منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب - عرض مشاركة واحدة - تعريف القانون
الموضوع: تعريف القانون
عرض مشاركة واحدة
قديم 2011-04-17, 18:01   رقم المشاركة : 2
معلومات العضو
yacine414
عضو مميّز
 
إحصائية العضو










B10 تابع

الفصل الثالث: نطاق تطبيق القانون
القاعدة القانونية مهما كان مصدرها يتعين تطبيقها متى توافرت شروطها، والشروط القضائية هي المكلفة بهذا التطبيق، لكن تحديد نطاق القاعدة القانونية يثير ثلاثة مسائل:
1- تحديد نطاق تطبيق القاعدة القانونية بالنسبة للأشخاص المخاطبين بأحكامها، ومن المقرر أن القاعدة القانونية تسري في حق الكافة ولو كانوا على جهل بها.
2- تحديد نطاق تطبيق القاعدة القانونية من حيث المكان، أي هل القاعدة القانونية تعد إقليمية من حيث التطبيق أو شخصية.
3- تحديد نطاق تطبيق القاعدة القانونية من حيث الزمان وهو ما يطلق عليه بتنازع القوانين من حيث الزمان فعندما يلغى القانون القديم ويحل محله قانون جديد (1)
المبحث الأول: نطاق تطبيق القانون من حيث المكان والأشخاص والزمان
المطلب الأول: نطاق تطبيق القانون من حيث الأشخاص
بمجرد استفاء القاعدة القانونية شروط تكوينها، ومهما كان مصدرها سواء كان التشريع أو غيره من المصادر، فإنها تسري في حق جميع الأشخاص المخاطبين بأحكامها بدون استثناء ودون الادعاء بعدم العلم بها، وهذا ما يطلق عليه في الاصطلاح القانوني مبدأ عدم جواز الاعتذار بالجهل بالقانون ويطرح السؤال حول الأشخاص المخاطبين بحكم القاعدة القانونية إذا اختلف الرأي حولهم.
فيرى جانب من الفقه الألماني أن القانون لا يخاطب المواطنين وإنما يخاطب الأشخاص الذين يمثلون أجهزة الدولة، ومن ثم فالقانون لا ينشئ أي التزام على عاتق الأفراد، في حين أنه يلزم أجهزة الدولة إجبار الأفراد على احترام القانون عن تطبيق توقيع الجزاء على كل من يخالف أحكامه.
وقد انتقد هذا الرأي بأن القانون لا يخاطب أجهزة الدولة فحسب، وإنما يخاطب الأفراد أيضا في المجتمع، ومضمون الالتزام الملقى على الأفراد يتمثل في تنفيذها ما هو مطلوب منهم والحصول على الحقوق التي يمنحها القانون لهم، بينما مضمون الالتزام الملقى على عاتق أجهزة الدولة يتمثل في المحافظة على احترام القانون من طرف أفراد المجتمع بواسطة استعمال جميع الوسائل بما فيها وسائل القوة (1).
وذهب رأي الفقه الألماني إلى أن القانون لا يخاطب جميع الأفراد على حد سواء وإنما يخاطب العقلاء منهم فحسب، أي الذين يتمتعون بالإدراك الكامل ولا يخاطب عديمي الأهلية كالمجنون أو الصبي غير المميز نظرا لعدم إدراك هؤلاء لحكم القانون أو العلم به.
وقد انتقد هذا الرأي أيضا باعتباره أنه لا يتفق مع المنطق القانوني إذ القانون يخاطب كافة أفراد المجتمع سواء منهم من كان يفهم حكمة ومن لا يفهمه، يستوي في ذلك هؤلاء الذين يعلمون به والذين يجهلونه إذ يخضع للقانون كامل الأهلية وناقصها وعديمها على حد سواء، وإن كان لناقص الأهلية وعديمها أحكاما خاصة بهم.
الفرع الأول: أساس مبدأ عدم جواز الاعتذار بجهل القانون
يقوم هذا المبدأ على أساس افتراض على الكافة بالقانون، إذ تقضي عملية النشر في الجريدة الرسمية بسريان القانون في مواجهة الكافة، حتى لا يستطيع أحد الادعاء بجهله للقانون والإفلات من أحكامه، لأن استقرار المعاملات واستتباب النظام في المجتمع يقتضي أن يطبق القانون على جميع أفراد المجتمع دون استثناء (1).
الاستثناءات الواردة على المبدأ:
1- القوة القاهرة: يتفق كل من الفقه والقضاء على اعتبار القوة القاهرة على مبدأ جواز الاعتذار بالجهل بالقانون، وتعرف القوة القاهرة بأنها حادث غير ممكن توقعه فضلا عن استحالة دفعه (2) بحيث يجعل المرء يجهل وجود القانون كحادث زلزال أو فيضان أصاب المنطقة فتعذر وصول الجريدة الرسمية إليها.
وهذا الاستثناء ينصرف إلى القواعد التشريعية فحسب لأنها وحدها هي التي تنشر في الجريدة الرسمية ويفترض العلم عن طريق النشر (3).
الفرع الثاني: الغلط في القانون
اختلف الفقه حول اعتبار الغلط في القانون كاستثناء يرد على مبدأ عدم جواز الاعتذار بالجهل بالقانون، إذ لاحظ جانب منه أن القانون يحمي كل شخص حسن النية وقع في غلط في القانون نتيجة جهله به، وهذا ما تقضي به المادة 83 من القانون المدني الجزائري بقولها:
يكون العقد قابلا للإبطال لغلط في القانون إذا توافرت فيه شروط الغلط في الواقع طبقا للمادتين 81 و 82 ما لم يقضي القانون بغير ذلك.
والغلط هو عبارة عن توهم الشخص لحكم القانون على غير حقيقته كان يهب رجل لزوجته المطلقة مالا معتقدا أنه يسترجعها بذلك إلى عصمته جاهلا أن الطلاق إذا ما انتهت العدة ينقلب إلى طلاق بائن بينونة صغرى، فيستوجب عندئذ إجراء عقد جديد ومهر جديد حتى تعود الزوجة إلى عصمته فالقانون في هذه الحالة يجيز لهذا الشخص الذي وقع في غلط أن يطلب إبطال عقد الهبة.
أو كمثل من يبيع نصيبه من الشركة معتقدا أنه يرث الثمن في حين أنه يرث النصف، ففي هذه الحالة يجوز له إبطال العقد لأنه وقع في غلط.
وينتقد هذا الرأي من طرف بعض الفقه، بأن الغلط في القانون لا يعد استثناء من المبدأ إذ لا يجعل الغالط يفلت من القانون بل على العكس فإنه يخضع لأحكامه في الأول، فالشخص الذي أبطل تصرفه في النية لا يستطيع استرجاع زوجته إلا بعد إتباع أحكام الزواج التي كان الوارث يجهلها، وفي المثال الثاني إذا كان الوارث قد أبطل تصرفه في البيع، فإن قواعد الميراث التي كان يحملها نطبق عليه ويحصل على نصيبه كاملا أي النصف (1).
وهناك جانب آخر من الفقه يرى أن عدم جواز الاعتذار بالجهل بالقانون يقتصر على القواعد الآمرة إذ يجوز للشخص الاعتذار بجهلها عند وقوعه في غلط.
وقد انتقد هذا الرأي من عدة جوانب منها:
1- أن جواز الاعتذار بالجهل بالقواعد المكملة معناه إهدار لقوتها الملزمة.
2- أن القول بجواز الاعتذار بالجهل بالقواعد المكملة لدليل على إثارة التمييز بين أنواع القواعد القانونية هي نفي الصفة القانونية عن القواعد المكملة في حين أن القواعد القانونية مكملة كانت أو آمرة تعد قواعد عامة ومجردة ويتبعها جزاء عند مخالفتها لذا فهي نافذة في حق الكافة بمجرد تكوينها سواء علموا بها أو لم يعلموا بها.
3- إذا أثير نزاع بين متعاقدين فتمسك أحدهما بالقاعدة المكملة في حين استبعدها الآخر لجهله بها، فإن القاضي في هذه الحالة يرجع المصلحة الخاصة بمن يريد التمسك بالقاعدة المكملة (1)، ونخلص من ذلك إلى أن ادعاء الجهل بالقانون يؤدي أصلا إلى استبعاد بأحكام القانون، ومن ثم فإن الغلط في القانون يدعم مبدأ عدم جواز الاعتذار بالجهل بالقانون ولا يعد بمثابة استثناء يرد عليه.
الفرع الثالث: الجهل بقانون غير جنائي في المسؤولية الجنائية
إن الجهل بقاعدة قانونية غير جنائية في مجال المسؤولية الجنائية قد يترتب عليه انتفاء المسؤولية الجنائية، هذا ما اتجه إليه القضاء الفرنسي في قضية شخص عثر على كنز في أراضي الغير فاستولى عليه بكامله جاهلا القاعدة القانونية التي تملكه نصف الكنز فقط فأعفي الشخص من تهمة الاختلاس نظرا لحسن نيته.
لو أمعنا النظر في هذه القضية لما اعتبرناها استثناء من مبدأ عدم جواز الاعتذار بالجهل بالقانون، ذلك لأن الاستثناء يؤدي إلى استبعاد تطبيق القانون في حين أن الجهل بالقانون أدى مباشرة إلى تطبيق القاعدة القانونية التي تقسم الكنز بالنصف بين من عثر عليه وبين صاخب الأرض، أما انتفاء المسؤولية الجنائية فيعود إلى انتفاء القصد الجنائي فيها (1).
ونسير أخيرا إلى مبدأ عدم جواز الاعتذار بالجهل بالقانون معترفا به في جميع الدول المعاصرة، ولقد تبناه الدستور الجزائري في المادة 57 بقولها: لا يعتذر بجهل القانون.
