إن وجود السوق الحرة لا يلغي بالطبع الحاجة إلى الحكومة؛ بل على العكس من ذلك فإن للحكومة دور أساسي كمنبر يحدد "قواعد اللعبة" وكحكمٍ يفسر ويفرض القواعد المتفق عليها. والذي يقوم به السوق هو تقليل مجال المسائل التي يجب البّت فيها من خلال الوسائل السياسية؛ وبالتالي التقليل من مدى الحاجة إلى الحكومة للمشاركة بشكل مباشر في اللعبة . إن الصفة البارزة للعمل من خلال القنوات السياسية هي أنها تميل إلى الحاجة أو إلى فرض خضوع كبير . ومن جهة أخرى، تكمن الفائدة العظمى للسوق بأنها تسمح بتنوع كبير . إنها— بالمفهوم السياسي — نظام تمثيل نسبي، أي نظام انتخابي تمنح الجماعات والأحزاب السياسية بمقتضاه مقاعد في البرلمان تتناسب وقوتها الشعبية أو قوته الإقتراعية الفعلية، بحيث يستطيع كل شخص بالتصويت للون رباط العنق الذي يريده والحصول عليه — إن جاز هذا التعبير — وليس عليه رؤية اللون الذي ترغب فيه الأغلبية ومن ثم إن كان من ضمن الأقلية فعليه الاستسلام.
إن هذه هي خاصية السوق التي نشير إليها عندما نقول بأن السوق يوفر حرية اقتصادية؛ لكن لهذه الصفة أيضًا مضامين تذهب إلى أبعد بكثير من المفهوم الضيق للاقتصاد . إن الحرية السياسية تعني انعدام قهر الفرد من قبل أنداد ه. والخطر الرئيسي على الحرية هو امتلاك القوة على القهر، وكونها في يد الملك أو الديكتاتور أو حكم الأقلية أو أغلبية آنية . وتتطلب حماية الحرية التخلص من مثل ذاك التمركز للسلطة على أكبر قدر ممكن، ونشر وتوزيع أية سلطة ليس بالإمكان إلغاؤها — أي إيجاد نظام من نقاط الضبط و التوازن. وبتخليص نظام النشاط الاقتصادي من سيطرة السلطة السياسية، سيتخلص السوق من هذا المصدر للسلطة القهرية، ويمكن ذلك على أن تشكل القوة الاقتصادية مصدر ضبطٍ على السلطة السياسية بدًلا من كونها تعزيزًا لها
إنه من الممكن نشر السلطة الاقتصادية بشكل واسع، ولا يوجد قانون حماية يجبر على أن يكون نمو مراكز جديدة للقوة الاقتصادية على حساب المراكز القائمة . من جهة أخرى، فإن السلطة السياسية أكثر صعوبة في إبطال مركزيتها، بحيث أنه من الممكن أن تتواجد العديد من الحكومات الصغيرة المستقلة عن بعضها البعض، ولكنه يصعب جدًا الإبقاء على العديد من المراكز الصغيرة المتكافئة للسلطة السياسية ضمن حكومة واحدة كبيرة، أكثر منه من تواجد العديد من المراكز للقوة الاقتصادية ضمن اقتصاد واحد كبير . ومن الممكن أن يتواجد العديد من أصحاب الملايين ضمن اقتصاد واحد كبير، ولكن هل بالإمكان تواجد أكثر من قائد واحد فذ حقًا، أي شخص واحد تتوجه إليه طاقات وحماسة أبناء بلده؟ إن حصلت الحكومة المركزية على السلطة فمن الأرجح أن يكون ذلك على حساب الحكومات المحلية . يبدو أنه يوجد هناك شيء كمجموع ثابت للسلطة السياسية ليتم توزيعه، وبناء على ذلك، إن تم ضم السلطة الاقتصادية إلى السلطة السياسية فإن التمركز يبدو حتميًا على الأغلب . من جهة أخرى، إن تم الإبقاء على السلطة الاقتصادية في أيٍدٍ غير تلك التي تمتلك السلطة السياسية، فإنها ستعمل كنقطة ضبط وفحص للسلطة السياسية.
إن قوة هذه المناقشة النظرية ربما يمكن توضيحها بالشكل الأفضل من خلال الأمثلة . دعنا نتناول أولا ً مثاًلا فرضيًا قد يساعد في توضيح النقاط الأساسية للموضوع، و من ثم سنتناول بعض الأمثلة الحقيقية من التجارب الراهنة والتي نوضح من خلالها الطريقة التي تقوم بها السوق بالمحافظة على الحرية السياسية.
