منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب - عرض مشاركة واحدة - سيرة شــخــصـيــات أدبــيــــــــة [ موضوع تجميعي ]
عرض مشاركة واحدة
قديم 2011-04-09, 13:02   رقم المشاركة : 8
معلومات العضو
الأستـ كريم ــاذ
مشرف سابق
 
الصورة الرمزية الأستـ كريم ــاذ
 

 

 
إحصائية العضو










B11 شخصيات أدبية: 5/ عبد الرحمن شكري.


عبدالرحمن شكري شاعر وناقد مصري، ينتمى إلى أسرة مغربية الأصل، اتصل أبوه محمد شكري بالعُرابيين؛ ولما أخفقت ثورتهم، سجن مع من سجن من الثوار، ثم أفرج عنه ونقل للعمل في بورسعيد وهناك رزق بولده عبد الرحمن سنة 1886م.
أنهى عبد الرحمن شكري دراسته الثانوية سنة 1904 م، والتحق بمدرسة الحقوق، لكنه فصل منها سبب حسه الوطني والثوري، وتعرف في هذه الفترة على عباس العقاد وإبراهيم المازني.ولكنه تركها ليدرس في دار المعلمين. تخرج عام 1909م، ثم أرسل في بعثة إلى إنجلترا لمدة ثلاث سنوات، حيث حصل على درجة في الأدب الإنجليزي. اشتغل بعد عودته بالتدريس حتى تقاعده عام 1934م. وقد اتسمت شخصيته بالخجل والانطواء، بخلاف صاحبيه المازني والعقاد.

أرسى شكري مع زميليه العقاد والمازني دعائم مدرسة الديوان؛ التي حملت لواء التجديد في كتابة الشعر، واتخذت من نقدها للشاعر أحمد شوقي ميدانًا للتطبيق. وتقوم دعوتها على تجديد في الشعر يشمل الشكل والمضمون، حتى يكون الشعر أقدر على التعبير عن أحاسيس الشاعر وذاتيته، وهي بهذه الدعوة تخالف منهج شعراء العربية الكبار آنذاك.

كتب شكري أولى قصائده وهو طالب عام 1904م، وبعد عودته من البعثة أصدر بين عامي 1913 و1919م ثمانية دواوين: ضوء الفجر، لآلئ، الأفكار، أناشيد الصبا، زهر الربيع، الخطرات، الأفنان، أزهار الخريف، ونشر ديوانه الثامن بعد موته ضمن الأعمال الكاملة. توفى شكري في بورسعيد سنة 1958م.
لم يخرج شكري عن عروض الشعر العربي وإن كان يجمع بين التأثر بالشعراء العباسيين مثل: بشار وأبي تمام والمعري من ناحية، وبعض الشعراء الرومانسيين الإنجليز أمثال: شيلي وبايرون. ويلاحظ كثير من النقاد غلبة التشاؤم الشديد على شعره.

جمع شعره عام 1960م في ديوان بعنوان: ديوان عبدالرحمن شكري. وله بعض الأعمال النثرية، غير أنها أقل درجة عن شعره، منها: الاعتراف؛ وحديث إبليس؛ الثمرات؛ والصحائف.

وتعد قصيدته التي يخاطب فيها الريح من أجمل شعره، إذ يصدر فيها عن حزن عميق وتجربة صادقة مفعمة بالكآبة والأسى، يقول فيها:

ياريحُ أيُّ زئير فيك يُفْزعني كما يروع زئير الفاتك الضاري
ياريحُ أيُّ أنين حنَّ سامِعُهُ فهل بُليت بفقد الصَّحب والجار
ياريح مَالك بين الخلق موحشة مثل الغريب، غريب الأهل والدار
أم أنت ثكلى أصاب الموت واحدها تظلُّ تبغي يَدَ الأقدار بالثارِ

وأما شعره الوطني فقد خرج به عن شعر المناسبات إلى لون من التعبير يصدر عن ذاته وانفعالاته الخاصة:

وكم من أمة تخشى الزوالا على الأيام أدركها الزوالُ
تحاذر أن تغيرّها الليالي فيودي حالها ويجيء حالُ
وبين الدهر والدول استباقٌ وبعض الناس يعوزه المجالُ
وأحكامُ الوجود لها مسيلٌ مسيلُ السيل يُهلْكُ إذ يسيلُ
فإن تسْدُدْ طريق السيل تَهْلك ولايُغني البكاءُ ولا العويل

من أبياته الشعرية الجميلة:

إني لأذكر أياما لنا سلفت كما تذكر صوت اللجة الدفُ

فكان للفجر قلب خافق أبدا من الحياة ووجه كله لطف

والضوء يرقص في الأنهار موقعه فقدُّه مائسٌ فيها ومنقصف

وناظر ونجوم الفجر مائلة نحو الغروب كما يرنو لها الدنف

وكلمتني الرياح الهوج في فمها سر الطبيعة مخبوءٌ ومنكشفُ

أكثر من خمسين عاما على الرحيل: عبد الرحمن شكري.. الوحدة والأسى والجنون

"إن شعرى وأدبى لا يستحقان أى تقدير.. أنا الآن لا أخرج من المنزل إلا قليلا لضعفى، أنا هنا في بورسعيد منقطع عن الناس، وقد مضى دهر طويل لم أكاتب أحدا ولم يكاتبني أحد"

هذه الكلمات التي تقطر أسىً وألما كتبتها اليد اليسرى للشاعر الفذ عبد الرحمن شكري، بعد أن سيطر الشلل تماما على يده اليمنى، كتبها إلى أحد دارسي شعره، ليختم بنفسه سلسلة طويلة من المظالم لاقاها الشاعر الناقد المفكر عبد الرحمن شكري، الذي عاش ميتا لسنوات خلت من السعادة، بلا زوجة ولا أسرة ولا رحمة، رغم أنه القائل:

تعلمني الأقدار أن أرحم الورى فقلبي لكل العالمين رحيم

وأنظر في نفسي وأعرف غدرهم على شرهم داء الوجود قديم

وإن جميع الناس أهلي وأخوتي وإن كان فيهم جارم وذميم

الزمن الجميل:

لحظة صوفية عميقة تجلت للعم نجيب محفوظ في "أصدائه" ليقول "ما روعني شيء كما روعني منظر الحياة وهي تراقص الموت" هكذا التكامل المتناغم بين الحياة والموت، وبهذا الفهم نشعر بحياة الشاعر عبد الرحمن شكري المطعون بأحبابه دائما، الموجوع برفيق البدايات " إبراهيم عبد القادر المازنى ".. كان عبد الرحمن شكري قد ولد لأسرة من أصول مغربية، هاجر أحد أجداده إلى مصر، واشتغل بالزراعة والرعي، أما جده ووالده فقد كانا من من قبيلة المثقفين القراء، وكانت مكتبة أبيه تحوى كتبا قيمة، شارك أبوه في الثورة العرابية، وسجن نحو أربع سنوات بعد فشل الثورة، ثم خرج من السجن، ورزقه الله بعبد الرحمن في 12 أكتوبر 1886م، والذى ورث نزعة الثورة من أبيه، لكنه حول رحله بثورته إلى الفن، غير أن بذورا صغيرة قد زرعها، وهو يروى مشاهد التعذيب التي يلقاها التلاميذ صغارا "كان الضرب حتما في المدارس الابتدائية، فكانوا إذا وصلوا إلى المرحلة الثانوية، ارتفعوا عن مرحلة الضرب" ويتذكر "شكري" أن أحد معلميه هدد تلميذا برميه من النافذة، وهجم عليه، ورفع التلميذ، وقارب النافذة، حتى صرخ التلميذ: حرمت حرمت تبت. فأنزله إلى الأرض وهو يرتجف.

وصل شكرى للحقوق سنة 1905م، فألّف قصيدة شارك بها في المظاهرات كان منها:

فإن تحسبوها خطة الطيش إننا / ذوي العزم لا نغضي لصولة جبار

فإن روّعونا كي يقودوا أشدّة / ثبتنا على الترويع نلهو بأخطار

لم تطح هذه القصيدة بالإنجليز ولا بالملك، إنما أطاحت فقط بـ "شكري" من الحقوق إلى مدرسة المعلمين العليا، زميلا للمازنى، غير أن بعثته إلى جامعة شفيلد بانجلترا بعد تخرجه من المعلمين عام 1909م كان له الأثر الأكبر بلا شك في مسيرته العقلية والشعرية، فقد بهرته الطبيعة هناك وفى مقالات له بعنوان "فصول في نشأتى الأدبية " يذكر "شكري" ذلك قائلا "في انكلترا رأيت الوديان الصغيرة التي يحوطها الجبال، ورأيت التلال والجبال مكسوة بالأشجار، ومغطاة بالجليد، ورأيت بقايا الغابات الكبيرة القديمة، وقد زادتنى هذه المناظر قدرة على الوصف"

غير أن شيئا من الاغتراب زار الشاعر وزاده المازني لدى شكري، فالصديقان اللذان لم يفترقا، فرق بينهما السفر، فتناسى المازني صديقه، مثلما تناسى فضله بعد ذلك بسنوات، فيرسل شكري له معاتبا:

أإبراهيم قد طال اغترابي فهلا كان عندك بعض مابي؟

عهدتك مرة تبغي إخائي وأنت اليوم توغل في اجتنابي

وقد قُدّر لهذا المعَاتب أن يكون له فعل الموت على صاحبه فيما بعد.

