الفصل الثاني: عقوبة جريمة الإجهاض أسبابها و موانعها بين الشرع و القانون
نتعرض في هذا الفصل على العقوبة المقررة لجريمة الإجهاض في القانون الجزائري و القوانين الأخرى، و إلى أسباب وموانع العقوبة، كما قسمتها مختلف التشريعات إلى جناية و جنحة، كما سنبحث عن أسبابها و جملة العوامل المؤدية إلى ارتكاب هذا النوع من الجرائم، و علة انتقاء قيام الجريمة في حق مرتكبيها، و كذا موقف الشريعة منها.
المبحث الأول: العقوبة المقررة للجريمة
تختلف العقوبة المقررة لجرائم الإجهاض بين التخفيف و التشديد، كما تتنوع جرائم الإجهاض تبعا للوسائل المستعملة في ارتكاب جريمة الإجهاض أو صفة الجاني في جريمة الإجهاض.
المطلب الأول: جنحة الإجهاض الواقعة من الغير على الحامل
لقد نصت المادة 304 قانون العقوبات الجزائري على أن "كل من أجهض امرأة حاملا أو مفترض حملها بإعطائها مأكولا أو مشروبات أو أدوية أو باستعمال طرق أو أعمال عنف أو بأي وسيلة أخرى، سواء وافقت على ذلك أو لم توافق أو شرع في ذلك، يعاقب بالحبس من 1 سنة إلى 05 سنوات و بغرامة من 500 إلى 000 10دج". كما نصت المادة 261 قانون عقوبات مصري بقولها "كل من أسقط عمدا امرأة حبلى بإعطائها أدوية أو باستعمال الوسائل المؤدية إلى ذلك أو بدلالتها عليها، سواء كان برضاها أو لا، يعاقب بالحبس".
و نصت المادة 317 فقرة 3 من قانون العقوبات الفرنسي على أنه لا أثر لرضاء الأم الحامل على جريمة الإجهاض التي يقوم بتنفيذها الغير بأي حال من الأحوال لأن الإجهاض يكون مجازفة خطيرة على حياة الأم و الجنين وحق الحياة من الحقوق التي لا يجوز التصرف فيها أو التنازل عنها بالرضاء، ويكون الرضاء هما مجرد من كل أثر قانوني و لهذا حرمت المادة المذكورة كل فعل يمس الجنين أو يعرضه إلى الموت أو الهلاك سواء تم فعل الإجهاض برضاء المرأة الحامل أو بدون رضائها.
و اعتبرت المادة 36 من القانون الإنجليزي أن كل شخص يقوم بتنفيذ و إحداث لإجهاض سواء برضاء الحامل أو بدون رضائها يعتبر مرتكبا للجريمة ويتم الإجهاض عمليا بعد مضي 28 أسبوعا على ثبوت الحمل و بعد ذلك بشهرين يولد الجنين حيا فتأتي جريمة قتل الجنين. و إذا رضيت المرأة الحامل للغير أن يقوم بإحداث الإجهاض لها يعتبر هذا الغير فاعل ؟؟؟.1
و وفقا لهذه النصوص تعتبر الجريمة جنحة إذا توفرت الأركان الثلاثة – التي سبق لنا شرحها – و لكنها تتميز عن غيرها من صور جرائم الإجهاض بأمور ثلاثة: أولها وقوعها من غير الحامل، و الثاني وقوعها بأي وسيلة من الوسائل ونحوه من أنواع الإيذاء، و يعني ذلك وقوعها بهدف الإيذاء و الثالث: بأن لا يكون الفاعل طبيبا أو جراحا أو صيدليا أو قابلة.
و يستوي بعد ذلك أن يقع الفعل برضاء الحامل أو بغير رضائها، فرضاء الحامل لا يعتبر سببا لإباحة الفعل إذ يتعلق الاعتداء بحق الجنين في الحياة، وليس للام أن تتصرف فيه.
و قد خرج المشرع عن القواعد العامة في المساهمة في الجريمة إذا اعتبر الجاني فاعلا ؟؟؟؟ في جريمة الإجهاض إذا اقتصر فعله على دلالة الحامل على الوسائل المؤدية للإجهاض، على الرغم من أن هذا الفعل يعتبر وفقا للقواعد العامة مساعدة على الإجهاض، و المساعدة وسيلة من وسائل الاشتراك في الجريمة. 2
و يترتب على اعتبار الجاني فاعلا أصليا في هذه الحالة أن يسأل عن جريمة الإجهاض بمجرد قيامه بدلالة الحامل على الوسائل المجهضة، إذا استعملت الحامل على الوسائل المجهضة، إذا استعملت الحامل هذه الوسائل فانتهى الحمل قبل أوانه.
