شرح متن الأصول الثلاثة لفضيلة الشيخ صالح بن فوزان بن عبد الله الفوزان حفضه الله. المتن https://djelfa.info/vb/showthread.php?t=70766 الشرح قوله : اعلم : كلمة تشير إلى الاهتمام بالموضوع فإذا قال اعلم : فمعناه أن الأمر الذي سيلقيه عليك أمر مهم ، فهذه الكلمة تدل على أهمية الموضوع التي يبدأ بها فيه . ومعنى اعلم : فعل أمر من العلم ، أي تعلم ، والعلم : هو إدراك الشيء على ما هو عليه في الواقع أو تصور الشيء على طبق الواقع . وإدراك الشيء على خلاف ما هو عليه في الواقع أو تصور الشيء على خلاف الواقع فهو الجهل وهو ضد العلم . قوله : رحمك الله : هذا دعاء لطالب العلم ، فالشيخ يدعو لطلبة العلم بأن يرحمهم الله ، وأن يلقي عليهم رحمته - سبحانه وتعالى - فهذا فيه التلطف من المعلم بالمتعلم ، وأنه يبدأ بالكلام الطيب والدعاء الصالح حتى يؤثر ذلك فيه ، ويقبل على معلمه . أما إذا بدأ المعلم بالكلام القاسي والكلام غير المناسب فإن هذا يُنفره ، فالواجب على المعلم وعلى من يدعو إلى الله ، وعلى من يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر التلطف بمن يخاطبه بالدعاء والثناء عليه والكلام اللين فإن هذا أدعى للقبول . أما المعاند والمكابر فهذا له خطاب آخر قال الله سبحانه : وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ . فالذين ظلموا من أهل الكتاب وعاندوا وكابروا هؤلاء لا يخاطبون بالتي هي أحسن بل يخاطبون بما يردعهم ، قال تعالى : يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ ، المنافقون لا يجاهدون بالسلاح ، وإنما يجاهدون بالحجة والكلام والرد عليهم بالغلظة ردعا لهم وتنفيرا للناس عنهم ، وقال تعالى فيهم : وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ قَوْلًا بَلِيغًا ، هؤلاء لهم خطاب خاص ؛ لأنهم أهل عناد ومكابرة ولا يريدون الحق بل يريدون تضليل الناس فهؤلاء يخاطبون بما يليق بهم . أما الطالب المسترشد فهذا يخاطب بالرفق والرحمة واللطف ؛ لأنه يريد الحق ويريد العلم والفائدة . قوله : اعلم رحمك الله : دعاء لك بالرحمة ، فإذا رحمك الله فإنك تكون سعيدا بها في الدنيا والآخرة . إذا دخلت في رحمة الله ، وهذا دعاء ومن عالم جليل ورجل صالح يرجى له القبول إن شاء الله . قوله : يجب : الواجب : هو ما يثاب فاعله ويعاقب تاركه ، والمستحب : هو ما يثاب فاعله ولا يعاقب تاركه ، والمباح : لا ثواب في فعله ولا عقاب في تركه . فقوله : يجب : يعني أن هذا الأمر ليس من المستحب ، ولا من المباح بل هو من الواجب العيني . فإذا تركنا تعلم هذه المسائل فإننا نأثم لأن هذا شأن الواجب ، لم يقل يستحب لنا أو يستحسن لنا بل قال يجب علينا وجوبا ، والوجوب معناه الحتم ، من تركه يأثم ، ولأن العلم لا يحصل عليه إلا بالتعلم ، والتعلم يحتاج إلى عناية وجهد ووقت ، ويحتاج إلى فهم وإلى حضور قلب ، هذا هو التعلم . قوله : أربع مسائل : يعني مباحث ، سميت مسائل لأنها يجب أن يُسأل عنها وأن يُعنى بها . قوله : العلم : المراد بالعلم هنا هو العلم الشرعي ؛ لأنه هو الذي يجب تعلمه ، وهذه المسائل يجب تعلمها على كل مسلم من ذكر أو أنثى أو حر أو عبد أو غني أو فقير أو ملك أو صعلوك ، كل مسلم يجب عليه أن يتعلم هذه المسائل الأربع . وهذا ما يسميه العلماء بالواجب العيني ، وهو الذي يجب على كل أحد من المسلمين ، فالصلوات الخمس على الرجال والنساء ، وصلاة الجماعة في المساجد على الرجال هذا واجب على كل فرد من المسلمين أن يتعلمها ؛ ولذلك قال : يجب علينا ، ولم يقل : يجب على بعضنا ، وإنما قال : يجب علينا ، يعني معشر المسلمين ، فهذا من العلم الذي يجب تعلمه على الأعيان ؛ لأن العلم على قسمين : الأول : ما يجب تعلمه على الأعيان ، فلا يعذر أحد بجهله وهو ما لا يستقيم الدين إلا به ، مثل أركان الإسلام الخمسة التي هي : الشهادتان ، وإقام الصلاة ، وإيتاء الزكاة ، وصوم رمضان ، وحج بيت الله الحرام ، لا يجوز لمسلم أن يجهلها بل لا بد أن يتعلمها . لأن تعلم معنى الشهادتين إنما هو تعلم العقيدة ، يتعلم المسلم العقيدة من أجل العمل بها ، ويتعلم ما يضادها من أجل أن يتجنبه ، هذا مضمون الشهادتين ، كذلك يتعلم أركان الصلاة وشروط الصلاة ، وواجبات الصلاة ، وسنن الصلاة ، يتعلم بالتفصيل هذه الأمور ، ليس مجرد أنه يصلي وهو لا يعرف أحكام الصلاة . كيف يعمل الإنسان عملا وهو لا يعلم هذا العمل الذي يؤديه ؟ كيف يؤدي الصلاة وهو جاهل بأحكامها ؟ فلا بد أن يتعلم أحكام الصلاة ، ومبطلات الصلاة ، لا بد من تعلم هذا . كذلك يتعلم أحكام الزكاة ، ويتعلم أحكام الصيام ، ويتعلم أحكام الحج ، فإذا أراد أن يحج وَجَبَ عليه تعلم أحكام الحج وأحكام العمرة ، من أجل أن يؤدي هذه العبادات على الوجه المشروع . وهذا القسم لا يعذر أحد بجهله ، وهو ما يسمى بالواجب العيني على كل مسلم . القسم الثاني من أقسام العلم : فهو ما زاد عن ذلك من الأحكام الشرعية التي تحتاجها الأمة بمجموعها وقد لا يحتاجه كل أحد بعينه مثل أحكام البيع وأحكام المعاملات ، وأحكام الأوقاف والمواريث والوصايا ، وأحكام الأنكحة ، وأحكام الجنايات ، هذه لا بد منها للأمة ، لكن لا يجب على كل فرد من الأمة أن يتعلمها بل إذا تعلمها من يحصل به المقصود من العلماء كفى هذا ؛ ليقوموا بحاجة المسلمين من قضاء وإفتاء وتعليم وغير ذلك ، هذا يسمى واجب الكفاية الذي إذا قام به من يكفي سقط الإثم عن الباقين ، وإذا تركه الجميع أثموا جميعا . لا بد للأمة من أناس يتعلمون هذا القسم لأنهم بحاجة إليه ؛ لكن ما يقال لكل واحد : يجب عليك أن تتفقه في هذه الأبواب ؛ لأنه قد لا يتأتى هذا لكل أحد ، وإنما يختص هذا بأهل القدرة وأهل الاستطاعة من الأمة ، ولأنه إذا تعلم هذا بعضُ الأمة قام بالواجب ، بخلاف القسم الأول فكل واحد مسؤول عنه في نفسه ، لأنه لا يمكن أن يعمل هذه الأعمال إلا عن علم ، ولهذا قال الشيخ : يجب علينا ، ولم يقل : يجب على المسلمين ، أو يجب على بعضهم ، بل قال : يجب علينا ، أي على كل واحد منا وجوبا عينيا . ولنعلم أيضا قبل الدخول في المسائل أن المراد بالعلم الذي يجب على الأمة إما وجوبا عينيا أو كفائيا أنه العلم الشرعي الذي جاء به الرسول - صلى الله عليه وسلم - . أما العلم الدنيوي كعلم الصناعات والحِرَف والحساب والرياضيات والهندسة ، فهذا العلم مباح يباح تعلمه وقد يجب إذا احتاجت الأمة إليه ، يجب على من يستطيع لكن ليس هو العلم المقصود في القرآن والسنة والذي أثنى الله تعالى على أهله ومدحهم والذي قال فيه النبي - صلى الله عليه وسلم - : العلماء ورثة الأنبياء المراد العلم الشرعي . وأما العلم الدنيوي فمن جهله فلا إثم عليه ، ومن تعلمه فهو مباح له ، وإذا نفع به الأمة فهو مأجور عليه ومثاب عليه ، ولو مات الإنسان وهو يجهل هذا العلم لم يؤاخذ عليه يوم القيامة لكن من مات وهو يجهل العلم الشرعي خصوصا العلم الضروري فإنه يسأل عنه يوم القيامة ، لِمَ لَمْ تتعلم ؟ لماذا لَمْ تسأل ؟ الذي يقول إذا وضع في قبره : ربي الله والإسلام ديني ونبيي محمد - صلى الله عليه وسلم - هذا ينجو ، يقال له : من أين حصَّلت هذا ؟ يقول : قرأت كتاب الله وتعلمته . أما الذي أعرض عن ذلك فإنه إذا سئل في قبره فإنه يقول : هاه هاه لا أدري ، سمعت الناس يقولون شيئا فقلته ، فهذا يؤجج عليه قبره نارا - والعياذ بالله - ويضيق عليه فيه حتى تختلف أضلاعه ، ويصبح في حفرة من حفر النار ؛ لأنه ما درى ولا تلا فيقال له : لا دريت ولا تليت [ أو لا تلوت ] فهو لم يتعلم ولم يَقْتَدِ بأهل العلم ، وإنما هو ضائع في حياته ، فهذا الذي يؤول إلى الشقاء والعياذ بالله . فقوله : العلم : هذا هو العلم الشرعي المطلوب منا جماعة وأفرادا ، وهو معرفة الله بأسمائه وصفاته ، ومعرفة حقه علينا وهو عبادته وحده لا شريك له ، فأولُ ما يجب على العبد هو معرفةُ ربه - عز وجل - وكيف يعبده . يتبع