حضرة المحترم.. يستقيل:

"حضرة المحترم عبد الرحمن شكري أفندي المفتش بالوزارة، بما إنكم طلبتم إحالتكم إلى المعاش من 15 يونيه سنة 1938م فأبلغكم أن الوزارة قد وافقت على هذا الطلب...." بهذه الكلمات الباردة برودة الموت كما يصفها دكتور أحمد غراب في كتابه عن شكري - أنهت مسيرة ربع قرن من التفاني في العمل التعليمي، الذى بدأ عقب عودته إلى مصر عام 1912م مدرسا للتاريخ واللغة الإنحليزية والترجمة بمدارس عديدة ابلإسكندرية، وبعد عشر سنوات تقريبا صار ناظرا بعدة مدارس في دمنهور ثم الزقازيق، فالفيوم ثم حلوان، ثم عاد ثانية للإسكندرية، ثم رقي مفتشا لمدة ثلاث سنوات، وبعد قصيدته البديعة "أقوام بادوا" وجد نفسه يواجه عنت رؤسائه، وتقلب الحياة به، خيانات الأصدقاء، فأفضى به ذلك كله لطلب الاستقالة.

وثمة تلازم بين عمله الوظيفى وبين إبداعه الشعري، حيث كانت فترة نظارته غير منتجة له شعرا، حين انشغل تماما بعمله فحققت مدارسه أعلى النتائج في القطر، أما قبل بعثته، فقد أصدر ديوانه الأول "أضواء القمر" عام 1909م قبيل سفره، وهو الديوان الوحيد الذى أصدره من القاهرة، والملاحظ أنه لم يضمنه قصائد مدح أو رثاء إلا قليلا ولمن لا تربطه بهم صلة نفع ولا صداقة، كما تجد فيه بوادر حداثة مبكرة، في قصائد الشعر المرسل كقصيدته:

يعيث الذل في أبناء قومي كغيث الذئب في الغنم النيام

أبىُّ القلب بينهم ذليل ووغد القلب مرفوع العماد

بعد عودته من إنجلترا، أصدر "لآلئ الأفكار" 1913م ثم أناشيد الصبا " بعد عامين، ثم زهر الربيع في العام التالى أى 1916م وفى نفس العام أصدر "الخطرات" ثم الأفنان عام 1918م ثم أزهار الربيع عام 1919م، ثم جمع الأستاذ نقولا يوسف جامع ديوانه القصائد التي نشرت خارج دواوينه وجعلها الجزء الثامن من ديوانه. لشكري أيضا كتب نثرية نشر ثلاثة منها عام 1916 هي (الاعترافات، الثمرات وحديث إبليس) ثم أصدر "الصحائف، الحلاق المجنون، ومجموعة كبيرة من المقالات التي نشرت في "المقتطف" والرسالة " وله مختارات شعرية لم تنشر.

المعركة الكبرى:

لم يكن وعي وثقافة عبد الرحمن شكري نتيجة قراءة فقط، إنما كان نتيجة تفكير وتأمل، واستنطاق لتراث شعري عالمي، فقد عاش حياة بسيطة أقرب للفقر، أوصلته لباب مدرسة المعلمين، مثلما وصل عبد القادر المازني لنفس المدرسة، رغم أنه يصف نفسه بأنه "نشأ في بيت من بيوت العز" كما يروى عن نفسه، ولكن حالة الأب قد ارتبكت مما أبعده عن الحقوق، ورضى بحاله، وكان المازني والعقاد وشكري يفخرون بأصلهم المصري، كما يذكر الدكتور عبد المحسن طه بدر ذاكرا أن العقاد يرد سطحية الشعراء الذين سبقوهم إلى أن أصولهم غير مصرية. (رغم أن شكرى من أصول مغربية، والمازني من أصول حجازية، ولكن العقاد كان يشير لـشوقي من طرف خفي، وكانت آيات التناقض تظهر في حياة هؤلاء الشبان، يقول المازني (إن الظلمة قد استولت على عوالمنا السياسية والخلقية والعقلية، وصارت حياتنا مضطربة بصيحات الشك والظمأ إلى المعرفة "غير أن شكري كان يلتمس الحديث عن تناقضٍ آخر بين الفزع الرهيب من عقاب الله، وبين امتلاء نفسه بالشهوات ،، حتى " بلغ بي الفزع من عقاب الله أني كنت أتخيل عقارب وثعابين فوق الفراش، وأحيانا أتخيل فراشي كله حجرات من نار " ثم يوضح في نفس الكتاب (الاعترافات) كيف أن الشهوات حوائج أخرى قلما يعوق عنها الفزع من عواقبه".