إن أحد سمات المجتمع الحر هي بالتأكيد حرية الأفراد في تأييد ونشر أي تغيير جذري في بنية المجتمع بشكل صريح طالما كان هذا التأييد مقتصرًا على الإقناع ولا يتضمن استخدام القوة أو أية أشكال أخرى من القهر . إنها من علامات الحرية السياسية لمجتمع رأسمالي بأن يستطيع الناس تأييد الاشتراكية بصراحة والعمل لصالحها. وبشكل مماثل، ستتطلب الحرية السياسية في مجتمع اشتراكي بأن يكون الناس أحراراً في تأييد إدخال النظام الرأسمالي إليه . فكيف بالإمكان حماية والمحافظة على حرية تأييد الرأسمالية في مجتمع اشتراكي؟
من أجل أن يقوم الناس بتأييد أي شيء لابد في المرتبة الأولى أن يكونوا قادرين على كسب عيشهم، وهذا يثير مقدمًا مشكلة في المجتمع الاشتراكي، حيث أن جميع الوظائف هي تحت السيطرة المباشرة للسلطات السياسية . وسوف يتطلب الأمر نكرانًا للذات —الذي برز صعوبته من خلال التجربة في الولايات المتحدة عقب الحرب العالمية الثانية في مشكلة "الأمن" بين موظفي السلطة الفيدرالية —في سبيل أن تسمح حكومة اشتراكية لموظفيها تأييد سياساتٍ تتعارض مباشرة مع مذهب الدولة الرسمي.
لكن دعنا نفترض وقوع مثل هذا الفعل من نكران الذات، فمن أجل أن يكون تأييد الرأسمالية مؤثرًا يجب أن يكون أنصاره قادرين على تمويل قضيتهم — لعقد اجتماعات عامة، وإصدار النشرات، وتمويل برامج إذاعية، وإصدار الصحف والمجلات وهلم جرا — فكيف باستطاعتهم جمع الموارد المالية لذلك؟ فلربما قد يكون في المجتمع الاشتراكي أناسًا ذوي دخل مرتفع، وربما حتى مبالغ لرؤوس أموال ضخمة على شكل تعهدات حكومية وأمثالها، لكنه لا بد أن يكون هؤلاء من كبار موظفي الدولة . إنه من الممكن تصور موظف اشتراكي صغير قادر على الاحتفاظ بعمله
على الرغم من تأييده الصريح للرأسمالية؛ لكنه من السذاجة تصور كبار ضباط الاشتراكية يمولون مثل تلك النشاطات "الهدامة".
إن الحلّ الوحيد للموارد المالية سيكون بجمع مبالغ صغيرة من عدد كبير من الموظفين الصغار، لكن هذا ليس بجواب واقعي؛ فلتحقيق هذا لابد مسبقًا من إقناع العديد من الأشخاص بذلك، ومشكلتنا بأكملها تكمن في كيفية البدء وتمويل الحملة من أجل هذا الهدف على الأخص . إنه لم يتم مطلقًا تمويل الحركات الراديكالية في المجتمعات الرأسمالية بهذه الطريقة؛ بل تم دعمهم بشكل نموذجي من قبل عدد قليل من الأغنياء الذين تم إقناعهم — من قبل فريدريك فاندربيلت فيلد، أو أنيتا مكورميك بلين، أو كورليس لامونت — في ذ كر بعض الأسماء التي برزت مؤخراً، أو من قبل فريدريك إنجلز إذا عدنا إلى زمن أبعد من ذلك .
إن هذا من دور عدم المساواة في الثراء في المحافظة على الحرية السياسية والذي قلما يتم الانتباه له، إنه دور الأنصار.
