معلومات
العضو |
|
إحصائية
العضو |
|
|
كشف التّعصّب و المين و الكيل بمكيالين
حوار مع صاحب مقالة
(الأصول التي خالف فيها الحويني أهل السنّة)
الحلقة الثّالثة:
بسم الله الرّحمن الرّحيم
الحمد لله و الصّلاة و السلام على رسول الله و على آله و صحبه و من اتّبع هداه أمّا بعد فهذه الحلقة الثّالثة من الحوار الذي بدأته بفضل الله تعالى , و الذي سأطيل فيه النّفس ما استطعت إلى ذلك سبيلا لكي أقف مع مواطن الخلل في فكر الأستاذ و أضرابه و في طريقة تفكيرهم الخطيرة التي ينسبونها لمنهج أهل السنّة و الجماعة و ذلك في معرض الدّفاع عن الشّيخ الفاضل أبي إسحاق الحويني حفظه الله تعالى , و في هذه الحلقة:
المحتويـــــــــــات :
و فيها تمهيد و وقفتان :
تمهيــــد متعلّق بما سبق : وجود الحزبيّين و السّروريّين حقيقة و لكن يجب التّعامل بميزان العدل لا الظّلم و بفهوم الكبار لا بطيش الصّغار:
الوقفة الأولى : بدعة التّبديع بمطلق الثّناء على المخالفين (هل يبدّع الشيخ أبو إسحاق بثنائه على بعض المخالفين )
و فيها :
توطئـــــــــــــــــــــة :
بعض فتاوى العلماء و تطبيقاتهم المتعلّقـــة بالثّنــــاء على المخالف :
شيــــــــخ الإســـــــلام ابن تيمية :
ثنــــــاء شيخ الإسلام علـــــــى ملك قبـــرص سرجوان النّصراني :
ثنـــــــــــاء شيخ الإسلام على (بعض) الصّوفيّة :
ســــــؤال محرج للأستــــــــــاذ له تعلّق بقضيّة الثّنــــاء
ثنــــــاء شيخ الإسلام على الخوارج و أهل البدع في مقابل بعضهم
ثنــــــــــــــــاؤه على أهل الكلام في ردودهم على من هو شرّ منهم و أكثر منهم ابتداعا كالمعتزلة :
ثنــــــــــاء الشّيخ ربيـــــع بن هادي المدخلي على بعض المخالفين :
ذكر ثناء الشّيخ ربيع على الخوارج و على سيّد قطـــــــــب
مثال عملي من الشّيخ الألباني يوضّح فيه جانبا من الانحراف الموجود عند الشّباب المتحمّسين و موقفهم من الثّناء على المخالفين :
كلام للشّيخ ابن عثيمين في الثّنــــــــــــاء و أنّه بحسب المصلحة (الفائدة)
الوقفــــــة الثّـــــــــــانية : هل يسوغ التّبديع بترك زيارة بعض الأفاضل :
(هل يبدّع الشّيخ أبو إسحاق لأنّه لم يزر بعض المشايخ في زعم الأستاذ خالد) أو هل (يجب شرعا) زيارة العلّامة ربيع و غيره من أجل إثبات السّلفيّــــة .
تمهيـــــــــــــد متعلّق بما سبق : وجود الحزبيّين و السّروريّين حقيقة و لكن بميزان الكبار لا الصّغار:
قد رأيت بحمد الله أثرا طيّبا للحلقتين الماضيتين في الدّفاع عن أهل العلم الأفاضل , و قد كان مدارهما على الإجمال الحاصل عند الطّاعنين في بعض الأوصاف التي يرمون بها خصومهم و منها (حزبيّة و سرورية و قطبيّة).
و قد رأيت بعض القرّاء استشكل ذلك حتّى عبّر عن فهمه أنّ كاتب هذه الكلمات ينكر وجود هذه الأصناف في الواقع , و غير ذلك فأقول موضّحا :
أوّلا : قد مضى عمل العلماء أنّ استشهاد المتكلّم بكلام غيره في مسألة ما لا يعني موافقته لصاحب الكلام في سائر أقواله و أحواله .
ثانيا : لا شكّ أنّه توجد أحزاب و توجد فرق , و لا شكّ أنّه يوجد قوم متحزّبون على الرّجال و المناهج و الأقوال الدّائرة بين كونها أقوالا مبتدعة مخالفة للشّرع كأنصار الإضطرابات و الفوضى و تكفير المسلمين , و بين كونها أقوالا اجتهاديّة كأهل الإلزام بأقوال الرّجال من متعصّبة المذاهب و أشباههم الذين عقدوا الولاء و البراء على اجتهادات الرّجال و أحكامهم على غيرهم من المخالفين .
فمن الحزبيّين : أصحاب البيعات المختلفة الموجودة في السّاحة كتنظيم الإخوان و جماعة التّبليغ و غيرهم .
و يدخل في التّحزّب المذموم : كلّ من والى و عادى على غير أصل شرعي مجمع عليه , أو على مسائل الاجتهاد التي هي محلّ أخذ و ردّ بين أهل العلم , و فرّق بين جماعة المسلمين تبعا لما يراه من تعظيم رجل أو جماعة أو قول أو مذهب لم يأتي تعظيمه أو الإلزام به في الشّرع الكريم .
و هذا يدخل فيه من تحزّبوا على سيّد قطب رحمه الله تعالى فعادوا كلّ من انتقده و والوا كلّ من عظّمه تعظيما مطلقا , و يدخل فيه من نصّب طريقة للتّغيير و إقامة دولة الإسلام في زعمه ثمّ بايع عليها و جعلها مضاهية لجماعة المسلمين , و يدخل فيه أيضا إخواننا الذين تحزّبوا على بعض اجتهادات (بعض) الأفاضل في باب الجرح و التّعديل و جعلوا كلّ من خالفهم قد خالف السنّة و السّلف الصّالح , و إن كان هؤلاء يرمون كلّ مخالف بالحزبيّة و القطبيّة و إليهم يتوجّه كلامي .
لأنّ المعروف عنهم عدم تحرير هذه الأوصاف , فصار كلّ من أغضبهم يلحقونه بالحزبيّين , و صارت هذه الألفاظ محتاجة منهم إلى أمرين لا بدّ منهما : أوّلا بيان قصدهم بها .
الثّاني : إثبات أنّ ما قصدوه بها مذموما عند الله تعالى .
لأنّنا رأيناهم يدخلون فيها كلّ مخالف , و أحيانا يختلقون الفرق بحسب المستجدّات و الخصومات مع أهل العلم و العدل , فصار إيقافهم بأيسر ما يمكن و هو أن ينـــــــــظر في ضابطهم الذي لم نره يوما .
و لذلك : عندما ذمّ شيخ الإسلام استعمال المبتدعة للألفاظ المجملة في قذف أهل السنّة و التي منها ( مجسّمة و تجسيم –حشوية و حشو) لــم يكن رحمه الله ينفي وجود مجسّمة و ممثّلة حقيقيّين و لكنّه كان يردّ على من استغلّ التباس المعاني في الظّلم و العدوان , تماما كما يفعل صاحبنا الأستاذ خالد المصري و الذي ناقشته على هذا الأساس , و قد سقت هذه الكلمات لأجل البيان سائلا الله التّوفيق و الله تعالى أعلم .
الوقفة الأولـــــــــــى : بدعة التّبديع بمطلق الثّنــــــــــــاء على المخالفين :
من الأصول التي خالف! فيها الحويني أهل السنّة و الجماعة على مذهب الأستاذ خالد المصري وفّقه الله تعالى: ما عنون له بقوله :
(ثانيـــا : ثناؤه على رؤوس القطبيين و الحزبيين أذناب الخوارج في مصر ).
