* إِحسان عبد القدوس عرّاب أدب الفراش والداعي بلا حدود إِلى حرية المرأة المزعومة:
لسنا نعجب حين نرى مصطفى أمين وزكي عبد القادر وإحسان عبد القدوس، ونجيب محفوظ ومن وراءهم يشكلون مفهومًا خطيرًا يبثونه يومًا بعد يوم:
أولاً: نظرية تحديد النسل والتهويل من شأن التفوق البشري في العالم الإسلامي وهي نظرية صهيونية.
ثانيًا: إطلاق حرية المرأة وهي نظرية صهيونية أيضًا.
ثالثًا: الكتابة عن الجنس والإباحية وتحويل القصة إلى مفهوم عام (وتدهش حين ترى بعضهم وقد بلغ السبعين أو قاربها يكتب قصصًا جنسية مثيرة ويتطرق إلى جوانب من وحي شيطان الإغراء والفساد).
رابعًا: تكريم الراقصات والمغنيات والممثلات وإعلاء شأنهن.
(1/541)
__________________
خامسًا: تقديس المسرح تحت اسم الفن.
سادسًا: تشجيع الكرة.
أفسحت الصحافة العربية لإحسان عبد القدوس مكانًا واسعًا عريضًا على مدى أكثر من ثلاثين سنة كسب خلالها شهرة واسعة ومالاً وفيرًا وصفه في فتره قريبة (600 قصة قصيرة أو طويلة، 19 رواية، 4 قصص للسينما، 46 فيلمًا، بستان عشرون فدانًا في الهرم فواكه، خمسة آلاف جنيه في العام من الصحافة) هذا غير ما كسبه من الأفلام والقصص وهو كثير جدًا فوق ما يتصور الجميع.
وبالرغم من أن إحسان عبد القدوس الآن (1980) على أبواب الستين من العمر؛ فإنه ما زال ممعنًا في ذلك الطريق المظلم الأسود الذي شقه لنفسه منذ مطالع شبابه، وما زال مدافعًا عن أدب الفراش الذي يكتبه بدعوى أنه أدب واقعي، وبأنه محب لحرية المرأة مدافع عن حقها في الجنس والانطلاق وراء الأهواء، ولقد كانت قصصه مصدر فساد كبير واضطراب عميق في نفوس جيل كامل من الفتيات اللاتي انسقن وراء الصور التي ساقها عن المرأة المنحرفة والتي حاول فيها أن يجعل المرأة المنحرفة ظاهرة طبيعية في المجتمع أو أن يصبح المجتمع متقبلاً لهذا الانحراف نتيجة إقناعه بهذا المفهوم المسموم في محاولة خطيرة لتغيير أعراف هذا المجتمع الإسلامي الأصيل الفهم لمعنى العرض والبكارة، والعفاف مهما طغت مظاهر الحياة المادية عليه، وآية هزيمة فلسفة إحسان عبد القدوس هذا التيار الإسلامي الجديد للمرأة الذي يرفض هذه المفاهيم المنحرفة التي نقلها إحسان عبد القدوس لا عن سارتر وألبيرتو مورافيا وكامي وحدهم لكن عن طريق فرانسوا ساجان وسيمون دي بوفوار حينما تقمص شخصية المرأة في كتاباته، ولعله مما يزعج حقيقة أن يؤلف كاتب رجل قصة يطلق عليها (ونسيت أني امرأة).
(1/542)
________________________________________
- ويرجع اتجاه إحسان عبد القدوس في هذه الجرأة على الحرمات والقيم وتصوير ما وراء غرف النوم، وكتابة ذلك اللون الذي عرف به والذي وصمه الأستاذ العقاد بذلك الأسم الشهير بأنه أدب الفراش، بالرغم من علاقة مدعاة بين إحسان عبد القدوس والعقاد،
وقد وصفه يحيى حقي بحق حين قال: "لا عجب إن كانت ألفاظه كبالونات المراقص المتواثبة أمام عينك فكيف تريد منها أن تستقر على الورق، الويل له إن كان فتى يافعًا أو فتاة في مقتبل الصبا؛ فإن السحر يصبح نوعًا من التخدير كبقية المكيفات لا يخلو من خطر".
ولعل أبلغ وصف ما وصفه به أحد المسئولين حين قال له في مؤتمر صحفي: إنني لا أدخل (صباح الخير) إلى بيتي وأمنع بناتي من قراءتها.
- قال إحسان عبد القدوس في حديث إلى راجي عنايت كاشفًا عن خلفيات قصصه: أنا (أمينة) في قصة (أنا حرة).
