منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب - عرض مشاركة واحدة - المسؤولية المدنية
عرض مشاركة واحدة
قديم 2011-04-16, 15:01   رقم المشاركة : 2
معلومات العضو
yacine414
عضو مميّز
 
إحصائية العضو










B10 تابع

الفصل الثاني: المسؤولية التقصيرية وموانعها.
المبحث الأول: تعريفها وأركانها.
المطلب الأول: تعريف المسؤولية التقصيرية.
تقوم المسؤولية التقصيرية بالاستناد لفعل شخصي يحدث ضررا للغير. يتصف هذا الفعل بصفة الخطأ بينما يكون الضرر ماديا أو معنويا يلحق بالإنسان أو بأمواله، ولابد من قيام الصلة السببية بين الضرر والخطأ حتى تقوم مسؤولية المتسبب به فيترتب عليه موجب التعويض . ويبقى الفعل الضار جرما مدنيا أو شبه جرم إذا لم يتوفر نص جرائي مجرم له، إلا أنه في الحالتين يرتب على من تسبب به موجب التعويض على المتضرر، فيمارس هذا الأخير دعواه، إما مباشرة أمام القضاء المدني وإما ينضم إلى دعوة الحق العام أمام المرجع الجزائي على ما يترتب على ذلك من نتائج إلا أنه في الحالتين تحكم نفس المبادئ موجب التعويض وبالفعل نصت المادة 138 من قانون العقوبات الجزائري على أن كل جريمة تلحق بالغير ضررا ماديا كان أو معنويا تلزم الفاعل بالتعويض. كما أقرت المادة 145 قانون العقوبات إمكانية تطبيق المادة 388 م وع في طريقة أداء العطل والضرر والنفقات أقساطا في حال رأت المحكمة الجزائية ذلك بالنظر لوضع المحكوم عليه المالي أي إذا لم يكن بمقدوره دفع التعويض والنفقات دفعة واحدة. واعتبر المشرع الجزائري اعتبار كل من عديم التمييز الذي أحدث ضررا للغير وضحيته لتقرير تعويض عادل في حال لم يستطع المتضرر الحصول على التعويض ممن أنيط به أمر المحافظة عليه مما يضفي الطابع الإنساني والاجتماعي على هذا الالتزام بالتعويض (المادة 122 الفقرة الأخيرة). وبما أن المادة 128 قانون عقوبات لاحظت التعويض عن الأضرار المادية والمعنوية فإنه يعود للقاضي تطبيق المادة 134 وما يليها من قانون الموجبات والعقود.
عرفت المادة 121 م وع الجرم المدني بأنه عمل مضر بمصلحة الغير عن قصد ودون حق وشبه الجرم عمل ينال من مصلحة الغير دون حق، ولكن عن غير قصد.
الضرر المشروع وغير المشروع: الملاحظ أن النص باشتراطه أن يكون الضرر قد حصل للغير دون حق يكون ضمنا قد لحظ إمكانية حصول ضررا للغير كنتيجة لممارسة من صدر عنه الحق دون تجاوز، مما يعني أن هناك أضرار تلحق بالغير بصورة طبيعية أثناء ممارسة حق بصورة مشروعة ولا يلزم من صدرت عنه بالتعويض على المتضرر منها لأنها من سياق الأمور العادية في حياة المجتمع كمن يحفر بئرا في أرضه فتنساب مياه جاره لهذا البئر، ولم يكن صاحب البئر يبغي الأضرار بجاره وكذلك وضع التاجر الذي يزاحم آخرين بصورة مشروعة بأن يخفض أسعاره مما يلحق الضرر بهم دون أن يكون قد أراد ذلك، بل مارس حرية التجارة والمزاحمة وهو حق له. وكذلك وضع الملاكم الذي يحدث ضررا للملاكم الآخر دون تجاوز أصول اللعب. في كل هذه الأحوال فيها تلك الناجمة عن محاذر الجوار في حال لم تتعدى الحد المعقول والمتسامح به يكون ضررا مشروعا لأنه مرافق لنشاط المشروع .
والغاية من إقامة المسؤولية التقصيرية المدنية التعويض على المتضرر من الأضرار التي لحقت به شرط حصول هذه الأضرار بسبب تصرف خاطئ صادر عن أحد الناس ومرتبطة سببيا به، ولكن لم يكن من مانع قانوني لقيام هذه المسؤولية.


المطلب الثاني: أركانها.
1) الضرر: يوجد نوعين من الضرر، الضرر المادي والضرر المعنوي.
أ‌. الضرر المادي: يمس بمصالح مالية داخلة ضمن الذمة المالية للمتضرر فينقص منها أو بعدمها، كما يمس بالممتلكات فيتلفها أو يعطيها إما إذا مس بسلامة الإنسان في حياته أو جسده فيعتبر إذاءا للشخص المتعدى عليه. وبصورة عامة يشكل الضرر تعديا على حق من حقوق الإنسان في سلامة نفسه وممتلكاته فينقص منها أو يتلفها أو يحول دون مالكها واستعمالها أو استثمارها.
يكفي أن يقوم الإثبات على تحقق هذا الضرر وعلى صلته السببية فالفعل الخاطئ حتى لزم من صدر عنه بالتعويض، فيكون التعويض عينا بالرد أو برفع اليد المغتصبة أو بإصلاح التلف إما بدفع تعويض من النقود يوازي فيه الشيء أو يمكن المتضرر من إصلاح الضرر.
أما إذا كان الضرر جسديا فيمكنه التعويض من معالجة ما أصابه من أذى ودفع النفقات اللازمة، كذلك تأمين سبل معيشته وحياته فيما إذا أصيب بعطل في قواه الجسدية. أما إذا حصلت الوفاة فإن التعويض يصبح من حق الورثة كل حسب نصيبه في التركة إذ أن الحق بالتعويض يكون قد دخل في ذمة مورثتهم المالية فانتقل إلى الورثة مع انتقال هذه الذمة دون أن يمنع عليهم المطالبة بالأضرار التي لحقت بهم من جراء الوفاة ذاتها.
فالضرر المادي يمكن أن يلتقي مع الضرر الجسدي ليؤلف موضوع التعويض عنهما فالشخص الذي يصاب بعاهة مستديمة أو بمرض عابر أو مستديم يشكو ضررا جسديا وضررا ماديا بالنظر لما يتطلبه من علاج ونفقات الطبيب والدواء وانقطاع دائم أو مؤقت عن العمل يضاف إلى ذلك الضرر المعنوي الذي يصيبه في نفسه من جراء آلامه الجسدية والنفسية أو التشويه الذي يمكن أن يكون قد حصل له من جراء إصابته أو تعطيل عمل أحد أعضائه مع ما يستبيح ذلك من حرمانه من التمتع بنشاطات مهنية أو ترفيهية أي ما يعبر عنه بمتع الحياة وهي حق لكل إنسان فيما وهبه الله عز وجل من مواهب شتى.
ب‌. الضرر المعنوي: أثارت هذه المسألة نقاش استمر زمنا بين الفقهاء فكان البعض مؤيدا والبعض الآخر معارضا، وكل يقدم حججه وأهمها:
أن هذا الضرر لا يقاس بالنقود ولا يمكن للنقود أن تزيله من النفس بينما يرى البعض بأن التعويض لا يمنح للمتضرر لإزالة الضرر ولكن كوسيلة إرضاء للنفس تجعله يتحمل أمامه بتوظيف المال بما يعود عليه بالنفع فإذا تمكن التعويض من تحقيق المنفعة المبتغاة يكون الضرر المعنوي قد عوض عنه وقد تأثر الاجتهاد بالآراء الفقهية المتباينة فما لا اجتهاد مجلس الشورى الفرنسي في بادئ الأمر إلى استبعاد التعويض عن الضرر المعنوي لعدم استطاعة تقديره بالنقود ولأنه لا يشكل ضررا قابلا للتعويض ، إلا أنه عاد وأقر بموجب التعويض عن الضرر المعنوي .
واستمر اجتهاد المحاكم في هذا الاتجاه إلى يومنا هذا وإن لم يكن الضرر المعنوي مرافقا للضرر المادي، كما هو الحال في الإحساس بالآلام اتجاه القريب أصيب بالأذى وكانت أوامر العاطفة تربط المدعي بالضحية .