ثمّ ساق الأستاذ في هذه الفقرة ما يراه حجّة في تبديع الرّجل , و ذلك دائر على أمرين:
الأوّل : ثّناء الحويني على بعض المخالفين الذين وصفهم الأستاذ بـ (القطبيّين و الحزبيّين أذناب الخوارج في مصر ) .
الثّاني : زيارته (للقطبيّين) إذا نزل بأرض الحرمين , و في المقابل –كما يزعم الأستاذ- امتناعه عن زيارة علماء السنة كالشيخ ربيع و الشّيخ الفوزان! و الشّيخ عبيد الجابري....
و سوف أناقشه إن شاء الله في هذه المزاعم بميزان العلم و العدل ما استطعت إلى ذلك سبيلا فأقول :
هذا الكلام محتاج إلى إثبات مفتقر إلى براهين و مقدّمات , و لا شيء أيسر على طالب العلم من نسْفه باعتراض واحد ملخّصه أن يقول للأستاذ هداه الله :
لا نسلّم لك أنّ هؤلاء الذين أثنى عليهم الحويني قطبيّين و حزبيّين و أذناب خوارج لأجل
أمرين :
الأوّل : أنّ ميزانك في الحكم دائر بين التّقليد العصبيّ المذموم , و بين الاعتداء و البتر و الإجمال , فأنا أنــازعك في حكمك على هؤلاء الذين سمّيتهم و إن كنتُ لا أعرفهم حاشا الشّيخ عبد الحميد كشك , ليس لأنّني أجهلُ حالهم و لا لأنّني أبرّئهم من تهمك , فهذا بحث آخر و بينك و بينهم اللهُ الحكمُ العدلُ فأوصيك بتقوى الله .
و لكنني أنازعك في زعمك: لأنّ وقوفي على سوء طريقتك يحرّم عليّ التّسليم بأحكامك فإنّ ما بني على باطل فهو بـــــــــــاطلٌ بلا شكّ .
ثانيا : ما زلنـــا ننشد الأستاذ أن يسعفنا بضابط علميّ صحيح صريح لهذه الأوصاف المجملة لكي نقدر على النّظر , مع تذكيرك مرّة أخرى أنّ أخاك الأستاذ ابن عطايا العتيبي اعترف أنّه يجهل حقيقة هذه الأوصاف , فكيف تريدنا أن نقبل منك .
و أقول استطرادا :
- قد اعترف الأستاذ أسامة العتيبي أنّه حَكَمَ على شخص معيّن من خلال مقابلة رآها له في قناة الجزيرة الفضائحيّة !!! بأنّه (فلاني و علّاني أو أنّه مؤيّد للخوارج) , ثمّ اعترف فيما بعد أنّه أخطأ في الحكم معتذرا بسوء فهمه للتّصريحات الصّحفيّة للمحكوم عليه!! , فلتضحك الثّكالى على طريقة أهل العلم (الجدد) في (نقد الرّجال و الفرق و الطوائف) .
- قد شاهد طلبة العلم المفجوعون من هذه المجزرة كيف أنّ زميلا آخر لك وهو الدّكتور علي رضا وفّقه الله , جرح (العلّامة عبد الكريم الخضير) واصفا إيّاه بأنّه (قطبي!ملّيباري!) لأسباب تافهة ساقطة ممّا جعل سياط طلبة العلم تنهال عليه بسيل جارف , أجبره على حذف الصّفحة في الظّلام ... و دون اعتبار لشروط التّوبة والتّراجع عن الأخطاء و التي هي ركن من أركانكم في مقام ظلمكم إخوانكم .
فكيــــــف تريدنا أن نسلّم لك أنّ هؤلاء القوم ( أذناب خوارج) و أنت تزعم (الاتّفاق) مع إخوانك هؤلاء على هذا (المنهج السّليم !!) و هذه هي ثماره ؟
و بهذا المسلك ينسف طالب الحقّ دعوى الأستاذ الأولى التي فيها أنّ هؤلاء الثّلاثة الذين ذكرهم (قطبيّون...) , و تنسف أيضا دعواه الأخرى : أنّ الذين يزورهم الشّيخ في بلاد الحرمين (قطبيّين سروريّين )
و إذا بطل الأصل بطل الفرع و الحمد لله على توفيقه .
و لكي لا يقول قائل إنّ هذه طريقة للهرب من النّقاش , و تأديةً لحقّ إخواننا الحانقين علينا أنْ رددنا على شيخهم و لحقّ إخواننا المطّالبين بمواصلة الرّدّ المفصّل , فإنّني أقول للأستاذ وفّقه الله تعالى : سلّمتُ لك جدلا أنّ هؤلاء الثّلاثة (أذناب خوارج) .
و أوافقك أنّ الشّيخ كشك رحمه الله تعالى و أسكنه الجنان , كان يكثر من سَوق الأحاديث الضّعيفة و الموضوعة , و كان على غير الجادّة في تربية الجماهير و دعوتها إلى الله تعالى .
فهنا سؤال :
هــل يكون الثّنـاء على هؤلاء من (المخالفات الكبرى) كما يزعم الأستاذ , و هل يكون من (الأصول التي خالف فيها الحويني أهل السنّة) و قــــد رتّبه الأستاذ في المرتبة الثّــــــانية بعد (التّكفير)! .
و ماذا يقول الأستاذ لو جئتُهُ بثنــــاء بعض (أهل العلم الكبار) على من يعدّهم الأستاذ (أهل بدع كبار) , هل سيحكم عليهم هم أيضا بالوقوع في (المخالفات الكبرى) لأهل السنّة ؟
هذا ما سأحاول الإجابة عليه في هذه الحلقة راجيا من الله تعالى التّوفيق و المدد :
توطئـــــــــــة :
إنّ المتأمّل في منهج أهل العلم و السنّة و طريقتهم في التّعامل مع النّاس من جهة المدح والذّم , يجـــدُ مجمل ما في الأمر أنّ الثّناء على المخالف فاسقا كان أو مبتدعا أو كافرا , ليس له ميزانٌ مطّرد و ضابط جامع مانع بحيث يكون فعله علامة على البدعة وتركه علامة على السنّة أو يكون فعله علامة على الموالاة و المحبّة والموافقة , و تركه علامة على المعاداة و البراءة و المفارقة , و لا يمكن أن يكون الثّناء و القدح ركنا في إثبات السنيّة و البدعيّة , و الموافقة و المفارقة إلّا إذا حصل على وجه مخصوص يجعله (في ذاك المقام أو على ذاك الوجه) دالّا على موقف الفاعل سلبا أو إيجابا و هذا قليل .
ففي باب الثّنـــــاء على المبتدعة : لا يكون الثّناء دالّا أو مشعرا بموالاتهم وموافقتهم على ضلالهم إلّا إذا توفّرت فيه شروط ملّخصها ما يلي :
ـ أن يكون دائما مستمرّا في غالب أحوال المتكلّم , فلا يكون قد حصل مرّة أو مرّات معدودة في عمرٍ مديد قضاه صاحبه في مقاومة البدعة و نشر السنّة .
ـ أن يكون مجملا مطلقا غير مقيّد و لا مخصوص , كأن يثني على عنترة أنّه فارس مغوار أو أنّه نبيل , فهذا لا يدخل في ذلك .
ـ أنْ يكون الثّناء في مقام ترويج لبدعتهم أو ما يشبهه بحيث تتجلّى مضرّة الثّناء بلا خلاف , و يترجّح اقتران ثناء المتكلّم عليهم في ذاك المقام مع إدراكه الجازم أو الرّاجح أنّ ذلك ناشرٌ لضلالهم ناصرٌ لبدعهم , و ليس كلّ من أثنى على مبتدع في مقام الرّدّ عليه أو مناقشته أو غير ذلك يقال له (تريد ترويج بدعته) , كما أنّه ليس كلّ من قدح في متسنّن في مقام مثله يقال له (تريد الطّعن في عقيدته) و سيأتي مزيد بيان .
