منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب - عرض مشاركة واحدة - كلام الحكيم المنان و علماء شريعة الإسلام في حكم اتخاذ الحكام قوانين أهل الكفر شريعة في بلاد الإسلام
عرض مشاركة واحدة
قديم 2011-04-30, 12:31   رقم المشاركة : 9
معلومات العضو
جمال البليدي
عضو محترف
 
الصورة الرمزية جمال البليدي
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

التعقيب على الشيخ حمود الشيعبي في تحرير مذهب العلامة ابن ابراهيم رحمه الله للأخ الفاضل أبو رقية الذهبي:
قال [الشيخ حمود الشعيبي]:
اقتباس:
فيجاب عن هذا الافتراء بأجوبة :
1 - كيف أن الشيخ يتراجع ولا يعلم ولا يشتهر تراجعه بين طلابه وبين الناس ؟


أولاً:
____هو ليس افتراءً؛ حيث قد عزا العنبري إلى الشيخ ما نسبه إليه، وقد قيل: «من أسند؛ فقد برئ»؛ فكيف يقال: «...فقد كذب!»؛ حقًا إنه زمن العجائب!.

ثانيًا:
____أن تراجع العلماء لا يشترط لقبوله أن يكون مشهورًا بين طلابهم فضلاً عن سائر الناس!؛ كما أسلفنا من القول حول تراجع الأشعري والجويني، وغيرهم؛ فهل كان تراجعهم مشهورًا بين الطلاب أو الناس؟!؛ بالطبع لا؛ بل لم يكن ذلك مشهورًا عنهم؛ ومع ذلك فقد اعتد العلماء ((المنصفون)) بتراجعهم، وأنكره الكثير من الأشاعرة -ومن سار على دربهم إلى يومنا هذا!-، وكانوا مخطئين! في ذلك.

ثالثًا:
____أن الشيخ محمد بن إبراهيم -على ما كان من سعة علمه- لم يكن له مذهبًا متبوعًا كالمذاهب الأربعة -وغيرها من المذاهب المتبوعة- حتى يهتم طلابه بتحرير مذهبه ((بدقة)) كما فعل الأقدمون بتحرير تلك المذاهب؛ فالشيخ -وغيره- لم يكن إلا بمثابة حلقة الوصل بين الطلاب وبين بلوغ العلوم ومذاهب العلماء المحررة؛ يفتح لهم مغاليقها، وييسر لهم طرقها. وهذا لم يكن شأن الشيخ وحده مع طلابه؛ بل كان شأن سائر العلماء المتأخرين قاطبة مع طلابهم.

فمن الوارد جدًا أن يتراجع الشيخ عن بعض اختياراته -ولا نقول مذهبه بالمعنى الاصطلاحي-، ولا يَعْلم الكثير من طلابه بذلك!؛ فلا يعلمها إلا المقربون المعتنون باختيارات الشيخ فقط؛ بل قد يفوت هؤلاء أيضًا -أي المعتنين باختياراته- تراجع الشيخ عن بعض المسائل؛ إذ لا نعلم منهم -أي من هؤلاء المعتنين باختياراته- مُحَرِّرًا لمذهب الشيخ في كل المسائل؛ إذ ((هناك فرق بين نقل أقوال الشيخ في المسائل، وبين: تحرير مذهبه فيها)).

فدل كل ما ذكرناه من أسباب أن تراجع الشيخ عن فتوى «تحكيم القوانين» قد يثبت على الرغم من عدم شهرة ذلك بين طلاب الشيخ، والله أعلم.

رابعًا:
____أن من طلاب الشيخ -محمد بن إبراهيم- من صرح بمذهب الشيخ بما يتوافق مع ما ذهبنا إليه من تراجعه؛ فالشيخ ابن باز -وهو من أنجب طلاب الشيخ محمد بن إبراهيم وأعلمهم به باتفاق- قد نسب لشيخه أن مذهبه كمذهب سائر العلماء في أنه يشترط الاستحلال في تكفير من حكم بما أنزل الله -وليس في الكفر مطلقًا فتنبه-.
حيث سئل -كما في «مجموع فتاواه» (28/ 271)-:
هل الشيخ محمد بن إبراهيم -رحمه الله- يرى تكفير الحكام على الإطلاق؟؛
((فأجاب)):
«(((يرى تكفير من استحل الحكم بغير ما أنزل الله)))؛ فإنه يكون بذلك كافرا. هذه أقوال أهل العلم جميعا: من استحل الحكم بغير ما أنزل الله كفر، أما من فعله لشبهة أو لأسباب أخرى لا يستحله يكون كفرا دون كفر»اهـ، وقد نشر ذلك في «مجلة الفرقان» العدد (100)؛ في ربيع الثاني 1419هـ.
فكيف يقال لك بعد ذلك: إن ذلك لم يشتهر بين طلاب الشيخ؟!