المطلب الثاني: نطاق تطبيق القانون من حيث المكان
يتعذر على الدولة المعاصرة أن تعيش منعزلة عن باقي الدول الأخرى فهي عضو في المجتمع الدولي الذي يفرض عليها الاحتكاك بغيرها من الدول فيتوافد الأجانب على إقليمها نظرا لسرعة وسهولة التنقل من إقليم إلى آخر، لذا فالدولة المعاصرة لا تضم رعاياها فحسب إذ لو كان الأمر كذلك لما أثير أي إشكال أو نزاع حول العلاقات التي تنشأ بين أفراد المجتمع الواحد، إذ يعد كل فرد فيه مواطنا، ومن يخضع سلوكه وتخضع علاقاته للقانون الوطني، أي قانون دولته وبما أن الأمر على خلاف ذلك إذ قد تنشأ علاقات قانون إقليمي فمعناه أنه يسري على كل شخص موجود على الإقليم الجزائري بغض النظر عن جنسيته، أما ما يقع خارج التراب الجزائري فيخضع لقانون الدولة الأجنبية حتى لو تعلق الأمر بجزائري.
ومبدأ إقليمية القوانين يقوم على أساس سيادة الدولة على إقليمها، إذ لا تتحقق هذه السيادة إلا عن طريق بسط سلطان قانونها داخل إقليمها على الوطنيين والأجانب على حد سواء، فضلا عن أن هذه السيادة تتنافى البتة مع وجود قانون أجنبي ينازع قانونها ويدعي الاختصاص على إقليمها (1).
مجال تطبيق مبدأ إقليمية القوانين:
إن أفسح مجال لتطبيق مبدأ إقليمية القوانين هو القانون العام الذي يبرز فيه جليا عنصر سيادة الدولة، لذا نجد كل فرع من فروع القانون العام يطبق تطبيقا إقليميا كقاعدة عامة كالقانون الجنائي، والقانون الإداري والقانون المالي وقانون النظام القضائي وقوانين المرور الخ...
ولكن على الرغم من ذلك فإن مجال مبدأ إقليمية القوانين لا يقتصر على القانون العام فحسب بل نجده أيضا في مجال القانون الخاص كالقوانين المتعلقة بالحيازة والملكية والحقوق العينية والقوانين المتعلقة بشكل التصرفات القانونية أو القوانين الخاصة بالعمال الخ، وكل هذا يعود إلى أن هذه القوانين تتعلق بالنظام العام للدولة ولذا يجب أن تطبق تطبيقا إقليميا (1).
الاستثناءات الواردة على مبدأ إقليمية القوانين:
ترد على مبدأ إقليمية القوانين بعض الاستثناءات فتحد من تطبيق قانون الدولة على إقليمها أو تمد تطبيقه إلى خارجها وهي:
1- إن الحقوق والواجبات التي ينص عليها الدستور، تطبق تطبيقا إقليميا بالنسبة للمواطنين فحسب ولا تطبق على الأجانب، كحق الانتخاب وحق الترشيح وحق تولي الوظائف العامة، وإن كان هذا الأخير قاصرا أصلا على الوطنيين، وهذا إذا أبيح للأجانب يكون ذلك على سبيل الاستثناء، أما الواجبات كواجب الدفاع عن الوطن وواجب الخدمة الوطنية.
2- يستثنى من مبدأ الإقليمية ما يقرره القانون الدولي العام لبعض الأجانب: كالممثلين الدبلوماسيين والقناصل الذين يتمتعون بالحصانة القضائية ومن ثم فلا يخضعون لقانون الدولة التي يوجد على إقليمها والتي يمارسون فيها مهامهم كما أنهم لا يخضعون لولاية قضائها.
إن حاجة المعاملات الدولية تقضي بضرورة الأخذ بقواعد القانون الدولي الخاص أو ما يسمى بقواعد الإسناد، إذ تسند العلاقة القانونية التي تشمل على عنصر أجنبي إلى القانون المختص أصلا بحكمها (1)، وقد يؤدي هذا إلى تطبيق قانون أجنبي على إقليم الدولة، ومن ثم يعد خروجا أو استثناء على مبدأ إقليمية القوانين.
3- إذا كان الأصل هو تطبيق قانون العقوبات تطبيقا إقليميا نظرا إلى أنه فرع من فروع القانون العام الذي تبرز فيه سيادة الدولة بدليل المادة 3 ف 1 من قانون العقوبات التي تنص على ما يلي: يطبق قانون العقوبات على كافة الجرائم التي ترتكب في أراضي الجمهورية.
غير أن هذه السيادة تتدعم وتبرز جليا بالخرق عن هذا المبدأ، إذ يمتد قانون الدولة خارج إقليمها كلما ارتكبت جرائم في الخارج وكان من شأنها المساس بأمن الدولة أو اقتصادها مهما كانت جنسية مرتكبها أي سواء كان وطنيا أو أجنبيا، وهذا ما قضت به كل من الفقرة الثامنة من المادة 3 من قانون العقوبات بقولها: كما يطبق على الجرائم التي ترتكب في الخارج إذا كانت تدخل في اختصاص المحاكم الجزائية طبقا لأحكام قانون الإجراءات الجزائية.
وتدعم هذه الفكرة كل من المادتين 582 و 583 من قانون العقوبات، أما المادة 588 من نفس القانون فتنص على ما يلي: كل أجنبي ارتكب خارج الإقليم الجزائري بصفة فاعل أصلي أو شريك، جناية أو جنحة ضد سلامة الدولة الجزائرية تزييف لنقود أو أوراق صرفية وطنية متداولة قانونا بالجزائر، تجوز متابعته ومحاكمته وفقا لأحكام القانون الجزائري إذا ألقي عليه في الجزائر أو حصلت الحكومة على تسليمه لها.
إن جميع هذه المواد تنص على امتداد قانون العقوبات الجزائري إلى الخارج ونشير إلى أن امتداد قانون العقوبات يرجع إلى خضوعه لمبدأ الشخصية وهو من المبادئ القديمة، بل انه الأصل في تطبيق قانون العقوبات، وله وجهان وجه إيجابي ووجه سلبي:
الوجه الإيجابي: وهو ما يسمى بالشخصية الإيجابية ويعني تطبيق النص العقابي على كل من يحمل جنسية الدولة إذا ارتكب جريمة في الخارج.
الوجه السلبي: وهو ما يسمى بالشخصية السلبية ويعني تطبيق النص العقابي على كل جريمة فيها اعتداء على مصلحة وطنية مهما كانت جنسية المتهم أو مكان ارتكاب الجريمة، ذلك لأن القانون وضع لحماية المواطنين وممتلكاتهم، وكذلك لممتلكات ولمصالح الدولة وهذه الحماية واجبة للكل وضد الكل فهناك تضامن بين مصلحة الدولة ومصلحة كل فرد من رعاياها حتى لو حصل الضرر لأية مصلحة منهما في الخارج. هذا ويطلق الفقهاء عادة على مبدأ حماية مصالح الدولة عبارة " عينية النص" أو " الاختصاص العيني " أو " التطبيق العيني للقانون" (1) إذ ينظر فيه إلى توع الجريمة المرتكبة ولا ينظر فيه إلى مرتكب الجريمة أي إلى الشخص ذاته (2) فيطبق قانون العقوبات على الوطني والأجنبي على حد سواء كلما وقعت منهما مثل هذه الجرائم.
الفرع الثاني: مبدأ شخصية القوانين
باعتبار الدولة المعاصرة عضوا في المجتمع الدولي فإن هذه العضوية تفرض عليها إفساح المجال لتطبيق القوانين الأجنبية فيما يخص العلاقة الدولي أي العلاقات التي تشتمل على عنصر أجنبي (3)، وهذا على الرغم من اعتناقها بمدى إقليمية القوانين ويرى جانب من الفقه أن التزام الدولة بذلك يفرضه عليها العرف الدولي ومن ثم يفرضه القانون الدولي الوضعي ومع ذلك فإن للدولة الحرية المطلقة في رسم حدود تطبيق القانون الأجنبي على إقليمها (4)، إذن تعتنق الدولة المعاصرة بجانب مبدأ إقليمية القوانين مبدأ شخصية القوانين، الذي يقصد به هو قانون الدولة يمتد و يطبق على رعاياها حتى لو انتقلوا إلى الخارج إذ سيبقى الشخـص مرتبطا بدولته ارتباطا وثيقا. و قد نادى بهذا المبدأ الفقيه الايطالي مانشيني و معناه أن قوانين كـل دولـة إنما وضعت من أجل الأفراد المنتمين إلى جنسيتها، و قد روض في وضعها الاعتبارات الخاصة بهم، و من ثم فالقاعدة هي سريان قانون الدولة على رعاياها أينما كانوا أي حتى لو كانوا خارج حدودها ( 1 ).
و الواقع هو أن مبدأ شخصية القوانين ظهرت في العصور القديمة، و ساد في المجتمعات آنذاك على أساس النفور من الأجنبي و معاملته معاملة العبد أو العدو. فكان التميز سائدا و عاما بين الوطن و الأجنبي و كان لا يطبق على هذا الأخير القانون الوطني الذي يعتبر بمثابة امتياز قاصر على الوطنيين فحسب ( 2 ). فكان الإغريق مثلا يعتبرون حق التقاضي امتيازا مقصورا على الوطنيين. أما الرومان فكانوا يعتبــرون تطبيق القانون المدني امتيازا يتمتع به المواطنون الرومان فحسب أما الأجانب فكانوا يخضعون لقوانينهم الشخصية.
إذن كان مبدأ شخصية القوانين قديما يقوم على أساس عدائي. فقانون الدولة هو امتياز يتمتع به الوطــن وحده الأجنبي، غير أن تطور المجتمعات الحديثة اقتضى تغير هذا الأساس الذي يقوم على المجاملة الدولية التي فرضتها ضرورة المعاملات الدولية ( 3 ).

