطال في "شرحه على البخاري" (5/126)، والقاضي عياض فيما نقله النووي في "المنهاج" (12/229) وعنه نقل أخونا المصري، والشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ كما في "مجموعة الرسائل والمسائل النجدية" (3/168).

التعليق على ما سبق

إن النصوص والإجماعات السابقة يجب حملها على ما إذا كفر الإمام بعينه (=الكفر العيني) لا بمجرد وقوعه في الكفر (=الكفر النوعي)؛ وهذا (للأدلة) الآتية:

أولاً

لأن قاعدة (أهل السنة) في التفريق بين النوع والعين إنما بنيت على أدلة (عامة) من الكتاب والسنة؛ فهي تنطبق على كل مسلم سواءً كان حاكمًا أو محكومًا، ومن فرق بين الحاكم والمحكوم في اندراجه تحت هذه القاعدة المأخوذة من الكتاب والسنة؛ فعليه بدليل التفريق.

فإذا كان المسلم (العادي) قد يعتذر له من الوقوع في الكفر لمانع –من موانع التكفير- منع من ذلك كالجهل؛ فلا تسقط حقوقه كمسلم –من أخوة ونصرة وتوريث ودفن في مقابر المسلمين..إلخ- حتى لو وقع في الكفر الصريح طالما أن الكفر لم يقع على عينه؛ فمن باب أولى أن يعتذر عن إمام المسلمين وحاكمهم لاسيما وغالبهم جُهَّال! –وهذا أقل ما يقال فيهم- كما قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله –في فتوى له (قديمة)-:

"وغالب الحكام الموجودين الآن جهلة!، لا يعرفون شيئاً، فإذا جاء إنسان كبير العمامة طويل الأذيال واسع الأكمام وقال له: هذا أمر يرجع إلى المصالح، والمصالح تختلف بحسب الزمان والمكان والأحوال، والنبي قال: (أنتم أعلم بأمور دنياكم)، ولا بأس أن تغيروا القوانين التي كانت مقننة في عهد الصحابة وفي وقت مناسب إلى قوانين توافق ما عليه الناس في هذا الوقت؛ فيحللون ما حرم الله، ... ثم يقولون: اكتب هذه المادة!؛ فيكون هذا جاهلاً" اهـ. من "لقاءات الباب المفتوح" رقم (87) الوجه (ب) الدقيقة (00:28:24).


وقد نص شيخ الإسلام ابن تيمية -في "فتاواه" (12/500-501)- على عموم هذه القاعدة على (كل المسلمين) بلا استثناء؛ فقال: "فتكفير (المعيّن)- من هؤلاء الجهّال وأمثالهم- بحيث يحكم عليه أنه من الكفار- لا يجوز الإقدام عليه إلا بعد أن تقوم على أحدهم الحجة الرسالية التي يتبين بها أنهم مخالفون للرسل، وإن كانت هذه المقالة لا ريب أنها كفر. وهكذا الكلام في تكفير (جميع المعيّنين). ... فليس لأحد أن يكفّر (أحدًا) من المسلمين-وإن أخطأ وغلط- حتى تُقَامَ عليه الحجة، وتُبَيَّنَ له المحجة. ومن ثبت إيمانه بيقين، لم يزل ذلك عنه بالشك؛ بل لا يزول إلا بعد إقامة الحجة وإزالة الشبهة"اهـ.

ثانيـًا

أن قول بعض أهل العلم -كالقاضي عياض فيما نقله أخونا المصري- في مسألتنا: "فلو طرأ عليه كفر.. خرج عن حكم الولاية.." هو من قبيل التنظير العام، وليس أن هذا حكمهم في (كل حاكم بعينه) ممن طرأ عليه الكفر. وهذا نظير قول أهل السنة في بعض المكفرات: "من فعل كذا فهو كافر".