قال الشيخ حمود الشيعبي:

اقتباس:

2 - ولو كان هناك تراجع لما خفي على الشيخ محمد بن عبد الرحمن القاسم جامع فتاوى الشيخ محمد بن إبراهيم وكتبه على ذلك
لا نقول ردًا على ذلك إلا: سبحان من {لاَ يَخْفَىَ عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الأَرْضِ وَلاَ فِي السَّمَاء}.
فإذا كان قد خفي على ابن مسعود -صاحب رسول الله - كون (المعوذتين) من القرآن!؛ وهو من أقرب الناس لرسول الله؛ بل ومن أقرأ أصحابه للقرآن -إذ أمرنا النبي باتباعه في قراءته-؛ فكيف بحال ابن قاسم مع شيخه ابن إبراهيم؟!!.

فليس بعجيب أن يخفى على ابن قاسم تراجعه؛ بل العجيب أن يقول هذا الكلام من ينتسب إلى العلم؛ مع كثرة الشواهد التي تؤكد احتمال هذا الأمر.
وما سبق إيراده -في الرد على الفقرة السابقة- كاف في رد مثل هذا القول؛ فلا نعيد ولا نزيد.

قال الشيخ حمود الشعيبي:


اقتباس:
بل إنه ذكر رسالة تحكيم القوانين في أجزاء لاحقة من الفتاوى،.... ونقل القاسم أيضاً (12/284) تحت عنوان « تحكيم القوانين من الكفر الأكبر»، ثم نقل نفس رسالة تحكيم القوانين. فلو كان هناك تراجع لبيّنه أو حذف هذه الرسالة ولم يجعلها في أجزاء بعد الجزء المزعوم أن فيه تراجع.


أولاً:
____إن الجمع والترتيب ليس بحجة على تقدم النقل أو تأخره أو اعتماده عن سائر الأقوال؛ إذ هو ليس من تصرف الشيخ ابن إبراهيم، ولا حتى بإقراره -فيما نعلم-؛ وإنما من تصرف الجامع لفتاويه -وهو ابن قاسم-.

ثانيًا:
____ثم إن الترتيب لم يوضع لهذه العلة -وهي تثبيت آخر أقوال الشيخ-؛ وإنما وضع لعلة (التبويب حسب الأبواب الفقهية والمسائل العلمية) وَحَسْب، ولذلك تجد ابن قاسم يورد بعض الفتاوى في أجزاء متقدمة، ثم يكررها في أجزاء لاحقة؛ فكيف يحتج بالترتيب على تأخر الأقوال أو اعتمادها دون غيرها أصلاً؟!.

ثالثًا:
____ثم على القول بصحة هذا الكلام!؛ فيكون القول الذي استقر عليه الشيخُ آخر أمره هو: ((تفصيله في مسألة القوانين))؛
إذ أن ابن قاسم أورد فتوى تحكيم القوانين -ومثيلاتها- في ((المجلد الثاني عشر))،
وأورد القول الثاني الذي نقلناه عنه في ((المجلد الثالث عشر))؛
فيكون هذا الأخير هو الأولى بأن يكون آخر ما استقر عليه رأي الشيخ؛ وهذا تبعًا لمذهبكم! في الاحتجاج بترتيب الفتاوى!.
فإن اعترضت بكون النقل الثاني الذي نقلناه، لا يتعلق بمحل النزاع -كما زعمتَ لاحقًا- حتى نقول أنه آخر أقوال الشيخ؛ قلنا: ترقب الرد على ذلك (بالتفصيل)، ثم ارجع لهذه النقطة؛ تجد قولنا -بحسب مذهبكم! في الاحتجاج بالترتيب!- هو الصواب إن شاء الله.

وقال:
اقتباس:

بل إن تلميذه الجامع للفتاوى نقل تقرير للشيخ محمد في 12/280
قال الشيخ محمد : ( والقوانين كفر ناقل عن الملة . اعتقاد أنها حاكمة وسائغة . وبعضهم يراها أعظم ) ثم قال : ( أما الذي جعل قوانين بترتيب وتخضيع فهو كفر وإن قالوا أخطأنا وحكم الشرع أعدل ففرق بين المقرر والمثبت والمرجع جعلوه هو المرجع فهذا كفر ناقل عن الملة )
أولاً:
____هذا التقرير ليس معلومَ التاريخ؛ فيحتمل أنه كان قبل كلامه الذي نقلناه عنه؛ إذ هو ليس مؤرخًا؛ فلا نجزم بتأخره عما نقلنا إلا بدليل، ((ولا دليل))!.