و إذا كان كذلك , لم يعد ثناء و لا مدحا بل صار منافحة و دعوة إلى البدعة و أهلها و هو غير ما قد يقع المرّة و المرّات المعدودة تبعا لمقامات و مواقف سيأتي شرحها في موضعها .
ـ أن يكون الثّناء متوجّها إلى صاحب بدعة مكفّرة أو مغلّظة و واضحة هذا من جهة , و يكون تلبّسه بتلك البدعة أيضا لا نــزاع فيه , أو فيه نزاع مطّرح غير معتبر , بحيث لا يعذر المُثنــي بجهله لها أو لتلبّس من أثنى عليه بها و دعوته إليها , أمّا و نحن في عصر التّبديع تبعا للاختلاف في مسائل الاجتهاد أو تبعا للمسائل الخفيّة التي يصعب تحرير الخلاف فيها و حسمه لأحد الطّرفين , و أمّا ونحن في عصر تصدّر الجهلة لإسقاط كلّ من خالف طريقتهم... فلا عبرة بهذه الادّعاءات الفارغة .
و حتّى لا يبقى الكلام الذي سقته لك مجرّد دعوى بلا دليل و لا معضّد , فإنّني سأورد بعض أقوال علمائنا في هذه الجزئيّة , فإن وفّقت في ذلك انهارت مزاعم الأستاذ , و إن كانت الأخرى فلا بدّ أنّ عليها أدلّة و شواهد أخفاها الأستاذ لحاجة في نفسه , فليسعف بها إخوانه مشكورا فأقول :
الثّنـــاء على المخالف ليس بممنوع مطلقا و لا مباح مطلقا , و ليس يصلح جعله علامة على السنّة و البدعة وجودا و عدما , و ذلك لأنّه منـــوط بالمصلحة الشّرعيّة , و هو –تبعا لذلك- خاضع للظّرف و المقام الذي يتكلّم فيه المتكلّم , فإنّ العلماء قد أباحوا أن تدعو الكافر إلى طعام إذا كان ذلك مظنّة ترغيبه في الإسلام و دخوله فيه .
و اتّفقوا على أنّ الشّريعة الغرّاء أباحت بل حثّت على كثير من الأشياء التي يدرك ذو العقل أنّها داخلة تحت عموم قوله تعالى :
(( أدع إلى سبيل ربّك بالحكمة و الموعظة الحسنة))
و قوله تعالى بخصوص فرعون
(( فقـــولا له قولا ليّنــــا)) و قوله تعالى في عموم النّاس:(( و قولوا للنّـــــاس حسنـــــــــا))
و قوله عليه الصّلاة و السّلام :
((الكلمة الطيّبة صدقة))
و غير ذلك من الآيات و الأحاديث التي تأمر بالرّفق و محبّة الهداية للنّاس , و تأمر بتحقيق المصلحة الشّرعيّة التي أنزل الله لها الكتاب و الميزان , و التي إن لم يكن تحقّقها بهداية المبتدع كان بكفّ أذاه أو ترقيق قلبه طمعا في أوبته و لو بعد حين , أو عدم إثارته على أهل السنّة أو تصحيح نظرة قاتمة في ذهنه عن أهل السنّة كما حصل لكثير من أهل الكفر كانوا يكرهون الإسلام و نبيّ الإسلام بجهلهم و كذب ما وصلهم من الأخبار , فلمّا قابلوه عليه الصّلاة و السّلام أسلموا و صارَ أحبّ خلق الله إليهم .
و ربّما كان الثّناء على المبتدع في مقام معيّن تطلّب ذكر ما فيه من الخير تبعا للمصلحة الشّرعيّة دائما , و التي من مظاهرها بيان عدل أهل السنّة مع الخصوم و رحمتهم بهم و قيامهم بالقسط استجابة لأمر الله و رسوله , و الذي لا يشوّش عليه جهل بعض طلبة العلم اليوم لمنهج السّلف و وقوعهم في بعض أقوال الخوارج , في معرض دفعهم للعدل و الإنصاف بسوء فهمهم لما اصطلح على ذمّه من (منهج الموازنات في النّقد) .
و لذلك جاء في القرآن ثناء مقيّد على أهل الكتاب كالثّناء على النّصارى في مقابل سوء حال اليهود و الذين أشركوا , و كالثّناء على أمانة فريق منهم في مقابل خيانة سائرهم و لا نعلم أحدا استشكل ذلك , إلّا أن يكون حصل من المستشرقين و أضرابهم و أذنابهم فما على هلوسات هؤلاء المنحرفين تنبني الأحكام , و جاء في السنّة ما يشبه ذلك و من طلبه أوقفته عليه , و سيأتي بعض ذلك في ثنايا فتاوى أهل العلم الآتية :
بعض فتاوى العلماء و تطبيقاتهم المتعلّقـــة بالثّنــــاء على المخالف :
شيــــــــخ الإســـــــلام ابن تيمية : قال رحمه الله
( كثيرا ما يجتمع في الشخص الواحد الأمران ، فالذم والنهي والعقاب قد يتوجه إلى ما تضمنه أحدهما فلا يغفل عما فيه من النوع الآخر كما يتوجه المدح والأمر والثواب إلى ما تضمنه أحدهما ، فلا يغفل عما فيه من الأمر الآخر.
وقد يمدح الرجل بترك بعض السيئات البدعية و الفجورية ، لكن قد يسلب مع ذلك ما حمد به غيره على فعل بعض الحسنات السنية البرية .
فهذا طريق الموازنة والمعادلة ، ومن سلكه كان قائما بالقسط الذي أنزل الله له الكتاب والميزان )
مجموع الفتاوى جزء 10 ص 212
و كلامه هذا ظاهر الإطلاق في وصف الموقف ممّن فيه حسنات و سيّئات و لا يحتاج شرحا و لا تعليقا .
فكيف إذا كنّا في موقف نحسب الثّناء جالبا للخير نافعا للمخالف في ردّه للصّواب أو غير ذلك نفعا مطلوبا في الشّرع ؟ أنفوّت المصلحة العظمى خوفا من حكم الأستاذ خالد المصري و أضرابه علينا بالابتداع ؟!
ثنــــــاء شيخ الإسلام علـــــــى ملك قبـــرص سرجوان النّصراني :
و ذلك حين راسل ملك الرّوم في رسالته المشهورة باسم (الرّسالة القبرصيّة) أثنى عليه في أكثر من موضع , و أثنى على نفر من القساوسة الكافرين من أصحابه بأكثر و أشدّ من قول الشّيخ أبي إسحاق في هؤلاء القوم :
( هولاء نجوم ما يحتاجون لتقديم منّا أسأل الله أن ينفعكم بهم)
قال شيخ الإسلام مخاطبا سرجوان ملك قبرص :
(...فكيف يعاملون أسرى المسلمين بهذه المعاملات التي لا يرضى بها ذو مروءة ولا ذو دين لست أقول عن الملك وأهل بيته ولا إخوته، فإن أبا العباس شاكرٌ للملك ولأهل بيته كثيرا معترفا بما فعلوه معه من الخير وإنما أقول عن عموم الرّعية...)
و قال أيضا في الرّسالة نفسها :
وما زال في النّصارى من الملوك والقسّيسين والرّهبان والعامّة من له مزية على غيره في المعرفة والدّين، فيعرف بعض الحق وينقاد لكثير منه ويعرف من قدر الإسلام وأهله ما يجهله غيره فيعاملهم معاملة تكون نافعة له في الدنيا والآخرة.