مجال تطبيق مبدأ شخصية القوانين:
إن أفسح مجال لتطبيق شخصية القوانين، هو القانون الخاص لا سيما الأحوال الشخصية ( من الزواج و النفقة و طلاق و ميراث الخ ...) إذ تميل الدول المعاصرة إلى اتجاه واحد، هو إخضاع هذه الأحوال إلى القانون الشخصي و هذا حسما للتنازع بين القوانين من حيث المكان.
فتقرر قواعد الاستناد إخضاع الأحوال الشخصية لقانون جنسية الشخص أي قانونه الوطني و من ثم فكلما انتقل إلى الخارج و أجرى تصرفا متعلقا بحالته الشخصية خضع تصرفه لقانون الشخص ( 1 ).
في القانون العام:
يفسح المجال لتطبيق مبدأ شخصية القوانين حتى في مجال القانون العام الذي تظهر فيه سيادة الدولة واضحة، و إن كان تطبيقه في هذا المجال ضيقا، إذ نجده في الحقوق السياسية، و الواجبات العامة التي يقررها الدستور. فتطبق تطبيقا شخصيا بحيث تقتصر على الوطنيين دون الأجانب. و حتى في قانون العقوبات الذي يسود فيه مبدأ إقليمية القوانين نجد تطبيقا محدودا لمبدأ شخصية القوانين، وذلك عندما يقرر امتداد أحكامه إلى مواطنيه حتى لو كانت الجرائم المنسوبة إليهم. قد ارتكبت في الخارج و الحكمة في ذلك تعود إلى عدم إفلات المجرم من العقاب ( 2 ).
و إذن فنخلص إلى أن الدولة المعاصرة لا يتسنى لها لأن تتبنى مبدأ واحد و تترك الآخر، لأن ضرورة **** المعاملات الدولية تفرض عليها إفساح المجال لتطبيق القوانين الأجنبية استنادا إلى مبدأ شخصية القوانين و إذا كانت ضد المبدأ قد اعتبر مساسا بسيادة الدولة في المجتمعات القديمة، فإن قبول تطبيقه في المجتمعات الحديثة لتيسير المعاملات الدولية دليل على رقي الدولة وعلى درجة حضارتها لذا فالدولة الحديثة تأخذ المبدأين معا، وإن كان مبدأ الإقليمية هو الأصل ومبدأ شخصية القوانين هو الاستثناء حتى لو كان قد وجد تعارض بين المبدأين قديما أو كما يقول الأستاذ إبراهيم الخليلي هناك علاقة تعايش سلمي بينهما (1)
المطلب الثالث: نطاق تطبيق القاعدة القانونية من حيث الزمان أو تنازع القوانين من حيث الزمان
تقضي القاعدة العامة في تطبيق القوانين من حيث الزمان أنه متى صدر القانون كان واجب التطبيق من اليوم التالي لنشره في الجريدة الرسمية أو من التاريخ الذي يحدده نفس القانون لسريان أحكامه مثال ذلك ما نص عليه المشرع الجزائري في المادة 1003 من القانون المدني بأن يسري مفعول هذا الأمر ابتداء من تاريخ 25 جمادى الثانية عام 1395 الموافق 5 يوليو، وينشر في الجريدة الرسمية للجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية.
وتقضي القاعدة العامة بألا تسري أحكام القانون إلا على الوقائع التي تحدث من يوم إصداره ولا يجوز أن تسري على الوقائع التي وقعت قبل صدوره ، وترجع هذه القاعدة العامة إلى مبدأين أساسيين الأول مبدأ الأثر المباشر للقانون ويعني أن القانون يسري على كل الوقائع والمراكز القانونية التي تحدث من يوم نفاذه إلى يوم إلغائه.
والثاني: مبدأ عدم رجعية القوانين أي la rétroactivité des lois
أي عدم سريان القوانين على الماضي، فلو ألغيت قاعدة قانونية وحلت محلها قاعدة جديدة فإن هذه الأخيرة تسري على كل ما يقع من يوم نفاذها، ولا تسري على الوقائع التي سبقت نفاذها بحيث يقف سريان القاعدة القديمة فتجعل حدا بينها وبين تطبيق القاعدة من حيث زمن (1) ولا تتأثر أي صعوبة عند تحديد النطاق الذي تطبق فيه القاعدة الجديدة إذا كان الأمر يتعلق بمركز قانوني نشأ ورتب جميع آثاره في ظل القاعدة القديمة إذ يبقى خاضعا لحكم هذه الأخيرة حتى لو جاءت القاعدة الجديدة بحكم ينظم نفس المركز ذلك لأن ما تم في ظل القانون القديم يبقى خاضعا للقانون القديم، وما تم في ظل القانون الجديد يبقى خاضعا للقانون الجديد، أو بعبارة أخرى لا محل لمشكل تنازع القوانين من حيث نطاق تطبيق القاعدتين، والمثال على ذلك إذا أبرم عقد ونفذت جميع آثاره في ظل القانون القديم فإن هذا العقد يبقى خاضعا للقانون القديم حتى لو صدر قانون جديد بأحكام مغايرة له غير أن الصعوبة أو التنازع يثار بالنسبة إلى الوقائع أو المراكز القانونية التي يستغرق تنفيذها زمنا طويلا سواء من حيث تكوينها أو من حيث انتهائها كالزواج مثلا أو إجراءات التقاضي أو كتمتع شخص بمركز قانوني في ظل القانون القديم الذي يحدد سن الرشد بـ 19 سنة، ثم صدر قانون جديد يرفع هذه السن إلى 21 سنة، في هذه الحالة يطرح التساؤل حول التصرفات التي صدرت من هذا الشخص باعتباره كامل الأهلية في ظل القانون القديم وناقصها في ظل القانون الجديد إذ يحدث تنازع بين القوانين (1).
وللقضاء على هذا التنازع نعود إلى مبدأ عدم رجعية القوانين الذي يغير عدم سريان أحكام القانون الجديد على الماضي بالنسبة للوقائع والمركز التي ترتبت على نشأته قبل صدوره وبالنسبة للآثار التي ترتبت على الوقائع والمراكز القانونية في ظل القانون القديم إذ يحتفظ هذا الأخير بسلطانه ولا يجوز للقانون الجديد أن يزاحمه في ذلك.
الأسس التي يقوم عليها مبدأ رجعية القوانين:
يقوم مبدأ رجعية القوانين على أسس مختلفة منها:
1- العدل فليس العدل مفاجأة الناس بقانون جديد يعاقب على أعمال أباحها القانون القديم ويحاسبهم على ما قاموا به من هذه الأعمال في ظل القانون القديم.
2- استقرار المعاملات: إذ تقضي المصلحة العامة بألا يسري القانون الجديد على علاقات قانونية نشأت ورتبت كافة آثارها في ظل القانون القديم يجيز الوصية في حدود التركة دون حاجة إلى إجازة الورثة، ثم صدر قانون جديد يجعل النصاب الجائز الإيصاء به هو ¼ التركة، فإنه لا يسري على الوصاية التي رتبت آثارها في ظل القانون القديم.
3- المنطق السليم: الذي يقضي بأن نشر القانون في الجريدة الرسمية يتطلب ألا يكون له أثر ما سبق (1) نفاذه من علاقات قانونية تم ترتيبها وفق أحكام القانون القديم.
ونظرا لأهمية هذه الأسس التي بني عليها مبدأ عدم رجعية القوانين حرصت الدساتير والتشريعات الحديثة على النص على هذا المبدأ وهذا ما فعله المشرع الجزائري في المادة 2ف ا من القانون المدني التي نصت على ما يلي: لا يسري القانون إلا على ما يقع في المستقبل ولا يكون له أثر رجعي، ولقد جاءت عدة نظريات لتفسير هذا المبدأ نجملهما في نظريتين وهما: (1)
الفرع الأول:
1- النظرية التقليدية أو نظرية الحق المكتسب:
سادت هذه النظرية في كل من الفقه والقضاء الفرنسيين طوال القران التاسع عشر ورأت هذه النظرية أن أساس مبدأ عدم رجعية القوانين يقوم على التفرقة بين الحق المكتسب le droit acquis ومجرد الأمل simple expectative فالقانون الجديد يكون ذا أثر رجعي ويمتنع تطبيقه إذا كان يؤدي إلى المساس بحق اكتسب في ظل القانون القديم، ويكون له هذا الأثر إذا أدى تطبيقه إلى المساس بمجرد الأمل، أي أنه في هذه الحالة يكون واجب التطبيق، والمثال على ذلك أن الموصى له لا يكون له أثناء حياة الموصي إلا مجرد أمل، أما بعد وفاة الموصي فيصبح حق الموصى له حقا مكتسبا، وعلى ذلك فلو صدر قانون جديد أثناء حياة الموصي يخفض نصاب الوصية فإنه يسري على هذه الوصية، أما لو صدر مثل هذا القانون بعد موت الموصي وقبول الموصى له الوصية فإنه لا يسري على الوصية إذ الموصى له لم يكن له في الوصية إلا مجرد أمل في الحالة الأولى بينما أصبح له حق مكتسب في الحالة الثانية.
نقد هذه النظرية:
1- انتقدت هذه النظرية على أساس أن أنصارها لم يتفقوا على تعريف واحد للحق المكتسب، فرأى بعضهم أن الحق المكتسب هو دخل في ذمة الشخص نهائيا، بحيث لا يمكن نزعه إلا برضاه، بينما يرى البعض الآخر أن الحق لا يقوم إلا على سند قانوني، في حين يرى البعض الآخر أنه القدرة على المطالبة بالحق قضاء.
2- أن التفرقة التي يستند إليها أنصار هذه النظرية بين الحق المكتسب ومجرد الأمل هي تفرقة غامضة ومبهمة إذ لا يمكن تحديد متى يكون الحق مكتسبا ومتى يكون مجرد أمل؟
3- أن القول بأن القانون الجديد لا يمس حقا مكتسبا معناه أن جميع القوانين ليس لها أن تمس الحقوق المكتسبة سواء لإلغائها أو لتعديلها، فمثلا إذا أصدر المشرع قانونا جديدا بقصد تنظيم الملكية، فإن هذا التنظيم الجديد لا يسوغ له أن يمس الملكيات التي قامت قبل صدوره، وهذا غير سائغ (1) لأن القانون غير ملزم بالإبقاء على الحقوق القائمة وباستعمالها على وضعها القائم إلى الأبد، وإلا لما استطاع المشرع أ ن يحقق الإصلاحات التي يراها ضرورية لتطوير المجتمع.
الفرع الثاني:
النظرية الحديثة:
لحل مشكل التنازع بين القوانين من حيث الزمان، ترى نظرية حديثة ضرورة التفرقة بين عدم رجعية القوانين والأثر المباشر لها، وعلى هذا فإن تحديد نطاق تطبيق القانون من حيث الزمان له وجهان: وجه سلبي يتمثل في عدم سريان القانون على ما تم في الماضي، ووجه إيجابي يتمثل في سريان القانون الجديد على ما يقع بعد نفاذه.
وقد استعمل أنصار هذه النظرية (1) اصطلاح المراكز القانونية للدلالة على الأوضاع والحالات القانونية التي تنظمها القوانين، إذ أن هذا الاصطلاح واسع المدلول بحيث يشمل جميع الأوضاع والحالات القانونية التي تنظمها القوانين، كما ميز أنصار هذه النظرية بين تكوين المراكز القانونية وانقضائها، فإذا كانت المراكز القانونية تستغرق في تكوينها أو انقضائها وقتا طويلا وكان قد بدأ هذا التكوين أو الانقضاء في ظل القانون القديم ثم صدر قانون يعدل أ يغير في أحكامها فإن القانون الجديد ينطبق دون أن يعتبر هذا التطبيق بمثابة سريان القانون على الماضي، ذلك لأن هذه المراكز القانونية لم تتم بعد سواء من حيث التكوين أو الانقضاء، أما في حالة ما إذا صدر القانون الجديد وكانت بعض عناصر المركز القانوني قد بدأت تتكون في ظل القانون القديم، فعندئذ يكون للتصرف قيمة قانونية ومن ثم لا يجوز للقانون الجديد أن يمس هذا التصرف وإلا كان ذا أثر رجعي ومثال ذلك مركز الموصى له الذي يتكون من اجتماع عنصرين هما: وصية صحيحة ووفاة الموصيـ فإذا صدر القانون الجديد بعد إبرام الوصية وقبل وفاة الموصي وجاء بأحكام مختلفة تعدل في شروط صحة الوصية، فلا يكون له أي أثر على صحة الوصية أما إذا صدر القانون الجديد وجاء معدلا بمقدار الوصية من الثلث إلى الربع ففي هذه الحافلة ينطبق القانون الجديد ما دام الموصي لم يمت لان نفاذ الوصية لا يتحدد إلا بعد وفاة الموصي .(1) وأما إذا كان تكوين المركز القانوني أو انقضاؤه لا يستغرق مدة طويلة فان ما تم تكوينه أو انقضاؤه منها في ظل القانون القديم لا يطبق عليه القانون الجديد إذا صدر معدلا لشروط التكوين أو إلا انقضاء لان تطبيقه في هذه الحالة يعني سريانه على الماضي . فإذا صدر تصرف في ورقة عرفية طبقا لأحكام القانون القديم فان القانون الجديد لا ينطبق إذا اشترطت أحكامه إفراغ هذا التصرف في ورقة رسمية . وكذلك في حالة انقضاء المراكز القانونية فإذا طلق الزوج زوجته في ظل القانون القديم ثم صدر القانون الجديد يمنع السبب الذي استند إليه الزوج في الطلاق فان القانون الجديد لا ينطبق (2).
و بهذه التفرقة امتازت النظرية الحديثة عن النظرية التقليدية إذ أعطت تبريرات واضحة لعدم سريان القانون الجديد على الماضي.
تطبيقات مبدأ عدم رجعية القوانين
1- في المجال المدني :
اخذ القانون المدني ببعض التطبيقات لمبدأ عدم الرجعية القوانين ومنها ما نصت عليه المادة 6: بقولها: تسري القوانين المتعلقة بالأهلية على جميع الأشخاص اللذين تتوفر فيهم الشروط المنصوص عليها.
وإذا صار شخص توفرت فيه الأهلية بحسب نصوص قديمة عديم الأهلية بحسب نصوص جيدة فان ذلك لا يؤثر في تصرفاته السابقة .
و هذا النص يشويه خطا مادي إذ لا يعقل أن يرفع القانون الجديد سن الرشد إلى درجة تجعل الشخص الذي كان راشدا في ظل القانون القديم عديم الأهلية، وإنما الصحيح هو أن يصبح ناقص الأهلية. وعليه فإذا أصبح شخصا ناقص على أثر صدور قانون جديد فان التصرفات التي قام بها هذا الشخص تحت سلطان التشريع القديم تكون صحيحة ولا يسرى عليها القانون الجديد .
وتنص المادة 7 على ما يلي: تطبق النصوص الجديدة المتعلقة بالإجراءات حالا، غير أن النصوص القديمة هي التي تسرى على المسائل الخاصة ببدء التقادم ، ووقفه وانقطاعه فيما يخص المادة السابقة على العمل بالنصوص الجديدة .
وكذلك الحال فيما يخص آجال المرافعة.
فطبقا لهذا النص ، إذا صدر قانون جديد يعدل في مدة تقادم بدأ تحت سلطان قانون قديم أو في أسباب وقفه أو انقطاعه ، فانه لا يسرى على المدة السابقة على صدور ما دامت تمت أو بدا تكوينيها قبل صدوره وتظل خاضعة للقانون القديم . وكذلك الأمر بالنسبة للمرافعة .
وتنص المادة 8 على ما يلي: تخضع البيانات المعقدة مقدما للنصوص المعمول بها في الوقت الذي أعدت البنية أو في الوقت الذي كان ينبغي فيه) أعاد( إعدادها.
ويوضح هذا أن الإثبات المكتوبة يجب أن تخضع للقانون القديم الذي تم إعداد ما فيه وكان يفترض أن يتم إعدادها فيه. فلو صدر قانون جديد يعدل من أدلة الإثبات بعد أن أعدت أو قدمت للإثبات فلا يسري عليها.
2- فــي المــجال الجــنائي :
لم يكتفي المشرع الجزائري بالتمسك بمبدأ عدم رجعية القوانين في المجال المدني فحسب، بل تعرض له أيضا في المجال الجنائي وهذا حفاظا الحريات العامة إذا نصت المادة 2 من قانون العقوبات على ما يلي: لا يسري قانون العقوبات على الماضي إلا ما كان منه أقل شدة .