إلا أن الضرر المعنوي وإن اختلف التعبير عنه صيغة، فإن مضمونه كان مسلما به إجمالا ويمكن التعريف به بأنه الأذى الذي يلحق بماديات الإنسان فيمس بمشاعره وأحاسيسه أو بنفسه أو بمكانته العائلية أو المهنية أو الاجتماعية محدثا له الألم النفسي.
فالضرر المعنوي هو إما الألم بذاته الناتج بتلك المشاعر من جراء عمل غير محق يأتيه الفاعل هذه الصيغة تقارن تلك التي اعتمدها مجلس الشورى الفرنسي في قرار مبدئي صدر عنه إذ عبر عن الضرر المعنوي بأنه الاضطراب في ظروف الحياة وقد أيد ذلك الفقه .
ويشمل الضرر المعنوي أيضا الضرر الماس بالحقوق المعنوية للإنسان أي بالحقوق الملاسقة لشخصيته لحقه في حرية القول والفعل وحقه في خصوصياته ومكانته الاجتماعية وحقوقه الأدبية وبالتالي فإن كل انتقاض أو تعطيل لهذه الحقوق والمواهب يشكل ضررا معنويا قابل للتعويض على أن يحدد المتضرر نوع التعويض الذي يطالب به حتى إذا كان مشروعا استجاب القاضي لمطلبه وإلا ألبسه الشكل أكثر موافقة لمصلحة المتضرر كالنشر في الصحف مثلا (المادة 136 م وع).
ويجب أن تتوفر المواصفات التالية في هذا الضرر:
- أن يكون أكيدا وحالا.
- أن يكون مباشرا.
- أن يكون شخصيا.
- أن يتصل بسببيا بالفعل الخاطئ.
- أن يكون قابلا للتعويض عيبا أو نقدا.
2) الخطأ: في المجتمعات البدائية لم يكن من محلا للخطأ كأساس لمسؤولية الفرد عن الأضرار التي يحدثها للغير فكان الفرد منصهرا في جماعته وكانت عواقب تصرفاته وأفعاله لا ترشد عليه فقط بل غالبا ما كانت تتجاوزه فتقوم مسؤولية الجماعة بالتضامن معه .
ولم تكن ذاتية الشخص لتنفصل عن جماعته إلى أن تحرر الفرد من العصبية القبلية نتيجة تطور مفاهيمه الحضرية وبروز شخصيته واستقلالها.
إن جذور الخطأ الشخصي هو جذور دينية أخلاقية مستنبطة من الديانات السماوية وقد ترسخت مفاهيم الثواب والعقاب وهي مفاهيم ملازمة للمسؤولية الشخصية بحيث يتحمل كل إنسان نتيجة أفعاله والآيات القرآنية جاءت لترسخ أركان المسؤولية الشخصية عن الأعمال التي يأتيها فتقرأ في سورة النجم (الآية 38-39) قال تعالى: ﴿أن لا تزل وازرة وزر أخرى (38) وأن ليس للإنسان إلا ما سعى﴾ . وكذلك في سورة فصلت الآية 46، قال تعالى: ﴿من عمل صالحا فلنفسه ومن أساء فعليها وما ربك بظلام للعبيد﴾ . وفي سورة النساء الآية 123، قال تعالى: ﴿من يعمل سوءا يجزى به﴾ .
هكذا ترسخت فكرة الخطأ كأساس للمسؤولية ودون تمييز بين خطأ جزائي وخطأ مدني إلى أن أبرزت اتجاهات فقهية جديدة تميز بين نوعي الخطأ معتبرة أن هنالك تولد موجب التعويض دون أن تستتبع حتما عقابا أو جزاءا.
كما برزت درجات في الخطأ الموجب بالتعويض وتمييز بين الخطأ القصدي والخطأ غير القصدي، وتترسخ فكرة المسؤولية المبنية على الخطأ الشخصي انصرف الاهتمام إلى تحديد وسائل إثبات الخطأ وإقامة الصلة السببية بين الخطأ والضرر.
ويمكن تعريف الخطأ بأنه الفعل القصدي أو غير القصدي الذي يسبب ضررا غير مشروع للغير مرتبا على من صدر عنه موجب التعويض إذا كان مميزا فالسبب بالضرر غير المشروع هو الخطأ بذاته فيكون الفعل قصديا عندما يعمد من صدر عنه إلى إحداث ضررا للغير وهذا يتطلب إرادة إحداث الضرر كمن يعتدي على ملك الغير أو على جسده أو سلامته فقد أراد الفاعل النتيجة الضارة من وراء فعله وعمل على تحقيقها. وهذا العمل يمكن أن يحصل بفعل إيجابي أو بفعل سلبي بأن يمتنع عن القيام بموجب مفروض عليه قانونا أو اتفاقا (مسؤولية عقدية) بغية إحداث الضرر لدى الغير ودون وجه حق أي دون مبررا شرعي يجيزه القانون.
وتقوم المسؤولية التقصيرية أيضا على خطأ قد أحدث ضررا غير مشروع للغير وهذا الضرر لا يستوجب التعويض، وقد حصل نقاش حول مفهوم هذا الضرر وقد جاء في النص الفرنسي في المادتين 121-122 أنه الضرر غير المحقق فالضرر غير المشروع وغير المحقق هو الذي لا سند في القانون فيكون نتيجة تعدي على حقوق الغير.
3) الصلة السببية: كي يلزم من صدر عنه حق بالتعويض عن الأضرار التي أحدثها للغير يجب أن تكون هذه الأضرار سببيا بخطئه، وجوب توفر هذه الصلة لها مبرر قانوني بأن يسأل الإنسان عن الأضرار التي يحدثها للغير وله مبرر إنساني بأن لا يسأل الإنسان إلا عن تلك الأضرار دون سواها والتي يمكن أن تحدث بمعرض فعله الخاطئ وبصورة لاحقة دون أن تكون نتيجة مباشرة له.
فيكون الفعل الخاطئ في هذه الحالة مجرد طرف من بين الظروف التي تتواجد أحيانا بمحض الصدفة.
فإقامة المسؤولية المدنية إذا كانت ترمي أصلا إلى التعويض عن الضرر إلا أنه يجب أن تكون متوافقة مع روح التشريع الذي يأتي أن يتحمل غير المذنب نتائج عمل لمن يصدر عنه أو حدث نتيجة الأسباب مستقلة عن فعله فالاهتمام بالتعويض عن المتضرر وإن كان اهتماما مشروعا إلا أنه يجب أن لا يتجاوز حدود العدالة ومفهوم الرجل العادل للمسؤولية فلا توسع حلقة السببية كي تستوعب ضمنها أفعالا بعيدة عن المجرى الطبيعي للأمور لا لسبب إلا التأمين موجب التعويض على المتضرر والملاحظ أن طرح الصلة السببية كركن ثالث للمسؤولية التقصيرية يتصل بصورة لازمة بموضوع الضرر المباشر وغير المباشر، وبرزت في الفقه المدني نظريتان مختلفتان الأولى عرفت بنظرية تعادل الأسباب والثانية بنظرية السبب الملائم وقد تفرعت عنها نظرية السبب المباشر بنظرية السبب المنتج .
يقتضي الملاحظة أن مسألة السببية هي ذاتها من حيث مفهومها ومضمونها فالغاية القصوى في إقامة الصلة المادية بين فعل معين والنتائج الحاصلة من جرائه إما بسببه مباشرة وإما نتيجة تضافر أسباب أخرى سابقة.
نظرية تعادل الأسباب: إن هذه الأسباب تتعادل في إحداث النتيجة النهائية التي يسأل عنها الفاعل الأصلي لأنه فعله كان سببا لها أو أنها حصلت بسببه ولم يكن لها أن تحدث لولا الفعل الأصل ومن الأمثلة: لولا استعمال الشخص للنار بقرب من سياج البستان لما شب الحريق وقضى على سكان المنزل المجاور ولولا التهديد بالمسدس لما حصل الخوف المسبب للوفاة.
إن هذه الأسباب تستوي كلها في إحداثها أسباب أخرى في إحداثها ولا مجال للتمييز بين سبب وآخر لتعادلها في إحداث النتيجة.