و يشترط المشرع لهذا الاستثناء أن يدل الجاني الحامل على الوسيلة المؤدية إلى الإجهاض، و يترتب على ذلك أنه إذا دل على شخص يتولى إجهاضها فإن حكم فعله يرتد للقواعد العامة ليصبح اشتراكا في الجريمة، الإجهاض إذا وقعت.
إلا أن المشرع المصري في المادة 261 قانون العقوبات مصري لم يصنف "أعمال العنف" ضمن الوسائل التي حددها لوقوع عملية الإجهاض من طرف الغير، على غرار ما جاء به المشرع الجزائري في المادة 304 و التي أدرج ضمنها أعمال العنف كوسيلة من وسائل الإجهاض و لهذا نرى أن المشرع الجزائري لم يصب حينما أدخل أعمال العنف ضمن الوسائل التي اعتبرها من قبيل الجنح فيما اعتبرها المشرع المصري، أنها ظرفا مشددا في تكيف العقوبة و اعتبارها جناية.
المطلب الثاني: جنحة الإجهاض الواقع من الحامل على نفسها
لقد نصت المادة 309 قانون عقوبات جزائري "تعاقب بالحبس من ستة أشهر إلى سنتين وبغرامة من 250 إلى 1000دج المرأة التي أجهضت نفسها عمدا أو حاولت ذلك أو وافقت على استعمال الطرق التي أرشدت إليها أو أعطيت لها لهذا الغرض".
كما نصت المادة 262 قانون عقوبات مصري على أن "المرأة التي رضيت بتعاطي الأدوية مع علمها بها، أو رضيت باستعمال الوسائل السالف ذكرها، أو مكنت غيرها من استعمال تلك الوسائل لها و تسبب الإسقاط عن ذلك حقيقة تعاقب بالعقوبة السلفة ذكرها في مادة "261 قانون عقوبات مصري".
كما نصت مادة 302 فقرة 2 من قانون العقوبات الفرنسي على تخفيف عقوبة الأم التي تقوم بإجهاض نفسها أو بالسماح للغير أن يجهضها حتى و لو أدى هذا إلى قتل الطفل بعد ولادته حيا فتوقع على الأم عقوبة أخف من تلك العقوبة التي توقع على الفاعلين الأصليين أو الشركاء بخلاف الأم و كذلك الشأن بالنسبة للأم التي تقوم بقتل جنينها بدافع حب النفس للمحافظة على رشاقتها فتتخلص من هذا الجنين وهو في مرحلة التكوين بعد، فتعاقب الأم بالعقوبة الأخف المقررة لهذه الجريمة و أوضح القانون الإنجليزي هذه الحالة في مادة 36 "كل امرأة حامل قامت بإجهاض نفسها بسوء نية سواء استعملت أي وسيلة أو أداة أو شربت أي مادة أدت إلى إجهاضها. فنص القانون الأردني في مادة 321 على ما يلي "كل امرأة أجهضت نفسها بما استعملته من الوسائل أو رضيت بأن يستعمل لها غيرها من الوسائل تعاقب بالحبس من ستة أشهر إلى ثلاث سنوات". 1
و لهذا نصت التشريعات كالعادة إلى وجوب توفر الأركان إلى جانب وقوع الفعل من الحامل على نفسها و المعنى المستفاد من صيغة النص ينصرف إلى صورة واحدة تعتبر فيها الحامل فاعلا مع غيرها سواء بفعل إيجابي يتمثل في تعاطي دواء الذي قدمه لها الغير، أو استعمال الوسائل التي عرضها أو دلها عليها، أو بفعل سلبي هو تمكين الغير من استعمال تلك الوسائل.
و لهذه الجريمة صور ثلاث:
صورة تفترض أن الحامل قد أتت فعل الإسقاط من تلقاء نفسها دون أن يحرضها أو يقترح عليها ذلك أحد، كأن استعملت وسائل الإجهاض دون أن يعرضها شخص عليها.
وصورة تفترض أنها أتت الفعل 1، و استعملت الوسائل بناءا على اقتراح الغير أو عرضه، وصور تفترض أنها مكنت الغير من إتيان فعل الإسقاط على جسمها و كل التشريعات في هذه النصوص إنما أراد اعتبار الجريمة التي تقع من الحامل على نفسها جنحة انطلاقا من بعض الاعتبارات، لا سيما أنها صاحبة الحمل، و التي قد تتعرض للخطورة بالدرجة الأولى، إلى جانب تدخل إرادة الحامل دون غيرها في إحداث عملية الإجهاض.