فالذين توهموا غير ذلك مخطئين؛ فإن حقيقة الأمر –كما يقول شيخ الإسلام في"المجموع" (12/487-488) مبينا وجه توهم هؤلاء-: "أنهم أصابهم في ألفاظ العموم في كلام الأئمة ما أصاب الأولين في ألفاظ العموم في نصوص الشارع، [فَـ]ـكُلَّمَا رأوهم قالوا: (من قال كذا فهو كافر)؛ اعتقد المستمع أن هذا اللفظ (شامل لكل من قاله)!، ولم يتدبروا أن التكفير له شروط وموانع قد تنتقي في حق المعين وأن تكفير المطلق لا يستلزم تكفير المعين إلا إذا وجدت الشروط وانتفت الموانع. يبين هذا أن الإمام أحمد وعامة الأئمة: الذين أطلقوا هذه العمومات لم يكفروا أكثر من تكلم بهذا الكلام بعينه. فإن الإمام أحمد -مثلاً- قد باشر "الجهمية" الذين دعوه إلى خلق القرآن ونفي الصفات وامتحنوه وسائر علماء وقته وفتنوا المؤمنين والمؤمنات الذين لم يوافقوهم على التجهم بالضرب والحبس والقتل والعزل عن الولايات وقطع الأرزاق ورد الشهادة وترك تخليصهم من أيدي العدو ... ومعلوم أن هذا من أغلظ التجهم فإن الدعاء إلى المقالة أعظم من قولها ... ثم إن الإمام أحمد دعا للخليفة وغيره ممن ضربه وحبسه واستغفر لهم ... ولو كانوا مرتدين عن الإسلام لم يجز الاستغفار لهم ؛ فإن الاستغفار للكفار لا يجوز بالكتاب والسنة والإجماع وهذه الأقوال والأعمال منه ومن غيره من الأئمة صريحة في أنهم لم يكفروا المعينين من الجهمية الذين كانوا يقولون: (القرآن مخلوق)... والدليل على هذا الأصل : الكتاب والسنة والإجماع والاعتبار..." اهـ باختصار، وانظر قوله أيضًا في "الفتاوى" (23/345)؛ حيث ذكر أن هذا القول هو: "الذي عليه أصحاب النبي وجماهير أئمة الإسلام"اهـ.

ثالثـًا

لأن الإجماع العملي (المتواتر) عن السلف الصالح يؤكد بطلان هذا التفريق السابق ذكره، ويؤكد أن قاعدة (أهل السنة) في (تكفير الأعيان) تنطبق على (كل أحد) بِغَضِّ النظر عن كونه حاكمًا أو محكومًا. وقد سبق الإشارة إلى ذلك من قول شيخ الإسلام ابن تيمية، وأزيد ههنا فأقول: أنه في زمن (المحنة)؛ قد دعا ثلاثة من الخلفاء -وهم المأمون والمعتصم والواثق- إلى الكفر الصريح!؛ وهو القول بخلق القرآن؛ قال أبو حاتم وأبو زرعة الرازيين: "أدركنا العلماء في جميع الأمصار حجازا وعراقا وشاما ويمنا فكان من مذهبهم... [أن] من زعم أن القرآن مخلوق فهو كافر بالله العظيم كفرا ينقل عن الملة ومن شك في كفره ممن يفهم فهو كافر"اهـ. أخرجه اللالكائي في "الاعتقاد".

فألزم هؤلاء الخلفاء الناس بذلك الكفر، مع أن قولهم كذب على الله وافتراء عليه، بل وحكم بغير ما انزل الله في التشريع العام –على اصطلاح البعض!-، فهل هناك تبديل للشرع أكبر من ذلك؟!؛ فإن لم يكن هذا تبديل للشرائع وتغيير للأحكام؛ فليس هناك تبديل ألبتة!؛ بل إن هذا أشد أنواع التبديل على الإطلاق كما قال تعالى: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أُولَئِكَ يُعْرَضُونَ عَلَى رَبِّهِمْ وَيَقُولُ الْأَشْهَادُ هَؤُلاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى رَبِّهِمْ أَلا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ} وقال: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوىً لِلْكَافِرِينَ}.