يتطلب الأمر في المجتمع الرأسمالي مجرد إقناع بعض الأغنياء للحصول على الأموال لترويج أية فكرةٍ كانت — بشكل مثير للاستغراب — ويوجد هنالك العديد من هؤلاء الناس الذين يشكلون بؤرًا مستقلة للدعم . وبالفعل ليست هناك أية ضرورة حتى لإقناع الناس أو المؤسسات المالية التي تتوفر لديها الأموال الداعمة بوقع الأفكار التي سيتم ترويجها ع لى الآذان، بل تكون الحاجة فقط بإقناعهم بأن ذاك الترويج قد يكون مثمرًا ماليًا، أي أن الصحيفة أو المجلة أو الكتاب أو أية وسيلة استثمار أخرى ستكون مربحة . فالناشر التنافسي — على سبيل المثال — لا يستطيع تحمل تكاليف نشر نص بمجرد أنه مقتنع به شخصيًا؛ بل يجب أن يكون مقياسه إمكانية أن يكون السوق كبيرًا بالحد الكافي ليعود عليه بعائد مرضٍ لاستثماره هذا
وبهذه الطريقة يكسر السوق تلك الحلقة المفرغة ويجعل بالإمكان في النهاية تمويل مثل تلك المضاربات بأخذ مبالغ صغيرة من العديد من الأشخاص دون الحاجة في البداية إلى إقناعهم بذلك . ولا توجد مثل تلك الخيارات في المجتمع الاشتراكي؛ بل تكون الدولة فقط ممتلكة لكامل السلطة.
دعنا نتوسع في خيالنا ونفترض بأن الحكومة الاشتراكية على اضطلاع بهذه المسألة، وعلى أنها تتكون من أشخاص تواقين لحماية الحرية؛ فهل من الممكن أن توفر الموارد المالية لذلك؟ ربما، لكنه من الصعب تخيل ذلك . إنها قد تشكل دائرة رسمية لتقديم العون المالي للدعاية الهدامة . ولكن كيف ستختار من ستقدم له العون؟ فإن تم دعم كل من يطلب ذلك ستجد نفسها سريعًا وقد نفذت منها الأموال، حيث الاشتراكية لا تستطيع إلغاء القانون الاقتصادي الأساسي بأن السعر المرتفع بقدر كافٍ يستدعي طلبًا كبيراً . لو جعلنا تأييد القضايا الراديكالية مربحة بالقدر الكافي فسيكون دعم هذا التأييد غير محدود.
علاوة على ذلك، فإن حرية تأييد القضايا غير المرغوبة لا تتطلب بأن يكون مثل ذاك التأييد دون ثمن؛ بل على العكس من ذلك؛ لن يكون أي مجتمع مستقرًا إن كان تأييد التغييرات الجذرية فيه غير مكلفٍ أو يلزمه الدعم القليل . إنه من المقبول تمامًا بأن يقدم الأفراد تضحيات لتأييد القضايا التي يؤمنون فيها بإخلاص، وبالفعل، إنه من المهم أن تقتصر الحرية على هؤلاء الذين هم على استعداد لنكران ذاتهم، وإلا سوف تنحلّ الحرية إلى فجور وعدم مسؤولية . وإنه لأمر أساسي بأن تكون تكلفة تأييد القضايا غير المرغوبة مقدورًا عليها وليست ممنوعة.
إننا لم ننتهِ بعد، ففي مجتمع ذي سوق حرة يكفي توفر الدعم المالي، فمزودو الورق على كاستعدادهم كذلك لبيعه لصحيفة الوول ستريت Daily Worker (استعداد لبيعه ل(ديلي ووركرجورنال. أما في مجتمع اشتراكي، لن يكون كافيًا توفر الأموال؛ فعلى المؤيد الافتراضي للرأسمالية إقناع مصنع ورق حكومي ليبيعه له، وعليه إقناع المطبعة الحكومية لطباعة نشراته، ومكتب بريد حكومي لنشرها بين الناس، ووكالة حكومية ليستأجر منها قاعة يلقي فيها خطاباته، وهلم جرا.
ربما توجد هناك طريقة ما يستطيع المرء من خلالها التغلب على هذه الصعوبات وحماية الحرية في مجتمع اشتراكي، فلا يمكن أن نقول أن ذلك مستحيل تماماً. ولكنه من الواضح أنه توجد هنالك عقبات حقيقية لإقامة مؤسسات تحمي فرصة الانشقاق عن مذهب الدولة بفاعلية، وبالقدر الذي أعلمه فلا أحد من هؤلاء الذين كانوا متعاطفين مع الاشتراكية وفي الوقت ذاته مع الحرية قد كان حقًا على قدر هذه المواجهة، أو حتى قام ببداية جديرة بالاعتبار في تطوير الأ نظمة المؤسساتية التي قد تسمح بتحقيق الحرية تحت لواء الاشتراكية؛ بل على النقيض من ذلك، فإنه من الواضح كيف أن المجتمع الرأسمالي ذي السوق الحرة يقوم برعاية الحرية.
