منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب - عرض مشاركة واحدة - دفاعا عن شيخنا أبي اسحاق الحويني
عرض مشاركة واحدة
قديم 2011-04-10, 19:57   رقم المشاركة : 2
معلومات العضو
ناشر الخير
عضو نشيط
 
إحصائية العضو










افتراضي

كشف التّعصّب و المَيــْـن و الكيل بمِكياليْــن



حوار مع صاحب



( الأصول التي خالف فيها الحويني أهل السّنّة )



أبو عبد الأعلى خالد بن عثمان المصري وفّقه الله



الحلقة الثّانيـــة : و فيها أربع وقفات :



الوقفة الأولى :



في بيان وجه الشّبه بين طريقة الأستاذ و بين طريقة المبتدعة في الإجمال.



الوقفة الثّانية :



في مواجهة المتعصّبين بهذه الحقائق و أنّها كفيلة بصدّهم و إلجامهم : (ما معنى حزبي , ما معنى قطبي , ما معنى مميّع..)



الوقفة الثّالثة :



استطراد : تعجيل ببيان مثال واضح و طريقة خطيرة للكذب و التّلبيس الذي وقع فيه الأستاذ :



( هل أساء الحويني الظّن بالعلماء الذين ردّوا على سيّد قطب؟)



- فائدة و تنبيه :



ليس البحث في إثبات أو نفي القول بالوحدة عن سيّد قطب , ولا في من هو المخطئ من المصيب , بل في كشف طريقة الأستاذ في الفهم و الزّعم .



الوقفة الرّابعة :



مثال تطبيقي من شيخ الإسلام للتّعامل مع الألفاظ المجملة التي يتعاطاها المخالفون , يتجلّى فيه صحّة ما سبق تقريره ها هنا والحمد لله على توفيقه .



بسم الله الرّحمن الرّحيم



الحمد لله ربّ العالمين , له الحمد الحسن و الثّناء الجميل , و أشهد ألّا إله إلا الله وحده لا شريك له يقول الحقّ و هو يهدي السّبيل , و أشهد أنّ محمّدا عبد الله و رسوله صلّى الله عليه و على آله و صحبه و سلّم تسليما كثيرا إلى يوم الدّين أمّا بعد



فقد بينت في الحلقة الأولى من الحوار مع الأخ خالد المصري فسادَ شيء مما تحزّبَ عليه وعُرِف به مع عدّة من إخوانه فرسان الجرح الجدد , أعني التبديع بالمجملات و القذف بالمحتملات و الاستشهاد بالعمومات , وأنّ ذلك في الحقيقة إنّما هو سمة من سـمات أهل البدع , يَجدُر بمن انتسب إلى السنّة أن يتنزّه عن التعامل به حتى مع أعداء السنة فإنّ العدل مأمور به مع كلّ أحد , في كلّ موقف و زمان , و ما نال أهلُ السنّة مرتبة النصر و الظهور إلى قيام الساعة إلا لخصال أبرزُها التوسّط و العدل و الإنصاف , و من رام نصرة الحق بالظلم و التجني لم يعد على ذلك الحق إلّا بالإبطال ثمّ كان في ميزان الشّرع مذموما لأنّ الله تعالى طيبٌ لا يقبل إلا طيبا, فكيف بمن نصّب أصولا مبتدعة ليهاجم بها أهل السنّة و الصّلاح , كما هو حال الأستاذ و من معه فإنّهم بذلك قد جمعوا بين شرّين: الأوّل:إدخال أصول فاسدة على حدثاء الأسنان , و تلفيقها و دسّها في منهج السّلف.



والثاني : إخراج أقوام لا يحصون من السنّة بغير حقّ و لا سلطان مبين .



و قد صار مفروضا على كلّ من وقف على فضاعة هذا التجني على السنّة و أهلها أن لا يتردّد في صدهم عن غيّهم و بيان عوار مسلكهم , و براءة منهج السلف منه , بالدّليل القاطع و البرهان السّاطع , لا يخاف في ذلك صمت الجمهور و لا هيبة المجتهد المأجور فإنّ السّاكت عن الحقّ شيطان أخرس كما قال أبو عليّ الدقّاق رحمه الله تعالى.



و الحقّ أنّ متابعة هذه الأصول الفاسدة أصلاً أصلًا , و إن كان غير محال إلّا أنّه متعسّر ولكن ما لا يدرك كلّه لا يترك جلّه , و قد ذكرت في الحلقة الأولى أنّ (ما ذكر دليل على ما لم يذكر) و أنّ الكلام و إن كان ظاهره خاصّا بالدفاع عن الشيخ أبي إسحاق عافاه الله , فإنّه في الحقيقة عامّ في جلّ أو كلّ من رمي من أهل الصّلاح بهذه الافتراءات وعلى أساس تلك الأصول المتهافتات , فإنّ السّكّين الذي ذَبَحَ به الغلاةُ منهج السّلفِ وعلماءَ السّلفِ في قلوب المتحمّسين , هو سكّينٌ واحد , فصارت المصلحة متحقّقة إن شاء الله تعالى في عموم هذه المسائل و ليس في خصوص السّبب الظّاهر الذي هو الذّبّ عن الشّيخ حفظه الله تعالى , و سأذكر بعدُ نماذج من تصرّفات بعض المغفّلين في جرح العلماء الرّبّانيّين بطريقة عجيبة غريبة , أغرب ما فيها تبجّح أصحابها بحمل لواء السّلف وأقوى دليل لهم على ذلك قولهم (زكّاني فلان أو أنا تلميذ فلان) فكأنّ تزكية فلان هذه قد أسقطت عليه المتابعة بالاستفسار و المطالبة بالاستدلال , و هذا مسلك خرافيّ صوفيّ سيأتيك نبأه بعد حين و الله المعين .