نظرية السبب الملائم: حسب هذه النظرية السبب الملائم فيه لا يسأل الإنسان إلا عن النتائج التي تحصل عادة عن الفعل الذي أقدم عليه وبالتالي ينظر إلى النتيجة من منظار السبب الذي أحدثها مباشرة.
فيسأل من تسبب بها من دون سواها من النتائج التي حصلت بسبب عوامل أخرى تضافرت في حصولها، فيسأل كل فاعل على نتائج فعله التي وقعت دون سائر النتائج اللاحقة والقادرة بحد ذاتها على إحداثها.
وتتفرع عن هذه النظرية نظرية السبب المباشر ونظرية السبب المنتج واللتان ترتكزان على مساءلة من كان فعله منتجا بصورة مباشرة للنتيجة النهائية موضوع الملاحقة الجزائية وتشترك هاتان النظريتان في إقامة المسؤولية المدنية أيضا على عاتق من تسبب بالضرر للغير فيما إذا كان فعله هو المنتج بصورة مباشرة للضرر المشكو منه والمطلوب التعويض عنه.
كما ظهرت نظريات أخرى هي نظرية السبب الأقرب من النتيجة النهائية لتقييم المسؤولية على عاتق من كان مصدر هذا السبب إلا أن هذه النظرية لم تلقى تجاوبا في الفقه بل استبعدها الحاكم باعتبارها تقلص رابطة السببية فتضعها ضمن حلقة ضيقة.
المبحث الثاني: موانع المسؤولية التقصيرية.
المطلب الأول: انتقاء صفة الخطأ عن الفعل الضار.
إذا أحدث الفعل الضار ضررا للغير ضمن حدود النية واعتبر الضرر مشروعا أي نتيجة طبيعية لممارسة هذا الحق فلا يترتب موجب التعويض عنه على عاتق الفاعل كما أن الفعل ذاته يمكن أن لا يتصف بصفة الخطأ بالنظر إلى طبيعته فيشكل تصرفا عاديا، فلا مسؤولية على من صدر عنه.
مثال: كوضع الدخان الذي تنفثه مداخن المنازل والمصانع ضمن الحدود التي تجيزها أنظمة المحافظة على الصحة العامة فلاشك أن الدخان المنبعث من هذه المداخن أو حتى الغازات المنبعثة من محركات السيارات مضرة لصحة الإنسان لكن لا سبيل لمنع هذه الأضرار سوى بمنع ممارسة الحق ذاته.
مثال 2: إذا شيد المالك بناءا على أرضه ضمن حدود التراجع المفروض قانونا من حق جاره في النور والهواء أو النظر فإن في هذه الحالة يكون قد مارس حقا دون تجاوز فلا مسؤولية عليه لعدم ارتكابه خطأ بالرغم من الضرر الذي ألحقه بجاره ضمن حدود حسن النية في استعماله لحقه مما ينفي عنه نية الأضرار بالغير.


المطلب الثاني: القوة القاهرة.
فهي سبب مانع المسؤولية الوضعية الخاصة بالحيوان أو الجوامد (المادتان 129-131 م وع) أو كمانع للمسؤولية العقدية (المادة 342 م وع)، وتبرير ذلك أن المسؤولية التقصيرية تقوم إما نتيجة لفعل قصدي ضار وإما لنتيجة إهمال وقل إضرار ففي كلتا الحالتين لا محل للتضرع للقوة القاهرة المتمثلة بحدث مفاجئ غير متوقع وغير قابل للدفع فيكفي للمدعى عليه أن يدفع المسؤولية عنه إما بإثباته عدم ارتكابه الفعل القصدي أو عدم قيام الصلة السببية بين فعله والضرر الحاصل وإما بعدم ارتكابه إهمالا. ويختلف الأمر في المسؤولية الوضعية بأن قيام هذه المسؤولية لا يتطلب توفر الخطأ وبالتالي لا تزول بنفيه بل بإثبات القوة القاهرة أو خطأ المتضرر وعلى المدعى عليه إثبات ذلك ولا تختلف بمواصفات القوة القاهرة عن تلك التي صار بيانها في معرض لإعفاء من المسؤولية العقدية فنحيل عليها استكمالا لمواصفاتها. وفي حالة تسبب القوة القاهرة بإحداث الضرر بكامله فلا مسؤولية على المدعى عليه لعدم قيام الصلة السببية بين ما ينسب إليه والضرر الحاصل.
المطلب الثالث: خطأ المتضرر.
يعتبر مانعا من المسؤولية المدنية كونه أحد الأسباب الرئيسية التي يتضرع بها المدعى عليه في دعوى المسؤولية يدفعها عنه أو على الأقل جعل المتضرر يتحمل جزءا من التعويض في حال ارتكب خطأ شارك في حدوث الضرر المشكو منه.
ويعتبر كسبب معف من المسؤولية التقصيرية حسب نص المادة 135 م وع ويستنتج منه الإعفاء التام من المسؤولية التقصيرية عند إقدام المتضرر على ارتكاب خطأ كان السبب الوحيد لحصول الضرر كما نصت المادة 129 م وع أن المسؤولية لا ترفع عن حارس الحيوان إلا إذا أثبت القوة القاهرة أو خطأ المتضرر فالمبدأ المكرس قانونا سواء في مجال المسؤولية التقصيرية أم الوضعية هو أن خطا المتضرر إذا كان السبب الوحيد لحدوث الضرر فمن شأنه أن يحجب مسؤولية أي شخص آخر فيتحمل المخطئ نتائج خطئه ولا مجال لإلقاء المسؤولية على عاتق آخر.
وللخطأ المتضرر مواصفات معينة لهذا الخطأ فيكون خاضعا للمبادئ العامة التي ترعاه أي أن يحصل هذا الخطأ إما قصدا وإما نتيجة لإهمال دون أن يتصف مثلا: بصفة الخطأ غير المتوقع وغير قابل للدفع وهما صفتان ملازمتان للحدث أو الفعل الذي يشكل قوة قاهرة وهناك خلاف قائم بين مواصفات خطا المتضرر، وهل يجب أن يتصف بعدم التوقع وعدم إمكانية دفعه وهي مواصفات القوة القاهرة لأنه يأخذ بأي خطأ ارتكبه المتضرر كمانع للمسؤولية.
وعند ملاحظة القضايا التي عرضت على المحاكم لوجدنا أن خطأ المتضرر يتصف إجمالا بصفة القوة القاهرة المعفية كليا أو جزئيا من المسؤولية بالنظر لعدم توقعه وعدم إمكانية دفعه ومن أمثلة على ذلك:
قيادة الضحية لدراجة ليلا دون إضاءة مما تسبب في حادث صدم مع سيارة فتشكل القوة القاهرة بالنسبة للصادم وكان هذا الخطأ السبب المباشر.
كذلك قفز ولد في الخامسة من عمره إلى الطريق وارتداده المفاجئ، كذلك إقدام رجل في حالة سكر على النوم على الطريق العام مما تسبب بصدمه من قبل سائق سيارة لم يتمكن من تميزه.


الفصل الثالث: المسؤولية عن فعل الغير.
المبحث الأول: مسؤولية المتبوع عن تابعه.
المطلب الأول: في القانون المدني الجزائري.
تعتبر مسؤولية المتبوع عن تابعه أشد أنواع المسؤولية، إذ بينما المسؤول مسؤولية شخصية يفترض انه غير مخطئ حتى يثبت المضرور خطأ ضده، وبينما المسؤول عن حراسة الحيوان أو عن حراسة الأشياء غير الحية يستطيع. كما سوف نرى أن يتخلص من مسؤوليته بنفي علاقة السببية، والمسؤول عن تهدم البناء يستطيع كذلك أن ينفي عن نفسه المسؤولية بنفي علاقة السببية فإن مسؤولية المتبوع عن تابعه غير قابلة للنفي بتاتا سواء في القانون المدني الجزائري أو في أغلب القوانين العربية الأخرى أو في القانون الفرنسي والقوانين التي حدت حذوه، فليس للمتبوع أن يتخلص من مسؤوليته، لا ينفي الخطأ عن نفسه ولا ينفي علاقة السببية بين خطئه وبين الضرر الذي يسببه التابع.