و قال أيضا بعد ذلك :
وأبو العباس حامل هذا الكتاب قد بثّ محاسن الملك وإخوته عندنا واستعطف قلوبنا إليه، فلذلك كاتبت الملك لما بلغتني رغبته في الخير وميله إلى العلم والدّين وأنا من نواب المسيح وسائر الأنبياء في مناصحة الملك وأصحابه وطلب الخير لهم .
قلت : و أبو العبّاس هذا هو شيخٌ من مشايخ المسلمين يظهر من الرّسالة أنّه كان أسيرا عند الملك المخاطب بالرّسالة , و لاحظ كيف حكى شيخ الإسلام أنّ أبا العبّاس هذا (بثّ محاسن الملك و إخوته عندنا...) و قد نقل عنه الإمام ابن تيميّة ذلك من غير نكير , و قارن هذا بجهل الجاهلين اليوم (كلّ من أثنى على مخالف و لو كان مسلما ألحقوه بالمبتدعة فإلى الله المشتكى)
فيا لله العجب ! انظر كيف طبّق شيخ الإسلام هذه القاعدة و التي هي (مراعاة المصلحة الشّرعيّة) حتّى و هو يخاطب كافرا مشركا رأسا في قومه , و لكن لأنّه رحمه الله تعالى رأى أنّ في ذكر محاسن سرجوان و قساوسته مصلحة شرعيّة أثنى عليهم و ذكر بعض محاسنهم ترغيبا لهم في الإسلام أو على الأقل في فكّ أسرى المسلمين , و إيذانا لهم بعدل المسلمين و إنصافهم , و عدم إنكارهم الحقّ و لو مـع ألدّ أعدائهم , فماذا يقول الأستاذ في هذا الكلام ؟
هل سيزعم – كعادة القوم – حصر الكلام في الصّورة التي سيق لأجلها ؟
هل سيقول أنّ شيخ الإسلام يبتغي وجه الله و الحويني يبتغي غرضا سياسيّا كما قيل في الإمام الجزائري المصلح عبد الحميد بن باديس رحمه الله , حين ذمّه بعض الأغبياء لأجل ثنائه على أتاتورك فأخرج لهم طلبة العلم الأقوياء ثناء شيخ الإسلام على بعض الأشاعرة فاحتجّوا باختلاف قصد الرّجلين!! كما هو موجود على تلك الشّبكة و الله المستعان .
و قـــد يكون الثّنــــــاء و ذكر المحاسن لغرض التّفصيل في الحكم على الطّوائف و اجتناب الظّلم و البغي كما في قول شيخ الإسلام عن الصّوفيّة :
ثنـــــــــــاء شيخ الإسلام على (بعض) الصّوفيّة :
( ولأجل ما وقع في كثير منهم من الاجتهاد والتنازع فيه تنازع الناس في طريقهم ،فطائفة ذمّت الصوفية والتصوف وقالوا : إنهم مبتدعون ، خارجون عن السنة ، ونقل عن طائفة من الأئمة في ذلك من الكلام ما هو معروف ، وتبعهم على ذلك طوائف من أهل الفقه والكلم ، وطائفة غلت فيهم ، وادعوا أنهم أفضل الخلق وأكملهم بعد الأنبياء وكلا طرفي هذه الأمور ذميم
والصواب أنهم مجتهدون في طاعة الله ، كما اجتهد غيرهم من أهل طاعة الله، ففيهم السابق المقرب بحسب اجتهاده ، وفيهم المقتصد الذي هو من أهل اليمين ، وفي كل من الصنفين من قد يجتهد فيخطئ ، وفيهم من يذنب فيتوب أو لا يتوب ،ومن المنتسبين إليهم من هو ظالم لنفسه ، عاص لربه ..) مجموع الفتاوى الجزء11 صحيفة 18
و هذا لم يفهم منه أحدٌ أنّ شيخ الإسلام ينتسب إليهم أو يزيّن بدعهم للمسلمين أو أنّه يهوّن منها إلّا أن يكون هذا (المدّعي) جاهلا بطريقة أهل السنّة في الإنصاف و العدل , و بأسلوبهم في العلم و عرض مسائله , و هذا عارٌ على من تصدّر للكلام عن الأفاضل أن يقع فيه و الله المستعان .
ســــــؤال محرج للأستــــــــــاذ له تعلّق بقضيّة الثّنــــاء نرجو الجواب عليه :
قـــد علم كلّ عاقل أنّ الأستاذ و أضرابه و أتباعه على طريقته , يحاولون ذمّ الأفاضل الذين خالفوهم بأيّة طريقة , و لو كان فيها تلبيس على الشّباب المساكين , و من تلك الطّرق أن يوهموا النّاس أنّ (الثّناء على المبتدعة و المخالفين حرام مطلقا و بـدعة مطلقا )
و لا شكّ أنّ كثيرا من الشّباب المخدوعين بأبي عبد الأعلى و إخوانه , لا يعلمون حقيقة هذه القاعدة , و لا يدرون أنّ علماء المسلمين لا يزال يصدر منهم الثّناء على المخالفين بل على الكافرين بحسب المصلحة الشّــــرعيّة التي يقدّرها المتكلّم تبعا للمقام , كما مرّ ثناء شيخ الإسلام على بعض النّصارى , و ثناؤه على بعض الصّوفيّة .
و معلوم أنّ النّصارى لا خير فيهم و دينهم محرّف مبدّل تبديلا كليّا .
و معلوم أنّ الصّوفيّة قد دخل فيهم من هو أشدّ كفرا من اليهود و النّصارى من غلاة الحلول و الاتّحاديّة .
و معلوم أنّ ذلك أشدّ شرّا من حال التّنظيمات الحزبيّة الموجودة اليوم بين المسلمين كتنظيم الإخوان و غيره .
و مع ذلك قال شيخ الإسلام متكلّما عن النّصارى :
(وما زال في النّصارى من الملوك والقسّيسين والرّهبان والعامّة من له مزية على غيره في المعرفة والدّين، فيعرف بعض الحق وينقاد لكثير منه ويعرف من قدر الإسلام وأهله ما يجهله غيره)
و قــــال متكلّما عن الصّوفيّــــة :
( والصواب أنهم مجتهدون في طاعة الله ، كما اجتهد غيرهم من أهل طاعة الله، ففيهم السابق المقرب بحسب اجتهاده ، وفيهم المقتصد الذي هو من أهل اليمين )
فالسّــــــــؤال الأوّل :
نقول للأستاذ و من يقلّدهم و من يتحزّب معم على هذا المنهج : مـــــــا حكم من قـــال في بعض المخالفين ( مازال منهم من له مزية على غيره في المعرفة والدّين، فيعرف بعض الحق وينقاد لكثير منه ويعرف من قدر السنّة وأهلها ما يجهله غيره) .
و ما حكم الأستاذ و أصحابه ممّن يقول في هؤلاء "الحزبيّين" ما نصّه : ( ففيهم السابق المقرب بحسب اجتهاده ، وفيهم المقتصد الذي هو من أهل اليمين... وفيهم من يذنب فيتوب أو لا يتوب ،ومن المنتسبين إليهم من هو ظالم لنفسه ، عاص لربه).
هـــــل سيحكم عليه الأستــــاذ بالابتــــداع و بالوقوع في (شبح الموازنات) أم لا .
و إذا كان الأمر كذلك فأقــول :
السّـــــؤال الثّانـــــي :
هل سيحكم الأستـــاذ على شيخ الإسلام أيضا بالوقوع في البدعة و في المخالفات الكبرى أم لا ؟ , و إشفاقا على هيبة الأستاذ العلميّة المزعومة , و تبرئة له من طريقة من يسمّونهم بالحدّاديّة , فأنا لا أطلب منه تبديع شيخ الإسلام كما بدّع الشّيخ (أبو إسحاق الحويني) لكنّني أتحدّاه أن يخطّئه فقـــــــــط مع الإشارة إلى أنّه و الحدّادية في أصل منهجهم سواء.