ثانيًا:
____إن جامع الفتاوى -ابن قاسم- لم يجمع الفتاوى بترتيب الشيخ؛ وإنما جمعها وفق اجتهاده هو؛ فقد يخطئ!، وقد يسهو!، وسبحان من له العصمة. وما سبق فيه الكفاية لكل منصف؛ فلا مزيد.

اقتباس:
3 - كيف يكون الشيخ تراجع عن فتوى عامة ظهرت وانتشرت فيتراجع عنها في رسالة خاصة بعثها إلى جمعية خاصة كان الأولى أن يتراجع في رسالة عامة.


أولاً:
____قد سبق أن بينا عدم تأثير ذلك في مسألة التراجع؛ كما بينا آنفًا من فعل العلماء مع تراجع الأشعري والجويني وأضرابهم؛ فكون الشيخ ابن إبراهيم يفتي بشيء في رسالة أو فتوى عامة، ثم ينقض قوله ذلك في رسالة خاصة؛ مما لا تأثير له ألبتة؛ فلا نعيد.

ثانيًا:

____فإن سلمنا لكم -تنزلاً- في اعتراضكم على النقل الأول -(1/ 80)- لكونه خاصًا؛ فلماذا إذًا وضعت هذه الرسائل الخاصة -زعمتموها!- في مجموع فتاوى الشيخ؟!؛
أليست هي لأناس مخصوصين (دون عامة الناس)؟!؛
أليس وضعها في مجموع فتاوى الشيخ مما يجعلها ((عامة)) لسائر الناس؟!
وهل اعتبرتموها خاصة بمعنى أن الرسالة موجهة لجهة خاصة؟!
أم اعتبرتموها خاصة بمعنى أن ما أودعه الشيخ فيها من علم يعتبر خاصًا لهؤلاء فقط!! دون غيرهم؟!
أم ما هو ((وجه الخصوص فيها)) -عندكم- أصلاً ؟!!

والله إن المرء ليتعجب من مثل هذه الاعتراضات السمجة!؛ والتي تنفر! من سماعها النفوس.

ثالثًا:
____فإن سلمنا لكم -تنزلاً- في اعتراضكم على هذا النقل الأول -(1/ 80)- لكونه قد جاء في رسالة خاصة كما ذكرتم!!؛ فكيف تصنعون بـ(النقل الآخر) -الذي نقلناه لكم ههنا-، والذي لم يكن كذلك؟!

حيث قال الشيخ في مطلعه -أي النقل الآخر-: «من محمد بن إبراهيم ((إلى من يراه من المسلمين))»اهـ، وبوب عليها ابن قاسم بقوله: «نصيحة عامة»؛ ولم يقل «نصيحة خاصة»!.

فهذه الرسالة تعد ((عامة لجميع المسلمين)) كما نَصَّ الشيخ على ذلك في مطلعها؛ مما يدل على أن النقل الأول المُعْتَرض عليه بمثابة العام لجميع المسلمين أيضًا؛ إذ أن النقل الآخر الذي نقلناه عنه بمثابة الشاهد على ذلك، كما أن إيداعه في «مجموع الفتاوى» قد أنزله منزلة العموم؛ فلا وجه لاعتراضكم بعدُ، والله أعلم.

رابعًا:
____أننا لو سلمنا لكم بأن كلام الشيخ في هذه الرسالة الخاصة ليس تراجعًا؛ فإننا -وأنتم قبلنا- نكون قد أسأنا للشيخ -رحمه الله- غاية الإساءه!؛

إذ أن هذا الكلام يستلزم ((اتهام الشيخ بعدم الأمانة في النصيحة))!؛ إذ كيف ينصح الشيخ بعض المسلمين بشيء هو يعتقد بطلانه؟!؛
أهذه هي صورة الشيخ في أذهانكم؟!؛ ينصح المسلمين بالضلالات، ويحضهم على نشرها؟!

والله لا أدري ماذا أقول....؟!؛
كيف سَوَّلَتْ لكم أنفُسُكم أن تُلْقُوا بمثل هذه الكلام دون التأمل في ((لوازمه)) الباطلة، والتي فيها اتهام للشيخ -رحمه الله- بعدم الأمانة!؛ بل وبتضليل المسلمين؟!