و أما في هذا المقام و قبل أن أبدأ في نقض أسّ آخر من أسس الظّلم التي بنى عليها الأستاذ خالد المصري مقالته فإني أود أنْ أختصر و أوضّح المقصود من الحلقة الأولى تعجيلا للفائدة و استجابة لعددٍ من الإخوة الذين كلّموني في الأمر جزاهم الله خيرا و قد عبّر غالبهم عن تشجيعه و شكره , و طلب بعضهم زيادة توضيح واختصار و ربـط للكلام العام بالسبب الخاص , أي: بيان وجه الظلم و التجني في نسبة الشيخ أبي إسحاق و آخرين إلى السروريّة و القطبية و الحزبيّة .., كما فعل الأستاذ خالد المصري وأعانه على ذلك (شباب جاهلون) و طالبُ علم يزعم الانتساب لطريقة أهل الحديث والسنة , أعني الأستاذ أسامة عطايا العتيبي هدانا الله و إياه إلى التي هي أقوم .



فأقول مستعينا بالله : الذي أراه في رأيي القاصر أنّ حكاية التناقض و الاضطراب الذي أثبتّه لكَ في الحلقة الأولى بخصوص هذه الألفاظ المجملة , تجعل المنصف يعرض عن تعاطيها و يتبرّأ من صنيع مستعمليها على سبيل الإطلاق الموهم المضطرب سواءً مع الحويني أو مع غير الحويني , و هذا الإبطال يُغني عن العودة و التكرار بتكرّر الصنيع و الأحوال , ولذلك رأيت أن أكتفي بما سطرت حول (بدعة التبديع بالمجملات) إلى ختام هذه الحلقات , أما و قد حصل ما حصل فلا بأس بوقفة توضيح تدعّم الطرح السّابق وتزيد من توضيح الحقائق و تضع النّصال على النّصال مع استطراد أستدرك به التّأخّر في الانتقال إلى دحض فرية أخرى , و ذلك بتعجيل بيان شيء من (الكذب) و (التّلبيس) الذي وقع فيه الأستاذ والله المستعان :



الوقفة الأولى : في توضيح وجه الشبه بين طريقة الأستاذ و أضرابه و بين طريقة المبتدعة في استعمال ألفاظ ( الحشو و الحشوية والتجسيم و المجسّمة ) و من جهته (حزبي و حزبيّة , قطبي وقطبيّة ) و أنّهما سواء في الطّريقة المذمومة:



اعلم أخي الحبيب , أنّ طالب الحق يعبد الله تعالى بما يكتب من مسائل العلم على اختلاف صورها و ماهيّاتها و موضوعاتها , فصار على هذا الكاتب - ككل متّعبد- أن يلتزم بركني قبول العمل و فلاح صاحبه , و اللّذان هما :



الأوّل الإخلاص لله تعالى , فلا يكون انتهاضه حميّةً لشيخٍ ولا لمذهب و لا لمعلّم , و لا لمصلحة خاصة و لا لحطامٍ من حطام الدّنيا كالشّهرة و التّصدّر .



والثاني المتابعة لرسول الله صلى الله عليه و سلّم , فلا يتبّع من دونه رجالا غير معصومين و لا يرضى بغير مسلكه بدلا من مسالك الأصحاب التي خالفوا فيها سبيل المؤمنين عن اجتهاد أو غير ذلك , بل عليه أن يتبّع منهج النبي الكريم في كل دقيق و جليل , داعيا الله تعالى أن يعيذه من أن يركب الهوى عن عمد , و أن يغفر له ما تسرّب إلى نفسه منه عن غير قصد , و هذا الذي ناقشت فيه الأخ و أضرابَه داخلٌ تحت هذا الرّكن الرّكين , والذي هو متابعة الرّسول الكريم في منهج الأمر بالمعروف و النهي عن المنكــر , والذي من مظاهره ما نقلت لك إجماع أهل السنّة على فهمٍ دقيق للنّصوص, خلاصته ذمّ الإجمال و البعد عنه و البراءة منه .



و قد رأيتَ محلَّ الأستاذ خالد و كثير من إخوانه المجتمعين على الطعن بالباطل من هذا الموقف السّلفيّ الذي اكتفيت في بيانه بنقل بعض النّصوص المجزئة من القرآن و السنّة , مع بيان فُهوم بعض الرّاسخين و مناهج العلماء الرّبانيّين في هذه المسألة و التي تعبر عن الموقف الحقّ الذي لا أعلم له مخالفا إلّا أن نعتبر بمخالفة كبار المبتدعة أو صغار طلبة العلم السنّيّين ممّن وقع في الخلط و الله المستعان .



فمنْ نصّب نفسه لمحاكمة غيره و الحكم عليهم و تصنيفهم بأسماءَ يطلقها ليعبّر بها على خلاصة ما توصّل إليه عقله , ناسبا ذلك إلى شريعة الرّحمن , فإنّ عليه أن يطلق أسماء معروفة المعنى صريحة في ما تدلّ عليه لا يعتريها غموض و لا إجمال .



فالسّلف رحمهم الله حين أطلقوا لفظة القدريّة على أهل القدر , و أطلقوا الخارجية على الخوارج , و أطلقوا صفة الإرجاء على المرجئة و أطلقوا الاعتزال على المعتزلة , لم يكن ثمّة التباس و لا تداخل في معناها , فكان مجرّد إطلاقها ينصرف معهُ الذّهن إلى نوع من عباد الله قد اجتمع أهله على أصل بدعيّ مشترك , تميّزوا به عن غيرهم بما يجعله علامة مميّزة لهم و سمة دالّة عليهم , لا يشركهم فيها فريق , و إن كان يشاركهم في غيرها ممّا لا يصلح لأجل ذلك الاشتراك أن يكون علامة على أحد الأطراف استقلالا .



