دراسة نسق القرابة في أسطورة " النفس والعشق"
" لأبولي دومادورApule Demador
عرض النص:
تروي القصة أن امرأة بارعة الجمال"بسيشه"، ظهرت قديما في أرض اليونان، وجلبت انتباه الناس إليها إلى حد أنهم نسوا آلهة الجمال عندهم "فينوس"Venus" وأصبحوا لا يلهثون إلا باسم هذه المرأة التي تنتمي لعالم البشر، وقد تمادوا فقدموا لها قرابين الولاء، وأهملوا عبادة فينوس فلما بلغ الخبر مسامع فينوس غضبت وحرضت ولدها" كيوبيد" على الانتقام لها من هذه المرأة فكلفته بأن يزوج الفتاة بأقبح كائن على وجه الأرض، بلغ أهل بسيشه نبأ غضب الآلهة فتملكهم الرعب وقصد الأب المعبد ليتوسل للآلهة، فسمع هناك نبوة تتوقع شرا سيلحق بالفتاة الجميلة، وأمرته النبوءة بأن يحمل ابنته إلى جبل ليتركها للريح المأمورة فتحملها أينما رسمت لها الأقدار. نفذ الأهل الوصية، وحملوا ابنتهم إلى الجبل لتحملها الرياح، حيث وجدت نفسها زوجة لشخص خفي، امتنع عن البروز أمامها في ضوء النهار، كان دائم التحذير لها أن تسعى لمعرفة حقيقته وأن تتصل بأختيها، استقدمت أختيها اللتين حاولتا معرفة حقيقة زوجها، ووفرا لها قناديل لكي تستعملها أثناء الليل للتعرف عليه. نفذت اقتراحهما وحملت القناديل وكشفت عن وجهه وهو مستغرق في النوم، وجدته بارع الجمال فذهلت وأمالت القنديل فنزلت منه قطرة زيت تسببت في استيقاظه وإحراق موقع من وجهه، فغادرها غاضبا والتحق بأمه فينوس، عوقبت الفتاتان المتسببتان في ألم كيوبيد، كما سلط العقاب على بسيشه فظلت هائمة على وجهها تبحث عن زوجها الهارب، وقد ساعدتها بعض الآلهة في إرشادها إلى الطريق الذي سلكه.ولما وصلت إلى عالم الآلهة أين كانت تقيم فينوس كلفتها هذه الأخيرة بمجموعة من المهام الصعبة التي كادت تِؤدي إلى هلاكها.غير أنها أنجزتها بمساعدة كيوبيد وعدد من الآلهة المتعاطفة معها وفي النهاية رضيت عنها فينوس وعن كيوبيد، وتقررت مؤسسة علاقتهما فتزوجا من جديد وعاشا سعيدين وأنجبا ابنة. (المصدر: الحمار الذهبي، لوكيوس أبوليوس، ترجمة أبوالعيد دودو، منشورات الاختلاف، الجزائر، 2001.)
علاقة القرابة في الأسطورة
تطرح قصة الأسطورة قضية زواج الاله كيوبيد" اله العشق" من امرأة إنسية زواجا يبدو في بداية القصة غير مرغوب فيه من طرف الالهة" فينوس" وتعمل كل ما في وسعها لإبطاله ومعاقبة الفتاة. غير أن التحولات التي حدثت في القصة أنهت الصراع عن طريق دمج الفتاة في عالم الآلهة بعد نجاحها في مجموعة من الاختبارات ومن المهام الصعبة التي كلفتهابها" فينوس" وزواجها من كيوبيد.
