* محمود عزمي المدافع عن اليهودية .. الممجِّد للشيوعية .. الداعي إِلى الفرعونية .. :
كانت رياح الصهيونية من وراء كتابات محمود عزمي ومحمد عبد الله عنان، فقد كان محمود عزمي واضح الموقف في الدفاع عن اليهود، وإثارة الشفقة عليهم، وكان في الوقت نفسه يمجد المفاهيم الماركسية الشيوعية، والمعروف أن زوجته كانت من روسيا البيضاء، وربما كانت يهودية.
- وأبرز مظاهر الشعوبية في هذه المرحلة أن يكتب محمود عزمي في جرأة: "لماذا عنيت بحضور المؤتمر الصهيوني في بال؟ " يقول: "إني أعنى منذ سنوات غير قليلة بالصهيونية على اعتبار أنها حادث اجتماعي وسياسي يشغل بال أهل فلسطين العرب، فيجب أن يشغل بالتالي بال كل من يتصل بفلسطين وأهلها العرب، ويجب أن يشغل بال أولئك الذين يفكرون ويعملون في سبيل الوحدة العربية، وتوثيق عرى (بلاد العربية) جميعا وفلسطين أحد بلاد العربية، وهكذا يراوغ الدكتور عزمي ليخدع العرب والمصريين عن الأشتراك في هذا المؤتمر الذي رشحته له عوامل كثيرة. والمعروف أن محمود عزمي كان يدعو إلى الفرعونية، ولما وجد موجة العروبة أفسح لسمومه دخل إليها ليفسد مفهومه، فهو لم يوافق على إطلاق لفظ البلاد العربية على الشرق العربي، واخترع مصطلحًا جديدا هو (بلاد العربية)، يقول أحمد عبد السلام بلا فريج: يريد أن يقول إن تلك البلاد ليست بلادًا عربية بجنسيتها، ولكن بلادًا تكلمت العربية، فيجب أن تنسب إلى اللغة وهي فكرة تدل على ضعف
________
(1/279)
________
معلوماته التاريخية عن أصل سكان العراق والشام، وسائر الأقطار التي تتكلم العربية، ومن شعوبيته قوله: إن الوحدة يجب أن تبنى على اللفظ فقط، وأن تقسم بلاد العرب إلى ثلاثة أقسام: بلاد المغرب ومصر والشام، وقوله بما أن مدنية الغرب هي المدنية الغالبة فينبغي أن نتخذها بلا انتقاد، بل بمحاسنها وقاذوراتها، وقد ردّ عليه أحمد عبد السلام بلا فريج قال: إن الدعوة إلى اتخاذ مدنية الغرب بلا قيد ولا شرط تعني القضاء على الثقافة العربية واضمحلال شخصيتنا وتعني اندماجنا في هيكل الغالب" (1).
* محمد عبد الله عنان متطرف في تأييده للصهيونية وأتاتورك واشترك مع سلامة موسى في إنشاء أول حزب شيوعي في مصر:
أما محمد عبد الله عنان فإنه دعا إلى الاستسلام في قبول النفوذ الصهيوني وقال: لا نعتقد أن سياسة العنف طريق صالح يستطيع أن يسلكه الشعب الفلسطيني لتحقيق أمانيه؛ لأن سياسة العنف أصبحت اليوم طريقًا خطرًا لا يأمن سلوكه الأقوياء أنفسهم فضلاً عن الضعفاء، على أن العامل الحاسم في تسيير السياسة البريطانية المقبلة هي كلمة اليهودية بلا مراء، ويلوح لنا أن اليهودية لا يمكن أن تنزل عن حكمها القديم الأسمى بهذه السهولة، وأنها تؤثر أن تضيف هذه الشدة إلى ثبت محنتها الحافل، وأنها قد تقرأ فيها نذيرًا لا بوجوب التراجع القديم والحذر، ولكن بوجوب مضاعفة المغامرة والإقدام.
ويقول: "إن في وسع العرب أن يغنموا كثيرًا بالاتحاد والجهاد السلمي المستنير وأن يحولوا في المستقبل دون إراقه الدماء".
__________
(1) "محاولة لبناء منهج إسلامي متكامل" - المجلد الرابع (اللغة والأدب والثقافة) لأنور الجندي (4/ 538).
(1/280)
__________
- ولا ريب أن هذا الموقف من أعنف مواقف التبعية للصهيونية وقد واجهت هذا حركة اليقظة، فكشف السيد محب الدين الخطيب في مجلة الفتح وجهة محمد عبد الله عنان في تأييده للصهيونية وتأييده لكمال أتاتورك، ولا ريب أن خلفية عنان باشتراكه مع سلامة موسى في إنشاء أول حزب شيوعي في مصر، وكتاباته الخطيرة عن (الثورة العالمية)، ويقصد بها مخططات الصهيونية الشيوعية التلمودية تُوحي بما جاء في هذا المحاولة.
