منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب - عرض مشاركة واحدة - نطاق تطبيق القانون على الأشخاص
عرض مشاركة واحدة
قديم 2011-04-16, 19:01   رقم المشاركة : 2
معلومات العضو
yacine414
عضو مميّز
 
إحصائية العضو










B10 تابع

الفصل الثالث:
نطاق تطبيق القانون على الأشخاص :
إذا ظهرت القاعدة القانونية للوجود مستمدة رسميتها من المصادر التى أشرنا اليها , فانها تسرى فى حق المخاطبين بها , سواء علموا بها او لم يعلموا , فلا يجوز الاحتجاج بعدم العلم بالقانون لأن هذا يصطدم مع مبدأ متأصل فى علم القانون هو ( مبدأ عدم جواز الاعتذار بجهل القانون ) ولان فتح هذا المجال يعنى ببساطة تطبيق قواعد القانون على فئة دون آخرى, وهو ما يخل بمبدأ مساواة الأفراد أمام القانون ولعلنا لانجانب الصواب قيد شعرة إن قلنا أن قبول مبرر الإدعاء بجهل القانون أمام السلطة القضائية سيبعث دون أدنى ريب شللا في قواعد القانون ويجعل حركتها محدودة , خاصة وأنه من الصعب إثبات عملية العلم فيصبح كل فرد عالم بالقاعدة القانونية و بإمكانه الإدعاء بجهلها أمام القضاء, ويتسع نطاق الإدعاء, ويعم الى درجة إعدام القاعدة القانونية, وبناءا على ذلك نإن توقف تطبيق القاعدة القانونية على مسألة العلم من شأنه أن يفتح أبوابا كثيرة للأفراد ويمكنهم بسهولة ويسر من الإفلات والخضوع لحكم القانون تحت قناع ومبرر الجهل بالقاعدة القانونية وبذلك تعم الفوضى ويعرف المجتمع ضروبا شتى من الهزات وعدم الإستقرار فى مجال المعاملات ويفقد القانون نتيجة ذلك أحد أهم وظائفه وأهدافه وهو حفظ النظام العام , وبعث الإستقرار الإجتماعي.
وتبدو الحكمة في عدم جواز الاعتذار بجهل القانون واضحة إذا قلنا أن الجهل خطأ, والخطأ لايمكن أن يقبل كعذر أمام القضاء حتى لايكون وسيلة للتهرب من الخضوع لحكم القانون أياكان الدافع له.
من أجل ذلك قلنا أنه لايكفي إصدار النص, بل ينبغي نشره ليعلم الجمهور به, من المعنيين وغير المعنيين, وقصدنا بالنشر الإعلان عن ميلاد التشريع حتى يتسنىللأفراد العلم به, فلا يتصور أن يكون القانون سرا خافيا على المخاطبين بحكمه.
لذلك راح البعض الى القول بأن التشريع لايستمد قوته من ذاته, وإنما يستمدها من نشره أى من الواقعة التي تجعل العلم به ممكنا بل إنه والى جانب النشر قد تعتمد السلطة التنفيذية الى توسيع مجال العلم إعتمادا على وسائل الإعلام كالتلفزيون والراديو والجرائد أو نشره فى المؤسسات الرسمية والشوارع العامة.
وإذا كان من واجب السلطات المختصة نشر التشريع ليعلم الأفراد به , فإنه يصبح من الواجب أيضا على هؤلاء الإطلاع والبحث عن النصوص ومعرفتها خاصة إذا كانت تعنيهم وتحكم نشاطهم وعلاقاتهم وتظبط مصلحتهم, فلا يستقيم الأمر أن يمارس الشخص أعمالا تجارية وهو يجهل القانون التجاري ولايعرف على الأقل مايرتب له هذا القانون من حقوق ومايفرضه عليه من إلتزامات, ولا يعقل أن يمارس الشخص التجارة وهويجهل التشريعات ذات الصلة بالحياة التجارية كقانون الضرائب وقانون المنافسة وقانون حماية المستهلك وغير ذلك.
وقد أحسن المؤسس الدستوري صنعا أولا حينرفع مبدأ عدم الإعتذار بجهل القانون إلى مصف القواعد الدستورية, وهو ماأكدته المادة60من دستور96 ويقابلها المادة57 من دستور89 والمادة74 من دستور76 وثانيا حين ذكرهذا المبدأ تحت عنوان الواجبات مما يجعل العلم بالقانون واجبا دستوريا.