وقد نصت المادة 136 ق م ج على هذه المسؤولية بقولها: "يكون المتبوع مسؤولا عن الضرر الذي يحدثه تابعه بعمله غير المشروع متى كان واقعا منه في حال تأدية وظيفته أو سببها".
"وتقوم علاقة التبعية ولو لم يكن المتبوع حرا في اختيار تابعه حتى كانت له عليه سلطة فعلية في رقابته وتوجيهه".
ومن هذا هناك أمثلة دالة عن هذه المسؤولية عن فعل الغير وكذا مسؤولية المتبوع عن تابعه ومنها.
• الجندي في الجيش يعتبر تابعا لوزارة الدفاع.
• بواب العمارة le concierge لا يعتبر تابعا لسكان العمارة ولو كان يتقاضى منهم أجرا مقابل خدمات صغيرة، ولكنه تابع لمالك العمارة بحيث يسأل عن الأضرار التي يحدثها للسكان أو للغير، ويسأل عن السرقات التي تقع على السكان بإهمال من البواب.
المطلب الثاني: شروط مسؤولية التابع عن تابعه.
الشرط الأول:
أن يصيب التابع الغير بضرر: إذا كان التابع قد ارتكب الفعل الضار بواسطة شيء يستعمله لحساب المتبوع، فإن للمضرور أن يرجع على التابع دون أن يكون بحاجة إلى إثبات خطأ منه إذ تعتبر مسؤوليته مفترضة هنا، ويعتبر المتبوع هو الحارس الأصلي للشيء، ويكون للمضرور أن يرجع عليه إما كحارس أصلي وإما كمتبوع، ولكن تقتضي مصلحته أن يرجع على المتبوع كمتبوع لا كحارس حتى لا يستطيع أن يتخلص من مسؤوليته.
وقد تنتقل حراسة الشيء إلى التابع فيكون هو حارسه الأصلي، كما إذا استولى على سيارة متبوعة دون علمه واستعملها لأغراضه الخاصة، أو كانت له سيارة خاصة يؤدي بها وظيفته كتابع، فيكون حينئذ هو الحارس الأصلي للشيء بما أن له عليه سلطة الرقابة والاستعمال والتسيير، فإذا ارتكب حادثا ضار بهذه السيارة فإنه يكون هو المسؤول عن التعويض عنه.
الشرط الثاني:
مسؤولية المتبوع: هو أن يتركب التابع الفعل الضار حال تأدية وظيفته أو بسببها. لذا نعتقد أن الطريق السوي هو ما ورد في النصوص القانونية فلا يسأل المتبوع إلا إذا كان التابع قد ارتكب الفعل الضار حال تأدية وظيفته فعلا وأن تكون الوظيفة هي السبب الرئيسي لارتكابه بحيث لولاها ما استطاع أن يرتكبه ومسؤولية المتبوع تبعية لمسؤولية التابع ومفترضة لمصلحة المضرور وحده ويكون لهذا الأخير أن يرجع على المتبوع مباشرة إذا أثبت مسؤولية التابع، كما يمكن أن يطالبهما معا بالتضامن بينهما وإذا رجع على التابع وحده فلهذا الأخير أن يتخلص من مسؤوليته إذا استطاع أن ينفي الخطأ وعلاقة السببية بين فعله الشخصي وضرر المضرور.
المطلب الثالث: تقدير المسؤوليتين (التابع والمتبوع).
يعتبران ظرفا مشددا لأن المتبوع يعتبر سيدا على المتبوع وهو الذي يختار أتباعه ويصدر إليهم الأوامر، ففي القانون الفرنسي أساس هذه المسؤولية هو فكرة الخطأ في الاختيار أو الرقابة. وقد تأثر الفقه الفرنسي القديم بنظام الرق ونظام الطبقات، طبقة النبلاء، طبقة الخدم والعبيد وكانت للطبقات الكادحة دور كبير في قيامها وبرزت روح العداء بين هذه الطبقات لذا تم تقنين القانون الفرنسي، ففي الفقرة 05 من المادة 1384 تتكلم على السادة إلى جانب المتبوعين وعن الخدم إلى جانب التابعين ورأى تقنين نابليون أن يشدد من مسؤولية هؤلاء وأصبحت هذه المسؤولية لا تلائم عصرنا الحالي بسبب تمتع الإنسان شخصية قانونية مستقلة ولهذا شددت مسؤولية المتبوع عن تابعه لذا يجب تعديل أحكام مسؤولية المتبوع عن تابعه بحيث تقتصر على الأشخاص الاعتبارية سواء كانت الدولة أو الهيآت المحلية أو المشاريع التجارية الكبرى فتكون مسؤولة عن أعمال مستخدميها مسؤولية المتبوع عن أعمال تابعيه على أن تلغى مسؤولية الأفراد عن غيرهم كمتبوعين وتابعين.





المبحث الثاني: المسؤولية عن الأشياء الغير حية.
المطلب الأول: ماهية المسؤولية عن الأشياء غير الحية.
لقد أصبحت هذه المسؤولية اليوم مستقلة تمام عن المسؤولية عن الأفعال الشخصية، لا تقوم على فكرة الخطأ بل تفترض بمجرد إحداث شيء غير حي ضررا لذا يجب أن نبحث عن عناصرها وسوف نجد أنها تطورت هي الأخرى على يد القضاء الفرنسي والذي تبعه القانون المدني الجزائري في نهاية مراحله ومن عناصره نذكر:
عناصرها:
تنص المادة 138/01 على هذه العناصر: "كل من تولى حراسة شيء وكانت عليه سلطة الاستعمال والتسيير والرقابة يعتبر مسؤولا عن الضرر الذي يحدثه ذلك الشيء". من هذا النص نستظهر عناصر هذه المسؤولية والمتمثلة في:
1. الشيء: والمقصود به هذا النص هو كل شيء غير حي فيما عدى البناء الذي يتهدم وإذن فيخرج من نطاق الشيء هنا، بالإضافة إلى الحيوان فما عدى هذين الشيئين يصدق الشيء على كل شيء منقولا أو عقارا صغيرا أو كبيرا جامدا أو سائلا، وقد انتقد الفقه الفرنسي هذا القضاء بانتقادين:
الأول: هو أن نص الفقرة الأولى المادة 1384 ورد عاما حين نص على "الأشياء" تشمل العقار والمنقول على السواء.
الثاني: هو أن القضاء طبق حكم المادة 1385 الخاص بالحيوان بأنواعه.
كما تطور القضاء الفرنسي بصدد طبيعة الشيء المادية والصفات التي يجب أن تتوفر فيه يحدث ضررا بنص المادة 1384 ومطالبة المضرور بإثبات العيب والرجوع إلى فكرة إثبات خطأ المسؤول، وقد انتقد هذا الاتجاه بضرورة إثبات العيب بانتقادين:
الأول: هو أن نص المادة السابقة الذكر جاء عاما مطلقا ولم يميز بين الأشياء المعيبة والأشياء غير المعيبة.
الثاني: هو مطالبة المضرور بإثبات عيب في الشيء الذي تسبب في ضرره إرهاقا شديدا له لاسيما إذا كان العيب فنيا يحتاج إلى اكتشافه فحص خبير ويكون مقتضى تكليف المضرور عن العبء بإثبات الخطأ عن المضرور لذا طلب القضاء الفرنسي بإثبات عيب في الشيء الذي سبب الضرر.