المطلب الثالث:
جناية الإجهاض الثانية و التي تنص على ما يلي: "و إذا أفضى الإجهاض إلى الموت فتكون العقوبة السجن المؤقت من 10 سنوات إلى 20 سنة، و في جميع الحالات يجوز الحكم علاوة على ذلك بالمنع من الإقامة" فهنا ظرف التشديد وفاة المجني عليها نتيجة إجهاضها.
كما نصت المادة 260 من قانون عقوبات مصري بقولها: "كل من أسقط عمدا امرأة حبلى بضرب و نحوه من أنواع الإيذاء يعاقب بالأشغال الشاقة المؤقتة".
و نصت مادة 36 من قانون العقوبات الإنجليزي على أن يعاقب بعقوبة الموت و السجن مدى الحياة كل شخص يتسبب إجهاض امرأة حامل بسوء نية و بدون رضاها و يؤدي فعله إلى قتل الجنين بعد ولادته حيا يعتبر مرتكب لجريمة قتل الجنين بالعنف 1.
و يفترض المشرع الجزائري لاعتبار جريمة الإجهاض جناية من طرف الغير بأي عمل يفضي إلى وفاة الجنين كإعطائها مأكولات أو مشروبات، أو أدوية مؤدية إلى ذلك. أو أي عمل عنف أو وسيلة أخرى بغض النظر عن موافقتها أو لا.
و تتحقق جريمة الإجهاض عند المشرع المصري باعتبارها جناية بالضرب ونحوه من أنواع الإيذاء كالركل و الدفع و الإلقاء.
اعتداء الجنين و الاعتداء على الحمال في ذات الوقت.
فالنص من ناحية قد جاء مطلقا لا بتوقف التشديد فيه على عدم رضاء الحامل التي أجهضت، و من ناحية أخرى فإن علة التشديد و هي خطورة استعمال العنف تتحقق سواء رضيت به المرأة أو لم ترضى، و من ناحية ثالثة، فإن رضاء المرأة لا يبيح وفقا للقواعد العامة المساس بسلامة جسمها باستعمال الضرب، لذلك نرى أن الفعل يعتبر جناية سواءا رضيت به المرأة بهذه الوسيلة أو لم ترض.
نصت المادة 306 قانون العقوبات جزائري "الأطباء و القابلات أو جراحو الأسنان أو الصيادلة، و كذلك طلبة الطب أو طب الأسنان و طلبة الصيدلة، و مستخدموا الصيدليات و محضرو العقاقير و صانعوا الأربطة الطبية و التجار و الأدوات الجراحية و الممرضون و الممرضات، و المدلكون الذين يرشدون عن طريق إحداث الإجهاض، أو يسهلونه أو يقومون به تطبق عليهم العقوبات المنصوص عليها في المادتين م 304 و م 305 قانون العقوبات جزائري على حسب الأحوال".
و يجوز الحكم على الجناة الحرمان من ممارسة المهنة المنصوص عليها في المادة م 23 فضلا عن جواز الحكم عليهم بالمنع من الإقامة. و تنص المادة 263 قانون العقوبات مصري على هذه الجناية بقولها "إذا كان المسقط طبيبا أو جراحا أو صيدليا أو قابلة يحكم عليه بالأشغال الشاقة المؤقتة"، و قد شدد المشرع الجزائري العقوبة بالنسبة للأطباء و الصيادلة و القوابل لان لدى هؤلاء من المعلومات لفنية ما يسهل لهما ارتكاب الجريمة و إخفاء أمرها مما يشجع على اللجوء إليها. 1
و خطة الشارع العامة هي أن يقابل سهولة ارتكاب الجريمة، بتشديد في العقاب، و بالإضافة إلى ذلك باعث المتهم إلى جريمته، هو الإثراء و ذلك باعث غير اجتماعي، و يغلب أن يكون محترفا، و هذا الاحتراف خطيرا اجتماعيا، فإلى جاني ما يعانيه من تعدد الجرائم أو العود، فهو يتضمن تيسيرا للإجهاض، و تشجيعا عليه، و الشرطان الأخيران من علة التشديد لا يتوفران إذا أجهضت الطبيبة أو من في حكمهما من ذوي الصفة الخاصة نفسها، فلم يبعثها إلى الإجهاض دافع الإثراء، و لا يعتبر فعلها مظهرا للاحتراف.