ولانقصد بعبارة واجب الأفراد فى معرفة القانون أن يصبح كل فرد فى المجتمع رجل قانون يعرف فيه كل صغيرة وكبيرة , وماشرع وما ألغي , وماتمم وماعدل, لأن هذا أمر صعب المنال حتى على القانونيين أنفسهم, بل إننا نقصد أن يلزم الفرد على الأقل ولمصلحته, بمعرفة مايحيط به من قواعد تنظم نشاطه وتحكم علاقاته.
نستنتج من ذلك أن مبدأ عدم الإعتذار بجهل القانون لايصطدم مع مبدأ العدالة خاصة وأن المصدر الرئيسي الذي ينظم علاقات الأشخاص هوالتشريع, وأن هذا الآخير يجب نشره ليعلم الكافة به, وبعد نشره ينبغي التربص مدة يوم كامل إذا تعلق الأمر بالجزائر العاصمة وبعد يوم كامل من وصول الجريدة الرسمية لمقر الدائرة فى المناطق الآخرى.
وهذا مانصت عليه المادة الرابعة من القانون المدني, وهومانعتبره ضمانا كافيايتيح للأفراد فرصة العلم بالقانون.
المبحث الأول : مبدأ عدم جواز الإعتذار بجهل القانون
عرفنا أن القواعد القانونية تعددت مصادرها الرسمية من تشريع, ومبادىء الشريعة والعرف, وقد يوحي المصطلح المستعمل في اللغة الفرنسيةnul n.est cense ignorer la loi أن مجال هذا المبدأ يقتصر على التشريع دون سواه من المصادر الآخرى , والحال أن المبدأ المذكوريمتد لمبادىء الشريعة الإسلامية والعرف أيضا لذا نرى أن المصطلح العربيأبلغ وأصوب.
وترتيبا على ذلك لايجوز للشخص أن يدعي جهله بمبادىء الشريعة الإسلامية طالما كانت مصدرا من مصادر القانون يلجأ اليها القاضي فى حالة عدم وجود نص فى التشريع وكذلك لايجوزالإدعاء بجهل العرف.
المطلب الأول:
مضمون مبدأ عدم الإعتذار بجهل القانون
إذا تكونت القاعدة القانونية – مستمدة من أحد مصادر القانون التى سبقت دراستها- واصبحت نافذة فإنها تسري فى حق جميع الأشخاص المخاطبين بأحكامها دون استثناء ,سواءعلم بها أم لم يعلموا , وسواء علم بها البعض وجهلها البعض الآخر,فلا يعفى أحد من الخضوع لأحكام هذه القاعدة بدعوى جهله بها حتى يتسنى له التخلص من تطبيقها عليه ,ولذلك فإن القاعدة القانونية تسرى حتى على عديم التمييز والإدراك ,وإن كان القانون يضع لعديم التمييز والإدراك أحكاما خاصة كعدم العقاب على الجرائم التى يرتكبها ,وبطلان التصرفات التى يبرمها ,وتجدر الإشارة هنا إلى أن التفرقة بين أعماله المشروعة وأعماله غير المشروعة تظل قائمة ,وهذا ما يفسر إمكان الحكم عليه بالتعويض عما ينجم عن فعله الضار من ضرر يصيب الغير ,وإن كانت مسؤوليته حينئذ جوازية ومخففة, وقد قضت المادة 125/ 2 من التقنين المدنى فى هذا المعنى بما يلى: ( غير أنه إذا وقع الضرر من شخص غير مميز ولميكن هناك من هو مسؤول عنه ,أو تعذر الحصول على تعويض من المسؤول جاز للقاضى أن يحكم على من وقع منه الضرر بتعويض عادل ,مراعيا فى ذلك مركز الخصوم ) .ويلاحظ أن المكلف الذى يتوجه إليه حكم القاعدة القانونية قد يكون شخصا طبيعيا, مميزا كان أو غير مميز ,وقد يكون شخصا معنويا ,فهذا الأخير أيضا ينصرف إليه خطاب القاعدة القانونية ,فيجب الإنصياع له وإلا كان عرضة للجزاء. ويعبر عن سريان القاعدة القانونية على كافة الأشخاص فى المجتمع بمدأ عدم جواز الإعتذار بجهل القانون . وقد أقرت دساتير دول كثيرة هذا المبدأ , منها الدساتير الجزائرية المتعاقبة ,وآخرها دستور 1996 الذى نص عليه في المادة 60 كما يلى: ( لا يعذر بجهل القانون ) , فالبنسبة إلى التشريع خاصة يعتبر نشره فى الجريدة الرسمية للدولة ومرور المدة المقررة لبدء نفاذه قرينة على علم الكافة بأحكامه ,بما يحمله ذلك من إمتناع الإعتذار بالجهل بها .