و قد اعتنى علماء الإسلام بتوضيح الألفاظ الشّرعية و بيان معانيها في الشّرع معتمدين في ذلك على الكتاب و السنة و الإجماع , ليس فقط في باب التّبديع , و لكن في باب الأسماء و الأوصاف التي يتداولونها جميعا , و ما ذلك إلّا لورعهم و رغبتهم في الخير و حماية الدّين من تحريف الغالين و تأويل المبطلين , و عملا بقوله تعالى ((و إذا حكمتم بين النّاس أن تحكموا بالعدل)) و قوله تعالى (( و إذا قلتم فاعدلوا)) و غير ذلك من الكثير الطّيّب الذي ينتفع به كلّ من كان له قلب .



و في المقابل , اشتهر المبتدعة بالخلط و الخبط في باب الأسماء و الأوصاف , فابتدعوا ألفاظا مجملة ما أنزل الله بها من سلطان كالمجسّمة و الحشويّة , و أدخلوا من التّحريف على الألفاظ الشّرعيّة بما أدخل عليها الإجمال الطّارئ كما في لفظ التّوحيد و التنزيه , وقد أدّى ذلك إلى تلاعبهم بها في مقام ردّ الحقّ أو قول الباطل , تماما كما يتلاعب الغلاة اليوم بالألفاظ غير المضبوطة في الشّرع , في مقام التّنفير من الحقّ الذي لا يعجبهم , أو التّرغيب في الباطل الذي يزعمون أنّه حقّ !.



فكان المبتدعة يطلقون لفظ (المجسّمة , المحدّدة , الحشويّة , الممثّلة , التّجسيم , الحشو ) في مقام ردّ الصّفات الخبريّة الذّاتيّة التي جاءت بها النّصوص القرآنيّة و الحديثيّة , معتمدين على ما فيها من الإجمال الذي يجعلها محتملة لحق و محتملة لباطل , أو يجعلها محتملة لأكثر من وجه , ثم يطلقون على أهل السنّة (مجسّمة ) على سبيل ذمّهم و تنفير النّاس عنهم , بالخلط بين من يثبت ما جاء به النّصّ من الصّفات الثّابتة لله عزّ و جلّ كاليد و القدم والعين والوجه و بين طائفة منقرضة كانت تزعم أنّ الله تعالى جسمٌ أو أنّه يشبه أجمل مخلوق من بني آدم أو أنّه عزّ و جلّ له يدٌ كيدنا و وجه كوجوهنا و قدم كأقدامنا .



فاللّفــظ (تجسيم و مجسّمة) يحتمل معنى باطل و هو الغالب عليه , و يشتمل مع ذلك على معنى صحيح و هو الإثبات المفصّل المقيّد بقواعد أهل السنّة و الجماعة .



فيأتي المبتدع و يطلق بذمّ التّجسيم , و يطلق بذمّ المجسّمة , ثمّ كلّما رأى سنيّا أثبت صفات الباري على طريقة السّلف , رماه بهذه الفرية و قال أنت مجسّم و هذا تجسيم.



فصارت لفظة التّجسيم و الحشو , و صفات المجسّمة و الحشويّة و غيرها , صفات مجملة محتملة لأكثر من معنى , و ليس لها معنى واضحا معلوما بالكتاب و السنّة و الإجماع يتعلّق به حكم شرعيّ مجمع عليه أيضا سواء كان مدحا أو ذمّا , بل هي مشتملة لمعنى مذموم ومعنى محمود , فالمذموم منها ما تكلّم به غلاة الممثّلة و المشبّهة من وصف الله تعالى بمماثلة خلقه من كلّ وجه , و وصفه تعالى بما يتنزّه عنه كلّ مؤمن قدر الله حقّ قدره .



و المعنى المحمود : هو إثبات صفاته جلّ و علا التي أخبر بها في كتابه أو أخبر بها نبيّه الكريم, على وجه يليق بجلاله و عظيم سلطانه , و هو معتقد أهل السنّة و الجماعة .



فالمبتدعة يحرصون على إطلاق هذه الأوصاف في الرّدود و المناظرات و عند تقرير عقائدهم الباطلات , استغلالا منهم لما اشتملت عليه من الباطل في ردّ ما يشتمل عليه معناها من حقّ و الذي هو معتقد أهل السنّة و الجماعة و الذي يعتبر (قدرا مشتركا) من المعنى بين كلا الفريقين , و أمّا أهل السنّة فإنّهم لا يذمّون من الأسماء إلّا ما قام الدّليل الصّريح من الكتاب و السنّة و الإجماع على ذمّه شرعا , و لا يمدحون منها إلّا ما قام الدّليل الشّرعي على أنّه ممدوح شرعا , و ما لم يرد الشّرع بمدحه و لا ذمّه , لا بإثباته و لا نفيه فإنّهم يتوقّفون فيه فلا يصفونه بشيء من المدح و الإثبات أو الذّمّ و النّفي , فإذا أورده أهل التّلبيس عليهم استفصلوا منهم ليعرفوا قصدهم به , ثمّ ينظرون فما كان فيه من باطل تبرّؤوا منه , و ما كان فيه من حقّ نصروه , فكان مسلكهم خاليا من الالتباس محفوظا من الانتكاس , لا يتطرّق إليه خلل أو اضطراب .