ألم تتأملوا وأنتم تقولون هذا الكلام -وتتناقلونه فيما بينكم- أنه فيه تشويه لصورة الشيخ، ومكانته؛ بل لعدالته؟!؛ إذ لو قام -بما تنسبونه إليه زورًا- بعضُ عوام المسلمين؛ لسقطت عدالتُه بذلك؛ فكيف بالشيخ العالم الرباني؟!

أم أن هواكم! في هذه المسألة أعمى أعينكم عن (لوازم) ما تلقونه من ردود على مخالفيكم؛ ولو كان هذا الرد (يستلزم) أبطل الباطل في حق الشيخ؟!، وصدق من قال: «حبك للشيء! يعمي ويصم»!.

ألا فلتتقوا الله في الشيخ، وفيما تنسبونه إليه، وأقسطوا في الرد على مخالفيكم؛ فإنهم إخوانكم، وانظروا فيهم قوله تعالى:
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ
1- قَوَّامِينَ لِلّهِ
2- شُهَدَاء بِالْقِسْطِ
3- وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ
4- اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى
5- وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ}





اقتباس:
4 - ثم رسالة تحكيم القوانين طبعت عدة مرات فلو كان هناك تراجع لما أعيد طبعها.


هذا الكلام ليس بدليل (صالح)! ليدل على عدم تراجع الشيخ عن قوله الأول، وهذا لاعتبارات عديدة قد تُحْتَمَلُ جميعُها أو يُحْتَمَلُ بعضُها؛ فإليكموها:
أولاً:
____أن الشيخ -رحمه الله- كان ((ضريرًا فاقدًا لنعمة البصر))؛ فما أدرانا أنه علم بطباعة هذه الرسالة عدة مرات؛ ثم تركها بعد تراجعه؟!.
فإن قيل: لكان طلبته يبلغونه بذلك!؛ قلنا: قد سبق وأثبتنا أنه قد يخفى عليهم تراجع الشيخ عما ذهب إليه في مسائل عدة؛ فضلاً عن هذه المسألة؛ فكيف يستنفرون الشيخ ليمنع رسالة لا يعلمون تراجعه عما فيها؛ بل ويعلمون عكس ذلك، ويتناقلونه فيما بينهم؟!.

ثانيًا:
____ومما يقوي ما سبق في النقطة الأولى؛ أن هذه الرسالة صدرت لأول مرة كمقالة ضمن «مجلة لواء الإسلام»، وحقوق طبعها لم تكن -وقتئذٍ- محفوظة لا للشيخ، ولا للمجلة، ولا لأي دار للكتب.ولذلك تجد مكتوبًا على بعض طبعاتها عبارة: «حقوق الطبع لكل مسلم»؛ أي: (ليست محفوظة لأي أحد؛ فمن أراد طبعها؛ ولو بغير إذن الشيخ؛ فليفعل ذلك، وله الأجر!).
فكيف يدري الشيخ بتكرار طباعتها مع كون من يطبعونها لا يستئذنونه، ولا يرجعون إليه في ذلك؟!.

ثالثًا:
____أنه مع التسليم أن الرسالة طبعت عدة مرات في حياة الشيخ وبإذنه؛ فإن ذلك لا يمنع من تراجع الشيخ عما فيها. وقد أوضحنا وجهة ذلك -آنفًا- عند الكلام على مسألة «تصريح العلماء بالتراجع عن مذاهبهم».

____إذ قررنا هناك أن العالم قد يتراجع عن مذهبه، ولا يصرح بالتراجع -طالما أن مذهبه القديم لا يناقض صريح القرآن والسنة-؛ إذ كلا مذهبيه -القديم والجديد- قد صدرا عن اجتهاد، والاجتهاد -كما سبق من قول العلامة العثيمين-: «لا ينقض بمثله، وظهور خطأ اجتهاده الأول لا يمنع احتمال خطئه في الثاني؛ فقد يكون الاجتهاد الأول هو الصواب في الواقع، وإن ظهر له خلافه؛ لأن الإنسان غير معصوم في اجتهاده لا الثاني ولا الأول»اهـ.

ومما يؤكد قوة هذا الاعتبار: البيان التالي -الذي (قد) لا تجده في مكان آخر!-.

