منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب - عرض مشاركة واحدة - عاجل و ضروري
الموضوع: عاجل و ضروري
عرض مشاركة واحدة
قديم 2008-11-17, 21:29   رقم المشاركة : 4
معلومات العضو
فارس الجزائري
مشرف سابق
 
الصورة الرمزية فارس الجزائري
 

 

 
الأوسمة
المركز الثالث في مسابقة التميز في رمضان وسام مسابقة منتدى الأسرة و المجتمع وسام القلم المميّز 
إحصائية العضو










Hourse تابع ابن خلدون

الاجتماعية بالظواهر الطبيعية التي لها أثر فعال على الحياة الاجتماعية. لأن الظواهر الطبيعية تعمل على تكييف الظواهر الاجتماعية وتغييرها أو تطورها نظرا للعلاقات المتينة بين أفراد المجتمع وبين تلك الظواهر الطبيعية، ومن هنا نجد حياتهم تختلف باختلاف البيئة وتتخذ أشكالا متعددة تبعا لظروف المجتمع ومحيطه، إن أحوال المجتمعات ومفاهيمها في تغير مستمر لا تسير على وتيرة واحدة، والظواهر الاجتماعية نفسها تتسم بالتفاعل والتداخل لأنه ليس في وسعنا أن نفصل عددا من الظواهر عن ظواهر أخرى في حياة مجتمع ما ولا سيما إذا كانت تعتبر هي الكيان الأساسي لبناء ذلك المجتمع. ولهذا ينبغي على الباحث أن يعمل على تحليلها تحليلا يؤدي إلى الكشف عن طبيعتها وعن الأسس التي تقوم عليها والقوانين التي تؤثر فيها، وهذا مسار عليه ابن خلدون في بحثه وإبرازه إلى الوجود حينما اكتشف علم الاجتماع والعوامل التي تؤثر فيها.
المطلب الثالث: أبواب علم الاجتماع:
لقد صنف ابن خلدون علم الاجتماع إلى ستة أبواب:
1. العمران البشري بصفة عامة والعوامل التي أدت إلى نشأته ونوع التجمعات ودراسة البيئة الطبيعية التي لها علاقة بالتجمعات البشرية حيث تعمل على توزيعهم على المناطق والأقاليم تبعا لمؤثراتها ولذلك نجدهم يختلفون في القلة والكثرة والتقدم والتخلف حسب مناخ الأقاليم، وإن الأقاليم المعتدلة تحضى بكثرة السكان ووفرة العمران أكثر من المناطق الشديدة الحرارة أو البرودة.
2. المجتمعات البدوية أو المتخلفة لأن البداوة في نظره عبارة عن مرحلة أولية من الحياة الإنسانية لابد أن تمر بها وهي تعيش هذه المرحلة حياة التقشف والبساطة في وسائلها ونضمها وعلاقات أفرادها في مجتمعات صغيرة لا تكاد تتجاوز القبيلة.
3. العمران الحضري أو المجتمعات المتقدمة وهذه المجتمعات قد عبرت مرحلة البداوة وانتقلت إلى مرحلة التحضير وبعد ما كان شغلها الشاغل هو الحصول على الضروريات أصبحت تهتم بالكماليات وتتفنن في أعمالها وبالخصوص في الميدان العلمي والصناعي، واتسعت علاقة أفرادها حيث أصبحت متشابكة متفاعلة ومتداخلة.
4. السياسة التي تدلنا على وجود مجتمع منظم تجاوز مرحلة الفوضى والانقسامات الصغيرة واعتماد كل فرد على نفسه نتيجة ضرورة دفعت أفراد المجتمع إلى التعاون والعيش مع بعضهم في كتلة كبيرة يستطيعون بها أن يؤمنوا حياتهم ويفرضون وجودهم وكان الدافع إلى ذلك الصراع القائم بين الأفراد الذي كان يهدد حياتهم وكاد يصدع بنائهم الاجتماعي ففكروا في إيجاد حل للقضية وذلك بإنشاء سلطة سياسية تفصل بينهم في خلافاتهم وتقيم الأمن والسلام، فاختاروا من بينهم رجلا تتوفر فيه شروط المسؤولية وهي: قوة الشخصية والحنكة والتجربة وقوة العصبية.
5. الاقتصاد أو ما يسمى بالمال أو المعاش، وجد الإنسان على الأرض وهو في حاجة إلى أشياء يحفظ بها بقاءه ووجوده في هذه الحياة، وهذه الأشياء موجودة في هذا العالم ومسخرة له ولكنه لاستطيع الحصول عليها بدون عمل، فتحرك واكتشف منا بعها، ثم أحتاج إلى وسائل يعمل بها فأداه ذلك إلى الصناعة التي تعمل على تطويرها باستمرار، وهكذا تفاعلت حياة الأفراد الاقتصادية وتخصصت كل جماعة في ناحية معينة وأصبحت وسائل العيش متبادلة أساسها التعاون الذي يضمن لكل فرد ما يحتاج إليه.