الاستثناءات الواردة علــــى المــــبدأ:

إن مبدأ عدم رجعية القوانين لا يطبق مطلقة وإنما ترد عليه بعض الاستثناءات و منهــا:
1- الاستثناء بنص صريح على الرجعية :
من السلم أن مبدأ عدم رجعية القوانين إذا كان يقيد القاضي والسلطة التنفيذية فيما تصدره من لوائـــح، فهو لا يقيد المشرع إلا في مجال القانون الجنائي.)1( أما في غير هذا المجال فللمشرع أن يقرر الرجعية للقانون بصفة استثنائية ولكن يجب أن يفصح عن إرادته في الخروج على مبدأ بصورة جلية أيi doit manifester nettement sa volonté
و يخرج المشرع على المبدأ بقصد تحقيق الصالح العام في حالات تصبح فيها الرجعية ضرورة تفوق ضرورة استقرار المعاملات .
2- قوانين الإصلاح للمتهم :
يعبر مبدأ عدم الرجعية في المجال الجنائي إحدى الضمانات الأساسية للحريات العامة وبالتالي فلا يتعارض مع مبدأ إقرار رجعية القوانين الأصلح للمتهم بل يعد المبدأ ضمانا وتدعيما لتحقيق هذا الأخير .ولهذا تقرر قوانين العقوبات ومنها القانون الجزائري (المادة 2 السابق الإشارة إليها )استثناءا من المبدأ يتمثل في رجعية القوانين الجنائية متى كانت في صالح المتهم والقانون يكون في صالح المتهم فيطبق تطبيقا رجعيا عندما يأتي القانون الجديد يحكم فعلا كان معاقبا عليه طبق للقانون القديم أو إذا جاء بحكم يخفف من العقوبة .
هذا ويرى جانبا من الفقه أن التطبيق القانون الأصلح فلمتهم في هذه الحالة لا يعد استثناءا حقيقيا من مبدأ عدم رجعية القوانين إذ يمكن الوصول إلى نفس الرجعية النتيجة عن طريق تطبيق فكرة الأثر المباشر للقانون الجديد .فطالما لم يصدر حكم نهائيا بإدانة المتهم يمكن اعتبار تطبيقه حالة من الحالات التطبيق الفوري أو المباشر للقانون الجديد على المركز القانون الجاري والذي أدركه هذا الأخير قبل تكوينه، هذا ويثار السؤال حول ما إذا كان المشرع قد وصف التشريع الجديد بأنه تشريع تفسيري بينما يكون في الحقيقة قد قصد تقرير رجعية القانون الجديد تحت ستار التفسير أي ما يسمى بالرجعية المستثرة(1) Rétroactivité déguisée فماذا كان موقف كل من الفقه و القضاء الفرنسيين بالرجعية المستثرة ؟
يرى جانب من الفقه انه بما أن المشرع قد أطلق على التشريع الجديد وصف التشريع التفسيري فمعنى ذلك أن إرادته قد اتجهت إلى تطبيقه تطبيقا رجعيا رغم أن التشريع الجديد للذي كثيرا الأصلي لا يتوه أي غمض أو تناقص غير أن القاضي عليه أن ينزل عند رغبة المشرع ويعتبر تشريعا تفسيريا.