و اليوم –و إلى الله المشتكى- أدخل إخواننا في تلك الأسماء الشّرعيّة الدّاخلة في باب التّبديع , ما لا يقلّ إجماله و التباسه عمّا فعله هؤلاء المبتدعة , بل إنّ الإجمال في كثير من الأسماء التي يذمّون بها (كحزبيّة و قطبيّة..) قد يفوق الإجمال الذي في لفظ ( التّجسيم و مجسّم) و (الحشو و حشويّة) و ذلك أنّه – كما بيّنت لك في الحلقة الأولى- لا يوجد عندهم اصطلاح معيّن واضح لهذه الألفاظ , بل تتغيّر من واحد لآخر , و من موقف لموقف , و ربّ سَورَة غضب من أحدهم ألحقت عالما فاضلا بالقطبيّة , و ربّ خصومة في أمر اجتهاديّ حشرت آخرَ في ضفّة السّروريّة , و آخر في الحزبيّة و رابع في المرجئة وخامس في الخوارج , و لفظ الخوارج و المرجئة لفظ منضبط بضوابط أهل العلم و السنّة ليس فيه خلل في الأصل لكنّه دخله الاشتراك و الإجمال هو أيضا فصار في حكم سابقاته من الإطلاقات و لله الأمر من قبل و من بعد



الوقفة الثّانية :



في مواجهة المتعصّبين بهذه الحقائق و أنّها كفيلة بصدّهم و إلجامهم :



(ما معنى حزبي , ما معنى قطبي , ما معنى مميّع..)



و الحاصل , أنّ فصل الخطاب أن تتّقي الله تعالى و تحرص على اجتناب أهل الإجمال والإبهام ما استطعت , فإنْ صادفك أحدهم في مضيق , و حاول أن يسدّ عليك الطّريق وقال لك : فلان سروري و علّان حزبيّ و الثّالث قطبيّ , فحسبك حماية منه و إلجاما له وإفحاما أن تقول له : إيش سروريّة و ما هو ضابط القطبيّة , و ماذا تعني بالحزبيّة ؟



فإنّه قد عَلمَ كلّ من كَـوَتهُ نيران الظّلم من قريب أو من بعيد أنّ اصطلاحكم فيها غير معلوم و تفسيركم لها غير مفهوم , فأنتم تطلقونها على مادح سيّد قطب ثمّ على مادح مادحه ثمّ على من أبى إطلاقها عليه , ثمّ على من دافع عن الثّالث أو وصفه بالعلم والفضل و كذلك الحزبيّة , تطلقونها على من حاضر عند جمعيّة أو منظّمة , ثمّ تتبعونه من قاد به سيّارته و من وضّب له جهاز الصّوت ثمّ على من مشى معه ثمّ على من مشى مع الذي مشى معه , و قد تطلقونها على من استشهد بكلام سليمٍ له في كتاب , ثمّ على من باع ذلك الكتاب في مكتبته ثمّ على صاحب المطبعة التي طبعت الكتاب (إن كان سلفيّا)... ,



و علماؤنا جمهورهم مُعرضٌ عن أغلب تلك العبارات , ثمّ ما أطلقوه منها فإنّهم يعنون به حزب الإخوان و من على شاكلتهم كحزب التّحرير و العدل و الإحسان و ما شابه ذلك.



فماذا تعني أنتَ بهذا الوصف الذي وصفتَ به العـالم الفلاني أنّه قطـبي ؟



- إن كنت تعني أنّه أثنى على سيّد قطب ثناء مقيّدا , فقد أثنى عليه الألباني و ابن باز بأكثر من ذلك.



- و إن كنت تعني أنّه استشهد بكلام حقّ قالهُ سيّد قطب فإنّ الشّيخ ابن باز أقرّ من استشهد بكلام كافر , بل إنّ الله تعالى في القرآن أقرّ الكافرين على بعض أقوالهم حال كفرهم لـمّا كانت حقّا , و كذلك قد نقل الشّيخ الألباني عن سيّد قطب واصفا إيّاه بالأستاذ الكبير (مختصر العلو) مع تصريحه في مواضع أخرى أنّه ليس من أهل العلم بالعقيدة و الفقه ومنهج السّلف و هذا عليه من تصفهم أنت بالقطبيّة.



- و إن كنت تعني أنّهم لم يتكلّموا فيه بمثل ما تكلّم به شيوخك حذو القذّة بالقذّة فليس بألفاظ شيوخك و أحكامهم يعْـبُد النّاس ربّهم , و قد خالف شيخك من هم أعظم منزلة منهُ و من المجروح عندك فهلّا تجرّأت على قول كلمة فيهم ؟!!



و هذا كلّه سيأتي مفصّلا في موضعه فاسألِ الله الصّبر على تقبّل الحق و العون على الرّجوع , و خلاصة الكلام , أنّ هذا الوصف الذي تصف به الحويني و غيره ممّن تجرّأت عليهم يشمل بمعناه و بلوازمه كثيرا من أئمّة هذا الزّمان , إمّا لأنّهم أثنوا هم أيضا على سيّد قطب , و إمّا لأنّهم عارضوا موقف شيوخك جملة أو تفصيلا , و إمّا لأنّهم استشهدوا بكلام سيّد قطب في بعض كتاباتهم , و إمّا لأنّهم دافعوا عليه و برّؤوه ممّا نسبه إليه شيوخك و من تتعصّب لهم من مقلّديه و مناصريه , فتحصّل أنّك إذ تجرّأت على ذمّ الحويني بالقطبيّة , فإنّك أبنت على حقيقة موقفك من الأفاضل الذين لم تتجرّأ عليهم حفاظا على طريقتك التي تعضدها بزعم اندراجك في مسالكهم و هم من مسلكك أبرياء لأنّك تعلم أنّك لو صرّحت بضلال أحدهم و قطبيّته , لا انكشف أمرك للطّلبة المخدوعين بك و انهار بنيانك من أسّه , و إلّا فأين هي العلّة في جعل الشّيخ أبي إسحاق قطبيّا ؟



إن قلت التّكفير بالإصرار على الكبيرة , فجوابه من وجوه : أولا هذا استدلال بأمر متنازع عليه وسيأتيك نسفه قريبا بإذن الله تعالى , و مع ذلك , فحتّى لو ثبتت فإنّ هذه عقيدة الخوارج و هو قول (نجدة بن عامر الحروري) كما زعم الأستاذ في تقريره, فكانَ عليك أنْ تنسبه للخوارج لأنّهم فرقة معروفة المعالم و للنسبة إليها ضابط شرعيّ يُـسهّل التّخلّص من الإجمال الذي أدخله فيها المفسدون , كما أنّك لو فعلت ذلك لدفعت عن نفسك تهمة (سلوك سبيل المبتدعة في اعتماد الألفاظ الأدخل في التّلبيس) , و لكنّ إصرارك على التّعامل بهذه الطّريقة المنحرفة يجعلك مخاطبا بهذا الكلام مستحقّا لهذا الوصف .