- وقد كتب باحث في مجلة الفتح (3 أكتوبر 1929) تحت عنوان "هل عبد الله عنان يهودي صهيوني؟ " ما يلي: "قرأت مقالة عن الصهيونية (نشرها في السياسة الأسبوعية 7 سبتمبر 1929 وما بعدها) فلم يعتريني شك في أن الكاتب ليس يهوديًّا فقط بل من غلاة الصهيونية، كنت أظنه مؤرخًا صادقًا يشرح وجهة نظر العرب من ناحية ووجهة نظر الصهيونية من ناحية أخرى، ثم يقفي على ذلك بالحقوق التاريخية والمكتسبة للعرب، ولكني وجدته خصّ نفسه بشرح نظرية اليهود واطراح أمر العرب، وزاد الطين بدفاعه المستتر مرة والمنكشف مرة أخرى عن القضية اليهودية، وأعتقد أنه إما معتنق مذهب الصهيونية يعطف عليها ويدافع عنها، وإما ذو هوى في خدمة مصالح اليهود؟ فراح يتهوس تحرقًا على قوميتهم، ويؤسفني أن أخطّ هذا؛ لأني لست أفهم سرّ هذا الدفاع، وينسى أو يتناسى أن فكرة الوطن القومي اليهودي اشتُريت بأموال اليهود في الحرب العظمى واستغلال ضعف العرب، فأراد الصهيونيون أن يغتصبوا أرضهم وأموالهم بدون مسوغ من القوانين الوضعية والحقوق الدولية، وبينما فلسطين بحر من الدماء واليهود يتحرشون بأهل البلاد العزّل من السلاح، والعالم العربي والإسلامي يصيح من هول المأساة إذ بهذا الكاتب وزمرته يقولون ما لا يعلمون. ومن يقرأ التصوير المزيف الذي قدمه عنان يتوهم أن العرب هم البادئون بالعدوان وأن اليهود أصحاب حق، وأن عنان في هذا المفهوم يجري مجرى التلمودية الصهيونية.
(1/281)
________________________________________
ومن أخطاء عنان قوله: أن الأساطير اليهودية تقول: إن جدار البراق هو البقية الباقية من هيكل سليمان. وترى فيه التقاليد اليهودية الدينية أثرًا من أجل آثار إسرائيل، وقد ردّ عليه (ن) وربما يكون شكيب أرسلان بقوله: "كان مأمولاً منه ألا يمر على الأساطير دون أن يضع إلى جانبها الحقيقة. هذه الحقيقة تختص بعلماء الآثار ومهرة المعماريين أكثر ما تختص بالأساطير، فعلماء الآثار ليس فيهم من يقول: بأن أي قسم من الجدار الغربي للحرم القدسي الشريف يرجع في عهد بنائه إلى زمن سليمان بل المتفق عليه قطعًا أن هذا الجدار بُني في زمن لاحق متأخر جدًّا، ومن الذين يذهبون إلى القطع بأن هذا الجدار ليس بقية الهيكل "المستر جار" مدير آثار حكومة فلسطين سابقًا، والمستر اشي الذي اشتغل في حكومة فلسطين أربع سنوات وهو من أكبر المعماريين الثقات، فزعم اليهود أن الجدار يعد باقية من الهيكل ساقط أساسًا لأن علم الآثار والمعمارية ينفيانه نفيًا باتًا".
- ولعنان موقف آخر من الشريعة الإسلامية يهاجم فيها موقفها من المرأة (الثقافة - 7 يوليو 1952) حيث يقول تحت عنوان: "المرأة والحقوق الدستورية": "لا محل للاحتكام بشأنها إلى الدين. تقول الحقيقة أن هذا الاتجاه خاطئ من أساسه ولا محل له على الإطلاق، إن تنحية الدين أساس في هذا الموضوع سواء لتوكيد التحريم أو الإباحة، وإذا كانت مصر دولة إسلامية فليس معنى هذا أنها دولة دينية، أو أنها دولة تطبق أحكام الدين في سائر النواحي. فالنظم الأساسية والقوانين المدنية والجنائية المصرية كلها نظم وقوانين تطبعها الصفة الأوربية، ولا يطبق في مصر شيء من أحكام الشريعة الإسلامية في العبادات والمعاملات أو الحدود بصورة جبرية، والقضاء الشرعي يعتبر قضاءً استثنائيًا بالنسبة للقضاء الوطني العام، ويصل من هذه السموم والمغالطات كلها إلى أن يقول: لا محل لأن يحتل الدين حكمًا في مسائل لا
(1/282)
________________________________________
علاقة لها بالدين ولا يمسّ العقيدة، ولا محل إذًا لنرجع بمطالب المرأة السياسية والاجتماعية لأحكام الدين".
ولا ريب أن رأي عنان هذا فاسد على إطلاقه؛ فإن الإسلام ليس دينا بالمعنى اللاهوتي، ولكنه نظام مجتمع ومنهج حياة، ولذلك كان له حق تنظيم العلاقات الاجتماعية وخاصة مما يتعلق بالمرأة والأسرة" (1).