رابعًا:
____أنه مع التسليم أن الرسالة طبعت عدة مرات في حياة الشيخ وبإذنه؛ فإن ذلك لا يمنع من تراجع الشيخ عما فيها. ووجه ذلك: ((أن الفارق بين مذهبي الشيخ القديم والجديد -على الراجح- ليس بالفارق الكبير)) الذي يحمل الشيخ على التصريح بالتراجع عن مذهبه القديم؛ إذ أن الشيخ:
[1]- قرر في مذهبه القديم (=الأول) أن:
_____ الحكم بالقوانين كفر أكبر.
[2]- بينما قرر في مذهبه الجديد (=الأخير) أن:
_____ الحكم بالقوانين منه الكفر الأكبر.
_____ وأن الحكم بالقوانين منه الكفر الأصغر.

وبلطيف الملاحظة
!؛ تجد أن عبارة «الحكم بالقوانين كفر أكبر» موجودة ومقررة في كلا المذهبين -القديم والجديد-؛ إذ أن الشيخ لم يقل في مذهبه الجديد (=الأخير) أن الحكم بالقوانين من الكفر الأصغر على الإطلاق؛ وإنما فصل في ذلك؛ فجعل منه (الكفر الأكبر)، وجعل منه (الكفر الأصغر).

والفارق بين مذهبي الشيخ -القديم والجديد-:
____أنه في مذهبه الجديد (=الأخير) قد تراجع فيه فقط عن (((تحقيق))) مناط التكفير -وهو الاعتقاد المكفر كالاستحلال- على (الوجه العام)؛ فهو لم يتراجع عن مذهبه القديم مطلقًا؛ وإنما تراجع فقط عن (((تحقيق مناطه))) وَحَسْب؛ فاضطره ذلك لزيادة التفصيل المذكور في مذهبه الجديد (=الأخير)؛ والذي لا ينقض قوله القديم مطلقًا؛ وإنما ينقضه فقط في إمكانية تخلف مناط التكفير -وهو الاعتقاد المكفر كالاستحلال- فيمن واقعوا هذه الصورة -وهي الحكم بالقوانين- على الوجه العام. وهذا الفارق دقيق للغاية؛ لم ينتبه له الكثيرون، ولو أنهم نظروا إليه ((بعين التحقيق))؛ لأدركوه بيقين.

____ولكون هذا الفارق -بين مذهبيه- دقيقًا بهذه الصورة؛ ((فيحتمل)) مع هذا الاعتبار -والله أعلم- أن الشيخ أعرض عن التصريح بتراجعه عن مذهبه القديم؛ إذ أن كثيرًا من الناس لن يلحظوه -أي هذا الفارق بين مذهبيه-؛ فضلاً عن أن يدركوه!. وهذا الوجه من أقوى الوجوه المحتملة -(في نظري)- والتي حملت الشيخ على عدم التصريح بتراجعه عن مذهبه القديم، والله أعلم.

ولأن كلامي هذا قد يراه البعض من قبيل الإلغاز!؛ فقد رأيت أن أفسره لإخواني؛ وإن كان ذلك سيجرني للخروج عن موضوع مشاركتي هذه -وهو الرد على أخينا (التونسي) سدده الله-؛ فأقول وبالله التوفيق:

____إن مذهب الشيخ ابن إبراهيم (القديم) -ومذهب (غالب) من تبعه عليه كالفوزان وغيره- لم يكن يتنافى (تمامًا) مع مذهب الألباني -ومذهب من تبعه عليه كالحلبي والعنبري- في هذه المسألة؛ وبيان ذلك كالتالي:

[1]-
أن كلا الفريقين ((متفقون)) على ((مناط التكفير)) في مسألة الحكم بالقوانين:
____ألا وهو ((الاعتقاد القلبي المكفر كالاستحلال))؛ وتجد هذا ((واضحًا جدًا)) في رسالة «تحكيم القوانين»؛ إذ قال الشيخ بالحرف الواحد:
«ومن الممتنع أن يسمى الله سبحانه وتعالى الحاكم بغير ما أنزل الله كافراً ولا يكون كافراً ؛ بل هو كافر مطلقاً إما (كفر عمل) وإما (كفر اعتقاد)... أما ((كفر الاعتقاد))؛ فهو أنواع...[وذكر منها الحكم بالقوانين وما شابهها كالأعراف القَبَلِيَّة]»اهـ؛
قلتُ:
____فانظر -يا بصرك الله- كيف أرجع الشيخ الحكم بالقوانين إلى (((كفر الاعتقاد))) ولم يرجعه إلى (كفر العمل)؟!. فليتأمل الذين يتمسكون بكلامه، ويظنون أن الإرجاع للاعتقاد في هذه الصورة من الإرجاء!، وسيأتي مزيد بيان فَتَنَبَّه!.