ثانيا : فإن كنت تجعل العلّة في وصفك إيّاه بالقطبيّة ثناؤه على سيّد قطب أو موافقته على (بعض) كلماته أو دفاعه عنه من (بعض) ما انتقد عليه , أو الاعتذار له من ذلك , أو التّشنيع على (بعض) من اتّهموه بالزّندقة أو الاتّحادية أو الحلول فيقال لك :



و ما الذي جعلك (تجبن) و (تتخاذل) عن نصرتك المزعومة للسنّة التي (خالفها) الحويني بموقفه من سيد قطب , حين رأيتَ سماحة المفتي و الشّيخ ابن قعود و الشّيخ ابن جبرين والشّيخ بكر أبو زيد و الشّيخ ابن باز و الشّيخ الألباني قد وقع من كلّ واحد منهم شيء من ذلك (الثّناء أو الإنصاف أو الدّفاع أو الاعتذار) ؟



و لو أنّك اكتفيت بذلك العمل لكنت مستحقّا للتّشنيع عليك من كلّ عاقل , فكيف وقد زدت عليه زعما آخر لا أجد له اسما غير (الكذب) حين زعمت أنّ الحويني يخالفهم وأنّهم أدانوا سيّد قطب بالقول بخلق القرآن و تقرير وحدة الوجود , و أنّ الحويني قد استخفّ بهم و أساء بهم الظنّ كما جاء في تقريرك المذكور و هذا نصّ كلامك :



قلت (القائل أبو عبد الأعلى خالد المصري): ومن هم العلماءالذين (يتلككون) –أي: يتربصون الدوائر- بسيد قطب، هم ابن باز والألباني وابن عثيمينوربيع بن هادي وعبيد الجابري والدويش وزيد المدخلي وصالح آل الشيخ..إلخ علماءالسنة الذين انتقدوا على سيد قوله بخلق القرآن وتقريره عقيدة وحدة الوجود.


فهو ( يقصد الحويني )يسيء الظن بالعلماء من أنهم يتعمدون تخطئة سيد وتضليلهبغير حق... (و ليلاحظ القارئ الكريم هذا الأسلوب العربيّ الرّفيع في التّعبير!!!)


و هذا الكلام مشتمل على زعمين لي معهما وقفة :



الوقفة الثّالثة : استطراد ببيان مثال واضح و طريقة خطيرة للكذب و التّلبيس الذي وقع فيه الأستاذ و ابتلعه إخوانه !



( هل أساء الحويني الظّن بالعلماء الذين ردّوا على سيّد قطب و هل لمزهم؟)



و ذلك أنّ كلام الأستاذ المنقول أعلاه فيه قولي زور أقف معهما و أعرض عن الثّالث إلى حين :



الأوّل: أنّ الحويني يسيء الظنّ في (ابن باز و الألباني و العثيمين و ربيع و عبيد و الدويش و زيد المدخلي إلى آخر هؤلاء من علماء السنّة)



و الثّاني : أنّ هؤلاء المذكورين (و غيرهم من علماء السنّة) انتقدوا على سيّد قطب (قوله بخلق القرآن و تقريره عقيدة وحدة الوجود ) .



و أمّا الثالث و هو زعمه أنّ الحويني يسيء بهم الظنّ ففرية ليس هذا موضع بيانها , غير أنّني أقول له :



كلامك ظاهرٌ أنّ (كل) من ذكرتهم بل (و غيرهم من علماء السنّة) قد انتقدوا على سيد (تقريره لوحدة الوجود و قوله بخلق القرآن) .



أقول : ألا تتقي الله يا أستاذ خالد المصري ؟ ألا تدري أنّك لو عجزت على إثبات نسبة هذا الانتقاد إلى واحد منهم كنت كاذبا أبشع أنواع الكذب ؟ كيف و أنت أعجز وأعجز , و أنا أسألك : أين قال الشّيخ صالح آل الشّيخ أنّ سيّد قطب ( قال بخلق القرآن و قال بوحدة الوجود) , و السّؤال الثّاني : (أين قال الشّيخ الدويش أنّ سيّد قطب قال بخلق القرآن و قرّر عقيدة وحدة الوجود)



مع تنبيه القارئ و الأستاذ إلى الفرق الشّاسع بين معنى قولهم (قال بخلق القرآن , و قرّر عقيدة وحدة الوجود) و بين قولهم ( قال كلاما يوهم أنّه يقول بخلق القرآن , و يوهم بالقول بوحدة الوجود) .



فإنّ من نصّب نفسه لهذه الأمور و هو لا يفرّق بين أظهر معاني كلمات أهل العلم فهو جاهلٌ أحمقٌ و لا تنفعه التّزكيات و لسنا صوفيّة ننبهر بالمشي على الماء و الطّيران في الهواء لكنّنا أهل سنّة نمشي على وفق القاعدة : إن كنت ناقلا فالصّحّة أو زاعما فالدّليل و العبرة بموافقة الحقّ و السنّة لا بغيرها .