من هنا بدأ الشبان الثلاثة في محاولة الاستيلاء على أرض جديدة تجعلهم محط النظر في هذا المجتمع القاسي، الذي دمرته حرب مخيفة ثم ثورة عاصفة عام 1919م، ثم ثورة أخرى هي التي خلفها كتاب الديوان في الأدب بجزئيه، حيث ظل العقاد والمازني في الكتاب "يناطحان صخرة الذوق العام" (والتعبير لدكتور صلاح فضل) وللأسف كان وقود المعركة هو زميلهما عبد الرحمن شكري.

نقد أم ردح:

بدأت بوادر الديوان تنذر بمعركة قادرة على خلخلة بنيان الذوق الأدبى الراسخ، ولم تكن ردود الأفعال أقل حدة من المقالات ذاتها، فالعقاد يتهم الرافعى بأنه سطا على نقده لنشيد "شوقي"، فما ترك شيئا مما قاله العقاد إلا وأعاد صياغته وكأنه ببغاء، ثم يصفه بأنه "من خفافيش الأدب"، ثم يقول في وصلة نهائية (لا هوادة بعد اليوم، السوط في اليد، وجلودكم لمثل هذا السوط خلقت " وكان الرافعي أشد قسوة وجرأة، فيصفه في كتابه "على السفود" بأنه لص يسرق ما يكتبه من الجرائد من مترجماته، ثم يصف العقاد صراحة بالجلف الحقود المغرور، يجيد فيما يجرى به اللؤم والحقد.. يقول مثلا (لو بصق ابن الرومي لغرق العقاد في بصقته).

ثم يعلق على قول العقاد:

إني إلى الرعى من عينيك مفتقر يا ضوء قلبي فإن القلب مدجان

يعلق الرافعي قائلا: ألا تشعر أنك بعد الأبيات الأولى سقطت من ألف متر إلى بيت العقاد، فلا تتمه حتى تقول: " آه آه الإسعاف.. الإسعاف وهل من يغلط ثماني غلطات في بيت واحد مع سخافته التي هي الغلطة التاسعة، يمكن أن يسمى شاعرا أو أديبا إلا في رأي الحمقى ؟!. وإن كان هذا شأن الرجلين، فقد كان شكري عفيف اللسان، وهو يستمع للمازني يكيل له الاتهامات الباطلة، واصفا إياه بـ "صنم الأعاجيب" و"المرزوء في عقله" إلخ...

أما أساس هذه الموجة العاتية المتطاولة التي أغرقت شكري، فأردته قتيل الفؤاد، فكان مقاله الذى ذكر فيه شيئا من سرقات المازني، قائلا مثلا: (ولقد لفتنى أديب إلى قصيدة المازني التي عنوانها "الشاعر المحتضر" واتضح أنها مأخوذة من قصيدة "أدونى" للشاعر الإنجليزى "شيللى" كمت لفتنى صديق آخر لقصيدة المازني التي عنوانها "قبر الشعر" وهي منقولة عن "هينى" الشاعر الألماني ولفتني آخر إلى قصيدة.... واستمر شكري في سرد سرقاته منهيا مقاله بقوله "ولا أظن أحدا يجهل مدحي المازني وإيثاري إياه وإهدائي الجزء الثالث من ديواني إليه، ولكن هذا لا يمنع من إظهار ما أظهرت ومعاتبته في عمله، لأن الشاعر مأخوذ إلى الأبد بكل ما صنع في ماضيه " مقدمة الجزء الخامس من ديوانه صـ 373

