إصلاحات في الوقت القاتل
11-05-2011 محمد بغالي
أهمية الإصلاحات السياسية التي أعلن عنها رئيس الجمهورية أخيرا، لا تكمن فقط في محتواها ومدى مساهمتها في السماح لـ''الكوكوطة'' بالتنفس وعدم الانفجار، الأهم في هذه الإصلاحات هو مفصليتها وتشكلها كمنعرج أخير في سباق الثقة بين الشعب الجزائري وسلطته.. منعرج إذا لم يحسن السائق التعاطي معه قد ينتهي به إلى السقوط في حادث مروّع، فليس هناك أخطر على استقرار الدولة من شعور رعاياها بالقنوط وانسداد الأفق.
لنتصور لحظة أن إصلاحات رئيس الجمهورية لم تأت أكلها، ولم تستدرك ما ضاع من الحريات، ولم تفتح المجال أمام ممارسة سياسية تعددية حقيقية لا تقصي الأحزاب التي لم ترتم في حضن السلطة، ولا الشخصيات والتيارات الوطنية التي لم تجلس ''في حجرها''.. لنتصور أن هذه الإصلاحات لم تفتح مصادر الخبر لتمكن المواطن الجزائري من الاطلاع على سير الدولة باطنا وظاهرا، ولم تحد من الفساد الذي استشرى وأطلق الشنبات وتورّم في وسط موسوم بالضبابية ولا مكانة للشفافية تحت سمائه، فأهدر المال العام ببذخ لم يسبق له مثيل، واستولى اللصوص والسرّاق وقطـّاع الطرق وصعاليك الريع باليد اليسرى على ما تدفعه الدولة باليد اليمنى.. للمافيا المال وللشعب الوعود.
هذه الإصلاحات تأتي بعد سابقات أصابت الشعب في كل مرة بالصدمة، فدستور 89 لم يأت بالجمهورية الديمقراطية المأمولة، التي غرقت في دماء استمر انهمارها عشرية كاملة، ودستور ليامين زروال لم يأت بالاستقرار السياسي والاجتماعي الذي انتظرناه طويلا، ودستور بوتفليقة لم يمكـّن الجزائريين من مزيد العزة والكرامة، ففي حين زاد عدد العهدات الرئاسية بقيت رواتب الجزائريين في محلها.
كان الشعب الجزائري يخرج من كل محطة للإصلاح يحمل الكثير من المرارة والقليل من الأمل بإمكانية تحقيق الحلم في المحطة القادمة، ويبدو أن الإصلاحات التي كلف بن صالح بمتابعة المشاورات حولها هي المحطة الأخيرة، التي إن فشلت ـ لا قدّر الله ـ سنكون قد ضيّعنا آخر أمل في التغيير الحقيقي، وسيكون الشعب الجزائري بعدها قد استنفد كل رصيده في الصبر والمصابرة.
هذه الإصلاحات تذكرنا، مع الفارق طبعا، بضربة الجزاء التي ضيّعها المنتخب الغاني في ربع نهائي المونديال الأخير، والتي صفر الحكم مباشرة بعدها نهاية المباراة قبل أن يتحوّل عشاق برازيل إفريقيا في لمح البصر من نعيم الجنة إلى ويلات الجحيم.. ربما دخلت كرة الغانيين الشباك لو أن المدرب أحسن اختيار منفذ ضربة الجزاء، خاصة وأنها جاءت في الوقت القاتل.