فإن قال الأستاذ : لا أنا أفهم الكلام العربي , بقي محمل واحدٌ لتصرّفه ذلك و هو أن يكون الأستاذ واقعا في التّلبيس و الكذب على إخوانه الطيّبين المخدوعين به , و لكي أبيّن لك ذلك جليّا فسأسوق لك قول أربعة من علماء السنّة , ثلاثة ممّن ذكرهم الأستاذ في كلامه المنقول آنفا و هم ( الشّيخ ابن باز و الشّيخ الدويش و صالح آل الشّيخ) و الرّابع لم يسمّه الأستاذ ولكنّه حشره معهم بقوله ( ..الخ من علماء السنّة) و هو سماحة المفتي العام.



و بعد أن أنقل للقارئ هذا الكلام سأسألُ المنخدعين بالأستاذ و بالتّزكيات , و سأسأل أصحاب التّعليقات الممجّدة تحت ذاك الموضوع عن أشياء لا مناص لهم من الجواب عليها فأقول :



- أمّا الشّيخ ابن باز:



فقد عرض عليه هذا كلام سيّد قطب (الموهم للقول بالاتّحاد) ثمّ قال له السّائل : ما فيها دلالة على أحدية الوجود ؟



فأجاب الشّيــخ رحمه الله تعالى : (لا، مراده موجد الأشياء، ما قال: ما هنا وجود إلا هو, بل هو موجد الأشياء ، وهو الخالق لها، عبارات يعني قد توهم بعض الناس...كلامه موهم، يوهم وحدة الوجود، ما هو مراده، مراده: أن الله هو الوجود الحقيقي الذي به وجدت الأشياء، وبه خُلِقت الأشياء، لكن تنطعه يبي يمضي مراده ، هذا التنطع الكثير، حتى يلبس على الناس ) المصدر : براءة علماء الأمّة من تزكية أهل البدعة و المذمّة (حاشية صفحة 40) (بواسطة)



- الشّيخ صالح آل الشّيخ



قال حفظه الله : (... ومن أمثلته –يعني ما في كتاب الضّلال- أنه يشعر في سورة الإخلاص،بأنّ عنده ميلاً إلى بعض مذاهب المتصوفة، من القائلين بوحدة الوجود، أو نحو ذلك، يُفهم منه، ما نقول: إنه ظاهر بيِّن، لكن يُفهم منه ) شرح كتاب مسائل الجاهلية الشريط السابع .



- الشيخ عبدالله الدويش


قال رحمه الله تعالى (... ولعلّه لم يقصد ما يفهمه من قول الاتحادية، ونحن إنما قصدنا التنبيه على كلامه، لئلا يغتر به من لا يفهمه، وأما هو فله كلام صريح في الرد على الاتحادية، كما هو في "خصائص التصور الإسلامي ) .المورد العذب الزلال في بيان أخطاء الظلال (بواسطة).


الشّيخ عبد العزيز آل الشّيخ حفظه الله تعالى:



سئل الشّيخ بالسّؤال التّالي:



السائل : ما الفرقبين أحدية الوجود في تفسير الظلال وفكرة وحدة الوجود الضالة ؟



الشّيــخ : ياإخواني تفسير سيد قطب في ظلال القرآن هو كتاب ليس تفسير لكنه قال تـحت ظلال القرآنيعني كأنه يقول للمسلمين هذا القرآن نظام الأمة فعيشوا في ظلاله و استقوا من آدابه وانهلوا من معينه الصافي وأقبلوا بقلوبكم على القرآن لتجدوا فيه علاج مشاكلكم و حل قضاياكم وتفريـج همومكم إلى آخرهوالكتاب له أسلوب عالٍ في السياق ، أسلوب عال ... أسلوبا أدبيا راقيا عاليا لكن لا يفهم هذا الأسلوب إلا من تمرس في قراءة كتابه....) إلى آخر كلامه و هو مسجّل ضمن الدّرس السّادس من شرح الشّيخ على كتاب التّوحيد .



فالسّـــــؤال هو : هل هذا الذي نقلته لك آنفا عن هؤلاء العلماء الأربعة يتّفق مع زعم الأستاذ أنّهم (أدانوا سيّد قطب بالقول بخلق القرآن و تقرير وحدة الوجود) , و هل من ثبت عنده أقوال هؤلاء العلماء , سيسلّم بأنّ الأستاذ إمّا واقع في الجهل , فليس بأهل للخوض في هذه المسائل , أو واقع في الكذب الصّريح مع سبق الإصرار و التّرصّد حين قال (ابن باز والألباني وابن عثيمين وربيع بن هادي وعبيد الجابري والدويش وزيد المدخلي وصالح آل الشيخ..إلخ علماءالسنةالذين انتقدوا على سيد قوله بخلق القرآن وتقريرهعقيدة وحدة الوجود)



و هم كما ترى (الشّيخ ابن باز يقول :كلامه موهم –مع ذمه- و كذلك الشيخ صالح آل الشيخ يقول كلامه موهم , و كذلك الشّيخ عبد الله الدويش يقول كلامه موهم , و سماحة المفتي يقول : ليس يقول بوحدة الوجود) فهل يكون الأستاذ صادقا ؟



فــــائدة و تنبيه :



و المقصود هنا بيان جهل الأستاذ أو تحامله بالزّور و البهتان على أهل العلم و الفضل , وليس المقصود بيان (هل فعلا قال سيّد قطب رحمه الله تعالى بوحدة الوجود و بخلق القرآن أم لم يقل بذلك) فإنّ هذا ليس محلّ البحث و لا هو موضع النّزاع و إن كان سيأتي الكلام عليه في موضعه إن تطلّب الأمر ذلك .