2. حراسة الشيء: وهو أن يكون الشيء الذي سبب ضرر في حراسة شخص لن المسؤولية تكون منوطة بحراسة الشيء لا بالشيء نفسه والغالب أن يكون الحارس هو مالك الشيء وقد تطورت هي الأخرى، أما إذا لم تكن الأشياء مملوكة لأحد فإنها لا تكون في حراسة أحد وبالتالي فإذا سببت ضررا فلا يسأل عنه أحد بالأشجار مثلا: غير مملوكة لأحد وأكوام الرمال في الصحراء ومياه الأمطار إذا سببت ضررا لا يسأل عن ضررها أحد الذي سوف نتطرق لمعنى الحراسة حسب محكمة النقض الفرنسية في 13-02-1930 اقتصر حكمها على ربط المسؤولية بالحراسة دون أن يبين المراد بها وقد اختلف في تحديد معناها ففي بادئ الأمر يقصد بها حراسة قانونية فلا تعتبر حارسا لشيء إلا من كان له عليه حق يحميه القانون سواء حق عيني أو حق شخصي وقد استند هذا الرأي لنص المادتين 1385-1386 اللتين تتكلمان عن مالك الحيوان وعن مالك البناء ويعتبر المالك هنا هو الحارس حتى يثبت أنه نقل الحق إلى شخص آخر لمستأجر أو لمستعير أو المرتهن حيازيا ولا عبرة بالحيازة المادية للشيء لأنها لا تستند إلى حق، فمالك الحيوان مسؤول عن ما يحدثه الحيوان من ضرر ولوقوع الحادث الضار منه في الوقت الذي ظل فيه الحيوان أو هرب، أي حتى ولو لم تكن للمالك أي سيطرة على الحيوان حين يحدث ضررا، ولفكرة الحراسة القانونية بعض المزايا:
فهي توفر للمضرور ضمان الحصول على التعويض من مالك الشيء إذ هو معروف له ويكون في الغالب موسرا أو مؤمنا لدى شركات التأمين عن ما يحدث الشيء من ضرر للغير وإذا أحدث الشيء ضررا بعد أن سرق ولم يعرف المضرور السارق، ضمن المضرور الحصول على التعويض من المال دون أن يتحمل عبء البحث عن من أحدث الضرر. أما الحراسة المادية هي مجرد حيازة للشيء تتيح للحائز السيطرة عليه سيطرة فعلية ولو لم تستند لحق يحميه القانون وبالتالي يكون سارق السيارة وله عليها مثل هذه السيطرة وهو المسؤول عن ما يحدث بها من أضرار وليس مالكها هو المسؤول.
والأصل أن يكون مالك الشيء هو الذي يتمتع بكل هذه السلطات وأنه هو المسؤول عن ما يحدثه من ضرر ولكن هذه قرينة بسيطة يجوز للمالك أن ينفيها بأنه يثبت أنه نقل حراسة الشيء إلى شيء آخر وللمضرور أن يرفع الدعوة عن ما يصيبه من ضرر بفعل شيء ضد مالك هذا الشيء ويعتبر المالك هو المسؤول عن هذا الضرر حتى يثبت أن حراسة الشيء كانت قد انتقلت قبل وقوع الحادث إلى شخص آخر.
المطلب الثاني: المسؤولية عن الحريق وتهدم البناء في ق م ج.
1. المسؤولية عن تهدم البناء في ق م ج:
عرف القانون الروماني هذه المسؤولية وكان يقرر أنه إذا تهدم بناء وسبب ضررا للغير فلمن أصابه الضرر أن يستولي على أنقاض البناء على سبيل التعويض وهذا ما يسمى بنظام الترك العيني، وقد طورت هذه المسؤولية فجعلت للجار المهدد بتهدم بناء يجاوره الحق في أن يطالب مالك البناء المهدد بالسقوط بتقديم كفالة تضمن له الحصول على التعويض إذا تهدم البناء أو أحدث له ضررا.وإذا رفض مالك البناء المهدد بالسقوط تقديم هذه الكفالة كان للجار المهدد الحق في أن يستولي على البناء الذي يهدده وأن يقوم هو بنفسه بإجراء الإصلاحات اللازمة له حتى يزيد خطر تهدمه على أن تكون نفقات هذه الإصلاحات على حساب المالك. وقد انتقلت أحكام هذه المسؤولية من القانون الروماني إلى القانون الفرنسي القديم ولكن هذا القانون لم يأخذ بفكرة الترك العيني ولا بفكرة الاستيلاء على البناء، بل جعل الجار المهدد بتهدم بنا ء مجاور له الحق في توجيه إنذار إلى مالك البناء المهدد أو رفع دعوة أمام القضاء يطالبه بالقيام بإصلاح البناء فإذا لم يقم بإصلاحه كان للجار المهدد أن يطلب إذنا من القضاء يسمح له بالقيام بإجراء الإصلاح اللازم بناءا على تقرير يضعه الخبراء على أن تكون نفقات الإصلاح على عاتق مالك البناء أو أن يؤذن له بهدم البناء المهدد بالتهدم، أما إذا تهدم البناء قبل اتخاذ هذه الإجراءات الوقائية فقد كان على مالكه إما أن يدفع تعويضا نقديا للجار الذي أصيب بضرر من جراء التهدم وإما أن يترك له أنقاض البناء الذي تهدم.
غير أن القانون الفرنسي القديم لم يتناول حكم إجراءات الرقابة التي كانت معروفة في القانون الروماني، وقد نقل القانون المدني الجزائري نفس الحكم في المادة 140/02 ولكنه حذا حذو القانون المدني الفرنسي في جعل مالك البناء دون الحارس هو المسؤول، فنصت هذه الفقرة على ما يلي: "مالك البناء مسؤول عن ما يحدثه البناء من ضرر ولو كان انهداما جزئيا، ما لا يثبت أن الحادث لا يرجع سببه إلى إهمال في الصيانة أو قدما في البناء أو عيب فيه".
ومن هذا النص نستخرج المقصود بالبناء، وبالتهدم ومن هو المسؤول وما مدى مسؤوليته وكيف يتخلص منها.
أ‌. المقصود بالبناء: يراد به هنا كل مجموعة من المواد سواء من الحجارة أو من الخشب أو من الحديد أو من الطين شيدتها يد الإنسان فوق الأرض أو في باطنها واتصلت بالأرض اتصال قرار ويستوي أن يكون البناء قد شيد بقصد سكنى للإنسان أو بقصد إيواء الحيوان أو تربية الدواجن أو كمخزن للحبوب، كما يستوي أن يكون لغير هذا القصد كالجدران والسدود، الأنفاق، وأنابيب المجاري والمياه والغاز.



المطلب الثالث: الأساس القانوني المسؤولية عن فعل الشيء.
تقوم هذه المسؤولية على قرينة خطأ في الحراسة وهذا من منطلقات مختلفة. فالمنطلق الأول مبني على تفسير المادة 131 م وع وما نصت عليه ومآله أن التبعة قائمة: "ولا يكفي أن يثبت الحراس أنه لم يرتكب خطأ". يعني ذلك أن الفعل الضار هو الخطأ بذاته فلا مجال لإثبات عكس ذلك فلو كان الحراس مسيطرا على الشيء ومراقبا له لما أتيح له إحداث الضرر للغير فالفعل الضار هو الخطأ بالذات. هذا التفسير يؤيد الفكرة القائلة بأن المشرع بمنعه إثبات عدم ارتكاب خطأ إنما كان متوافقا مع الواقع. وكي لا يلزم المتضرر بإثبات الخطأ ولا يتاح للحارس إثبات عدم الخطأ كانت القرينة القانونية على الخطأ غير قابلة للفحص بحكم القانون .
أما المنطلق الثاني يبنى على فعل الحراسة ذاته فالحارس يعتبر مسؤولا عن الأضرار التي تحدثها الأشياء الموجودة تحت حراسته لأنه يستعملها ويراقبها فإذا حدث ضرر للغير من جراء فعل الشيء فهذا يعني أن هنالك خطأ إما في استعماله وإما في رقابته لأنه لو أحسن الحارس الاستعمال أو الرقابة لحال دون إحداث الشيء للضرر فالإنسان ملتزم بعدم الإضرار بالغير فيكون قد أخل بهذا الموجب مما يشكل خطأ إلى جانبه ولا يسمح له القانون بإثبات عدم ارتكابه خطأ لأن قرينة الخطأ شاءها المشرع كذلك ولا مجال للاعتراض على مشيئته لأنه يضع النظام القانوني الذي يراه مناسبا لحكم أوضاع معينة آخذا بالاعتبار الأوضاع الإنسانية والاجتماعية فهنا لاشك في أن المشرع بتنظيمه حكم المسؤولية المدنية رمى إلى تعزيز موقع المتضرر اتجاه محدث الضرر بأن مهد له أمامه سبل الاحتكام إلى القضاء والوصول إلى تعويض لأضراره بأسهل السبل لأن المهم وصول المتضرر إلى تعويضه باستناد لسبب قانوني مقبول عدالة وإنصافا.