و أقـــول له :
أيّــــهما أكثر شرّا (الذين تسمّيهم أنت أذناب خوارج)
و ما أنت بالحكم الترضى حكومته ° و لا الأصيل و لا ذي الرّأي و الجدل
أم الذين حكم عليهم العلماء الموثوقون بأنّ منهم زنادقة و منهم ملحدون و منهم طواغيت يعبدون من دون الله كالحلوليّة و الاتّحاديّة ؟
إنّ أهل الحقّ ينتـــظرون جواب هذه الفئـــــة عن أصولها المبتدعة التي أدخلتها على منهج أهل السنّة و الجماعة , و لا شكّ أنّ كلّ منصف من المنبهرين بالأستاذ خالد يقرأ هذه الكلمات ستكون عنده رغبة في الفهــــم و العلم فأسأل الله تعالى أن يزيل الغشاوة على الأبصار .
و ما ذكــــــــر بخصوص هؤلاء يشمل الثّنـــــاء على الشّيخ عبد الحميد كشك رحمه الله تعالى خاصّة و الشّيخ أبو إسحاق الحويني حفظه الله تعالى قد بيّن في الكتاب نفسه و غيره أنّ الشّيخ عبد الحميد كشك رحمه الله تعالى كانت عليه ملاحظات منها ما ذكره الأستاذ بخصوص الأحاديث الواهية و الضّعيفة .
أمّــــا قول الأستاذ أنّ الشيخ كشك كان على غير الجادّة في طريقة الدّعوة فأقول :
الشّيخ أثنى عليه في مقام ناسب الثّناء و لا أعرف في الأسلوب العربي الجمع بين الثّناء و ذكر المثالب إلّا في أوهام طائفة الجرّاحين الجدد , و الشّيخ كشك و سيّد قطب و البنّا و غيرهم , لا شكّ في خطإ أسلوبهم الدّعوي , و لكن لا شكّ أيضا أنّهم رحمهم الله كانوا يدعون بصدق إلى الإسلام الذي يعرفونه هم و الذي يحسبونه المنهج الحقّ , فلا ضير من الثّناء عليهم ممّن علم نهجه و موقفه من طرق الدّعوة إلى الله , و لذلك أثنى الشّيخ الألباني على سيّد قطب رحمه الله بأنّه كان صادقا في دعوته للإسلام الذي يفهمه هو , و إن كان مخطئا في ظنّه و علمه و من ثمّ طريقته .
و لتحطيم صرح آخر من المزاعم و الإيرادات القويّة!! التي يُعرف بها الأستاذ و أصحاب طريقته فسأجيب على سؤال وارد بقوّة منهم :
سيقول لك الأستاذ و الذين معه أشياء كثيرة يحاولون بها ردّ هذه اللّوازم القويّة الظّاهرة لمنهجهم و موقفهم من المدح و الثّناء , و لعلّ من أهمّها قولهم :
إنّ في الثّنـــاء على هؤلاء المبتدعة و المخالفين تزيين لبدعتهم و تصوير لهم على أنّهم أهل حقّ و هذا كلام ظاهره المتانة و القوّة , و لكنّ إطلاقه على طريقة القوم , و جعل ذلك ذريعة لانتقاص الأفاضل , مسلك مردود مرذول , و نسبته إلى منهج السّلف في النّقد افتراءٌ عليهم من جنس عمل الوضّاعين و القصّاص في أحسن أحواله , و الرّدّ على ذلك من وجوه :
ـ أوّلا : قد مضى أنّ في القرآن ثناءً مقيّدا على النّصارى في مقابل اليهود , و على طائفة من النّصارى في مقابل سائرهم , و لم نعلم أنّ صحابيّا أو تابعيّا فهم من ذلك (تلميع النّصارى و تزيين ما هم عليه من الكفر و الإلحاد ) , و سيأتي ذكر بعض تلك الآيات من كلام الشّيخ الألباني لكي لا يبقى للمتعنّت من مجال , و إذا كان ذلك فهم القرون الأولى , لم يصحّ أن نقابله بفهم الخلوف و إلزاماتهم المتهافتة , لأنّها لو كانت صحيحة لما خفيت على أفصح الخلق و أقربهم من مشكاة الوحي و النّبوّة , و ما قيل في الكفّار يقال في المبتدعة , و يؤكّده :
ـ ثانيا : فإذا قال الأستاذ و إخوانه : إنّ الكافرين أمرهم ظاهر و كفرهم ظاهر فلا مجال لأن ينخدع بهم المسلمون , و أمّا المبتدعة فإنّهم يدسّون السمّ في العسل , و يظهرون بمظهر التّديّن و السنّة , فلزم إطلاق التّبديع بالثّناء عليهم خلافا للكافرين , فجوابــــه أن يقال :
زعم ظهور الضّلال في الكافر دون المبتدع لا حجّة فيه بل لا دليل عليه , و ذلك لأنّ التّوحيد و الإسلام و الإيمان مخاطب به كلّ الأمم و كلّ النّـــاس , فالكافر مطالب بأن يترك ما عليه الأحبار و الرّهبان من التّثليث و الشّرك , و المسلم المبتدع مطالب بترك ما عليه المبتدعة و شيوخ الطّرق المنحرفة من البدع و القبوريّة و الخرافات , و من تفلّت التّكفير و الخروج و غير ذلك .
فكما أنّ مـــــدح المبتـــدع قد يزيّن بدعته في نظــــــر المسلم المفتون به أو غيره
فكذلك : مدح القس النّصراني المشرك قد يزيّن شركه و كفره في نظر النّصراني المفتون به و غيره .
فكما أنّ الأوّل (المسلم) قد يقول عن المبتدع (و الله هذا إذن عنده محاسن و خصال) إذا سمع الشّيخ أبو إسحاق أو غيره يثني على واحد من المبتدعة .
فأيضا الثّاني (المشرك) قد يقول عن القس و الرّاهب (و الله إذن فيهم محاسن كثيرة و أمانة و عدل) إذا سمع آيات المائدة و آل عمران أو كلاما ككلام ابن تيمية الذي فيه ثناء عليهم ببعض ما هو فيهم من الخصال .
و دعوة الإسلام و السنّـــــة موجّهة لكلّ الخلق قال تعالى مخاطبا رسوله (( قل يا أيّها النّاس إنّي رسول الله إليكم جميعا ))
فتهدّم بذلك ما أسّس عليه الأستاذ بنيانه من أركانه , و بقي أن نزيده ثناء من بعض العلماء المعتبرين على بعض المخالفين بما أراه كافيا في هذا الباب فأقول :
ثنــــــاء شيخ الإسلام على الخوارج و أهل البدع في مقابل بعضهم : قال رحمه الله
والرافضة فيهم من هو متعبد متورع زاهد لكن ليسوا في ذلك مثل غيرهم من أهل الأهواء فالمعتزلة أعقل منهم وأعلم وأدين والكذب والفجور فيهم أقل منه في الرافضة والزيدية من الشيعة خير منهم أقرب إلى الصدق والعدل والعلم وليس في أهل الأهواء أصدق ولا أعبد من الخوارج . منهاج السنّة النبويّة الجزء الخامس ص 157
فما تعليق الأستاذ على هذا الثّنــــــــاء , و هل يملك طاعن الجرأة ليقول إنّ شيخ الإسلام زيّن بدع الرّوافض و الخوارج في عيون العامّة و الأتباع ؟ و أنّه وقع في (المخالفات الكبرى) .