6. العلوم إن العلوم كسبية وليست فطرية لأن الإنسان خلق وهو لا يعلم شيئا ولكنه مزود بوسائل تمكنه من اكتساب المعرفة وهذه الوسائل تتمثل في العقل والحواس. ويقسم ابن خلدون العقل إلى نوعين:
· العقل التجريبي.
· العقل النظري.
ويقسم العلوم إلى صنفين:
· علوم عقلية يكتسبها الإنسان بعقله.
· علوم نقليه منزلة من الله على أنبيائه ورسله وهذه العلوم هي التي زادت في تنوير العقل وأطلعته على الكثير من المعلومات التي لم يكن في وسعه الحصول عليها من تلقاء نفسه.
المطلب الرابع: منهج البحث عند ابن خلدون.
لقد لاحظ ابن خلدون أن البحث العلمي يحتاج إلى منهج قويم يتخذه الباحث نبراسا يهتدي به إلى هدفه المنشود في كل من ميادين المعرفة وبالخصوص في العلوم الإنسانية المتطورة التي تقتضي المهارة والنباهة والحذر والتأني للوصول إلى الحقيقة ومعرفة أسباب الظواهر وأصولها وذلك لا يتم إلا بالتوجه إلى خدمة العلم لذاته والقدرة على تفسير الأمور تفسيرا علميا دقيقا غير أنه قد توجد أبحاث تتخللها أخطاء وأوهام ولذلك يمكننا أن نقسم المشتغلين بالبحث العلمي إلى قسمين:
1. القسم الأول: العلماء الذين يملكون القدرة على النظر في الأمور ومعرفة مبادئها وأسبابها والقوانين التي تخضع لها ويتعمقون فيها ويتتبعون جزئيتها بدقة وتكون لهم دراية بطبائع الكائنات وأحوالها، وهؤلاء العلماء يقدمون خدمات جليلة للبحث العلمي لأن همهم الوحيد هو خدمة العلم لذاته.
2. والقسم الثاني: الباحثون الذين لا يملكون القدرة الكافية على البحث العلمي ويسميهم ابن خلدون بالمتطفلين، لأنهم يغصون في الميدان العلمي معتمدين في ذلك على النقل والتقليد، وفي هذه الحال قد يشوهون الحقائق نظرا لجهلهم بطبائع الأمور. وفي هذا يقول ابن خلدون: ((وفي باطنه نظر وتحقيق، وتعليل للكائنات ومباديها دقيق، وعِلْمٌ بكيفيات الوقائع وأسبابها عميق، فهو بذلك أصيل في الحكمة، عريق وجدير بأن يعد في علومها وخليق ... والغلط والوهم نسيب للأخبار وخليل، والتقليد عريق في الآدميين وسليل، والتطفّل على الفنون عريض وطويل، ومرعى الجهل بين الأنام وخيم وبيل))(1).
وبناء على ذلك فإن ابن خلدون يرى أن الظواهر والأحداث المتعاقبة لا تسير حسب الصدفة وإنما هي خاضعة لقوانين ثابتة والحركة الاجتماعية لا تخرج عنها بل تسير بمقتضاها ولكي يستطيع المرء أن يصل إلى هذه القوانين ينبغي له أن يدرس المجتمع البشري في نشأته وتطوره، وأن يعرض أحواله على العقل الذي هو معيار الحكمة والحقيقة، ونقد ابن خلدون سابقيه في دراسة التاريخ بالخصوص، فأداه ذلك إلى وضع منهج مخالف لمناهجهم، وهذا المنهج يعتمد على الدقة والملاحظة والتجارب مع المقارنة والتحليل والتعليل مستند في ذلك على المنطق السليم.
وإذا كان ابن خلدون يرى دراسة التاريخ تعتمد على دراسة علم الاجتماع فإنه قد رسم خطة البحث التي يسير عليها هو وغيره في سلوكهم لدراسة التاريخ وأن التاريخ ليست مهمته السرد، بل هو دراسة اجتماعية شاملة لجميع مرافق الحياة الاجتماعية التي هي أساس البحث في التاريخ، وهذا ما جعل ابن خلدون يشترط في دارس التاريخ أن يكون ملما بعلم الاجتماع الذي هو دراسة أساسية في الماضي والمستقبل وبذلك يمكنه أن يسلم من الوقوع في الخطأ ويصل إلى دراسة صحيحة وفي ذلك يقول: (( وتقف على أحوال ما قبلك من الأيام والأجيال وما بعدك)).
وإذا كان ابن خلدون يشير إلى التاريخ عندما يتحدث على المنهج فلم يكن يعني أن المنهج وضع خصيصا للتاريخ، بل كان يهدف من وراء ذلك إلى وضع منهج لعلم الاجتماع والتاريخ مادام هو جزء من علم الاجتماع.
ويقسم ابن خلدون المنهج إلى قسمين: القسم الأول يختص بالقواعد التي تجنب الباحث الوقوع في الخطأ وتجعله في مأمن من الانزلاق والخروج عن التفكير السليم.

(1 المصدر نفسه ص2،3.