القواعد الكلية الخمسة
القاعدة الكبرى الأولى: الأمور بمقاصدها
معنى القاعدة:
الأمور جمع أمر، وليس المراد به طلب الفعل، وإنما المراد بالأمر هنا الشأن سواء كان فعلا أو قولاً.
فائدة : قال بعضهم إن أمر الطلب يجمع على أوامر، وأمر الذي هو بمعنى الشأن يجمع على أمور.
والمقاصد: جمع مقصد، وقَصَدَ الشيء اذا أمَّه واتجه اليه، والمراد بها: الغاية التي أرادها بفعله أو قوله.
فمعنى القاعدة:
أنَّ العبرة والمؤاخذة، بالغاية التي أراد الفاعل تحقيقها بقوله أوفعله، فإما أن يثاب أو يعاقب، أو يقبل منه أو لا، أو يسقط عنه الواجب أو لا.
وقولهم الأمور بمقاصدها أي: حكم الأمور متعلق بمقاصدها، أي مقاصد تلك الأمور.
وهذه القاعدة المبنية على أصلها نص على إبطال الحيل كما ذكره ابن القيم رحمه الله
وهذه القاعدة من أهم القواعد وأعظمها، ومما يجب على المسلم أن يتفقد حاله مع نيته فهي عظيمة الخطر، جليلة القدر، وربما رفعته نيته إلى أعلى الدرجات، أو أنزلته إلى أحط الدركات، وربما كانت الأعمال متشابهة في الظاهر، ولكن بينها تفاوت ، والمقاصد تدخل في التصرفات والعبادات، فليس كل مصل أو صائم مأجور، بل ربما كان مأزوراً، وذلك بحسب نيته، وربما لم يثب الإنسان على عمله، ولكن يثاب على نيته.
فحقيقتها لغة:
القصد، شرعاً: قصد الشيء مقترنا بفعله، وعرفها بعضهم بقوله: قصد الطاعة والتقرب إلى الله سبحانه وتعالى بإيجاد الفعل أو الامتناع عنه، والذي يظهر والله اعلم، أن التعريف الثاني هو تعريف للإخلاص وللنية المراد الثواب عليها، وهو أمر زائد على النية، والتعريف الأول هو الموافق لحقيقة النية، كما أن قوله قصد الشيء متضمناً نية فعله والله اعلم.
ما المقصود من شرع النية:
شرعت النية لتحقيق ما يلي:
1- تمييز العادات عن العبادات: كالاغتسال فقد يكون للواجب أو للمستحب او للتبرد، ومثل شخص من عادته أن لا يأكل بالنهار لحمية أو غيرها، ولم يقصد نية الصوم فهل يثاب على تركه الأكل؟ لا لعدم النية، أو رجل يلاحق رجلاً يطوف حول الكعبة حتى دار سبعا فهل له أجر الطواف لا، لعدم النية، وهكذا ...
2- تمييز رتب العبادات، ففي الصلوات ينوي أنها فرض أو نفل، وفي الفرض فينوي انها منذورة أو صلاة الظهر أو العصر، وينوي هل هي أداء أو قضاء وفي النفل ينوي انها راتبة.
ما لا تشترط له النية:
ذكر العلماء رحمهم الله أموراً عدة لا تشترط لها النية فمن ذلك:
1- إذا كانت العبادة متميزة بنفسها، بمعنى انه لا يمكن أن تكون من العادات، ولا تلتبس بغيرها من العبادات فلا تحتاج إلى نية، كالأذان والذكر، وقراءة القرآن.
2- « شرائط العبادات لا تحتاج إلى نية وإنما تجب النية لأفعالها»، ومن فروعها: عدم وجوب نية التتابع في صوم الكفارة في الظهار، فالواجب أن يكون متتابعاً.
3- الكفارات لا تحتاج إلى نيةِ تعيين سببها، فمن عليه كفارة صيام فصام بنية الكفارة صحت، ولو كانت أكثر من كفارة من جنس واحد صح عن أحدها، وان كانت الكفارة من أجناس كظهار وقتل وجماع في رمضان ويمين فقال بعضهم أنها أيضاً لا تفتقر إلى تعيين السبب.
4- باب التروك ، كإزالة النجاسات، فلا تحتاج إلى نية، فإذا طهر مكان أو ثوب صح، وكذا لو سقط جلد في مدبغة طهر، ولا يحتاج المصلي أن ينوي طهارة المكان الذي يصلي فيه، فيصح ولو لم يخطر بباله هذا.
أدلة القاعدة:
من أهم أدلتها وأصرحه قوله صلى الله عليه وسلم (إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امريء ما نوى...)، وهو في الحقيقة، ليس دليلا للقاعدة بل يمكن أن يقال هو أحد ألفاظ القاعدة.
2- قوله صلى الله عليه وسلم (من أتى فراشه لينام وهو ينوي أن يقوم يصلي من الليل فغلبته عينه -أي نام قهرا عليه- حتى يصبح كتب له ما نوى وكان نومه عليه من ربه صدقة). قال المناوي: وفيه أن «الأمور بمقاصدها»
فروع القاعدة:
وهذه القاعدة قال عنها ابن مهدي حديث النية يدخل في ثلاثين بابا من العلم وقال الشافعي يدخل في سبعين بابا
1- لو باع ماله هروبا من الزكاة، أو خلط ماشيته مع غيره ليقل الواجب، فهذا القصد أثَّر على الحكم فوجبت عليه زكاة ما أراد الفرار منه.
2- إذا التقط رجل لقطة، ثم علم أن صاحبها قد جعل لمن يجدُها جعلاً، فيجب عليه ردها ولا يستحق شيئاً من الجعل؛ لأنه حال التقاطها لم يقصد ذلك الجعل، وإنما هو متبرع.
3- إذا التقط اللقطة بقصد كتمانها عن صاحبها وعدم تعريفها، فإنه يضمنها، إذا تلفت، سواء فرط أو لا.
4- من طلق امرأته بقصد حرمانها من الميراث ترث، وكذا لو فسخت نكاحها منه بحيلة .
5- الطلاق بعوض انما هو خلع . فيأخذ احكام الخلع لا الطلاق .
القواعد المندرجة تحت هذه القاعدة:
1. العبرة في العقود بالمقاصد والمعاني لا بالألفاظ والمباني.
2. من أدى واجباً عن الغير فإن نوى الرجوع إليه به رجع ، و إلا فلا.
3. النية تعمم الخاص ، وتخصص العام.
4. اليمين على نية الحالف.
5- الألفاظ الصريحة لا تفتقر إلى نية و الكنايات تفتقر إلى نية .
6- الكناية مع دلالة الحال كالصريح .
7- الكناية تفتقر إلى نية .
8- الاحتيال في إبطال الحقوق الثابتة حرام .
9-الوسائل لها أحكام المقاصد .
10- يغتفر في التابع ما لا يغتفر في المتبوع .