ثنــــــــــــــــاؤه على أهل الكلام في ردودهم على من هو شرّ منهم و أكثر منهم ابتداعا كالمعتزلة :
قال رحمه الله تعالى : ( ومما ينبغي أيضًا أن يعرف: أن الطوائف المنتسبة إلى متبوعين في أصول الدين والكلام على درجات، منهم من يكون قد خالف السنة في أصول عظيمة، ومنهم من يكون إنما خالف السنة في أمور دقيقة.
ومن يكون قد رد على غيره من الطوائف الذين هم أبعد عن السنة منه، فيكون محمودًا فيما رده من الباطل وقاله من الحق، لكن يكون قد جاوز العدل في رده بحيث جحد بعض الحق وقال بعض الباطل، فيكون قد رد بدعة كبيرة ببدعة أخف منها، ورد بالباطل باطلًا بباطل أخف منه، وهذه حال أكثر أهل الكلام المنتسبين إلى السنة والجماعة.
ومثل هؤلاء إذا لم يجعلوا ما ابتدعوه قولا يفارقون به جماعة المسلمين، يوالون عليه ويعادون، كان من نوع الخطأ. والله سبحانه وتعالى يغفر للمؤمنين خطأهم في مثل ذلك) مج الفتاوى جزء 03ص349
و أشير إلى أنّ هذا المقطع نقله الشّيخ العلّامة عبد المحسن العبّاد حفظه الله في رسالته الماتعة رفقا أهل السنّة بأهل السنّة , و لم يتعقّبه بشيء بل احتجّ به على أهل الغلو و الجفاء .
و ليس الثّناء مختصّا بكون المبتدع ردّ على غيره أو نفع المسلمين بشيء فحسب , بل إنّه لمّا كان من باب العدل و الإنصاف و الامتثال لأمر الله تعالى , فإنّه شمل جميع ما يتميّز به المخالف سواء ممّا نفع به غيره أو ممّا هو في خاصّة نفسه كالإخلاص أو الحماس للإسلام أو التّقوى و الورع و الصّدق و العلم كما مرّ في كلام شيخ الإسلام عن الخوارج و غيرهم , و ليس ذكر ذلك على سبيل الوجوب و على وجه مخصوص كما هو قول أنصار (الموازنات المبتدعة) و لكـــن تبعا للمقام و للمصلحة الشّرعيّة التي تترجّح لدى المتكلّم حيث قد يوافق أو لا يوافق عليها , فصار غاية أمره و الحال هذه أن يكون أخطأ التّقدير فأثنى حيث لا يحسن الثّناء أو أثنى على من لا يستحقّ الثّنــــــــــــاء , و هذا مهما فحش لا يرتقي أن يكون من أصول الخوارج و المبتدعة و لا أن يكون من (المخالفات الكبرى) كما يصفها الأستاذ و كأنّه لم يطّلع على أقوال أهل العلم و تصرّفاتهم حتّى من كان منهم معاصرا و معروفا و لنختم له بمثلين و شاهدين , و ننتقل بعدها إلى الوقفة الثّانية :
ثنــــــــــاء الشّيخ ربيـــــع على الخوارج في مقابل بعض المخالفين قال حفظه الله:
(ثم إن الفصل بين العقيدة والمنهج ,أنا أقول غير مرة: إن الخوارج الذين أمر رسول الله بقتلهم... كان عندهم عقائد سلفية, يعني يؤمنون بتوحيد العبادة, وبتوحيد الأسماء والصفات, ما عندهم شرك ,ما عندهم قبور,ما عندهم تجهم, كانوا عندهم فساد في الحاكمية ,مثل ماحصل لشبابنا الآن, اعتبرهم رسول الله شر الخلق والخلقية ,وأمر بقتلهم, والتشريد بهم, وفعلاً اتفق الصحابة على قتالهم ....لما برز هؤلاء الخوارج الذين تعتبر عقيدتهم السلفية أحسن من عقائد هؤلاء الذين يتبعون سيد قطب , والله عقائدهم أصفى من عقائد هؤلاء ) شريط التنظيمات والجماعات للشيخ سلّمه الله .
بل للشّيخ ربيع حفظه الله تعالى ثناء آخر على سيّـــــد قطب رحمه الله كما في كتابه (منهج الأنبياء في الدّعوة إلى الله)
فمـــاذا سيكون موقف الأستاذ من هـــذا الأمر , و هل سيطعن أيضا في الشّيخ ربيع حفظه الله و هو مــا عرفه الشّباب و اغتـــرّوا بتأصيلاته إلّا حين دخل عليهم من جهة (الدّفاع عن الشّيخ) و من جهة كون الشّيخ زكّاه تزكيــــة مجملة و تركه يكتب في تلك الشّبكة , فصار ذلك فتنة للشّباب الجاهلين لأنّهم يظنّون التّزكيــــة المجملة دليلا على الموافقة المفصّلة و هيهات يصحّ ذلك , فإنّ أهل العلم لو اطّلعوا على طريقتك لذمّوك و ذمّوها تعيينا , مع الإشارة إلى أنّهم حفظهم الله يذمّونها ذمّا شديدا , و يذمّون كلّ من تلبّس بها في أغلب نصائحهم و كلماتهم و لكنّ أكثر النّــــاس لا يفقهون .
مثال عملي من الشّيخ الألباني يوضّح فيه جانبا من الانحراف الموجود عند الشّباب المتحمّسين و موقفهم من الثّناء على المخالفين :
و من المعلوم أنّ الشّيخ الألباني أثنى على كثير من المخالفين , و لا أريد أن أذكرهم لأنّ الأصل عدم ذكر الأسماء إلا ما اضطررت إليه كما بيّنته لك في مقدّمة الحلقة الأولى , و لذلك سأذكر مثالا فيه مناقشة حول ثناء الشّيخ الألباني على سيّد قطب رحمه الله تعالى في بعض كتاباته و مواقفه فقد قال الشّيخ الألباني رحمه الله تعالى في شريط البدعة و المبتدعون :
(... و دعك و سيّد قطب , هذا الـــرّجل نجلّه على جهاده مع علمنا أنّه كان كاتبا إسلاميّا , كان أديبا ... فلا غرابة أن تصدر منه أشياء و أشياء تخالف المنهج الصّحيح)
و قال في موضع آخر كما هو مشهور عنه :
( فصل لا إله إلّا الله منهج حياة كأنّه كتب بقلـــــم سلفي )
فاعترض عليه أحد الشّباب بهذه الوساوس التي جعلها الأستاذ أبو عبد الأعلى من منهج أهل السنّة و الجماعة في النّـــــقد
فقال الشّاب ما ملخّصه أنّ الناس يغترّون بثناء الشّيخ على سيّد قطب!! و أمعن هذا المتكلّم عفا الله عنه في تهويل الأمر بأنّ الناس يدرّسون هذه الكتب و أنّهم يقولون الشّيخ الألباني أثنى عليه إلى غير ذلك ممّا سأحيلك إليه .
فأجاب الشّيخ : يا شيخ اتّق الله في نفسك , كلام الله ما نجا من مثل هذا الذي تحكيه عن النّاس , الله تعالى ماذا قال بالنسبة لليهود و النّصارى (( و لتجدنّ أقربهم مودّة للذين آمنوا الذين قالوا إنّا نصارى ...))
قال الشّيخ الألباني : هنا (شو فيه) فيه ثناء من الله على النّصارى , هل تستطيع أن تقول لا ؟!
فأجاب الشّاب أنّه (يظنّ أنّ هذه في الموحّدين )
فقال الشّيخ الألبــــــاني منبّها للشّاب : النّصارى الذين نزلت فيهم هذه الآية , هل كانوا موحّدين , و بينهم و بين عيسى عليه السّلام خمسمائة سنة و زيادة ؟!