ويرجع الأصل التاريخى لهذا المبدأ إلى القانون الرومانى , إذ كان الغرض الرئيسى من وضع قانون الألواح الاثنى عشر عند الرومان هو توحيد النظم القانونية التى كانت سائدة قبل وضعه لتسرى على الأشراف والعامة على جد سواء , ذلك أن الأقلية من الأشراف ورجال الدين كانت تستأثر وحدها بتلك النظم والقواعد القانونية وتضرب حولها نطاقا من السرية يمنع تسربها إلى من هم دونها حتى تستقل بتفسيرها. بما يتفق ومصالح طبقتها , مستغلة جهل العامة واقعيا بتلك القواعد والنظم ,مما دفع العامة إلى المطالبة بنقلها من السجلات الرسمية وتدوينها من جديد فى نصوص ظاهرة معلنة على إثنتى عشرة لوحة تنصب فى الساحة الكبرى بمدينة روما ليطلع عليها من يشاء , ومن ثم لم يعد من المفروض فى أحد جهله بالقانون
وهو المبدأ الذي تفرع عنه مبدأ عدم جواز الإعتذار بجهل القانون.
المطلب الثاني:
أساس مبدأ إمتناع الإعتذار بجهل القانون:
المبدأ كما تقدم هو أن الجهل بالقانون لايعفى من يدعيه من تطبيق القانون عليه , ويتضح أن المبدأ لايتفق تماما مع الحقيقة الواقعة , إذ لايعقل أن يكون جميع أفراد المجتمع على علم بالقاعدة القانونية ولايجهلها بعضهم,ثم إن علم الأفراد بها ليس هو الغالب فى العمل ولا المألوف , بل إن الغالب هو جهلهم بها, وذلك نظرا لكثرة القواعد القانونية المكتوبة خاصة, وتلاحقها وإختلاط التشريعات العادية الصادرة من السلطة التشريعية بالتشريعات الفرعية أي اللوائح التي تصدرها السلطة التنفيذية , وهو الأمر الذي يجعل أكثر الناس علما بالقانون يعجز أحيانا عن معرفة ما إذا كان بعض هذه القواعد قد ألغي أوعدل , وذلك بالإضافة الى ماهو معروف عادة من سوء الصياغة التي ترد فيها هذه القواعد , وعليه نقول مع بعض الفقهاء إن أساس مبدأ إمتناع الإعتذار بجهل القانون إنما يرتكز على الحكمة من وجود القانون ذاته فى المجتمع, فالأخذ بهذا المبدأ يرجع الى ضرورة فرض سلطان القانون على كافة المخاطبين بأحكام قواعده , تحقيقا للنظام العام فى المجتمع ولإعتبارات العدالة التي تتطلب تطبيق القانون على كافة الأفراد دون إستثناء , فلا يستساغ أن يتوقف سلطان القانون على الظروف الخاصة بكل شخص وحيث يطبق القانون على من كان عالما به ويعفى من لم يعلم به من تطبيقه عليه , فالسماح لهذا الآخير بالإعتذار بجهل القانون من شأنه أن يؤدي الى الفوضى والى ضياع الأمن وتقويض النظام , عن طريق فتح باب الإدعاء بجهل القانون كلما كانت مصلحة الشخص متعارضة مع ما تقضى به أحكامه وبذلك يمكن من يريد التهرب من أحد أحكام القانون الإدعاء بعدم العلم به وهذا ماينجر عنه التقليص من حالات تطبيق القانون , أضف الى ذلك أنه ليس من العدل فى شىء تطبيق القانون على من علم به وإفلات من لم يكن عالما به من التطبيق لما فى ذلك من معنى الجزاء السلبي على العلم بالقانون , ثم أفلا ينطوي قبول الإحتجاج بجهل القاعدة القانونية على نفى صفة الإلزام عنها , إذ يجعل إلزامها رهنا بالعلم بها ؟
إن أهم مايميز القاعدة القانونية هو خاصية إلزامها الذاتي الذي ينبعث منها لا من عامل خارجي عنها كالعلم بها , فالقانون يسري فى حق كل شخص سواء علم به أم لم يعلم به , وحكمه ملزم له دون حاجة الى تقوية هذا الإلزام بإلتزام آخر مصطنع هو الإلتزام بالعلم بالقانون.