فهؤلاء الخلفاء عاقبوا من خالفهم من العلماء بالقتل والضرب والحبس والعزل عن الولايات وأنواع الإهانة!، وقطعوا أرزاق من يخالفهم من بيت المال!، وبرغم كل ذلك؛ لم يقل أحد –من أهل السنة- بسقوط ولايتهم أو الخروج عليهم. بل ثبت عنهم خلاف ذلك كله؛ فكان فعلهم هذا منقبة من أهم مناقبهم التي يرويها عنهم أهل العلم في كتب الاعتقاد وغيرها.

قال حنبل : "اجتمع فقهاء بغداد في ولاية الواثق إلي أبي عبد الله [يعني: الإمام أحمد] وقالوا له: إن الأمر قد تفاقم وفشا -يعنون: إظهار القول بخلق القرآن وغير ذلك-، ولا نرضي بإمرته ولا سلطانه!؛ فناظرهم في ذلك، وقال: عليكم بالإنكار في قلوبكم ولا تخلعوا يداً من طاعة، ولا تشقوا عصا المسلمين، ولا تسفكوا دمائكم ودماء المسلمين معكم وانظروا في عاقبة أمركم، واصبروا حتى يستريحَ بَرٌ، ويُسْتَراحَ من فاجر. وقال ليس هذا [يعني: نزع أيديهم من طاعته] بصواب، هذا خلاف الآثار" اهـ عن "الآداب الشرعية" لابن مفلح (1/196)، وانظر "السنة" للخلال (1/133-134).

قال الشيخ ابن برجس في "معاملة الحكام" ص (9): "فهذه صورة من أروع الصور التي نقلها الناقلون، تبين مدي اهتمام السلف بهذا الباب، وتشرح –صراحة- (التطبيق العملي) لمذهب أهل السنة والجماعة فيه" أهـ.

وفي ذلك يقول شيخ الإسلام -في "مجموع الفتاوى" (7/507-508)-: "مع أن أحمد لم يكفر أعيان الجهمية، ولا كل من قال إنه جهمي كفره، ولا كل من وافق الجهمية في بعض بدعهم؛ بل صلى خلف الجهمية الذين دعوا إلى قولهم وامتحنوا الناس وعاقبوا من لم يوافقهم بالعقوبات الغليظة. لم يكفرهم أحمد وأمثاله بل كان يعتقد إيمانهم (((وإمامتهم))) ويدعو لهم ويرى الإئتمام بهم في الصلوات خلفهم والحج والغزو معهم والمنع من الخروج عليهم ((ما يراه لأمثالهم من الأئمة)) وينكر ما أحدثوا من القول الباطل الذي هو كفر عظيم وإن لم يعلموا هم أنه كفر وكان ينكره ويجاهدهم على رده بحسب الإمكان فيجمع بين طاعة الله ورسوله في إظهار السنة والدين وإنكار بدع الجهمية الملحدين وبين رعاية حقوق المؤمنين من الأئمة والأمة وإن كانوا ((جهالاً مبتدعين)) وظلمة فاسقين" أهـ.

تنبيه هام: قد بتر بعض من ينتسب للعلم كلمة ((وإمامتهم)) من كلام شيخ الإسلام كما فعل صاحب كتاب: "قراءة نقدية! لظاهرة الإرجاء" وانظر هذا البتر ص (240) الطبعة الأولى - الدار السلفية(!). ثم وقفت عليه مجددًا في طبعته الثانية الجديدة (!) ص (330). والله المستعان.