و حيث أنّ هؤلاء العلماء لهم أقوال كالتي مضى سردها فإنّ الذي تقتضيه الدّقّة و الإنصاف في الرّدود العلميّة , أن يحرّر المتكلّم مواقف العلماء الذين نسب إليهم ذلك الزّعم تحريرا ما بعده من تردّد , ثمّ يصرّح بما يترتّب عليه من مواقف ممّن خالف ذلك القول , و الظّاهر لكلّ ذي بصيرة أنّ الأستاذ إنّما يحشد أسماء العلماء بهذه الطّريقة السّخيفة لكي يبهر القارئ , و لكي يوهم النّاس بنسبة مزاعمه إليهم بل و يوهم أنّهم أجمعوا , فكأنّ من سمّاهم آنفا قد وقفوا في صعيد واحد ثمّ قالوا للنّاس (شهدنا أنّ سيّد قطب قال بوحدة الوجود و قال بخلق القرآن) ثمّ جاء الحويني و تكلّم بما تكلّم به , مع تيقّن! الأستاذ أنّ الحويني كان حاضرا ! لتلك الواقعة و إلّا فإنّ الجاهل بالحكم غير مؤاخذ بمخالفته كما هو معلوم .



فهل يرجع الأستاذ عن هذا الزّعم و خاصّة في زعمه على الشّيخ عبد الله الدّويش و الشّيخ صالح آل الشّيخ (...الخ من علماء السنّة) و الذين منهم سماحة المفتي عبد العزيز آل الشّيخ ؟



و هذا استطرادٌ أردت به التّعجيل بفضح بعض طرق الأستاذ و أضرابه في التّلبيس على الشّباب , و سأعود إليه بالتّفصيل في مبحث خاص بإذن الله تعالى , و أعود الآن إلى خاتمة هذه الوقفة , و فيها نقل نفيس عن شيخ الإسلام ابن تيميّة يطبّق فيها منهج أهل السنّة و الجماعة في التّعامل مع الألفاظ المجملة , و يفضح فيها طريقة الإجمال في مقام التّفصيل و الحجاج , و يبيّن فيها مرامي أهل الباطل من ذلك , و سيتجلّى للقارئ إن شاء الله تعالى كيف أنّ إخواننا هؤلاء شابهوا أهل البدع في هذه الجزئيّة , و كيف أنّ كلمات (حزبي و قطبي و سروري و مميّع وغيرها ) هي كلمات لم يــرد في الشّرع ذمّها و لا مدحها , و ذلك لا بطريق الكتاب و لا السنّة و لا إجماع أهل العلم , و أنّها بذلك شقيقة ( تجسيم و حشو و تمثيل , و حشوية و مجسّمة و ممثّلة ) و ليتأمّل طالب الحقّ هذه الكلمات , ثمّ ينظر : هل سلك القوم منهج أهل السنّة في ما يطلقون عليه (الجرح و التّعديل) أم أنّهم قد سلكوا مسلكا آخر لا فائدة من تسميته و اللّبيب تكفيه الإشارة



الوقفة الرّابعة : مثال تطبيقي من شيخ الإسلام للتّعامل مع الألفاظ المجملة و الرّد على أهل البدع الذين يستعملونها , قال رحمه الله تعالى :



(فصل وأما قول من قال إن الحشوية على ضربين أحدهما : لا يتحاشى من الحشو والتشبيه والتجسيم . والآخر : تستر بمذهب السلف . ومذهب السلف إنما هو التوحيد والتنزيه ؛ دون التشبيه والتجسيم... فهذا الكلام فيه حق وباطل . فمن الحق الذي فيه : ذم من يمثل الله بمخلوقاته ويجعل صفاته من جنس صفاتهم .... وفيه من الحق الإشارة إلى الرد على من انتحل مذهب السلف مع الجهل بمقالهم أو المخالفة لهم بزيادة أو نقصان . فتمثيل الله بخلقه والكذب على السلف من الأمور المنكرة سواء سمي ذلك حشوا أو لم يسم . وهذا يتناول كثيرا من غالية المثبتة .... والناس المشهورون قد يقول أحدهم من المسائل والدلائل ما هو حق أو فيه شبهة حق . فإذا أخذ الجهال ذلك فغيروه صار فيه من الضلال ما هو من أعظم الإفك والمحال . والمقصود : أن كلامه فيه حق وفيه من الباطل أمور : - ( أحدها قوله : " لا يتحاشى من الحشو والتجسيم " ذم للناس بأسماء ما أنزل الله بها من سلطان . والذي مدحه زين وذمه شين : هو الله . والأسماء التي يتعلق بها المدح والذم من الدين : لا تكون إلا من الأسماء التي أنزل الله بها سلطانه ودل عليها الكتاب والسنة أو الإجماع كالمؤمن والكافر والعالم والجاهل والمقتصد والملحد . فأما هذه " الألفاظ الثلاثة " فليست في كتاب الله ولا في حديث عن رسول الله ولا نطق بها أحد من سلف الأمة وأئمتها لا نفيا ولا إثباتا . وأول من ابتدع الذم بها " المعتزلة " الذين فارقوا جماعة المسلمين فاتباع سبيل المعتزلة دون سبيل سلف الأمة ترك للقول السديد الواجب في الدّين واتباع لسبيل المبتدعة الضالين .... فأما الأسماء التي لم يدل الشرع على ذم أهلها ولا مدحهم فيحتاج فيها إلى مقامين :



- أحدهما : بيان المراد بها .