المبحث الثاني:
نطاق مبدأ إمتناع الإعتذار بجهل القانون:
يثير هذا الموضوع مسألتين: الأولى هي نطاق هذا المبدأ من حيث مصدر القواعد القانونية , والثانية هي نطاق هذا المبدأ بالنسبة الى كل من القواعد الآمرة والمكملة.
أولا: من حيث مصدر القواعد القانونية* من المعروف أن المصادر الرسمية القواعد القانونية تتعدد , فقد ينشأ بعض هذه القواعد من التشريع, وقد يتكون بعضها من العرف أو من الدين, وعليه فلايجوز الإحتجاج بجهل أي من هذه القواعد للإفلات من الخضوع لحكمها أين كان مصدرها.
وتجدر ملاحظة أن المصطلح العربي المعبر عن هذا المبدأ , الذي نحن بصدده , أكثر توفيقا من نظيره الفرنسي la loi nul n.est cense ignorer الذي قد توحي صياغته بأنه يقتصر على عدم جوازالإعتذار بجهل قواعد التشريع فحسب , دون سواه من المصادر الرسمية للقانون, وهذا ليس صحيحا , لأن المؤكد أن هذا المبدأ ينصرف الى كل قواعد القانون بغض النظر عن مصدرها, وإن كان يلاحظ أن الإحاطة بالقواعد التشريعية أسهل من الناحية العملية , ذلك أن نشر التشريع فى الجريدة الرسمية وتحدبد ميعاده نفاذه من شأنه أن يفترض معه علم المخاطبين بأحكامه , بحيث لايقبل من أي شخص الإحتجاج بأنه لم يعلم شخصيا بالقواعد التي يحملها التشريع المنشور , إذ إن حمل القانون الى علم الأفراد واحدا واحدا يعد من قبيل المستحيل.
ثانيا: من حيث طبيعة القواعد القانونية* نتناول هنا الإجابة عن هذا التساؤل: هل إن إعمال مبدأ لاعذر بجهل القانون يقتصر على القواعد القانونية الآمرة , أم أنه يمتد ليشمل القواعد القانونية المكملة أيضا ؟
لقد إنقسمت أنظار الفقهاء فى هذا الصدد الى فريقين:
01 – قصر مبدأ لاعذر بجهل القانون على القواعد الآمرة : ذهب أصحاب هذا القول إلى أنه لايعمل بهذا المبدأ إلا حيث تكون القواعد القانونية الآمرة لايجوز الإتفاق على مخالفتها وإستبعاد ماتقضي به , وفي هذا المعنى يقول الصنهوري إن (مجال تطبيق هذه القاعدة لايكون إلا حيث توجد أحكام قانونية تعتبر من النظام العام , فيجب على جميع الناس مراعاتها , ولايجوز لأحد أن يخل بها بدعوى أنه يجهلها, ويفترض أن كل شخص يعرف هذه الأحكام , وإلا لما أمكن تطبيقها تطبيقا منتجا لو أفسحنا جانب العذر فى ذلك).
-02 إمتداد مبدأ لاعذر بجهل القانون إلى القواعد المكملة: قال أنصار هذا الرأى , ونساندهم فيما يرونه بوجوب الأخذ بهذا المبدأ بالنسبة الى نوعي القواعد القانونية على حد سواء دون تمييز بين الآمرة منها والمكملة , وذلك لإعتبارين:
الأول: إن القواعد المكملة قواعد قانونية يتوافرفيها عنصر الجزاء والإلزام , وهي في ذلك تتساوى مع القواعد الآمرة , لذا يمتنع الإعتذار بجهلها شأنها في ذلك شأن القواعد الآمرة , وإلا أدى ذلك إلى إهدار قوتها الملزمة.
الثاني: إن القول بإباحة الإعتذار بجهل القواعد المكملة لايستقيم مع طبيعتها , من كونها لاتنطبق إلا فى حالة سكوت المتعاقدين عن إستبعادها , فقد يكون سكوتهما راجعا إلى جهلهما بها , ومع ذلك لايقبل منهما الإفلات من حكمها بحجة هذا الجهل لأن شرط تطبيق هذه القواعد فى حقهما إنما يتحقق بهذا السكوت , فلو أبيح بجهل هذه القواعد فى حالة سكوت المتعاقدين عن إستبعادها , لأدى ذلك إلى نتيجة غير مقبولة تتمثل فى فراغ ما وجدت هذه القواعد إلا لسده , ذلك أنه فى هذه الحالة لاتوجد إرادة للمتعاقدين من ناحية , ويمتنع تطبيق القواعد المكملة من ناحية أخرى.