* وقد نقل ((الإجـمـاع)) -على هذا الفهم- كل من العلامة عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ، والعلامة القرآني محمد الأمين الشنقيطي:

1- فقال الشيخ عبد اللطيف - كما في "الدرر السنية" (8/378-388)-:
" ... ولم يَدْرِ هؤلاء المفتونون أن أكثر ولاة أهل الإسلام من عهد يزيد بن مُعَاوِيَة -حاشا عُمَر بن عبد العزيز ومن شاء الله من بني أمية- قد وقع منهم من الجرأة والحوادث العظام والخروج والفساد في ولاية أهل الإسلام، ومع ذلك فسيرة الأئمة الأعلام والسادة العظام معهم معروفة مشهورة، لا ينْزعونَ يدًا من طاعة فيما أمر الله به ورسوله من شرائع الإسلام، وواجبات الدين. وأضربُ لك مثلاً ...الطبقة الثانية من أهل العلم، كأحمد بن حنبل، وَمُحَمَّد بن إسْمَاعيل، وَمُحَمَّد بن إدريس، وَأَحْمَد بن نوح، وإسحاق بن راهويه، وإخوانهم... وقع فِي عصرهم من الملوك ما وقع من البدع العظام وإنكارالصفات، ودُعُوا إلى ذَلِكَ، وامتُحِنُوا فيه، وقُتِلَ من قُتِلَ، كمحمد بن نصر، ومع ذَلِكَ، فلا يُعْلَم أنَّ أحدًا منهم نزَعَ يدًا من طاعة ولا رأى الخروج عليهم" اهـ باختصار.

2- وقال الشيخ الشنقيطي في "تفسيره"/طـ المجمع (1/81-82 باختصار):
"قال بعض العلماء: إذا صار فاسقا أو داعيا إلى بدعة جاز القيام عليه لخلعه، و(التحقيق) -الذي لا شك فيه- أنه لا يجوز القيام عليه لخلعه إلا إذا ارتكب كفرا بواحًا عليه من الله برهان" ثم نقل بعض الأحاديث الدالة على ذلك، ثم قال: "فهذه النصوص تدل على منع القيام عليه -ولو كان مرتكبا لما لا يجوز- إلا إذا ارتكب الكفر الصريح الذي قام البرهان (الشرعي) -من كتاب الله وسنة رسوله - أنه كفر بواح؛ أي: ظاهر باد لا لبس فيه. وقد دعا المأمون والمعتصم والواثق إلى بدعة القول: بخلق القرآن وعاقبوا العلماء من أجلها بالقتل والضرب والحبس وأنواع الإهانة، ولم يقل أحد بوجوب الخروج عليهم بسبب ذلك، ودام الأمر بضع عشرة سنة حتى ولي المتوكل الخلافة، فأبطل المحنة، وأمر بإظهار السنة"اهـ.

رابعـًا

أن هذا المذهب هو مذهب الأئمة في كل عصر، ولا يُعْلَمُ لهم مخالف (من أهل السنة)؛ فواقعنا الذي نعيشه الآن ((واقع مُكَرَّر)) بمعنى الكلمة!، وهذا الواقع قد عايشه جميع أئمة الإسلام وتَكَرَّرَ أمام أعينهم في أزمان عديدة خلال فترة لا تقل عن ستمائة عام سبقت؛ أي منذ دخول التتر بلاد الإسلام، وإليك بعض الأمثلة التاريخية التي تشير إلى وجود مثل حكام زماننا فيما سبق من القرون:

1- جاء في القاموس الإسلامي -التابع لوزارة الشئون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد بالمملكة العربية السعودية ص (48) نقلاً عن الموقع الرسمي (http:\www.al-islam.com) بإشراف معالي الوزير الشيخ/صالح بن عبد العزيز بن محمد آل الشيخ- جاء فيه:
أن "القوانين التي وضعها جنكيز خان ورتب فيها أحكاما وحدد فيها حدودا...كانت هي لب القانون الذي يطبق في الخلافات بين المماليك في عصر سلاطين المماليك.‏..."اهـ باختصار.

2- وقال المؤرخ الشهير يوسف بن تغري بردي -في "النجوم الزاهرة" (7/182)- :
(كان الملك الظاهر [بيبرس] رحمه الله يسير على قاعدة ملوك التتار وغالب أحكام جنكزخان من أمر اليسق والتورا..)اهـ.

