فيما يجتنبه من اراد الاضحية
عن أم سلمة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( إذا رأيتم هلال ذي الحجة ـ وفي لفظ : إذا دخلت العشر ـ وأراد أحدكم أن يضحي فليمسك عن شعره وأظفاره )) . رواه أحمد ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه، وفي لفظ لمسلم وأبي داود والنسائي : (( فلا يأخذ من شعره شيئا حتى يضحي ))
ففي هذا الحديث النهي عن أخذ شيء من الشعر أو الظفر أو البشرة ممن أراد أن يضحي من دخول شهر ذي الحجة حتى يضحي ، فإن دخل العشر وهو لا يريد الأضحية ثم أرادها في أثناء العشر أمسك عن أخذ ذلك منذ إرادته ، ولا يضره ما أخذ قبل إرادته .
وقد اختلف العلماء رحمهم الله تعالى في هذا النهي ، هل هو للكراهة أو للتحريم ؟
والأصح أنه للتحريم ؛ لأنه الأصل في النهي ولا دليل يصرفه عنه ، ولكن لا فدية فيه إذا أخذه لعدم الدليل على ذلك .
والحكمة في هذا النهي ـ والله أعلم ـ أنه لما كان المضحي مشاركا للمحرم في بعض أعمال النسك ، وهو التقرب إلى الله بذبح القربان ، كان من الحكمة أن يعطى بعض أحكامه ، وقد قال الله في المحرمين : ( وَلا تَحْلِقُوا رُؤُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ)(البقرة: 196) .
( تنبيه ) :
يتوهم بعض العامة أن من أراد الأضحية ثم أخذ من شعره أو ظفره أو بشرته شيئا في أيام العشر ؛ لم تقبل أضحيته ، وهذا خطأ بين ، فلا علاقة بين قبول الأضحية والأخذ مما ذكر ، لكن من أخذ بدون عذر فقد خالف أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالإمساك ، ووقع فيما نهى عنه من الأخذ ، فعليه أن يستغفر الله ويتوب إليه ولا يعود ، وأما أضحيته فلا يمنع قبولها أخذه من ذلك .
وأما من احتاج إلى أخذ الشعر والظفر والبشرة فأخذها فلا حرج عليه ، مثل أن يكون به جرح فيحتاج إلى قص الشعر عنه ، أو ينكسر ظفره فيؤذيه فيقص ما يتأذى به ، أو تتدلى قشرة من جلده فتؤذيه فيقصها ، فلا حرج عليه في ذلك كله .
( تنبيه ثان ) :
ظاهر الحديث وكلام أهل العلم أن نهي المضحي عن أخذ الشعر والظفر والبشرة يشمل ما إذا نوى الأضحية عن نفسه أو تبرع بها عن غيره ، وهو كذلك ، وذكر بعض المحشين من أصحابنا أن من تبرع بالأضحية عن غيره لا يشمله النهي ، وما ذكرناه أولى وأحوط . فأما من ضحى عن غيره بوكالة أو وصية ؛ فلا يشمله النهي بلا ريب .
وأما من يضحى عنه فظاهر الحديث وكلام كثير من أهل العلم أن النهي لا يشمله ، فيجوز له الأخذ من شعره وظفره وبشرته ، ويؤيد ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يضحي عن آل محمد ولم ينقل أنه كان ينهاهم عن ذلك ، وذكر المتأخرون من أصحابنا أنه يشمل المضحى عنه ، فلا يأخذ من شعره ولا ظفره ولا بشرته من دخول شهر ذي الحجة ، أو من حين يعلم أنه سيضحى عنه إن كان لم يعلم حتى تذبح الأضحية وذلك لأنه مشارك للمضحي في الثواب ، فشاركه في الحكم ، والله أعلم