لكن القضاء أبدى تشددا في هذا الصدد ولم يرد التقيد بالتسمية التي يخلعها المشرع على التشريع الجديد الذي كثيرا ما يصدر تحت عنوان تشريع تفسيري للتشريع كذا ...
وقد اعتادت المحاكم على البحث عما إذا كان التشريع القديم يتطلب حقيقة تفسيرا بسبب غموض أو تناقص وجد فيه و التحقق أيضا عما إذا اقتصر التشريع الجديد على مجرد التفسير أو لا لان الرجعية لا تقرر إلا بالنسبة للتشريعات التي تكون فعلا تفسيرية وهذا حتى حدا لمحاولات المشرع تقرير الرجعية للتشريع بحجة أو تحت ستارة التفسير وترى غالبية الفقه (2) أن موقف القضاء المتشدد في محله وذلك لان تقرير الرجعية مجرد استثناء يرد على مبدأ عام ومن ثم فيجب أن تكون ممارسة في حدود ضيقة
غير أن هذا الرأي انتقد على أساس انه لا يفسر لنا لماذا لا نأخذ بنفس المنطق ويكون التطبيق الفوري أو المباشر للقانون الجديد عندما يشتمل على أحكام اشد تكون في غير لا صالح المتهم (1).
3- التفسيرات التشريعية
قد يصدر تشريع مابين مشوبا بالغموض في صياغته ما يؤدي إلى تضارب أحكام المحاكم في تفسير نصوصه فيتدخل المشرع ليضع حدا لهذا التضارب ويصدر تشريع جديد يفسر فيه الأحكام للتشريع الأول.
والأصل أن التشريع التفسيري لا يخضع لمبدأ علم الرجعية لأنه لم يأت بأحكام جديدة . وإنما يقتصر على مجرد تفسير قواعد التشريع الأصلي، ومن ثمة هو جزء منه أي (من التشريع الأصلي). ويتحدد نطاق تطبيق التشريع التفسيري من تاريخ نفاذ التشريع الأصلي وبالتالي فيجب أن يقتصر على الدعاوي التي لم يفصل فيها قبل صدوره، أما الدعاوي التي يكون قد تم فيها الفصل بأحكام نهائية فإنها تحوز حجية الشيء المقضي فيه وبالتالي تمنع هذه الحجية تطبيق للتشريع التفسيري عليها .(2)
ويقصد تحقيق المصلحة العامة وفي حالة ما إذا رغب المشرع الخروج على هذا المبدأ فما عليه إلا أن يصرح بذالك بكل وضوح.
المبحث الثالث: مبدأ الأثر المباشر أو الفوري للقانون
المطلب الأول: مفهوم هذا المبدأ
يرمي هذا المبدأ إلى تطبيق القانون الجديد على كل ما يقع بعد نفاذه أو بعبارة أخرى يعني نفاذ القانون الجديد على كل المراكز الجارية سواء كانت في طور التكوين أو الانقضاء أو كانت في سبيل إنتاج آثارها.
المطلب الثاني: الأسس التي يستند إليها مبدأ الأثر المباشر :
1- يعود مبدأ تطبيق الأثر المباشر للقانون الجديد إلى منع ازدواج القانون الذي يحكم المراكز القانونية المتتابعة . فبمجرد صدور القانون تمتد أثاره إلى كل المراكز القانونية التي تتحقق في ظل سواء كانت قد تكونت قبل نفاذه أو بعد نفاذه وهكذا تحقق وحدة القانون الذي يحكم المراكز القانونية ذات الطبيعة الواحدة . (1)
2- إن تعديل للتشريع أو إلغائه بقانون قائم بدليل قاطع على أن هذا القانون قد أصبح قاصر وغير صالح لتلبية حاجيات المجتمع وان القانون الجديد أكمل وأصلح منه وعليه فان المصلحة العامة تقتضي تعميم تطبيقه فورا ، بحيث لا يقتصر الأمر على تطبيقه القانون الجديد على المراكز القانونية التي تنشا بعد نفاذه ، فقط ، بل ينبغي أن يمتد سلطانه ليحكم الآثار القانونية التي تترتب في ظله مراكز نشأت من قبل لان استمرار أثار هذه المراكز خاضعة للقانون القديم يمنع من الإصلاح والتطوير الجماعي (1).