لاشك في أن المسؤولية عن فعل الشيء التي نصت عليها المادة 131 م وع هي مسؤولية وضعية لا تتطلب من المتضرر إثبات خطأ ارتكبه الحارس حتى تقوم مسؤوليته وعليه إذا أراد التحرر منها إثبات كون القوة القاهرة أو خطأ الضحية هو سبب حصول الضرر.
والمسألة القانونية التي يمكن أن تثار بصورة أولية هي مسألة تحديد الحارس ويعود القاضي الأساس لبحث في كل قضية حول توافر هذه المواصفات لدى المدعي عليه وما إذا كانت الحراسة انتقلت إلى شخص آخر. فالحراسة وإن كانت مبدئيا ملازمة لصفة المالك بالنظر لاستعماله للشيء أو سلطته عليه أو رقابته إلا أنه من الممكن انتقالها لشخص آخر إما بموجب عمل قانوني كعقد البيع أو الإيجار. وإما لعمل غير مشروع كالسرقة. ولا يجد القاضي نفعا البحث فيما إذا كان سبب الضرر خطأ ارتكبه الحارس طالما أنه في كل حال لا يمكن تحريره من المسؤولية فيما لو ثبت عدم ارتكابه خطأ لأن القانون منع عنه مثل هذا الإثبات.
المبحث الثالث: دعوى المسؤولية المدنية.
المطلب الأول: دعوى المسؤولية المدنية أمام القضاء المدني.
ترمي دعوى المسؤولية المدنية إلى حصول المتضرر على التعويض الذي يمكنه من إعادة الحال إلى ما كانت عليه من قبل أن يحل به الضرر وذلك بطلب الحكم له بالتعويض العيني أو التعويض البدلي غالبا ما يكون بالنقود.
إن أطراف الدعوة المدنية أمام القضاء المدني هم المدعي والمدعي عليه والمسؤول بالمال أو الضامن في حال وجودها.
تقدم الدعوة المدنية وفقا للأصول العادية التي نص عليها قانون أصول المحاكمات المدنية، ولا تمثل النيابة العامة في الدعوة وإن كان لها حق الإدعاء مباشرة في القضايا المتعلقة بالنظام العام عند حدوث وقائع أو أفعال من شأنها المساس به وسوف نتناول مواضيع هذه الدعوة.
المدعي: يحق كل من يدعي حقا بالتعويض تقديم دعوى المسؤولية المدنية أمام المحكمة الصالحة وهي إجمالا المحكمة التي يقع ضمن إطارها مقام المدعي عليه (المادة 97 أصول مدنية) إلا أنه في دعاوي المسؤولية العقدية يمكن إقامة الدعوة أما المحكمة التي أبرم فيها العقد.
أما في دعوى المسؤولية المدنية الناشئة عن جرم أو شبه جرم مدني فيكون الاختصاص للمحكمة التي يقيم المدعي عليه ضمن دائرتها أو تلك التي وقع ضمنها الفعل الضار أو الضرر الموجب للتعويض المادة 102 أصول مدنية واجب أن تتوفر في المدعي الصفة والمصلحة كشرط لسماع الدعوة ويجب أن تكون له مصلحة مشروعة وقانونية ويعود للمحكمة التحقيق منها ومن الصفة للمداعاة أي في مرحلة من مراحل الدعوة.
ويجب أن تتوفر فيه الأهلية للتقاضي للتأكد من أنه غير فاقد للأهلية أو أنها ناقصة لديه المادة 13 أصول مدنية. وفي حال أقيمت الدعوة على أحد فاقدي الأهلية أو ناقيصيها يجب تعيين ممثلا خاصا له يقوم مقام ممثله القانوني في حالة غياب هذا الأخير.
أما إذا كان للمدعي شخصا معنويا فإن تمثيله في المحاكمة يتم بواسطة أحد ممثليه القانونيين وهو إجمالا في الشركات رئيس مجلس الإدارة، المدير العام وفي الهيآت المعنوية الأخرى رئيسها وللشخص المعنوي لحقوق ذاتها العائدة للشخص الطبيعي، فكما يحق لهذا الأخير طلب التعويض عن الأضرار التي لحقت بسمعته ومكانته الاجتماعية بحق للشخص المعنوي التذرع بنفس الأضرار للتعويض عنها فالشخص المعنوي ذمة منفصلة عن ذمة الأشخاص الذين يتألف منهم وبالتالي له حقوق مستقلة عنه كما عليه التزامات ملزم بإيفائها .
يجب أن تكون للمدعي أيضا المصلحة المشروعة وعدم جواز سماع دعوة من يتضرع بخطئه تحقيقا لمصلحة لا يحميها القانون ونعتبر أن الصفة تتوفر لدى من له مصلحة مشروعة فيطلب من القضاء حمايتها.
ويمكن لذووا الضحية مطالبة المتسبب في الضرر الذي أصاب الضحية الذي تربطهم روابط شرعية أو صلة رحم بالتعويض وكان النص الفرنسي في المادة 134 ذكر صلة المصاهرة على أن ينظر القاضي إلى شأن المحبة إذا كان هناك ما يبررها، كما ينظر القاضي إلى الضرر غير المباشر الذي يصيب الأشخاص من جراء فعل غير مباح أقدم عليه شخص آخر أو من جراء عدم تنفيذ عقد فيتأكد من الصلة السببية بين الفعل الضار والضرر المشكو منه وما إذا كان ضمن التسلسل الطبيعي للأمور فيتأكد من ما إذا كان الضرر متوقعا أو بإمكان توقعه عند إبرامه المادة 262 م وع ما خلى خداع المدين.
بما أن الحق بالتعويض الناتج عن ضرر يحق بالمدعي ينشأ تاريخ وقوع الفعل الضار فيصبح جزءا من ذمته المالية أي موجب إيجابيا فإنه ينتقل إلى ورثته بعد وفاته فيما إذا قبلوا بالتركة .هذا يمر بالتعويض يختلف عن حق الورثة بالتعويض عليهم عن الأضرار التي لحقت بهم مباشرة من الفعل الضار والذي يمكنهم المداعاة به بصورة مستقلة عن الحق بالتعويض الذي آل إليهم إرثا بجزء من ذمة مورثهم المالية.
ويحق للدائنين في مال استنكف مدينهم عن المداعاة بحقه بالتعويض أن يدعوا عوضا عنه، ولكن فقط عن الأضرار المادية دون المعنوية لأنها تتعلق بشخص الإنسان ولا يمكن الحلول محله بشأنها. وكي تسمع هذه الدعوى يجب أن تتوافر شروط الدعوى غير المباشرة بأن يكون الدين مستحق الأداء.
فقد نصت م 276 من قانون الموجبات والعقود على أنه "يحق للدائنين أن يستعملوا باسم مدينوهم جميع الحقوق، وأن يقيموا جميع الدعاوي المتعلقة به، ما خلا الحقوق والدعاوي المتعلقة بشخصه دون سواء".
المدعي عليه:
لا توجد صعوبة في تحديد شخص المدعي عليه فهو غما مسبب الضرر مباشرة نتيجة لجرم أو شبه جرم مدني ارتكبه، فتكون مسؤوليته تقصيرية مبنية على الخطأ، وإما المسؤول عن مسبب الضرر بصفته وليا أو وصيا على القاص أو صاحب مرنة بصفته مسؤولا عن المتدربين لديه أو متبوعا بصفته مسؤولا عن تابعيه أو معلما مسؤولا عن تلاميذه أو حارسا للشيء أو الحيوان أو مالك لبناء المتهدم.
والمدعي عليه عديم الأهلية وضع له المشرع نظاما خاصا بمسؤوليته، فجعل موجب التعويض على عاتق ما هو مسؤولا عنه، وفي حال عدم وجوده أو عدم ملائمته تقام الدعوى عليه شخصيا على أن تأخذ بعين الاعتبار أوضاع كل منهما والمتضرر فيحدد التعويض بصورة عادلة حسب ما جاء في م 139 م وع.
ويمكن للمدعي عليه أن يكون شخصا معنويا يحق له الإدعاء حفاظا على حقوقه وطالبا للتعويض عن الأضرار التي لحقت به من جراء الفعل الضار، كذلك يحق للمتضرر عن أفعال هذا الشخص إقامة الدعوى عليه بالتعويض وإن تمت الأفعال الضارة بواسطة أشخاص طبيعيين يمثلونه وذلك بالنظر لاستقلال ذمته المالية عن ذمتهم.