[2]-
أن كلا الفريقين ((اختلفوا)) في ((تحقيق)) مناط التكفير:
____ألا وهو ((الاعتقاد المكفر كالاستحلال))؛ وذلك فيمن واقعوا هذه الصورة من الحكم بغير ما أنزل الله -وهي الحكم بالقوانين-.
وبمعنى أوضح:
____أن الشيخ محمد بن إبراهيم -ومن تبعه- لم يكفروا من حكم بالقوانين الوضعية لمجرد أن الحكم بهذه القوانين كفر أكبر في ذاته؛ ((بدليل)) أنهم ((اتفقوا)) على (عدم تكفير) من حكم بهذه القوانين لمجرد حكمه بها في قضية واحدة أو أكثر (=القاضي)، ومن المعلوم أن ما كان جنسه كفرًا ؛ لم يفرق بين قليله وكثيره!؛ فلما فَرَّقُوا بين من حكم بالقوانين (مطلقًا)، وبين من حكم بها (على وجه المخالفة الجزئية)؛ دل ذلك على صحة ما ذكرنا من أنهم لا يرون الحكم بالقوانين كفرًا بذاته. وانظر هذا الرابط لتتأكد مما نسبناه إليهم آنفًا:

____فالشيخ ابن إبراهيم -ومن تبعه- لم يكفروا من يحكم بالقوانين الوضعية لمجرد أن الحكم بهذه القوانين كفر أكبر في ذاته -كما أوضحنا-؛ بل لأن العدول عن حكم الشرع (مطلقًا) -ولو في مسألة واحدة- بجعل هذا العدول مطردًا ليكون قانونًا عامًا (= أو تشريعًا عامًا) يرجع إليه في كل القضايا دون استثناء؛ أنه ((يستلزم)) -عندهم- انتفاء أصل الإيمان من القلب، وذلك ((باعتقاد)) أفضلية القانون على الشرع (وهو مناط التكفير)؛ فهم قد كفروه بـ((لازم فعله)) لا بـ((مجرد فعله)).

____فليس مجرد الحكم بالقوانين هو موضع النزاع بين ابن إبراهيم -ومن تبعه- وبين الألباني -ومن تبعه-؛ وإنما موضع النزاع بينهم في ((تحقيق)) مناط التكفير في هذه الصورة:

فمنهم:
____من (جعل) مناط التكفير -(الاعتقاد المكفر كالاستحلال)- ملازمًا (لكل) من واقع هذه الصورة -وهي الحكم بالقانون وتنحية الشرع-؛ لا يتخلف عنه بحال؛ إذ من المعلوم بالضرورة أن الإنسان لا يعدل عن منهج إلى آخر إلا وهو يفضله على غيره.
وممن ذهبوا هذا المذهب: ابن إبراهيم (في القديم)، وابن عثيمين (في القديم)، والأخوين شاكر، والفوزان، وغيرهم.

ومنهم:
____من (لَمْ يجعل) مناط التكفير -(الاعتقاد المكفر كالاستحلال)- ملازمًا (لكل) من واقع هذه الصورة -وهي الحكم بالقانون وتنحية الشرع-؛ فَاحْتَمَلَ تخلف هذا المناط -(الاستحلال)- في بعض الصور؛ كالذي يحكم بالقانون ويقر بأفضلية الشرع عليه، ويرى وجوب الحكم به مطلقًا، وأنه ظالم في تنحيته للشرع، ولكنه يتعلل ببعض الأسباب!.
____إذ أنهم لا يتصورون مع كونه (يصرح) بذلك؛ أنه يعتقد (=يستحل) خلافه. وحتى إن كان يعتقد (=يستحل) خلافه؛ فلنا -حينئذٍ- الظاهر والله يتولى السرائر؛ كما فعل النبي مع المنافقين المتحاكمين لغيره.
وممن ذهبوا هذا المذهب: الألباني، وابن باز، وابن إبراهيم (في الجديد)-على الراجح-، وابن عثيمين (في الجديد)، والحلبي، والعنبري، وغيرهم.

تنبيه (1)
ومن الجدير بالذكر ههنا؛ أن ننبه على خطإ مذهب العلامة ابن إبراهيم (القديم) -ومن تبعه عليه-؛ ذلك لأن ظاهر قولهم أنهم قد كَفَّروا من حَكَّمَ القوانين بـ(لازم فعله) لا بـ(مجرد فعله)؛ فإن الحكم بالقوانين -عندهم- ليس كفرًا بمجرده -كما أوضحنا آنفًا-.