3- وقال محمد فريد بك المحامي -في "تاريخ الدولة العثمانية"ص (177-178) نقلاً عن كتاب "التبيين والتفصيل في مسألتي التقنين والتبديل" لأبي عمر العتيبي- قال عند ذكر الترتيبات الداخلية للسلطان (محمد الفاتح):
"ووضع أول مبادئ القانون المدني وقانون العقوبات فأبدل العقوبات البدنية أي السن بالسن والعين بالعين وجعل عوضها الغرامات النقدية بكيفية واضحة أتمها السلطان سليمان القانوني الآتي ذكره"اهـ.

أقول: ولم يُعْلَم أن أحدًا من أهل العلم -ممن عاصر هؤلاء الحكام الذين حكموا بالياسق أو بالقوانين- نزَعَ يدًا من طاعة ولا رأى الخروج على هؤلاء الحكام المبدلين لشرع رب العالمين لمجرد أنهم حكموا بغير ما أنزل الله على صورة مكفرة؛ بل قد عُلِمَ منهم نقيض ذلك من الاعتراف بإمامة هؤلاء الحكام، والدعاء لهم، والجهاد معهم، وعدم الخروج عليهم...إلخ.

وكذلك فهذا هو مذهب كل الأئمة الكبار من (أهل السنة) المعاصرين أيضًا؛ فقد سئل العلامة ابن عثيمين رحمه الله -كما في لقاءات الباب المفتوح رقم (51) الوجه (ب) الدقيقة (00:12:41)/بفهرسة أهل الحديث والأثر-:هل ترد موانع التكفير أو ما اشترطه أهل السنة والجماعة في إقامة الحجة على من حكم بغير ما أنزل الله (تشريعاً عاماً)؟.

فأجاب:
"كل إنسان فعل مكفراً [فلابد] أن يوجد فيه مانع التكفير، ولهذا جاء في الحديث الصحيح لما سألوه هل
ننابذ الحكام؟ قال: (إلا أن تروا كفراً بواحاً عندكم فيه من الله برهان) فلابد من أن يكون الكفر صريحًا معروفًا لا يحتمل التأويل، فإن كان يحتمل التأويل فإنه لا يكفر صاحبه وإن قلنا إنه كفر. فيفرق بين القول والقائل، وبين الفعل والفاعل، قد تكون الفعلة فسقاً ولا يفسق الفاعل لوجود مانع يمنع من تفسيقه، وقدتكون كفراً ولا يكفر الفاعل لوجود مانع يمنع من تكفيره، وما ضر الأمة الإسلامية في خروج الخوارج إلا هذا التأويل الفاسد، تتأول الخوارج مثلاً أن هذا كفر؛ فتخرج، فالخوارج كانوا مع علي بن أبي طالب على جيش أهل الشام ، فلما وقعت المصالحة بين علي بن أبي طالب وأهل الشام خرجت الخوارج الذين كانوا معه عليه حتى قاتلهم وقتلهم والحمد لله، لكن الشاهد أنهم خرجوا وقالوا: أنت حكمت بغير ما أنزل الله؛ لأنك حكمت البشر، فخرجوا عليه.

فالتأويل الفاسد هو البلاء؛ بلاء الأمة. فقد يكون الشيء غير كفرٍ فيعتقدها هذا الإنسان أنه كفر بواح فيخرج، وقد يكون الشيء كفراً لكن الفاعل ليس بكافر لوجود مانع يمنع من تكفيره، فيعتقد هذا الخارج أنه لا عذر له فيخرج!. ولهذا يجب على الإنسان التحرز من التسرع في تكفير الناس أو تفسيق الناس، ربما يفعل الإنسان فعلاً فسقاً لا إشكال فيه، لكنه لا يدري، فإذا قلت: يا أخي! هذا حرام. قال: جزاك الله خيراً. وانتهى عنه. أليس هذا موجودًا؟!؛ بلى بلا شك إذاً: كيف أحكم على إنسان بأنه فاسق دون أن تقوم عليه الحجة؟.