وحال تعدد مسببوا الضرر فإنهم ملزمون بالتضامن فيما بينهم على ما جاء في م 137 م وع والتي تنص على (إذا نشأ الضرر عن عدة أشخاص فالتضامن السلبي يكون موجودا بينهم:
1. إذا كان هناك اشتراك في العمل.
2. إذا كان من المستحيل تعيين نسبة ما أحدثه كل شخص من ذلك الضرر).
فيمكن تصور حصول اشتراك في الفعل الخاطئ دون تحديد نسبة الخطأ الذي ارتكبه كل من الشركاء أو يمكن حصول اشتراك في إحداث الضرر بفعل أخطاء منفردة صادرة عن عدة أشخاص دون إمكانية تحديد نسبة معينة على كل منهم، حصل التوزيع بالمساواة فيما بينهم وفي كل حال يعود القاضي تحديد هذه النسب. أما إذا تعذر عليه ذلك وزع عبء التعويض بينهم بالتساوي.
التعويض: إن الغاية من التعويض هي تمكين المتضرر من إعادة الحال إلى ما كانت عليه من خلال إصلاح ما أفسده الفعل الضار أو التعويض عن الخسارة الحاصلة والربح الفائت فإن تحديد قيمته يجب أن يتم بصورة تحقق هذه الغاية ويقتضي التمييز بين وضعين هما:
الأول يتعلق بمبادرة المتضرر إلى إصلاح الضرر الحاصل دون انتظار نتيجة الدعوة المسؤولية والثاني يتعلق بانتظار المتضرر الحكم في الدعوة ليبادر في إجراء الإصلاح أو الاستبدال ففي الأول يكون غالبا عند وجود ضرر مداهم فإذا أبقي على الحالة التي نتجت عن الضرر الحاصل تتسرب الماء إلى شقة المتضرر أو حدوث شقوق في البناء أو أعطال في السيارة المصابة فالمتضرر بحاجة لإصلاح الشيء يتم ذلك إما بمبادرة فردية منه أو بعد دعوة حسب الضرر لتحمل النفقات فإذا استجاب للطلب حلت المشكلة أما إذا لم يستجب فلابد للمتضرر من إقامة دعوى المسؤولية عليه فإذا طال الوقت وحصل تدهور في قيمة النقد وارتفعت الأسعار أو انخفضت فما هو المبلغ الذي سيحكم به هل ما دفعه المتضرر فعليا عند إصلاحه للشيء المتضرر أو استبداله فيبدو هنا الحل غير عادل لأن من حق المتضرر أن يعاد إلى ذمته المالية مبلغ من النقود معادل للقوة الشرائية الذي صرفه في إصلاح الضرر. أما الحالة الثانية هي تمكين المتضرر من إصلاح الضرر بعد صدور الحكم آخذا بالاعتبار الغاية منه مع العلم أنه من حق المتضرر الانتظار للقيام بالإصلاحات ويعود للقاضي تحديد التعويض بصورة عادلة.
ويمكن في غالب الأحيان أن المدعي عليه يدخل الضامن في دعوة المسؤولية المدنية إما الاستماع للحكم وإما لإلزامه بالتعويض الذي سيحكم به عليه، كما أن الضامن تدخل في الدعوة بغية الدفاع عن المضمون أو الانضمام إلى دفاعه باعتبار أن نتائج الدعوة سترتد عليه في النهاية لأنه ملتزم بضمان الأضرار التي يحدثها المضمون للغير والمادة 38 من أصول المحاكمات المدنية رأت إمكانية الضامن للدعوة.
ويمكن الإعفاء من المسؤولية عن الأضرار التي يحدثها للغير وسوف نقسمها إلى قسمين الأولى تخص المسؤولية العقدية والثانية تخص المسؤولية الجرمية أو شبه الجرمية.
ففي المسؤولية الأولى لا مانع قانونا من إدراج بند ثاني في كليا أو جزئيا للمسؤولية العقدية إذا تخلف أحد طرفي العقد عن الإيفاء بالتزاماته كليا أو بعضها ولكن عمليا لا يمكن تصور مثل هذا البند إلا في العقود المجازفة أو تلك التي تتضمن عنصر المخاطرة بحيث لا تكون إمكانية تنفيذ العقد قابلة للتوقع بصورة جازمة أما في سائر العقود فإن إدراج بند لإعفاء من المسؤولية يشكل بالأحرى بندا تحكيميا بمصير العقد فيكون باطلا وفقا للمادة 84 م وع كالبند الذي يضعه البائع لنفي مسؤوليته إذا لم يسلم البضاعة المباعة للشاري ومشروعية البند النافي للمسؤولية تستنتج من نص المادة 267 م وع التي اعتبرت أن البند الجزائي معمول به وإن كان موازيا في الواقع البند ناف للمسؤولية باستثناء حالة الخداع التي يرتكبها المدين أما بالنسبة للمسؤولية الجرمية أو شبه الجرمية فقد نصت المادة 138 م وع على أنه: "ما من أحد يستطيع أن يبرئ نفسه إبراءا كليا أو جزئيا من نتائج احتياله أو خطئه الفادح بوضعه بندا ينفي عنه التبعة أو يخفف من وطأتها وكل بند يدرج لهذا الفرض في أي عقد كان هو باطلا أصلا".
فالبند الذي ينفي التبعة عن مرتكب الاحتيال هو الخطأ الفادح بصورة مطلقة لأن ليس للإنسان أن ينفي عنه تبعة أعماله الغير المباحة التي يأتيها قصدا. فالاحتيال سواء في معناه المدني أو الجزائي فعل غير مباح يرتكب قصدا كما أن الفقه والاجتهاد يساوي الخطأ الفادح بالاحتيال لأنه خطأ لا يمكن أن يرتكبه إلا من قصده.
أما إذا حصل الضرر عن فعل غير قصدي فبإمكان محدث الضرر أن يضع بندا نافيا لتبعته ويكون هذا البند مشروعا على ما جاء في المادة 139 م وع ونصها: "أن البنود النافية للتبعة، وبنود المجازفة تكون صالحة معمولا بها على قدر برئها لذمة واضع البند من نتائج عمله أو خطئه غير المقصود ...".
المطلب الثاني: دعوى المسؤولية المدنية أمام القضاء الجزائي.
يحق للمتضرر تقديم دعوى المسؤولية المدنية أمام القضاء الجزائي شرط أن تكون مبنية على الجرم الجزائي موضوع الملاحقة باعتبار أنها منظمة إلى دعوة الحق العام.
بما أن للدعوة المسؤولية المدنية أمام القضاء الجزائي نظاما خاصا فقد رأينا دراستها بصورة متممة لدراسة المسؤولية المدنية أمام القضاء المدني وغن شكلت عادة جزءا من دراسة قانون أصول المحاكمات الجزائية وتتناول هذه الدعوة العناصر التالية:
1. المدعي الشخصي: الإدعاء الشخصي في الدعوة الجزائية حق لكل متضرر من الجرم موضوع الملاحقة شرطا أن تقوم الصلة السببية بين الضرر المدعى به والجرم ويكفي أن يكون المدعي قد تضرر شخصيا من الجرم موضوع الملاحقة الجزائية حتى يحق له اتخاذ صفة المدعي الشخصي وإن لم يقع الجرم حتما على شخصه .
كالزوج الذي تصاب زوجته بعطل دائم بسبب جرم وقع عليها مما يسبب له الألم الدائم ويرتب عليه أعباء وواجبات إضافية نحو زوجته وأولاده، وكالوالد الذي يصاب ولده بشلل أو بعاهة أو بتشويه فيطلب التعويض عن الألم الذي يشعر به وعن الأعباء المالية التي ستترتب عليه من جراء الجرم كالمداواة المستمرة والنفقات.
ويشترط فيمن يتقدم بالدعوة أمام المحاكم الجزائية أن يكون ذا أهلية تسمع الدعوة من قاصر أو مجنون إلا بواسطة أو وصي إذ يترتب على الإدعاء واجبات تفترض لإدراك والإرادة والوعي لدى من يتقدم به والأهلية لممارسة الحقوق.