إذا نظرنا في العلاقات الأسرية التي تبرزها القصة نلاحظ ما يأتي:
تعلن القصة منذ البداية عن علاقة تسلط الأم وولدها. إنها علاقة سلبية تضطر الابن أن يتزوج سرا من الفتاة الإنسية، مما يجعله عرضة لمؤامرات أخوات بسيشه فيصيبه الضرر ويضطر إلى الهرب، وهنا إشارة أيضا إلى تسلط المرأة في الأسرة الملكية التي تنتمي إلى العالم البشري، يؤكد ذلك ما نسبته الأسطورة للأب من موقف يتسم بالخضوع للقدروالقبول بالمصير الذي ينتظر ابنته خلافا لإرادته. يمكن أن نستنتج من ذلك بأن العلاقات الأسرية المعبر عنها في بداية القصة تنتمي للنظام الأسري الأموسيmatriarcal. وقد ربطت القصة بين تدهور مصائر الشخصيتين الرئيسيتين(بسيشه وكيوبيد) من ناحية وخضوعها لهذا النظام، وكشفت القصة في نهايتها، واثر التحولات التي حدثت عن تحسن مصير الشخصيتين المذكورتين، وهو تحسن مقرون بظهور سلطة" كيوبيد" التي كانت تخضع مظاهر الطبيعة من حيوان ونبات وطيور، وكذلك خضوع بسيشه لإرادته وتعليماته، ثم انتقالها إلى المكان الذي فيه مع أهله إلى جانب قيامها بوظيفتها المتعلقة بالأشغال المنزلية، ثم في الإنجاب في النهاية، وهي جميعا سمات تميز علاقات النظام الأسري الأبوسيpatriarcal، وهو النظام الذي يبدو أن القصة الأسطورية تبشر به وتقدمه على أنه هو الأفضل؛ فالأسطورة تميز بين الأفراد على أساس الدور الاجتماعي وهي محاولة تحديد الأشكال الأسرية الرئيسية في المجتمعات من أجل التقرب من القوانين الاجتماعية كما أنها تعكس النمط الاجتماعي الذي يضمن ثبات البناء من خلال الاستقرار الديناميكي القابل للتغير.
دراسة نسق القرابة في الحكاية الخرافية" عصفور المطر" ( من منطقة أزفون)
يروى عن فتاة أنها لم تخرج طول حياتها للعمل خارج البيت. ذات يوم مرت جماعة من الفتيات ونادينها للذهاب معهن للاحتطاب، فلبت الدعوة. لما وصلت إلى الغابة وجدت عصا جميلة مزركشة التقطتها وقالت:" سآخذها لأخي الصغير ليلعب بها، جمعت قليلا من الحطب وحاولت أن تحزمه كانت سرعان ما تنفرط لوحدها وظلت تكرر الحزم وينفك الرباط من جديد حتى جاء المساء قررت الفتيات العودة إلى منازلهن وبقيت الفتاة لوحدها تحاول جمع حطبها لكنه سرعان ما يتبعثر ولما أعياها الأمر رمت بالحطب جانبا واحتفظت بالعصا المزركشة فجأة نطقت العصا وقالت:" في يوم
ممطر سوف أرسل لك جمالا محملة بالهدايا كمهر لك سوف أتزوجك.
رجعت الفتاة إلى البيت وحكت لأمها ما جرى لها في الغابة. لما جاء اليوم الموعود تزوجها عصفور المطر وعاشت معه سعيدة ذات يوم قالت له:" أريد أن أزور أهلي" سمح لها بالذهاب ولكنه قدم لها كبشا وأوصاها بأن ترعاه وتحافظ عليه وأن يظل ملازما لها طوال غيبتها عن البيت الزوجي.
في بيت أهلها سألتها أخواتها عن زوجها فقالت" إنني سعيدة غير أنني لم أر وجه زوجي أبدا قلن لها، :" قد يكون وحشا" سوف نصنع لك سبعة مصابيح قومي بإشعالها قبل أن يعود إلى البيت إخفيها في قدر ولما ينام أخرجيها وانظري في وجهه لتتعرفي على حقيقته.
