و هذه بعض الاضافات
انتشار المذهب الحنفي
كان أبا حنيفة معارضاً للدولة الأموية في آخرها، وقد حاول واليها إجباره على قبول منصب القضاء بالترغيب والترهيب. فأبى أبا حنيفة وتحمل ضرب السياط في سبيل ذلك. بل إنه قام بدعم ثورة زيد بن علي زين العابدين ضد الخليفة هشام بن عبد الملك. ثم جاء العباسيون إلى الكوفة، وكان خليفتهم السفاح اسماً على مسمى! فابتعد أبو حنيفة عن السلطة، ورفض أن يتولى القضاء للمنصور العباسي، رغم كل السبل التي اقتفاها لاحتوائه. فكلما ازدادوا إلحاحاً عليه ازداد ابتعاداً عنهم ورفضاً لتولي القضاء. بل قام بتشجيع الناس على عدم معارضة ثورة النفس الزكية، التي خرجت في المدينة ضد العباسيين. واستمر في معارضته حتى وصل الأمر إلى سجنه وتعذيبه. وقيل: أنه مات مسموماً على أيدي العباسيين، والله أعلم.
مات أبو حنيفة دون أن يكون له مذهب يُعرف به وكان أتباعه يقتصرون على بعض الكوفيين. ثم إن السلطات بعد وفاة الإمام أبي حنيفة استطاعت أن تحتوي أكبر تلامذته، وهم: أبو يوسف القاضي (113-182هـ)، ومحمد بن الحسن الشيباني (131-189هـ)، والحسن بن زياد اللؤلؤي، وإناطة القضاء والإفتاء بهم. وكان أبو يوسف قد انضم إلى السلطة العباسية أيام المهدي العباسي سنة 158، وظل على ولائه أيام الهادي والرشيد. وما زال يتقرب من الخليفة حتى ولاه منصب قاضي القضاة، حيث صار تعيين قضاة الدولة بأمره. فكان لا يولي قاضياً إلاّ من أصحابه والمنتسبين إلى مذهبه. وهذا معناه تبني الدولة العباسية بأسرها لمذهب أبي يوسف الحنفي.
يقول ابن حزم كما في "نفح الطيب" (2|6): «مذهبان انتشرا –في بدء أمرهما– بالرياسة والسلطان: مذهب أبي حنيفة، فإنه لما ولي القضاء أبو يوسف، كانت القُضاة من قِبَلِهِ من أقصى المشرق إلى أقصى عمل إفريقية. فكان لا يولّي إلا أصحابه والمنتسبين لمذهبه. (ومذهب مالك...) والناس سُرّاعٌ إلى الدنيا. فأقبلوا على ما يرجون بلوغ أغراضهم به...». قال ابن عبد البرّ: «كان أبو يوسف قاضي القضاة، قضى لثلاثة من الخلفاء، ولي القضاء في بعض أيام المهدي ثم للهادي ثم للرشيد. وكان الرشيد يكرمه ويجلّه، وكان عنده حظياً مكيناً. لذلك كانت له اليد الطولى في نشر ذكر أبي حنيفة وإعلاء شأنه، لما أوتي من قوة السلطان، وسلطان القوة».
لقد انتشر مذهب أبي حنيفة في البلاد منذ أن مكّن له أبو يوسف بعد تولّيه منصب قاضي القضاة في الدولة العباسية، وكان المذهب الرسمي لها، بالإضافة لمذهب مالك في الحجاز. فلما مات مالك، صار المذهب الحنفي المذهب الرسمي الوحيد. فانتشر في العراق وفي مشرقها من بلاد العجم: فارس وما وراء النهر (تركستان) وأفغانستان والهند. كما كان المذهب الرسمي لعدد من دول المشرق كدولة السلاجقة، والدولة الغرنوية ثم الدولة العثمانية. وبسبب فتواه الذي أجاز الخلافة لغير قريش، استحسن الأتراك مذهبه خلال حكم الدولة العثمانية واعتبروا المذهب الحنفي مذهب الدولة. ثم أخذوا يحملون الناس على اعتناق مذهبه، حتى أصبح أكبر مذهب إسلامي له أتباع بين المسلمين، بسبب طول فترة حكم الدولة العثمانية الذي امتد حوالي سبعة قرون من الـزمن. بل بلغ بهم الأمر إلى فرض قراءة حفص عن عاصم، بدلاً من القراءات المنتشرة في العالم الإسلامي (وبخاصة قراءة الدوري)، لمجرد أن أبا حنيفة كان يقرأ بها! ونشر الأتراك مذهبه في شرق أوربا والعراق وشمال الشام، لكنهم فشلوا في فرضه في المناطق البعيدة عن نفوذهم كالجزيرة وإفريقيا.