فهؤلاء الذين تشير إليهم [يعني ممن يحكمون بالقوانين] مما يجري في الساحة بين حكام العرب والمسلمين قد يكونون معذورين فيه لم تُبَيَّن لهم الحجة، أو بينت لهم وجاءهم من يلبس عليهم ويشبه عليهم مثلاً. فلا بد من التأني في الأمر..." اهـ.

شبهات حول ما سبق تحريره
أولاً
الاستدلال بقول النبي "مَا قَادَكُمْ بِكِتَابِ اللَّهِ"

وأما الاستدلال بحديث "يَقُودُكُم بِكِتَابِ اللَّهِ" أو "مَا قَادَكُمْ بِكِتَابِ اللَّهِ" وزعمه أن الإمام إذا لم يكن يقودنا بكتاب الله فلا ولاية له؛ فمردود من وجوه:

الأول: أن الحديث ليس في الإمامة العظمى أو ما يقوم مقامها من إمامة الأقطار والبلدان المتفق على اعتبارها كالإمامة العظمى عند غياب الخلافة؛ وإنما فيما دونها؛ بدليل قوله : "لَوْ اسْتُعْمِلَ" أي أنه أحد العمال، وليس الإمام أو ما يقوم مقامه عند غياب الخلافة.

الثاني: أن الحديث سواء كان في الإمامة العظمى أو فيما دونها؛ فإن الأخذ بمفهوم المخالفة من النصوص الشرعية ليس على إطلاقه؛خصوصًا إذا كان هذا المفهوم سوف يثبت به أحكام شرعية. فهل يَفْهَمُ عاقلٌ! من قوله تعالى: {وَلا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاء إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا} أنهن إن لم يردن تحصنًا؛ فلنا إكراههن على ذلك؟!!، وهل يُفْهَمُ من قوله تعالى: {لاَ تَأْكُلُواْ الرِّبَا أَضْعَافًا مُّضَاعَفَةً} أنه يجوز لنا أكله أضعافًا يسيرة؟!!. هذا لا يقوله عاقل؛ فضلاً عن مسلم. فالأخذ بمفهوم المخالفة له ضوابط وقيود تجدها مبسوطة في كتب الأصول، وليس هذا محل الكلام عليها.

الثالث: أننا على فرض صحة الأخذ بمفهوم المخالفة في هذا الحديث؛ فيكون الكلام تقديره: "لَوْ اسْتُعْمِلَ عَلَيْكُمْ عَبْدٌ لاَ يَقُودُكُمْ بِكِتَابِ اللَّهِ فلا َتَسْمَعُوا لَهُ وَلاَ تُطِيعُوا". أقول: فهل يُفْهَمُ من هذا أنه تسقط طاعته مطلقًا كما يتوهم البعض من ذلك؟!؛ أم يُفْهَمُ منه أنه إذا لم يقدنا بكتاب الله ((فيما أمر)) فلا نسمع له ولا نطيع ((فيما أمر)) فقط مما خالف فيه كتاب الله؟!. فإن أجيب بالاحتمال الأول المُتَوَهَّم؛ لزم من ذلك أن يستدل بقوله : "فَإِذَا أُمِرَ بِمَعْصِيَةٍ فَلا سَمْعَ وَلا طَاعَةَ" على سقوط الولاية والطاعة لأي حاكم مطلقًا لمجرد أنه أمر بالمعصية ولو لمرة واحدة!، ولا يقول بذلك إلا الخوارج!. قال ابن بطال في "شرحه للبخاري" (5/126): "قال الرسول : (..فَإِذَا أُمِرَ بِمَعْصِيَةٍ فَلا سَمْعَ وَلا طَاعَةَ) احتج بهذا الحديث الخوارج ورأوا الخروج على أئمة الجور والقيام عليهم عند ظهور جورهم"اهـ.

نقلا عن الأخ أبو رقية الذهبي للفائدة.









رد مع اقتباس