إن مثالاً واقعيًا بارزًا على هذه المبادئ النظرية هو تجربة ونستون تشيرشل : فمنذ عام 1933حتى نشوب الحرب العالمية الثانية لم يسمح له الحديث عبر الإذاعة البريطانية التي كانت بالطبع حكرًا حكوميًا تديرها هيئة الإذاعة البريطانية، على الرغم من أنه قد كان في هذه المرحلة شخصية قيادية بارزة في بلده، وعضوًا في البرلمان، ووزيرًا سابقًا في مجلس الوزراء، و كان يحاول جاهدًا بكل وسيلة ممكنة إقناع أبناء بلده على أخذ خطوات جادة في وجه تهديدات ألمانيا الهتلرية؛ إنه قد تم منعه من التحدث إلى الشعب البريطاني عبر الإذاعة لأن هيئة الإذاعة البريطانية كانت حكرًا للحكومة وكان موقفه هذا "مثيرًا للجدل".
مثال بارز آخر ما ورد في التايم، عدد 26 كانون الثاني عام 1959، والذي كان يتعلق ب "تلاشي القائمة السوداء". و تخبرنا قصة التايم:
إن حفل تقديم جوائز الأوسكار هو أكبر احتفالية لهوليوود للكرامة الإنسانية، لكنه قد استبيحت تلك الكرامة قبل سنتين مضت عندما تم إعلان روبرت ريتش كأفضل كاتب عن فيلم "الشجاع"، ولم يتقدم أحد لاستلام الجائزة، حيث كان ذلك إسماً مستعارًا يخفي واحدًا من بين 150 كاتب ... قد دونت صناعة الأفلام أسماءهم على القائمة السوداء منذ عام 1947 للاشتباه بأنهم شيوعيون أو من رفاقهم المسافرين . لقد كانت تلك القضية مربكة بشكل خاص لأن أكاديمية الأفلام السينمائية كانت قد منعت أي شيوعي أو من أنصار التعديل الخامس من المشاركة في مسابقة أوسكار . وقد تم في الأسبوع الماضي وبشكل غير متوقع إعادة صياغة قانون الشيوعية ولغز هوية ريتش الحقيقية.
قد تبين بأن ريتش هو دالتون ترمبو ، أحد العشر الأوائل من كتاب هوليوود، الذي رفض الشهادة في جلسات عام 1947 حول موقف صناعة الأفلام من الشيوعية . وقد صرح المنتج فرانك كينج والذي أصر بشدة بأن روبرت ريتش كان "شابًا صغيرًا ذا لحية من إسبانيا":لأن علينا التزامًا تجاه مساهمينا بشراء أفضل النصوص التي نستطيع الحصول عليها، وقد جاءنا ترمبو بنص "الشجاع وقد قمنا بشرائه."..."".
لقد كانت تلك في الواقع النهاية الرسمية لقائمة هوليوود السوداء، أما بالنسبة للكتاب الممنوعين من المش اركة فقد كانت النهاية غير الرسمية قبل ذلك بكثير . إن 15% على الأقل من أفلام هوليوود الحالية قد تم كتابتها وفق التقارير من قبل أفراد على القائمة السوداء . وقد ذكر المنتج كينج : "إنه توجد أشباح في هوليوود أكثر منها ف ي مقبرة (فوريست لون )، ولقد استخدمت كل شركة في المدينة أعمال الأشخاص من على القائمة السوداء. إننا فقط أول من قام بتأكيد ما يعلمه الجميع
قد يؤمن المرء — مثلما أفعل أنا — بأن الشيوعية ستدمر جميع حرياتنا، و قد يعارض المرء هذا المذهب قدر استطاعته؛ ومع ذلك وفي الوقت ذاته، يؤمن كذلك بأنه في مجتمع حر لا يحتمل منع فرد من عمل ترتيبات اختيارية مع آخرين يبادلونه المنفعة بسبب أنه يؤمن أو يحاول ترويج الشيوعية، فحريته تشمل حريته في الدعوة إلى الشيوعية، وتشمل الحرية كذلك حرية الآخرين في عدم التعامل معه تحت تلك الظروف . لقد كانت قائمة هوليوود السوداء عمًلا مناقضاً للحرية ويدمرها لأنه كان تآمرًا يستخدم وسائل قسرية لمنع تبادلٍ اختياري. ولم ينجح ذلك لأن السوق على وجه الخصوص جعل الأمر مكلفًا في أن يحمي الناس مثل تلك القائمة . إن التشجيع التجاري — حقيقة أن للأشخاص الذين يديرون المشاريع حافزاً في كسب أكبر قدر ممكن من المال — قد قام بحماية حرية الأفراد الذين تم إدراجهم على القائمة السوداء بمنحهم شكًلا بديلاً لتوظيفهم، وكذلك بمنح الناس حافزًا لتوظيفهم.