* الشّعوبي حسين فوزي، غالٍ من غلاة التبعية للحضارة الغربية:
اتسع نطاق دعوة حسين فوزي إلى تغريب الفكر الإسلامي حين أفسحت الأهرام للشعوبيين الثلاثة (توفيق الحكيم - لويس عوض - حسين فوزي) (1960 - 1970) المجال ومجمل دعوته التي ردّدها أكثر من 40 عامًا هي على الوجه الآتي كما لخّصها لمجلة الآداب (أبريل 1962): "درجت على حب الغرب والإيمان بحضارة الغرب، واستحال الحب والإعجاب إيمانًا بكل ما هو غربي. لم يعتور إيماني ضعف بضرورة الحياة الغربية حتى وأنا أرى الحضارة تهددها الفاشية والنازية، وتكاد تتردى بها إلى هاوية الفناء والعدم، أغلب الناس لا يرون في حضارة الغرب إلا صورتها المادية (الراديو-الثلاجات-التليفزيون) مع أن الحضارة الغربية في أساسها فكر وفن وفلسفة وعلم، وهذا ما يعنيني من الحضارات. من الخطأ أن نأخذ إنتاج الحضارة دون أن نتشرب أساسها.
وسمة الحضارة الغربية أن العقل فيها مطلق، هذه السمة أفضل تسميتها الفكر الحر، لست أقول: إن الحضارة الغربية بلغت المثل الأعلى الذي نادى به الفلاسفة والمصلحون، ولكني أعجب إعجابًا بظاهرة واحدة في هذه الحضارة هي: الفكر الحر، ومهما كانت الأخطاء التي ارتُكبت فإن فضيلة هذه الحضارة
__________
(1) المرجع السابق (ص 538 - 540).
في أنها تملك أداة إصلاح ذاتيه هي (الفكر الحر) وآمل أن نمحو من أذهان النشء هذه المقابلات العميقة بين الشرق والغرب، فليس غير الإنسان وليس ثمة إلا عالم واحد". وحين يتحدث عن الجوانب الروحية في تاريخ مصر يخلط بين مدرسة هليوبوليس ومدرسة الإسكندرية وبين الأزهر الشريف.
ويقول: "لا صلة للعقيدة الدينية بمسائل الأمم". والدكتور حسين فوزي في مفهومه هذا غال من غلاة التبعية للحضارة الغربية، وهو يركز على جانبها الخاص بالفنون والمسارح والموسيقى والرقص، ويرى أن هذه هي الفنون التي تُنقَل إلى البلاد العربية. ويركز على خداع قومه بالدعوة إلى الربط بين الحضارة المادية والفكر الغربي، كأنه يريد من قومه أن يتحولوا إلى غربيين في الفكر، وأن ينصهروا في الغرب؛ وليس أدل على ذلك من إعلانه الكراهية والاحتقار للتراث الإسلامي العربي، ويصف هذه الثقافة بأنها ماتت، ويُتابع طه حسين في الدعوة إلى نقل كل ما تمثله الحضارة (خيرها وشرها، وحلوها ومرّها، وما يُحمد منها وما يُعاب).
- أما قضية الفكر الحرّ فهي قضية تلك الجماعة التي حملت في الغرب لواء المادية والإباحية، وكسرت جميع ضوابط الدين والخُلُق، وكانت تابعة للتلمودية اليهودية التي قادها فولتير وروسو ويدرو ونيتشه وأوجست كونت ثم خلَّفت فرويد ودور كايم وسارتر. ولا ريب أن إيمان هذا الرعيل بالتبعية الغربية واضح وعميق، فهم يكرهون الإسلام والعربية والتراث والتاريخ الإسلامي ويزدرونه، وهم في هذا على خط واحد مع طه حسين وسلامة موسى وزكي نجيب محمود" (1).
- يذهب الدكتور حسين فوزي إلى أبعد حد في العنف والقسوة في
__________
(1) المصدر السابق (4/ 542 - 543).
(1/284)
________________________________________
مهاجمة الثقافة العربية فيقول. "ماتت الثقافة العربية عبر القرون الوسطى وانطفأ نورها كما ينطفئ السراج الذي نضب زيته وأُحرِقت زبالته وانكسر إناؤها أيضًا، وذهب غبارها مع الثقافات الأخرى التي عُرفت في أوربا فيما بين انحلال الإمبراطورية الرومانية وعصر الرنيسانس ولا قيمة للثقافة العربية عندي أكثر من أنها لعبت دور انتقال في العصور الوسطى فكانت مستودعًا لبعض مظاهر تفكير اليونان فيما قبل عصر إحياء العلوم" (1).
- ويكذب حسين فوزي حين يرى أن شئون الزينة تتصل بالعادات والتقاليد بينما هي في الحقيقة من أصول الأخلاق. وكتب في الأهرام 21/ 8/1964 عن مُوَدة الصدر المكشوف، ويفيض في هذا الحديث ويحسنه ويغري به كل قارئ (2).
1) المصدر السابق (4/ 516).
(2) "الصحافة والأقلام المسمومة" (ص 75).