سمع الزوج كل شيء لأنه كان متخفيا في هيئة الكبش الذي يرافقها في طريق العودة ظل يحذرها مكررا قوله:" أيتها الشقية سوف تكون مصابيح أهلك سبب شقائك".كانت كلما سمعت تحذيره ترمي بأحد المصابيح ولما لم يبق معها سوى مصباح واحد أقسمت أن تحتفظ به، وتحمله معها إلى البيت وعندما وصلت إلى المنزل خبأته في القدر مشتعلا لما عاد الزوج ونام حملت المصباح نظرت إلى وجهه وإلى أصابع يديه العشرة فوجدتها تحمل جميعا خواتم ذهبية سحرية تلمع وجهت الحديث لكل خاتم قائلة:" لمن تعمل أنت؟ أحابها كل خاتم قائلا:" من أجلك ومن أجلي لو لم تكوني متهورة . ولما أطفأت المصباح سقطت قطرة من زيته على شاربه استيقظ وهرب.
لحقت به لكنه اختفى عن ناظريها. مشت ببطء تتبع آثاره غير أن الأثر اختفى، ولما وصلت إلى مرج نصفه أخضر ونصفه الآخر جاف. تعجبت وقالت:" سبحان الله. هذا مرج واحد نصفه مخضر ونصفه الآخر مصفر. نطقت الجهة اليابسة من المرج قائلة:" تلك الجهة المخضرة وقع فيها عصفور المطر ليستريح. فرحت لهذا الخبر لأنها تأكدت بأن زوجها مر من هنا.. تابعت طريقها إلى أن وصلت عند شجرة نصفها مخضر ونصفها مصفر يابس. تعجبت من المنظر. قالت لها الجهة اليابسة:" لقد قطع عصفور المطر غصنا من تلك الجهة ليستعمله مروحة فاخضرت. فرحت بهذا الخبر.. وتابعت طريقها إلى أن وجدت عينيين من الماء منبثقتين من نفس النبع كانت إحداهما تتفجر ماء عذبا. بينما جفت الأخرى. استغربت لما رأت. ردت عليها العين الجافة قائلة:" لقد مر من هنا عصفور المطر ولما أحس بالعطش شرب من تلك العين التي ترينها ممتلئة ماء . فرحت مرة أخرى وظلت تسير إلى أن شارفت على منزل أمه.
ترقبها زوجها عصفور المطر، ولما اقتربت اعترض طريقها وحذرها قائلا:" إن أمي غولة. ستجدينها متربعة على الأرض تطحن الحبوب وقد رمت بثدييها على زهرها خاتليها وارتمي على ظهرها وارضعي حليبها.. عند ذلك لن تفترسك. فعلت ذلك. قالت لها الغولة:" آه لو لم ترضعي مني لافترستك وافترست كل من يمشي على ثرى بلدك قال عصفور المطر لأمه:" إنها زوجتي يا أمي.. رحبت بها وبعد مرور أيام غاب عصفور المطر عن المنزل. قالت الغولة للزوجة:" سوف أخرج لقضاء حاجاتي ولما أعود إلى المنزل أجدك وقد غسلت البيت جيدا.. لو وجدت شيئا قليلا من الغبار سأفترسك في الحال.
خشيت المرأة على نفسها من الغولة وجلست تبكي . دخل عليها زوجها فجأة وسألها عما بها.. لما أخبرته قال لها:" هذا جزاؤك المناسب لأنك أطعت أخواتك ولم تعملي برأيي. أردف قائلا بعد ذلك:" اذهبي عند تلك الصخرة ونادي النهار قائلة:" أيتها الأنهار.. تعالي لتغسلي بيت عصفور ال مطر، الذي تزوج ويريد أن يقيم عرسا.. فعلت ملا قال لها، ولما عادت الغولة في المساء، تهيأت لتفترسها لأنها تعلم عجزها عن غسل البيت الكبير بمفردها. لكنها لما وجدت البيت نظيفا يلمع هدأت شيئا ما، لكنها ظلت تشك في قدرتها على القيام بمثل هذا الفعل لوحدها. في اليوم الموالي أفرغت الغولة كل ما تحتويه أكياس المؤونة من حبوب؛ قمح وشعير وعدس.. خلطتها ثم طلبت منها أن تفصل كل نوع على حدة، وهددتها بالافتراس إن لم تفعل ذلك.