المطلب الثالث- بعض تطبيقات المبدأ:

1- تطبيق المبدأ على المراكز القانونية التي تكون في طريقها إلى التكوين أو الانقضاء المستمر
ومثال ذلك التقادم الذي تكون مدته قد بدأت في ظل القانون القديم ولم تكتمل إلى أن إدراكها القانون الجديد .فإذا كانت المدة التي قررها القانون القديم الجديد اقصر من المدة التي كان يقررها القانون القديم سارت المدة التي قررها النص الجديد فورا أما إذا كانت المدة الباقية لتمام للقانون القديم اقصر من المدة التي قررها القانون الجديد فان التقادم يتم بتمام هذه المدة ويسرى هذا الحكم على التقادم بنوعية المكسب والمسقط


الفرع الأول : من حيث شروط التقادم

طبقا للقواعد العامة يسرى القانون الجديد الذي يعدل من شروط التقادم بما له من اثر مباشر على كل تقادم لم يكتمل. ويد خل في ذلك تعديل القانون الجديد للأحكام المتعلقة بقابلية الحق للتقادم فإذا منح القانون الجديد مالا معينا من ان يكون قابلا للتقادم بعد أن كان قابلا له فان هذا القانون يسرى على كل تقادم لم يكتمل في هذا الشأن .