فكــرّر الشّاب : الذي أعلمه أنّه أثنى على الذي أمنوا منهم! (قلت و هذا خطأ كما سيأتي )
فقال الشّيــــخ : طيّب و اليهود ؟! (يقصد إن كان هؤلاء النّصارى مؤمنون , فهل اليهود الذي ذكر الله تعالى في السياق نفسه أنّهم ((أشدّ النّاس عداوة للذين آمنوا)) هل هم أيضا موحّدون؟!)
فقال الشّيخ : هنا فيه ثناء على النّصارى بصفة عامّة ... نحن إلى الآن نعتقد أنّ الله تعالى علّمنا أنّ فيه فرق بين النّصارى كنصارى و بين اليهود كيهود بغض النّظر أنّ فيهم طائفة أسلموا أو ما فيهم , فلا ينبغي أن نتّخذ مثل هذه الآية فنقول هذا الله أثنى على النّصارى و ندع قول الله الصّريح (( لقد كفر الذين قالوا إنّ الله ثالث ثلاثة)) .
قلت : و عليه فإنّ فصل الخطاب في هذه القضيّة أن يقال : ليس الثّناء المجرّد المقيّد الذي يقع المرّة و المرّات المعدودة في خلال السّيرة الطّويلة المحمودة ليس بمعيار للتّبديع و لا سببا للتّشنيع إلّا عند رجل جاهل أو متجبّر متجنّ على منهج السّلف , فإنّ ما كان منوطا بالمصلحة الشّــــرعية كالثّناء , لا يحقّ لأحد أن يبدّع به أحدا و إلّا لزم عليه تبديع جمع غفير من أهل العلم الأفاضل كما هو حاصل من هؤلاء القوم , و أنا أزعم الآن أنّ الشّيخ ابن باز و الشّيخ الألباني و الشـيخ عبد العزيز آل الشّيخ و الشّيخ العبـــــاد و غيرهم من أعلام الهدى في هذا الزّمن قد أثنوا علــى كثير من النّاس الذين يعدّهم الأستاذ و أصحابه على نهجه مبتدعة على تفاوت , و من هؤلاء جماعة حماس سدّد الله أفرادها و جميع المسلمين إلى التي هي أقوم , و من هؤلاء الشّيخ أحمد ياسين رحمه الله رحمة واسعة حيث أثنى عليه الشّيخ اللحيدان ثناءً عطرا , و من هؤلاء الشّيخ حسن البنّــــــــــا و من هؤلاء المودودي و غيرهم كثير .
و هذا الثّنـــــــــــــاء إمّا من باب العدل و الإنصاف و بيان الحقّ , و قد مرّت أدلّته , وبعض أقوال الرّاسخين فيه .
و إمّا في مقام الدّعوة و الرّفـــق , و رجاء الأوبة للمخالف كما هو محفوظ عن كثير من علمائنا و أئمّتنــــــــــا .
و إمّــــا لمصلحة المستمع المتلقّي إن كان المخالف غائبا أو ميتــــا .
كلام للشّيخ ابن عثيمين في الثّنــــــــــــاء و أنّه بحسب المصلحة (الفائدة)
و لذلك قال الشّيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى في آخر الشّريط 127 من لقاءات الباب المفتوح بعد أن تكلّم عن وجوب ذكر المحاسن حال الحكم , و عدم وجوبها حال الرّد قـــال :
(.... و لكن إذا تحدّثت عنه في مجلس من المجالس فإن رأيت في ذكر محاسنه فائدة فلا بأس أن تذكرها , و إن خفت من مضرّة فلا
تذكرها ..)
فمن زعم أنّ الثّناء بحق دليلا على تصويب الباطل أو التّزكية سواء كان هذا المعتقد سلفيّا منحرفا في باب التّبديع كما هو الأستاذ , أو كان مخالفا منحرفا عن الإسلام أو عن السنّة , يتخّذ الثّناء ذريعة لتزيين الباطل , فإنّ العيب في الزّاعم المدّعي و ليس في المثني و إلّا للزم التّشكيك في أسلوب كتاب الله لأنّه (على هذا المذهب الباطل) قد أثنى على الكفّار و فتح لهم بابا يتعلّقون به ولا أدري كيف غابت هذه اللّوازم الشّنيعة عن الأستاذ و من قال بقوله و الله المستعان .
ثــــم لو افترضنــــا أنّه لا فائدة و لا مصلحة في الثّنـــــــاء على هؤلاء القوم , فهنا نقول :
أوّلا : هؤلاء ليسوا شرّا من الخوارج الأوّليــــــــــــن على الرّاجح و قد أثنى عليهم الشّيخ ربيع لرأي رآه , ثمّ لا شكّ أنّ سيّـــــد قطب على الأقل عند الأستاذ ( قال بخلق القرآن و قرّر عقيدة وحدة الوجود)
فماذا أنت قائل في ثنـــــــــاء الشّيخ ربيع حفظه الله عليه و هو ثابت موثّق ؟
و ماذا تقــــول في ثناء الشّيـــــــــــخ الألباني عليه و هو ثابت موثّق ؟
ــ إن قلـــت : كلام الشّيخ ربيع قديم و تراجع عنه قلنا لك : و كذلك كلام الشّيخ الحويني قديم جدّا و لعلّ ابنته ميمونة تزوّجت , فما يدريك أنّ الشّيخ تــراجع هو أيضا .
و مع ذلك تبقى الشّوكة في حلق زعمك قائمة إذ يقال لك : و هل تراجع الشّيخ الألباني أيضا ؟ وأين حصل ذلك ؟ فلزم عليك التّسليم .
ــ و إن قلت : الشّيخ الرّبيع لم يكن يدري طوام سيّد قطب فالجواب :
أوّلا : لكنّني أزعم أنّ الشّيخ الألباني يدري مخالفات سيّد قطب بل قد ذكرها .
ثانيا : إن كان خفي على الشّيخ العلّمة ربيع حال المفكّر البارز سيّد قطب , فكيف لا يكون خفي على الشّيخ أبي إسحاق حال هؤلاء الذين ذكرتهم و هم أقلّ شهرة من سيّد قطب , و الشّيخ الحويني لا يعرف عنه الاهتمام بالجماعات المعاصرة كما هو معروف عن الشّيخ ربيع .
فهل هذا إنصاف في الكيل , و هل يقرأ الأستـــــــــاذ قول الله تعالى
(( ويل للمطفّفين الذين إذا اكتـــالوا على النّاس يستوفون , و إذا كالوهم أو وزنوهم يخسرون..))
و إلى أن يجيب المتعلّقون ببدعة التّبديع بمطلق الثّناء على المخالفين على هذه السؤالات , فإنّني أدعوهم و نفسي لتقوى الله تعالى , و أطالبهم بسلفهم في جعل كلّ ثناء دليلا على الابتداع .
الوقفــــــة الثّـــــــــــانية : هل يسوغ التّبديع بترك زيارة بعض الأفاضل :
(هل يبدّع الشّيخ أبو إسحاق لأنّه لا يزور الشّيخ ربيع و باقي علماء السنّة كما زعم الأستاذ خالد رئيس استخبارات النّقد و الجرح)
مناقشة قول الأستاذ خالد عن الشّيخ أبي إسحاق الحويني : (...وقد صار معلومًا لدى الجميع أن بطانةالحوينيفي مصر وخارج مصر هم القطبيين والحزبيين والقصاص،نحو محمد حسان ومحمد حسين يعقوب، وعبد الرحمن عبد الخالق....إلخ وصار معلومًاأيضًا علاقته الوثيقة بجمعية إحياء التراث الحزبية.