المبحث الثالث:
الإستثناءات الواردة على مبدأ عدم جواز الإعتذار بجهل القانون/
إذا كانت هناك إعتبارات من النظام العام والمصلحة العامة تبرر مبدأ عدم جواز الإعتذار بجهل القانون , فقد توجد – فى بعض الأحيان- إعتبارات أخرى تبرر جواز الإعتذار بجهل القانون , لذلك فان قرينة بسيطة يمكن دحضها , فلا يمكن تطبيق القانون إذا إنتفت هذه القرينة بطريقة حاسمة ,أي إذا ثبت أن الظروف التى أحاطت بالشخص –عند إتيانه مخالفة ما – قد جعلت علمه بالقانون مستحيلا .وعليه فإنه يردعلى مبدأ إمتناع الإعتذار بجهل القانون مجموعة من الإستثناءات التى قال بها الفقه و التى حرص بعض المشرعين دون المشرع الجزائرى على النص على بعضها, وسند هذه الإستثناءت أن المشرع لا يكلف بمستحيل , فإذا افترض المشرع العلم بالقانون , فهو يفترض كذلك إمكان هذا العلم ,فإن انتفى الإمكان لم يعد للإفتراض ما يبرره . وسنورد أهم هذه الإستثناءت ,معقبين على كل منها بما يمكن ملاحظته عليه.
المطلب الأول:
القوة القاهرة
01- مضمون هذا الإستثناء: إذا استحال علم الشخص بالقانون بسبب قوة قاهرة حالت دون وصول الجريدة الرسمية إلى منطقة أو مناطق معينة من إقليم الدولة ,فإنه لا يمكن إعمال مبدأ عدم جواز الإعتذار بجهل القانون ,بل إن هذا المبدأ يستعبد , فيمكن بالتالى الإحتجاج بجهل التشريع الجديد , وذلك إلى حين زوال السبب الذي جعل العلم بهذا التشريع مستحيلا ووصول الجريدة الرسمية التي تتضمنها إلى الأشخاص المخاطبين بحكمه , ومثال القوة القاهرة ( إحتلال العدو لإحدى مناطق الدولة , والحرب , والزلزال , وغيرها من الظروف التي تستحيل معها علم الأشخاص بالتشريع , وبالوسيلةالمخصصة لذلك , أي بالجريدة الرسمية) ففى جميع الحالات التي يتبين فيها ذلك , يجوز للفرد الإحتجاج بجهل القانون , لأن تطبيق القانون حينئذ يصبح غير متفق مع العدل , وقد نصت المادة 1/37من تقنين العقوبات العراقي صراحة على هذا الإستثناء وقضت بأنه(ليس لأحد أن يحتج بجهله بأحكام هذا القانون أو أي قانون عقابي آخر ما لم يكن قد تعذر علمه بالقانون الذي يعاقب على الجريمة بسبب قوة قاهرة) كما أخذت محكمة النقض المصرية بهذا الإستثناء فى أحد أحكامها , فقضت بأنه( لايقبل من أحد الإعتذار بجهله أو إثبات أن ظروفه الخاصة قد حالت دون علمه الفعلي...وإنما يقبل فقط العذر بالجهل بالقانون إذا حالت قوة قاهرة دون وصول الجريدة الرسمية بتاتا الى منطقة من مناطق الجمهورية )
02- مناقشة هذا الإستثناء: يلاحظ على هذا الإستثناء مايلي/
* إن مجاله ينصرف فقط الى القواعد التشريعية , دون غيرها من قواعد الدين والعرف , ذلك أن التشريع وحده هو الذي ينشر في الجريدة الرسمية وهو الذي يفترض العلم به بهذا النشر.
* إنه نادر التحقق اليوم, نظرا لتقدم وسائل المواصلات, وخاصة الجوية منها.
* إن الأمثلة التي يسوقها الفقهاء للتدليل على القوة القاهرة لاتعتبر فى الحقيقة إستثناء من قاعدة لاعذر بجهل القانون , بل هي تطبيق لها , إذ أن عدم علم المواطنين , مثلا فى إقليم إحتله العدو , بالتشريعات التي تصدر أثناء الإحتلال إنما يرجع إلى عدم إستطاعة الإحتجاج قبلهم بنشرها , ذلك النشر الذي به وحده تنهض قرينة على إفتراض علمهم بتلك التشريعات , وليس الى إستحالة العلم بها إستحالة مطلقة.