وإذا كان المدعي من المحجور عليهم أو من الذين رفعت يدهم من إدارة أموالهم كحالة المفلس فللقيم أو لوكيل التفلسة أن يتقدم بالإدعاء إلا أنه في حالة الإفلاس يحق للمفلس إقامة الدعوة شخصيا فيما إذا كان الجرم يمس بشخصه أو شرفه أو مكانته الأدبية أو الاجتماعية أو مصلحة معنوية أخرى.
لقد أجاز القانون للدائن أن يستعمل باسم مدينه جميع الحقوق وأن يقيم جميع الدعاوي المختصة به ما خلى الحقوق والدعاوي المتعلقة بشخصه دون سواه المادة 276 م وع وتقابلها 1122 قانون مدني فرنسي وبما أن الدعوة المدنية أمام القضاء الجزائي تخضع للأحكام العامة التي ترعى الحقوق المدنية ما عدى ما استثنى بنص خاص فالمادة 276 م وع تخول إذن الدائن ممارسة الدعوة المدنية نيابة عن مدينه فيما إذا تقاعس عن إقامتها أو متابعتها وذلك ضمانا لحقوقه الشخصية من خلال تعزيز ذمة مدينه المالية والتي له عليها حق ارتهان عام ويثير الاستثناء الوارد في المادة 176 م وع وتقابلها 1122 ق م فرنسي لجهة الدعاوي المتعلقة بشخص المدين واشتراط حصول الضرر الشخصي والمباشر من الجرم (المادة 02 أصول جزائية فرنسي) صعوبات في قبول الدعوة المدنية من قبل الدائن فيما إذا كان الجرم قد أصاب نفس أو جسد المدين دون ماله ولأن الضرر اللاحق بالدائن لا يتصف بالضرر الشخصي الناتج مباشرة عن الجرم.
فبعد أن قبلت محكمة التمييز الفرنسية دعوى الدائن نيابة عن مدينه بسبب الجرم الواقع على مال هذا الأخير عادت فرفضتها ما لم يثبت الدائن ضررا شخصيا مباشرا حل به وذلك تطبيقا لنص المادة 02 أصول جزائية فرنسي.
ومن شروط قبول الإدعاء الشخصي أمام القضاء الجزائي أنه لا يعد شاكليا مدعيا شخصيا إلا إذا اتخذ صفة الإدعاء الشخصي صراحة في الشكوى أو في تصريح خطي لاحق أو أدعى في أحدهما بتعويضات شخصية، وعليه أن يجعل النفقات وفقا لإحكام قانون تحصيل الرسوم والنفقات القضائية ولكن يعفه منها إذا كان معسرا أو إذا كان الجرم جناية أما إذا كان أجنبيا فيلزم بتقديم كفالة.
2. المدعي عليه: ما يهم المدعي الشخصي من تقديم دعواه هو الوصول إلى التعويض عن الأضرار التي لحقت به من جراء الجرم موضوع الملاحقة فالإدعاء يتم إذن بوجه فاعل الجرم والمساهمين في حدوثه من شركاء ومحرضين ومتدخلين أما إذا كان الفاعل قاصرا أو مجنونا أو معتوها فإن الإدعاء يوجه إليه وإلى المسؤول بالمال، إلى الشخص الذي يتحمل موجب التعويض عن أعمال عديم الأهلية إذن فإن دعوة المسؤولين بالمال في الدعوة الجزائية ممكنة كي يتحمل الالتزامات المدنية إذ طلب المدعي الشخصي ذلك ولم يحدد القانون المحاكمات الجزائية بصورة مفصلة من هم المسؤولون بالمال فالمادة 43 من قانون حماية الأحداث المنحرفين حددت بالنسبة للقاصر الأشخاص الذين يدعون لحضور محاكمته وهم وليه أو الشخص المسلم إليه ولم تذكر صراحة أنهم يدعون للحكم بوجههم بالتعويض المترتب من جراء الجرم المرتكب من القاصر.
لقد أعطى المشرع ضمانة المدعي في تحصيل التعويض المترتب له من جراء الأضرار اللاحقة به بأن قرر مبدأ التضامن بين فاعلي الجرم والشركاء والمتخلين من جهة الالزامات المدنية فنصت المادة 141 من قانون العقوبات على أن موجب الرد لا يتجزأ ويتحمل الإلزامات المدنية الأخرى بالتضامن جميع الأشخاص الذين حكم عليهم من أجل جريمة واحدة، فإذا نشأ الضرر عن عدة أشخاص فالتضامن السلبي يكون موجودا بينهم إذا كان هناك اشتراك في العمل أو إذا كان من المستحيل تعيين نسبة ما أحدثه كل شخص من ذلك الضرر.
والضمان وجد أصلا كي يقوم الضامن بحمل عبء التعويض على المتضرر الذي يمكن أن يحكم به على المضمون. وبالتالي التعويض عن الأضرار التي لحقت به من جراء العمل الذي أتاه المضمون وضمن حدود عقد الضمان الذي التزم به الضامن بموجبه بالتعويض على المتضرر ويصبح حق المتضرر من الفعل الجرمي مؤمنا عليه بمعنى توفر الملاءة لدى من سيحكم عليه بالتعويض غما شخصيا وإما من خلال تعهد الضامن وبالتالي فإن حقوق المدعي الشخصي في الدعوة الجزائية تكون مؤمنة بالقدر الذي يخول المطالبة بهذه الحقوق بأسهل الطرق وأقصرها بغية تحقيق موجب التعويض.


الخاتمة:
للإنسان في حياته اليومية حقوق وواجبات ضمنها له الدستور والقانون والأعراف، فيجب عليه أن لا يتعداه وإلا ترتبت عليه جزاءات، فالإنسان العادي (BPF) لا يمكن مساءلته لأنه يقوم ويدرك ما يقوم به هو مجرم أم لا أو أن فعله سيترتب عليه آثارا قانونية عاجلا أم آجلا. أما الإنسان غير السوي فأحيانا ينقص لديه جانب الإدراك أو العلم بما يقوم به أو أنه يكون جاهلا للقانون، فهو بصفته عنصر يؤثر ويتأثر لمحيطه الاجتماعي.
فمسؤولية الفرد تبدأ عندما يرتكب خطأ ينجر عنه ضرر للغير وتوجد بينهما علاقة سببية تربطهما فالمشرع الجزائري ومختلف القوانين الأخرى عملت على ضمان امن المساس بالأفراد وممتلكاتهم من أجل حمايتهم من أي مؤثر خارجي، فقانون العقوبات الجزائري أوجد المسؤولية الجزائية التي إن توفرت أركانها سئل الفرد جزائيا وذلك يسلبه من حريته أو تغريمه بغرامة مالية تتناسب مع حجم الخطأ لذا قسمت الجرائم إلى مخالفات وجنح وجنايات، والقانون المدني الجزائري اهتم بالقضايا المدنية والمعاملات التي تتم بين الأفراد، ولأن القاعدة القانونية وضعت أصلا لتنظيم العلاقات بين أفراد المجتمع.
والمسؤولية المدنية وضعت لتفرض على الإنسان تعويض نتيجة عمله الضار من خلال أخطائه أو رعونته أو إهماله. فالشخص مسئول على تصرفات الآخرين أو الموضوعين تحت تصرفه أو سلطته سواء كانت تلك السيطرة قانونية أو مادية لتترتب عنه تعويض للمضرورين في حال إثبات خطأ الشخص ويمكن لهذا الأخير نفي هذه المسؤولية بكل الطرق والإثبات التي يمكنها أن تنفي عنه هذه المسؤولية.








 الكـــتـب :



 قانون موجيات و عقود الجزائرية
 القانون المدني الجزء الثاني المسؤولية المدنية الدكتور مصطفى عوجي
 دراسات المسؤولية المدنية في القانون المدني الجزائري للدكتور علي سليمان أستاذ بمعهد الحقوق جامعة الجزائر .الطبعة الثانية
 الوسيط للشهوري ج 01 ص 1242 بند 735
 مصادر الإلتزام للدكتور سليمان مرقس ص 657 بند 494
 مصادر الإلتزام للدكتور عبد المنعم ص 562 بند 517