وقد أدهشني دهشة الناس من تصوري لعواطف النساء بدقة وتنوع، وسؤالهم لي عن وسيلتي لدراسة هذه العواطف، وقد فكرت في هذا الموضوع طويلاً ووصلت إلى نظرية وهي أن عواطف الرجل هي عواطف المرأة، ولكن الاختلاف فقط يكون في التصرف والنزوع، وهذا المفهوم الذي يقوله إحسان عبد القدوس لا يصدق على مفاهيم التحليل النفسي الصحيح للمرأة وللرجل، وللفوارق العميقة بينهما والتي تتصل بالتركيب الببيولوجي المختلف والعميق الاختلاف بينهما إلا أن يكون للرجل الذي عاش في بيئة النساء زمنًا طويلاً من القدرة على تصوير عواطف المرأة، ونحن إذا راجعنا قصص إحسان عبد القدوس لم نجد تحليلاً لمشاعر المرأة وإنما وجدنا تصويراً جنسيًا صارخًا أشبه بصيحات مراهق كبير محروم، ونماذج المرأة في قصصه لا تعطي صورة المجتمع الإسلامي العربي المصري أبدًا، فالبطلة في النظارة السوداء من سلالة أجنبية، وفي (راقصة في أجازة) نموذج لراقصة أجنبية
(1/543)
________________________________________
حلت بمصر، وهناك فتاة نشأت شاذة منحرفة، وامرأة خلابة لعوب صاحبها يمسك في يده كأس خمر طول مدة السير متهورًا إلى حد الوقاحة متحللاً من كل قيد.
- يقول أحمد حسين الطماوي: من يتأمل معظم قصص إحسان التي أدارها على لسان أبطاله يجد أنها جاءت مناسبة لتفكير المراهقين، محركة لغرائزهم يقبلون عليها إذ فيها ما يثير حواسهم وما يجعل شهواتهم تتراكض مستعرة في نفوسهم، والصور الوصفية التي يعرضها لا يمكن أن تكون تصويرًا اجتماعيًا. فهل هذه الأوصاف تعبر عن الحياة الاجتماعية وهل من الحكمة أن يكون الانحلال واستطلاع أخبار الناس ورصد الشذوذ هي أفضل الموضوعات لدراسة المجتمع، إننا لا نطلب من الكاتب أن يلغي مفعول الغرائز ولكنه يجب أن يعمل على تهذيبها، ويعبر عنها بطريقة لا ينفعل القارئ بها أنفعالاً شهوانيًّا، بل يحس بتأثيرها الوبيل عليه ولو انغمس فيها، وفي هذه الحالة نجا منها وهو يعرفها ويتجنب الوقوع في حمأتها ما استطاع، كذلك فإن تصويره للشخصيات فيه مغالطة كبيرة وافتراء على الواقع فالأم تأخذ بيد بنتها لتسلمها للضياع وتساوم الرجل وكأنها قوادة (قصة أنف وثلاث عيون)، وهذا أبشع تصوير للأم والزوجة تقف في جنازة زوجها وتمسك بعلبة البودرة (الطريق المسدود) والطبيب يدمن المخدرات ويقنع الناس بفائدتها وكأنها روشتة من الطبيب إلى المريض لكي (يروق دماغه).
- وهذه هي شخوص إحسان عبد القدوس وهي شخصيات منحرفة عن الواقع.
إن شخصيات الرواية لا تريد ولكنها منقادة تعمل لإرادة المؤلف فيها، والقصاص هو المتحكم في سلوك أبطاله ومصائرهم وأنه من مهام الكاتب تحليل المشاعر ومعرفة أعماق الوجدان وتصوير النفس وتحري أسرارها وإماطة
(1/544)
________________________________________
اللثام عن مستدق أحوالها ووزن أفعالها، فتكون القصة بعد ذلك دراسة للنفس ونزاعها مع ما يحيط بها ونزوعها إلى ما تريد من خير وضير، وعندما لا يستطيع ذلك يترك عالم النفس والخاطر إلى دنيا الشهوة والغرائز ومواخير البغاء حيث الحياة الملوثة المريعة.
ويشهد إحسان في رسالة عن بلزاك الذي كان يكتب قصصًا أشد صراحة من قصصه، هذا أحد كتاب الغرب، إن قصص إحسان بما فيها من إثارة جنسية تصبح والحالة هذه لا عمل لها إلا إلانة الهمم الغلابة والنيل من أخلاق المجتمع، هذه الحرية الجنسية التي منحها إحسان لأبطاله قد وجدت من يعتنقها من نساء المجتمع ورجاله، ومن ذلك ما نشرته نوال السعداوي التي تطالب بالتحرر الجنسي.