____وهذا -أي التكفير بلازم القول أو الفعل الذي ليس كفرًا في ذاته-؛ يعد من الأخطاء الجلية بلا شك؛ إذ من القواعد ((المقررة الثابتة)) عند أهل العلم -في مسائل التكفير خاصة-أن لازم المذهب ليس بمذهب إلا أن يلتزمه صاحبه.

____واللازم في اللغة -كما جاء في «تعريفات» الجرجاني- هو: «ما يمتنع انفكاكه عن الشيء»اهـ، والمقصود بلازم القول أو الفعل -كما يقول ابن رشد في «بداية المجتهد» (2/ 492)- «أنهم (لا) يصرحون بقول هو كفر [أي في ذاته]؛ ولكن يصرحون بأقوال (يلزم عنها) الكفر وهم لا يعتقدون ذلك اللزوم»اهـ.

وفي هذه المسألة -(التكفير باللازم)- يقول شيخ الإسلام ابن تيمية (5/ 306):
____«((فلازم المذهب ليس بمذهب؛ إلا أن يستلزمه صاحب المذهب)). فخلق كثير من الناس ينفون ألفاظا، أو يثبتونها؛ بل ينفون معاني، أو يثبتونها؛ ويكون ذلك ((مستلزما لأمور هي كفر))!، وهم لا يعلمون بالملازمة؛ بل يتناقضون!، وما أكثر تناقض الناس!؛ ... ((وليس التناقض كفرًا))»اهـ. ويقول (20/ 217): «فالصواب: أن لازم مذهب الإنسان ليس بمذهب له إذا لم يلتزمه؛ ((فإنه إذا كان قد أنكره ونفاه كانت إضافته إليه كذبا عليه)) بل ذلك يدل على فساد قوله وتناقضه في المقال غير التزامه اللوازم التي يظهر أنها من قبل الكفر»اهـ، ويقول -(29/ 42)-: «فما كان من اللوازم يرضاه القائل بعد وضوحه له؛ فهو قوله، وما لا يرضاه؛ فليس قوله؛ وإن كان متناقضاً... فأما ((إذا نفى هو اللزوم لم يجز أن يضاف إليه اللازم بحال))»اهـ.

ويقول ابن حزم -في «الفِصَل» (3/ 294/ الجيل)-:
____«وأما من كَفَّرَ الناس بما تؤول إليه أقوالهم؛ ((فخطأ))!؛ لأنه كَذِبٌ على الخصم، وَتَقْوِيلٌ له ما لم يقل به؛ وإن لزمه. فلم يُحْصَل على غير التناقض فقط!، ((والتناقض ليس كفرًا))؛ بل قد أحسن إذ قد فر من الكفر...»اهـ. وانظر باقي كلامه فإنه مهم.

ويقول ابن الوزير -في «العواصم والقواصم» (4/ 368/ الرسالة)- ردًا على من يكفرون باللوازم:
____«إن التكفير بالإلزام، ومآل المذهب ((رأي محض))! لم يَرِدْ به السمعُ [أي الدليل]؛ لا تواتراً، ولا آحادًا، ولا إجماعاً. والفرض أن أدلة التكفير والتفسيق لا تكون إلا سمعية، فَانْهَدَّتْ القاعدة!، وبقي التكفير به [أي باللازم] على غير أساس!»اهـ.

تنبيه (2)
ومما ينبغي التنبيه عليه في هذا المقام أيضًا؛ أن نشير إلى:
أن الخلاف الواقع بين الفريقين -في ضوء ما سبق بيانه-؛ إنما هو ((خلافٌ فرعيٌ جزئيٌ لا يتعلق بالإرجاء ولا بالمرجئة))؛ لأن الذين لا يكفرون بهذه الصورة -وهي الحكم بالقوانين- لعدم انطباق مناط التكفير -عندهم- على مُوَاقِعِها في (كل الأحوال)؛ لا يترددون في تكفير المُوَاقِع لها إذا دل دليل صحيح لا معارض له أن في ذلك انتفاء لأصل إيمانه.

____كإظهار الحاكم -مثلاً- ما يدل دلالة ((صريحة)) على ذلك كقوله: «لا دين في السياسة ولا سياسة في الدين» وقوله: «إن الشرع لا يناسب العصر الحالي»، وقوله: «إن إقامة الحدود فيها وحشية»...إلى آخر ذلك من الأقوال ((الكفرية في ذاتها))، والتي تدل بدلالة التضمن على عقيدته في حكمه بالقوانين؛ لأنها بمثابة إفصاحه عن سبب حكمه بها.