المطلب الثاني:
إبطال العقد لغلط في القانون:
01 - مضمون هذا الإستثناء: ذهب بعض الفقهاء إلى أن تمكين القانون المتعاقد, الواقع فى غلط في القانون من إبطال العقد يعتبر خروجا على مبدأ عدم جواز الإعتذار بجهل القانون, فأعتبروا الحماية التي يسبغها القانون لهذا المتعاقد حينئذ منطوية على إستثناء من هذا المبدأ, وقد نصت المادة81 من التقنين المدني الجزائري على أنه (يجوز للمتعاقد الذي وقع في غلط جوهري وقت إبرام العقد أن يطلب إبطاله).
ويعرف الغلط بأنه وهم يقوم في ذهن الشخص فيصور له أمرا على غير حقيقته ويدفعه الى التعاقد, ومن أمثلة الغلط في القانون التي تجيز للمتعاقد طلب إبطال العقد مايلي:
*أن يتعهد شخص بدفع دين طبيعي وهو يعتقد أن هذا الدين ملزم مدنيا , فيجوز له في هذه الحالة أن يطلب إبطال التعهد نظرا للغلط في القانون الواقع هنا , في صفة جوهرية في الشيء.
*أن يهب رجل لمطلقته مالا , وهو يعتقد أنه إستردها لعصمته , جاهلا أن الطلاق الرجعي ينقلب بائنا بإنتهاء العدة , فلا ترجع الى عصمته إلا بعقد جديد , فيجوز له أن يطلب إبطال الهبة نظرا للغلط في القانون المنصب هنا على شخص المتعاقد.
*أن يبيع وارث حصته في التركة و هو يحسب أنه يرث الربع فإذا به يرث النصف, فيجوز له في هذه الحالة أن يطلب إبطال البيع نظرا للغلط في القانون الذي وقع في القيمة.
02 - مناقشة هذا الإستثناء: نرى مع بعض الفقهاء عدم التسليم بهذا الإستثناء , لأن إبطال العقد لغلط في القانون ليس فيه خروج على مبدأ عدم جواز الإعتذار بجهل القانون , بل هو وسيلة لتدعيمه فمن يطلب إبطال العقد لوقوعه في غلط في القانون لايقصد التهرب من أحكام القانون التي وقع الغلط فيها , بل إنه في الحقيقة يطالب بتطبيق هذه الأحكام , فالوارث الذي يجهل قواعد الميراث ويقع في غلط في قدر الحصة التي تفرضها له , ثم يطلب إبطال عقد البيع الذي أبرمه تحت تأثير هذا الغلط , لايمنع الحكم له بإبطال البيع من خضوعه لقواعد الميراث التي كان يجهلها , بل تظل سارية في حقه , فيحصل على نصف التركة لاربعها , ولولا إنطباق هذه الأحكام لما جاز لهذا الوارث طلب إبطال العقد.


المطلب الثالث:
الجهل بتشريع غير جنائي يتوقف عليه تقرير المسؤولية الجنائية:
01 - مضمون هذا الإستثناء: إذا كان الجهل بأحكام تقنين العقوبات لايؤدي إلى إعفاء مرتكب الجريمة من مسؤوليته الكاملة عند إرتكابها فإن الجهل بأحكام تقنين آخر , كالتقنين المدني يأخذ حكم الجهل بالواقع , ويؤدي إلى نفي القصد الجنائي ورفع المسؤولية الجنائية عن الفاعل الذي كان يعتقد أنة ياتى فعلا مشروعا , وهذا معناه أن مبدأعدم جواز الإعتذار بجهل القانون لايمتد تطبيقه إلى الجهل بالتشريعات غير الجنائية , إذ أن الجهل بهذه التشريعات الآخيرة يصلح عذرا يمنع من العقاب لإنتفاء القصد , وفد نصت المادة223من تقنين العقوبات اللبناني صراحة على هذا الإستثناء إذ قضت بما يلي لايمكن أحد أن يحتج بجهله الشريعة الجزائية أو تأويله إياها تأويلا مغلوطا فيه , غير أنه يعد مانعا للعقاب:/1الجهل أو الغلط الوافع على شريعة مدنية أو إدارية يتوقف عليها فرض العقوبات).