لو كانت هوليوود وصناعة الأفلام مشاريع حكومية، أو لو كانت مسألة التوظيف في بريطانيا من شأن هيئة الإذاعة البريطانية لكان من الصعب تصديق بأن العشرة الأوائل من كتاب هوليوود أو أمثالهم قد وجدوا أماكن عمل لهم . وبشكل مماثل، فإنه من الصعب التصديق بأنه في ظل تلك الظروف لتمكن أشد أنصار الفردية أو المشاريع الخاصة — أو في الحقيقة أشد أنصار أية رؤية جديدة غير الرؤية السائدة — من إيجاد وظائف يعملون فيها.
مثال آخر على دور السوق في حماية الحرية السياسية ظهر من خلال تجربتنا مع مذهب المكارثية؛ فبعيدًا كليًا عن ما تضمنه من مواضيع جوهرية، ووقائع التهم التي نسبت إليه، ما الحماية التي نالها الأفراد وعلى الأخص موظفو الدولة في وجه التهم غير المسؤولة و التحقيقات في شؤونٍ كان الكشف عنها مخالفًا لالتزاماتهم؟ إن لجوءهم للتعديل الخامس لكان مهزلة فارغة دون وجود بديل للتوظيف الحكومي لهم.
إن حمايتهم الأساسية كانت وجود اقتصاد السوق الخاصة التي استطاعوا من خلالها تحصيل عيشهم. وهنا أيضًا لم تكن الحماية مطلقة، فقد كان العديد من أصحاب العمل المحتملين من القطاع الخاص — سواء كانوا على خطأأو صواب — غير راغبين في توظيف هؤلاء المشهر بهم. وقد يكون السبب في ذلك بأنه كان هناك تبريرًا قليًلا جدًا للتكاليف المفروضة على العديد من الناس الذين لهم صلة بالموضوع أكثر منه للتكاليف المفروضة بشكل عام على الأشخاص الذين يؤيدون القضايا غير المرغوبة. لكن النقطة الأساسية هي بأن التكاليف كانت محدودة لكنها لم تكن ممنوعة، كما كان من الممكن أن تكون فيما لو كان التوظيف الحكومي هو الخيار الوحيد أمامهم.
إنه من الجدير بالملاحظة بأن جزءًا كبيراً بشكل غير متكافئ من الناس الذين لهم صلة بالموضوع قد توجهوا بوضوح إلى الأقسام الاقتصادية الأكثر تنافسية — كالمشاريع الصغيرة، والتجارة، والزراعة — حيث أن السوق أقرب ما يكون إلى السوق الحرة المثالية . فلا أحد يشتري الخبز وهو يعلم فيما إذا كان القمح الذي صنع منه قد تم زراعته من قبل شيوعي أو جمهوري، أو دستوري أو فاشي، أو— بقدر ما قد يكون له علاقة بالموضوع — من قبل زنجي أو شخص أبيض . ويوضح هذا كيف يفصل السوق بطريقة موضوعية النشاطات الاقتصادية عن الآراء السياسية ويحمي الأفراد من التمييز الجائر بينهم في نشاطاتهم الاقتصادية لأسباب لاعلاقة لها بإنتاجيتهم، سواء كانت هذه الأسباب متعلقة بآرائهم أو لونهم.
وكما يقترحه هذا المثال، فإن أكثر الجماعات في مجتمعنا التي يراهن عليها في حماية وتعزيز الرأسمالية التنافسية هي تلك الجماعات الصغيرة التي قد تصبح بسهولة هدفًا للريبة والعداوة من قبل الأكثرية: كالزنوج، واليهود، والأجانب، في ذكر الحالات الأكثر وضوحاً فقط . ومع ذلك؛ وبشكل غريب، فإن خصوم السوق الحرة — الشيوعيين والاشتراكين — قد تم تجنيدهم بطريقة غير متكافئة من بين تلك الجماعات؛ فبدًلا من إدراكهم بأن وجود السوق الحرة قد قام بحمايتهم من مواقف الآخرين من أبناء بلدهم، إنهم ينسبون هذا التمييز المتخلف للسوق ذاتها. __
المصدر :

Copyright © 2000-2006, Universal Studies Academy
All Rights Reserved
__للمزيد عد الي فهرس العلوم السياسية
اضغط
هنا________________