____فكأنه يقول: أنا أحكم بهذه القوانين لأنه: «لا دين في السياسة ولا سياسة في الدين» أو: «لأن إقامة الحدود مما ينافي الآدمية والرحمة الإنسانية» أو: «لأن الحكم بشرع الله لا يتناسب مع عصرنا الحالي». وهذا طبعًا على الوجه العام، فَلِتكفير المعين ضوابط أخرى لا مجال لذكرها.

____والخلاصة أن الفريقين ((متفقين على مناط التكفير)) -وهو الاعتقاد المكفر كالاستحلال-، إلا أنهم ((اختلفوا في تحقيقه)) فقط؛ فالخلاف بين الفريقين عائد إلى هذه الجزئية؛ ألا وهي: ((تحقيق مناط التكفير))، وهذا خلافٌ فرعيٌ جزئيٌ ((لا يتعلق بالإرجاء ولا بالمرجئة)).

خامسًا:
____أنه مع التسليم أن الرسالة طبعت عدة مرات في حياة الشيخ وبإذنه؛ فإن ذلك لا يمنع من تراجع الشيخ عما فيها. ووجهة ذلك:

أن رسالة «تحكيم القوانين» لها ((طابع ترهيبي ظاهر))، ويكفينا صَدْرُ الرسالة لبيان ذلك الطابع؛ حيث قال الشيخ في مطلعها: «إن من الكفر الأكبر المستبين؛ تنزيل القانون اللعين منزلة ما نزل به الروح الأمين..»اهـ؛ هذا بجانب عباراته الأخرى الواردة في الرسالة، والتي تحمل نفس الطابع.

____
(فقد) يُحْتَمَلُ أن الشيخ -رحمه الله- كان له وجهة في عدم منعه لنشر رسالة «التحكيم»؛ وهذه الوجهة تتعلق بهذا الطابع الترهيبي المذكور آنفًا؛ إذ أن القوانين في هذا الوقت كانت متفشية في سائر البلاد الإسلامية، وفي الوقت نفسه كانت قد بدأت تظهر في المملكة؛ هذا بجانب انتشار الحكم بالأعراف القبلية «=السلوم» أصلاً. ومن نظر في فتاوى الشيخ؛ وجد الكثير من الرسائل التي تتعلق بإنكار هذا الأمر.

____فهذا السبب -وهو دخول القوانين في المملكة-؛ (قد) يكون هو السبب الذي حمل الشيخ -رحمه الله- على سكوته على طبع الرسالة أكثر من مرة؛ إذ المقام يتطلب ترهيبَ من يواقع هذه الأمور عن الوقوع فيها. وهذا الوجه قوي أيضًا لاسيما إذا انضم إليه ذلك السبب الذي ذكرناه آنفًا من أن الفارق بين مذهبيه القديم والجديد: ليس بالفارق الكبير -أو الملحوظ- الذي يحمله على التراجع، والله أعلم.

أقول:
____وهذا الوجه؛ وجه سائغ ووارد جدًا في عرف العلماء؛ فإنه أحد مذاهبهم المعروفة في مسألة الترهيب من الأفعال المذمومة شرعًا. قال الصميري -نقلاً عن «مقدمة المجموع» (1/ 86) للنووي-: «إذا رأى المفتي المصلحة أن يفتي العامي بما فيه تغليظ -وهو مما لا يعتقد ظاهره، وله فيه تأويل-؛ جاز ذلك زجرًا له [أي للعامي]؛ كما رُوِيَ عن ابن عباس أنه سئل عن توبة القاتل فقال: (لا توبة له)، وسأله آخر فقال: (له توبة)، ثم قال: (أما الأول: فرأيت في عينه إرادة القتل؛ فمنعته، وأما الثاني: فجاء مستكينًا قد قتل؛ فلم أقنطه»اهـ. والشواهد على هذا الأصل في القرآن والسنة كثيرة جدًا؛ واستغنينا عن ذكرها خشية الإطالة.

◄◄ فهذه ((خمسة أوجه)):
____سقناها إليكم بشيء من الإجمال وبعض تفصيل؛ وذلك لإسقاط الاحتجاج بتكرار طبع رسالة «تحكيم القوانين» على عدم تراجع الشيخ عن مذهبه، ولا أظن أن موقف الشيخ -رحمه الله- من رسالة «التحكيم» يعدم إحداها، والله أعلم.











رد مع اقتباس