ويلاحظ أن القضاء الجنائي الفرنسي إتجه إلى أن جهل المتهم بقاعدة تشريعية غير جنائية تؤسس عليها العقوبة يصلح عذرا له , فيرفع عنه المسؤولية الجنائية , فقضى ببراءة عامل من تهمة السرقة لإنتفاء القصد الجنائي لديه , وكان قد إستولى على الكنز الذي عثر عليه في أرض مملوكة للغير بأكمله جاهلا قواعد التقنين المدني التي تجعل له نصفه فقط ,وتجعل النصف الآخر لمالك العقار , وقد حذت محكمة النقض المصرية حذو هذا الإتجاه فقضت في أحد أحكامها بأنه ( من المقرر أن الجهل بأحكام أو قواعد قانون آخر غير قانون العقوبات أو الخطأ فيها يجعل الفعل المرتكب غيرمؤثم).
02 - مناقشة هذا الإستثناء: نرى مع جانب من الفقه أن إرتفاع المسؤولية الجنائية في هذه الحالة إستثناء في الظاهر فقط, ولايمثل خروجا على مبدأ عدم جواز الاعتذار بجهل القانون, وذلك لإعتبارين:
*إن الحكم ببراءة المتهم وإرتفاع المسؤولية الجنائية عنه ليس من شأنه أن يمنع تطبيق القاعدة الواردة في التقنين المدني التي ثبت جهل المتهم بها , بل تظل سارية بحقه ومطبقة عليه , بحيث لاينفرد مكتشف الكنز المشار إليه في الحكم السابق بملكية الكنز , بل إن الملكية تكون مناصفة مع مالك الأرض.
*إن إعفاء الشخص من المسؤولية الجنائية ليس أساسه الجهل بالقاعدة المدنية مثلا , بل إنه نتيجة لإنتفاء القصد الجنائي عنده , ذلك أن القصد الجنائي لايتحققفي هذه الحالة إلا بالعلم بحكم قاعدة قانونية غير جنائية , ومادام المتهم هنا يجهل حكم هذه القاعدة , فقد إنتفى القصد الجنائي عنده , وهو أحد أركان قيام الجريمة , فترفع عنه المسؤولية الجنائية تبعا لذلك.






المطلب الرابع:
جهل الأجنبي بأحكام تقنين العقوبات للدولة التي نزل بها منذ مدة وجيزة
( الإستثناء المنطقي والعملي الوحيد)
نص تقنين العقوبات في بعض الدول على هذا الإستثناء , فقد جاء في المادة2/37 من تقنين العقوبات العراقي مايليللمحكمة أن تعفو من العقاب الأجنبي الذي يرتكب جريمة خلال سبعة أيام على الأكثر تمضي من تاريخ قدومه الى العراق , إذا ثبت جهله بالقانون وكان قانون محل إقامته لايعاقب عليها).
كما جاء في المادة223 من تقنين العقوبات اللبناني مايلي(لايمكن أحد أن يحتج بجهله الشريعة الجزائية أو تأويله إياها تأويلا مغلوطا فيه , غير أنه يعد مانعا من العقاب:3/جهل الأجنبي الذي قدم لبنان منذ ثلاثة أيام على الأكثر بوجود جريمة مخالفة للقوانين الوضعية لاتعاقب عليها شرائع بلده أو شرائع البلاد التي كان مقيما فيها).
يتضح من هذين النصين أن هذا الإستثناء يتعلق بحالة الأجنبي الذي لم يمضي على قدومه إلى دولة غير دولته إلا أيام قلائل , ويرتكب في خلال هذه الفترة فعلا يجهل أنه جريمة وفقا لتشريع هذه الدولة , فيصلح هذا الجهل عذرا يرفع عنه العقوبة وذلك بتحقق شرطين:
الأول/ أن يكون الفعل الذي إرتكبه غير معاقب عليه وفقا لتقنين العقوبات في بلده وفي البلاد التي كان مقيما فيها , فإذا كان معاقبا عليه في أين منهما تعين عليه حينئذ أن يعلم بإحتمال تجريمه في الدولة الأجنبية التي نزل بها , فلا تعطى له فرصة التعلل بالجهل بالقانون .
الثاني/ أن يكون الفعل المكون للجريمة قد تم في خلال المدة التي حددها النص من
تاريخ وصوله الى الدولة الأجنبية , فإذا إنقضت هذه المدة لم يعد يقبل منه إحتجاجه
بجهله بقانون هذه الدولة.
ونرى أن هذا الإستثناء الآخير هو الإستثناء المنطقي والعملي الوحيد الذي ينهض عذرا
يبيح للشخص أن يتعلل بجهله القانون.

