وأنه إذا زار المملكة لايهتم أبدًا بزيارة العلماء السلفيين هناك، نحو العلامة ربيع بن هادي، والعلامة صالحالفوزان، والعلامة عبيد الجابري –حفظ الله الجميع-، بل لا يزور إلا القطبيين ومننحا نحوه ). قاله في سحاب .
قوله هـــداه الله :
( بطانةالحويني في مصر وخارج مصر هم القطبيين والحزبيين والقصاص،نحو محمد حسان ومحمد حسين يعقوب، وعبد الرحمن عبد الخالق..)
أقــول : هذا و ما بعده كثير , يوحي أنّ القوم رجال مباحث و ليسوا طلبة علم , و الجواب عليه مختصرا أن يقال له : لا نعتبر بقولك عن أحد (قطبي أو حزبي أو نحوه) لأنّه كما بيّنت آنفا لست أهلا لأخذ هذه الأحكام و لا ضابط محدّد عندك حتّى نحاكم أقوالك إليه , مع التّنبيه إلى شيء :
الشّيخ عبد الرّحمن عبد الخالق لا أعرفه , و إذا أردت معرفته فليس من أمثالك و لم يرفع الله العلم بعد .
أمّا الشّيخين الفاضلين محمّد حسّان و محمّد يعقوب فهما من أسيادك في العلم و الفضل و الأدب و إن قيل فيك و فيهم ما قيل , و لستَ أعرف بهم و بأصول البـــــدع و بمعنى الحزبي و السّروري و (البطانة) من الشّيخ علي الحلبي و الشّيخ مشهور حسن , و لو كنت أهلا للأخذ لدخلت في قول مالك (كلٌّ يؤخذ من قوله و يردّ) و لست كذلك , و قول هذين العالمين في محمّد حسّان و إخوانه مقدّم على قولك بل هما كالسّيف و العصا و رحم الله امرءا عرف قدر نفسه .
قول الأستـــــــــاذ : (وصار معلومًاأيضًا علاقته الوثيقة بجمعية إحياء التراث الحزبية. )
ينسفه طالب الحقّ بشيء واحد : أثبت حزبيّة هذه الجمعيّة , ثمّ أثبت حرمة التّعاون معها إطلاقا ثمّ أثبت نوع العلاقة التي صارت معلومة كما تزعم , و هذه الجمعيّة نراكم كلّ ما خاصمتم فاضلا أطلقتم عليه الأطفال يرمونه بأحجارها , و إذا كان طريقكم في كلام مخالفكم تحريفه و بتره و ليّه , فإنّ طريقتكم في الطّعن في منهجه أن تقولوا كلّما خالفكم مخالف : أخذ أموالا من هذه الجمعيّة , وطبع كتاب كذا عند هذه الجمعيّة , و هكذا تعلّم الشّباب هذا الأسلوب المبتدع و تشرّبوه , و إلّا فإنّ للفقهاء نفصيلا حتّى في مال الكافر و معونة الفاسق و التّعاون على خير راجح مع مخالف مبتدع , فأين هذا كلّه في ذهن الأستاذ , و هل هذه هي الأصول التي خالفها الحويني ؟ فإن كانت هي فأسأل الله تعالى أن يعافيني منها و أحمده على نعمة السنّة و الإسلام .
و قــــــــــال هداه الله :
(..وأنه إذا زار المملكة لايهتم أبدًا بزيارة العلماء السلفيين هناك، نحو العلامة ربيع بن هادي، والعلامة صالحالفوزان، والعلامة عبيد الجابري –حفظ الله الجميع-، بل لا يزور إلا القطبيين ومننحا نحوه ).
أكرّر هنا : ألا يشعر القارئ لهذا الكلام أنّ القوم كأنّهم رجال مخابرات , يراقبون حركات أهل العلم و سكناتهم , فهل أنت يا خالد المصري من تتبّع الشّيخ أبا إسحاق في كلّ رحلاته التي زار فيها المملكة ؟
ثانيـــــــــا : أنت ذكرت ثلاثة من المشايخ العلامة ربيع بن هادي، والعلامة صالحالفوزان، والعلامة عبيد الجابري
أقول : لا أظنّ أحدا من هؤلاء الأفاضل الذين ذكرتهم يوافقك على حشره في هذا السّياق الذي تحكي فيه كلاما كالهذيان , يا أيّها الأستــــــــاذ : هل من السّلفيّة أنّ الذي يزور المملكة يجب عليه زيارة هؤلاء و غيرهم ؟ .
هل تعلم أقــــــــــوال أهل العلم في ردّ الحديث المكذوب الذي نصّه (من حجّ و لم يزرني فقــد جفاني ) .
ــ و هل تريــــد أن تدخل التّصوّف على شباب أهل السنّة من حيث لا يشعرون .
ــ و هل تجزم أنّ الشّــــيخ الحويني في (كلّ) زياراته إلى المملكة (لم يزر و لا واحدا) من علماء السنّــــــــة .
ــ و إذا كنت تزعم تقدير الشّيخ الفوزان إلى درجة التّصوّف : هلّا التزمتَ بنصائحه التي تنصبّ على منهج الإلزام و الإقصاء و التّبديع و الذي تعتبر أنت و أصحابك ممّن يقوم بهم هذا المسلك الخطير , و سأنقل لك لاحقا بعض تلك النّصائح .
قال الأستـــــــــاذ : (بل لا يزور إلا القطبيين ومننحا نحوه ).
فأقــــــول : قد ثبت أنّ الشّيخ أبا إسحاق كان ينـــزل ضيفا على الشّيخ بكر أبو زيد رحمه الله فهل قولك السّابق يزيدنا يقينا من أنّك تعتبر الشّيخ بكر أبو زيد (قطبيّا) .
ثانيــــــــــا :
قد نـــــــــزل الشّيخ الحويني مؤخّــــــرا ضيفا على أهل الشّام و كان أن استقبله المشايخ هناك و هم يومها لا حزبيّين و لا مميّعين و لا مبتدعة , فكان استقبالهم إيّاه سببا من أسباب تقلّب القلوب و الأحكام , و أنتم اليوم تعتدون بشراسة على الشّيخ علي الحلبي و الشّيخ مشهور حسن بتهمة التّمييع و الإخوانيّة و مخالفة (منهج السّلف) و ممّا صرتم تنقمونه عليهم موقفهم من الحويني .
فبالله عليكم أعطونا تعريفا واضحا لقواعدكم (السّلفيّة) المزعومة حتّى نستطيع أن نتقيّد بها فإنّنا نراكم تسيرون مع قوم على منهج :
نعادي الذي عادى من النّاس كلّهم ° بـ(جرح) و لو كان الحبيب المواتيا
و تسيرون مع قوم آخرين على منهج :
خليليّ ما واف بعهدي أنتمـــا ° إذا لم تكونـــا لي على من أقاطع .
و هذا طريق لا يفرح به طالب حقّ و لا يطمئنّ ‘إليه صاحب صدق , و قد تبيّن إن شاء الله تعالى بدعيّة التّبديع بمطلق الثّناء على المبتـــــــدعة , و ظهر الحق , و افتضح ما يزعمه الأستاذ على الشّيخ أبي إسحاق , و أسأل الله تعالى العفو و العافية و المغفرة و الهدى و التّقى و أذكّر الأستاذ أنّ دولة الباطل ساعة و دولـــــــــــة الحقّ إلى قيام السّاعة و أنّ الله تعالى أمرنا بالعدل و القسط و أخبرنا أنّه غفور رحيم شديد العقاب , و أنّه لن يترك صاحب الباطل حرّا طليقا (( بل نقذف بالحقّ على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق . و لكم الويل ممّا تصفون ))
|