الفرع الثاني: من حيث تعديل مدة التقادم

تقضي القاعدة العامة بان القانون الجديد الذي يعدل التقادم يسري بأثره المباشر عل كل تقادم لم يكتمل بعد ولا يثار أية صعوبة إذا كان القانون الجديد يطيل مدة التقادم إذ في هذه الحالة يؤخذ بالمدة الجديدة مع احتساب المدة السابقة فإذا كانت المدة التيث يطلبها القانون القديم عشر سنوات ثم جاء القانون الجديد فأطالها إلى خمسة عشر سنة و كان قد انقض من مدة التقادم 9 سنوات ففي هذه الحالة يبدأ الحساب بعد التسع سنوات ويضاف لها الست سنوات الباقية .أما إذا قصر القانون الجديد من المدة فهنا تثار الصعوبة إذ تقضي القاعدة بسريان القانون الجديد بأثره المباشر ومن ثم يؤخذ بسريان مدة التقادم المقررة في القانون الجديد فإذا كانت المدة المقررة في القانون القديم خمس عشر سنة وبعد مضي ثلاث سنوات من بدا سريان التقادم صدر قانون جديد يقصر المدة إلى عشر سنوات فان ما بقي من المدة السابقة هو اثنا عشر سنة وهي مدة أطول من المدة المقررة أو التي قررها القانون الجديد وعليه فستبعد
أو الفوري القانون يسري القانون الجديد على علاقات العمل المستمرة في ظله فيحكم آثارها حتى لو كانت قد تكونت في ظل القانون القديم (1)
الاستثناء الوارد على المبدأ

إذا كان المبدأ يقضي بأنه بمجرد صدوره القانون الجديد يتوقف نفاذ القانون القديم ويزول سلطانه بحيث لا تخضع له علاقة قانونية فان هذا المبدأ يرد عليه استثناء يتعلق بالمراكز التي تكونت بموجب العقدية الجارية (2)situations contractuelles en cours
الي المراكز التي دونت بموجب عقود أبرمت في ظل القانون القديم سواء تعلق الأمر بشروط انعقادها أو بشرط صحتها أو فيما يتعلق بآثارها فليس للقانون الجديد أن يعدل من شروط انعقاد أو صحة العقود السابقة لصدوره ،ونفاذه ، بل تبقى هذه خاضعة للقانون التي تمت في ظلمت العقود (3) . فإذا كان القانون القديم لا يشترط في عقد الشركة في الشكل الرسمي فان ثم صدر قانون جديد يقضي بضرورة إفراغ عقد الشركة الرسمي فان عقد الشركة الذي تم قبل نفاذ القانون الجديد ولم يفرغ في الشكل الرسمي الصحيح يعد صحيحا حتى بعد صدوره القانون الجديد وهذا ما يعبر عنه بـ المستمر للقانون القديم survivance de l'ancienne loi ويرى جانب من الفقه ضرورة تطبيق هذا الاستثناء حتى لو جاء القانون الجديد بقواعد تتعلق بالنظام العام والآداب العامة .
ما لم ينص المشرع على سريان القانون (1) الجديد بأثر رجعي بينما يرى جانب أخر من الفقه (2) ضرورة تطبيق القانون الجديد بالنسبة للآثار الناجمة عن العقود السابقة على نفاذه إذا كان هذا القانون يتضمن قواعد تتضمن (تتعلق بالنظام العامة أو الآداب العام ).

الحكمة من الاستثناء :

إذا كانت الحكمة من تقرير مبدأ الأثر المباشرة للقانون الجديد تراجع إلى تحقيق وحدة القانون الذي يحكم المراكز المتماثلة بإخضاع هذه المراكز بنظام قانوني معين ففي مجال العقود يتعذر تحقيق هذا المبدأ لان تنظيمها يترك لإرادة الأفراد مما يؤدي تنوع أو اختلاف هذه المراكز ومن ثم تكون الحكمة تقرير الأثر المباشر في هذا المجال منتفية (3)

خاتمة

لقد تطرقنا في هذا المجال :تعريف القانون ونطاق تطبيقه ، وحاولنا أن نلم به من كل جوانبه كما قمنا بدراسة القانون بمعناه العام ، أي مجموعة القواعد التي تنظم وتحكم علاقات الأفراد وسلوكاتهم في المجتمع والتي تفرض بقوة السلطة العامة ، حيث تستمد مادتها من العوامل التي تحيط بالبيئة الاجتماعية التي توصف بالصادر التاريخية .
وقد استمد القانون الجزائري الكثير قواعده من القانون المصري والقليل من القانون الفرنسي الذي استمد بدوره معظم قواعده من القانون الروماني باعتباره مصدرا تاريخيا له ، مما يعود ذلك إلى الاستعمار الطويل الذي عانت منه الجزائر ، ونظرا لكون المجتمع الجزائري متجمع إسلامي محض فقد استمد الكثير من قواعده من الشريعة الإسلامية .
فتتميز القاعدة القانونية بصفتي العمومية والتجريد ، لذا فان تطبيقها غالبا ما تعترضه صعوبات ، لهذا يجب الوقوف على معناها الحقيقي والدقيق حتى يمكن معركة إمكانية تطبيقها ، ولهذا يجب تحديد المعنى الذي تتمنه القاعدة القانونية و تعيين نطاقها حتى يمكن تطبيقها على الظروف الواقعية التي يثار بصددها تطبيق هذه القاعدة.





قائمة المراجع:
المراجع بالعربية:
-1- أنور سلطان: المبادئ القانونية العامة
دار النهضة العربية للطباعة والنشر.
-2- إسحاق إبراهيم منصور: نظريات القانون والحق وتطبيقها أو تطبيقاتهما في القانون الجزائري، ديوان المطبوعات الجامعية – الجزائر- طبعة 1992
-3- رضا فرج: المدخل العلوم القانونية
ديوان المطبوعات الجامعية 1984
-4- توفيق حسن فرج: المدخل للعلوم القانونية
الدار الجامعية بيروت 1988
-5- حبيب إبراهيم الخليلي: المدخل للعلوم القانونية
ديوان المطبوعات الجامعية ( النظرية العامة للقانون) 1992
-6- خليل أحمد قدادة: شرح النظرية العامة للقانون الجزائري
ديوان المطبوعات الجامعية – الجزائر-
-7- عبد الناصر توفيق العطار: مدخل لدراسة القانون وتطبيق الشريعة الإسلامية
طبع سنة 1979
-8- هشام القاسم: المدخل إلى علم القانون
الطبعة الجديدة – دمشق 1978
-9- نادية فضيل: دروس في المدخل للعلوم القانونية
مطبعة ديوان المطبوعات الجامعية – الجزائر-
-10- علي بن قاسم: كتاب القانون الإجراءات المدنية
الدار المغربية الدولية – 91
-11- فؤاد عبد المنعم رياض: الوجيز في القانون الدولي الخاص
دار النهضة العربية 1975
-12- كتاب قانون العقوبات – قانون الإجراءات الجزائية
الديوان الوطني للأشغال التربوية 1991