خـاتـمة
* خاتمة............................................. .........................44
* قائمة المراجع المعتمدة.......................................... .............45


















-خــاتــمة-

من خلال تعرضنا في هذا العمل المتواضع , إلى نطاق تطبيق القانون على الأشخاص , نتمنى أن يكون جهدنا مفتاحا ومدخلا لكتابات آخرى تخص هذا الجانب المهم في دراسة القانون , فمهما كان إجتهادنا , فلابد أن يعتريه النقص ... وتلك طبيعة البشر.
وقد إنتهينا إلى أن الإنسان بحاجة إلى قواعد تنظم علاقته بربه وعلاقته بنفسه , وعلاقته بغيره من الناس , وأن هذه القواعد يستمدها من الدين , أو من أوامر الحكام , أو من عرف الناس وآدابهم.
وفي العالم الإسلامي , نجد أن الدين السائد هوالإسلام , والإسلام عقيدة وشريعة , وقد تضمنت شريعة الإسلام قواعد عامة , وقواعد تفصيلية لسلوك الإنسان , على نحو شامل , لامثيل له في الشرائع الدينية الآخرى , ومن خلال التعاريف التي أبرزناها للقانون , حاولنا إظهار الشائع منها حيث أن هذا التعريف لفظ قانون ليس لفظا عربيا ,وقد استعمل في اللغة العربية بمعنى الاصل , فقانون الشيىء اصله ,كما استعمل بمعنى المقياس, فقانون الشيء مقياسه,وبهذا المعنى استعمل في العلوم الطبيعي , فيقال قانون الجاذبية الأرضية أي مقياس ذلك , وهوعلى هذا يعبر عن أمر إستقام على وتيرة واحدة ونظام ثابت معين , وعند اليونان (كانونkanun ) بمعنى العصى المستقيمة ويستخدم هذا اللفظ مجازا للتعبير عن القاعدة والقدوة والمبدأ , ومن الجائز أن تكون كلمة القانون عربت عن هذا الأصل اليونانية الى اللغة اللاتينية , كما بينا الأشخاص المخاطبين بحكم القانون , وهم الأشخاص الطبيعيون والأشخاص الإعتباريون , مع تبيان الخصائص المكونة لهم وذممهم المالية , وخلصنا إلى نطاق تطبيق القانون عليهم , وتطرقنا بشيء من التفصيل إلى مبدأ عدم جواز الإعتذار بجهل القانون , عرفنا أن القواعد القانونية تعددت مصادرها الرسمية من تشريع, ومبادىء الشريعة والعرف, وقد يوحي المصطلح المستعمل في اللغة الفرنسيةnul n.est cense ignorer la loi أن مجال هذا المبدأ يقتصر على التشريع دون سواه من المصادر الآخرى , والحال أن المبدأ المذكور , يمتد لمبادىء الشريعة الإسلامية والعرف أيضا , كما بينا أهم الإستثناءات التي وردت على هذا المبدأ, وهي القوة القاهرة , الغلط, الجهل بتشريع غير جنائي يتوقف عليه تقرير المسؤولية الجنائية , جهل الأجنبي بأحكام الدولة التي نزل بها, وناقشنا هذه الإستثناءات.
وفي خاتمة هذا العمل نختم بالحكمة القائلة : (لايكتب إنسان كتابا في يومه , إلا قال في غده , لوغير هذا لكان أحسن , ولو زيد كذا لكان يستحسن , ولو ترك هذا لكان أفضل ,وهذا من أعظم العبر , وهو دليل على إستيلاء النقص على جملة البشر)




قائمة المراجع
-د. محمد سعيد جعفور/مدخل الى العلوم القانونية = الوجيز في نظرية القانون=
طبعة2004 دار هومة- طبعة2004
-د.عبد الناصر توفيق العطار /مدخل لدراسة القانون وتطبيق الشريعة الاسلامية
مطبعة السعادة مصر .دون تاريخ
-د. عمار بوضياف / المدخل للعلوم القانونية . دار ريحانة / ط.2000

- محمد محي الدين , مـحاضرات في القـانون الدولي العام / ط.ديوان المطبوعات الجامعية 1987
- الدكتورة/هجيرة دنوني, موجز المدخل للقانون الجزائر. منشورات دحلب
- د. ابراهيم الخليلي. المدخل الى العلوم القانونية .ط.ديوان المطبوعات الجامعي