أما المازني، فقد حاول "تفصيل" ثوب من الموضوعية للأمر، وبحث عما يدين شكري فلم يجد، فقاد هجمته دون إشارة لما قاله صاحبه حول سرقاته. وكان المازني قد كتب في صحيفة "عكاظ" عام 1913م مجموعة مقالات جمعت في كتاب بعنوان "شعر حافظ" عام 1915م اتخذ المقارنة بين شكري وحافظ أساسا لهدم حافظ ومذهبه، معليا من شأن شكري، كقوله (لا نجد في إظهار فضل شكري وبيان ما للمذهب الجديد على القديم من المزية والحسن من الموازنة بين شاعر مطبوع مثل شكري وآخر ممن ينظمون بالصنعة مثل حافظ بك". وختم مقاله بقوله "وبعد.. فإن حافظا إذا قيس إلى شكري لكالبركة الآجنة إلى جانب البحر العميق... شكري أسمح خاطرا، وأخصب ذهنا، وأوسع خيالا".

وبقدرة قادر تحول شكرى إلى "صنم الأعاجيب" وصار "خمول شكري وفشله واضحا في كل ما عالجه" هذا "المرزوء في عقله".. "متكلف لا مطبوع" "جاهل بوظيفة الشعر" "الأبكم المسكين" فماذا بعد ذلك ؟

ماذا تبقى من شكري؟:أما شكري الناقد والمنظر لجماعته، المرشد لهم، فقد بيّن أصول فهم الشعر ووظيفته، وبث هذا الفهم النادر في مقدمات دواوينه، فالشعر ليس ترفا إنما برأيه من ضرورات الحياة، وفائدة الشعر في التعبير عن المشاعر. والأحداث الكبرى برأيه هي أحداث النفس أى عواصفها المختلفة، ويرى شكري أن النفس البشرية صورة مصغرة من الكون، يقول شعرا:

نرى في سماء النفس ما في سمائنا ونبصر فيها البدر وهو منير

وما النفس إلا كالطبيعة وجهها رياض وأضواء بها وبحور

ولهذا رفض شكري شعر المناسبات، داعيا الشعراء لما أسماه بالشره العقلي intellectual avidity ثم يشير لفكرة هامة دافعا عن اللغة العربية تهمة قصور الخيال مؤكدا أن الخيال ليس رهنا بخصائص لغات وإنما مرجعه للعقل البشري والنفس الإنسانية. وهو يرى أن الشعر بلا عاطفة يأتي ميتا يقول (ألا يا طائر الفردوس إن الشعر وجدان) ثم يعود الشاعر ليدعو لعيشة شعرية تماما، بقدر استطاعة كل شاعر، مفرقا تفرقة حاسمة بين الخيال imagination وبين الوهم fancy فالخيال هو أن يظهر الشاعر الصلات التي بين الأشياء والحقائق وهو ليس مقصورا على التشبيه وإنما يطبع القصيدة كلها). وقد أشاد المازني به مرشدا وأستاذا في كتابه "سبيل الحياة" كما أشاد العقاد كثيرا به، وفى كتابه "أنا" يقول: "لم أعرف قبله ولا بعده إنسانا أوسع إطلاعا على أدب العربية والإنجليزية..."

لقد عاش شكري في بورسعيد أخريات حياته، ينفق على أسرة شقيقه الذي عاش مريضا ثم مات تاركا أسرة في عنق شكري، فلم يتزوج لأجل مساعدتها، وعاش محروما من كافة متع الحياة، ناقما عليها. لذلك رأى الوطن مثل (السجن العبوس نهارا) ويرى في قصيدته "بين الحقيقة والخيال" الناس هكذا:

ولا تحسبن الناس ناسا فإنهم قرود إذا كشفتهم وحمير

وآذانهم مثل الحمير طويلة وذيلهم لا كالقرود قصير

وفي قصيدة أخرى يرى الناس (قطيعا من غنم) ونيقول نثرا أيضا في كتاب الاعترافات: "لا أكتمك؛ فإني أحتقر رأى الجماهير، فإن ذوق الجماهير فاسد في كل مكان " صـ19

ورغم إدراك شكري أنه (لم يكن يعرف كيف يعاشر الناس ويداريهم) فقد ظل مبدعا ملتحفا بحيائه، حتى صار في انتظار الموت بلا عمل ولا أمل ولا عائلة، رجل قتله حياؤه، يقول "إن الحياء من أكبر أسباب الفشل في الحياة" وطوال سنوات عمره التي اختتمت في منتصف ديسمبر 1958م عاش شكري يعطي للحياة علما وشعرا ونقدا.. فماذا أخذ معه ؟!!!









رد مع اقتباس