- والثاني : بيان أن أولئك مذمومون في الشريعة . والمعترض عليه له أن يمنع المقامين فيقول : لا نسلم أن الذين عنيتهم داخلون في هذه الأسماء التي ذممتها ولم يقم دليل شرعي على ذمها وإن دخلوا فيها . فلا نسلم أن كل من دخل في هذه الأسماء فهو مذموم في الشرع... وأما قوله : " مذهب السلف إنما هو التوحيد والتنزيه دون التجسيم والتشبيه " . فيقال له : لفظ " التوحيد والتنزيه والتشبيه والتجسيم " ألفاظ قد دخلها الاشتراك بسبب اختلاف اصطلاحات المتكلمين وغيرهم . وكل طائفة تعني بهذه الأسماء ما لا يعنيه غيرهم... الوجه الرّابع أن هذا الاسم ليس له ذكر في كتاب الله ولا سنة رسوله ولا كلام أحد من الصحابة والتابعين ولا من أئمة المسلمين ولا شيخ أو عالم مقبول عند عموم الأمة فإذا لم يكن ذلك لم يكن في الذم به لا نص ولا إجماع ولا ما يصح تقليده للعامة . فإذا كان الذّمُّ بلا مستندٍ للمجتهدِ و لا للمقلدينَ عموماً كان في غاية الفساد والظلم, إذ لو ذمَّ به بعضَ من يصلُحُ لبعض العامة تقليدُهُ لم يكن له أن يحتج به ؛ إذ المقلد الآخر لمن يصلح له تقليده لا يذم به...والنكتة : أن الذّام به إما مجتهد وإما مقلدأما المجتهد فلا بد له من نص أو إجماع أو دليل يستنبط من ذلك . فإن الذم والحمد من الأحكام الشرعية . وقد قدمنا بيان ذلك . وذكرنا أن الحمد والذم والحب والبغض والوعد والوعيد والموالاة والمعاداة ونحو ذلك من أحكام الدين لا يصلح إلا بالأسماء التي أنزل الله بها سلطانه . فأما تعليق ذلك بأسماء مبتدعة فلا يجوز بل ذلك من باب شرع دين لم يأذن به الله . وأنه لا بد من معرفة حدود ما أنزل الله على رسوله)



إلى آخر ما قال رحمه الله تعالى , و كلامه هذا موجود في مجموع الفتاوى الجزء الرّابع صحيفة (144) و فيه فوائد جمّة لا يغني عنها ما نقلته هنا فقد تعذّر نقله جميعا طلبا للاختصار , فليراجعه طالب الحقّ هناك , مع التّنبيه إلى أنّ رقم الصّحيفة (144) وفقا لطبعة الشّيخ سليمان , و رقمها( 88) على طبعة (عامر الجرّار و أنور الباز) .



و من قرأ هذا الكلام و غيره , مستصحبا في ذهنه ما قرّرته له في هذه الوقفة , فسيرى فضاعة ما عليه القوم من الانحراف على سبيل المؤمنين (في ضوابط التّبديع و الحكم على المعيّنين) أو في ما يسمّونه بـ (الجرح و التّعديل) و العبرة بالحال لا بالاسم على كلّ حال و إذا احتجّ عليك المخالف بحصر الكلام في الصّورة التي سيق لأجلها فاستعن بالله تعالى وأعده إلى الحلقة الأولى ففيها بإذن الله تعالى كفاية في ردّ بعض الإيرادات , و في الحلقة القادمة إن شاء الله تعالى سأقف مع الأستاذ وقفة أخرى في دحض فرية أخرى على منهج السّلف و علماء السّلف و أتباعهم بإحسان , و يعلم الله أنّني لو اعتبرت بحالي من القصور و الجهل , و من الغبن في الصّحة و الفراغ , و من اعتراضات الشّانئين و معاتبة الأقربين و من شيء من التّزهيد المرّ على القلب الضّعيف و إن أتى من محبّ قريب , لو اعتبرت بذلك و غيره لاكتفيت بما كتبته في الحلقة الأولى , خاصّة و أنّه لقي بحمد الله قبولا بين الشّباب الذين منهم من كان يحسب (أصول الأستاذ خالد بن عثمان) لا يعتريها خلل وأنّ الأستاذ خالد –إذ حصل على تزكية- فلا يقع منه التّلبيس و لا الهوى الدّافع على البتر و الكذب , بل لعلّه يظنّه العالم الذي يحمل لواء السنّة في مصر الحبيبة , و قد وفّق الله تعالى إلى كشف حقيقة المتستّر وراء (الدّفاع عن السّلفيّة) في ركن من أركان طريقته فلزم أن أواصل كشف ما لا يقل على تلك الأركان بطلانا و خطرا , و هذا أراه واجبا شرعيّا لا يمنعني عنه سوء صنيع الشّباب المشتغلين بالسّب و الشّتم , و بالنّسخ و اللّصق , و بنظم أشعار الغلوّ و الجفاء , تعليقات المدح الزّائف و الثّناء , بل إنّ هذا الكلام يتوجّه إليهم استثمارا للخير الذي لا يخلو منه واحد منهم و إنما استغلّه أهل التّعصّب في ما لا ينبغي فحال أحد هؤلاء المبتدئين كحال المخاطب بقول الشّاعر :



عرفت هواها قبل أن تعــرف الهوى ° فصادف قلبا خاليا فتمكّنا



و قول مجنون ليلى : (انظر البيت الذي قبله)



صغيرين نرعى البـــهم يا ليتَ أنّنا ° صغيرين لم نكبر..ولم تكبر البـهمُ



و هذا و العياذ بالله تعالى من مصارع العشّاق و الأخلاق , و كلّ ما جاوز حدّه انقلب إلى ضدّه , و واجب التّبليغ قائم على كلّ قادر ,و كلٌّ بحسب ما فتح الله له , فقرّرت بعد نظر و استشارة أن أواصل في الوقوف مع هذه الأفكار الدّخيلة مطيلا للنّفَسِ محتسبا الأجر في الصّبر على المخطئ والمصيب , مستمدّا العون و التّوفيق من ربّ العزّة جلّ وعلا ملتزما بتطبيق معنى قوله عزّ و جلّ (( و العصر إنّ الإنسان لفي خسر. إلّا الذين آمنوا و عملوا الصّالحات و تواصوا بالحقّ و تواصوا بالصّبر))









رد مع اقتباس