و المرجع بتحديد صفة الجاني، كطبيب أو جراح أو صيدلي أو قابلة هي القوانين و للوائح التي تحدد اكتساب هذه الصفة و فقدانها، و توفر هذه الصفة كاف بذاته للتشديد، فلا يتطلب القانون عناصر أخرى فيحقق الظرف المشدد، و لو أجرى المتهم الإجهاض دون أجر و كان موقوفا مؤقتا عن ممارسة مهنته أو حرفته و لكن إذا حرم نهائيا من ممارستها فقد زالت عنه الصفقة و لم يعد محل للظروف المشدد.
و صفة الطبيب أو من في حكمه ظرف يغير من الجريمة، و يتأثر به شركاؤه.
- علموا بالصفة وقت ارتكاب الفعل الذي يتحقق الاشتراك به، ولكن لا يتأثر به الفاعلون معه ولا يتأثر بهذا الظرف الحامل التي يجهضها الطبيب برضائها، ذلك أنها لم تساهم معه في جريمته و إنما تعتبر مرتكبة لجريمة مستقلة 1.
و قد حدد القانون المصري للجريمة عند توفر هذا الظرف عقوبة الأشغال الشاقة المؤقتة بين حديها العامين.
و أخيرا نشير إلى تحديد عقوبة التحريض و الشروع و كذا المساهمة في عملية لإجهاض.
فقد نص المشروع الجزائري على عقاب كل من يحرض على عمل الإجهاض أو يدعو إليه في نشرات أو مقالات أو إعلانات أو غير ذلك في المادة 310 ق.ع .جزائري بقوله "يعاقب بالحبس من شهرين إلى سنتين و بغرامة من 500 إلى 10000 دج أو بإحدى هاتين العقوبتين كل من حرض على الإجهاض و لو يؤدي تحريضه إلى نتيجة ما و ذلك بأن:
ألقى خطبا في أماكن أو اجتماعات عمومية.
أو باع أو طرح للبيع أو قدم و لو في غير علنية أو عرض أو ألصق في الطريق العمومي أو في الأماكن العمومية أو وزع المنازل كتبا أو كتابات أو مطبوعات أو إعلانات و رسوما أو صورا رمزية أو سلم شيئا من ذلك متعلقا بشرائط أو موضوعات في ظروف مغلقة أو مفتوحة إلى البريد أو إلى عامل توزيع أو نقل.
أو قام بالدعاية في العيادات الطبية الحقيقية أو المزعومة، و إذا كان المشروع الجزائري قد أشار إلى جريمة التحريض بهذا التفصيل فإن المشروع المصري ربطها بجريمة المساهمة إذا اعتبرها أنه "يعد المساهم شريكا إذا اقتصر نشاطه على التحريض أو الإنفاق كمن يعد منزله لتجري فيه عملية الإجهاض يعد شريكا أما إذا اقتصر دور الشريك على مجرد النصيحة فلا يعد ذلك اشتراكا طالما أن ذلك لا يرقى إلى مرتبة التحريض".1
أما فيما يخص "جريمة " عقوبة الشروع في ذلك يعلقب بالحبس من سنة إلى خمس سنوات و بغرامة من 500 إلى 10000 دج و لو وقفت الجريمة عند حد الشروع فالعقوبة هي نفس عقوبة الجريمة التامة لأن الشروع معاقب عليه في القانون كما لو أن الجاني استنفذ كل نشاطه الإجرامي.
كما نص القانون المصري على عقاب الشروع في الإسقط و ذلك بصريح نص المادة م 264 ق.ع. مصري و يختلف في ذلك عن التشرعات الأجنبية التي عاقبت على الشروع كالتشريع الفرنفسي م 317 ق.ع فرنسي، و التشريع الألماني م 208ق.ع فنص المشروع الفرنسي في م 317 ق.ع على أنه: "يعاقب من أجهض أو شرع فيي إجهاض امرأة حامل أو كان يعتقد أنها حامل، و يعني ذلك أن المشروع يعاقب على الشروع ولو كانت الجريمة غيير تامة".2
أما عن عقوبة المساهمة في جريمة الإجهاض فإنه إذا ساهم مع الفاعل في جرائم لأشخاص الآخرين فإنهم يعتبرون فاعلون أو شركاء لدور كلا منهم، فإذا قام المساهم بدور رئيسي كان فاعلا أصليا و يعد المساهم شركا إذا اقتصر نشاطه على التحريض أو الإنفاق .
المبحث الثاني: أسباب و موانع المسؤولية لجرمة الإجهاض
ترد أسباب الإباحة و موانع المسؤولية على جرائم الإجهاض شأنها سائر الجرائم، و لكنها تتسم في جرائم الإجهاض بأهمية خاصة مع طبيعة هذه الجريمة، اجتماعيا و طبيا.
و نتحذث فيما يلي عن الحالات فيها بحث أسباب الإباحة أو موانع المسؤولية في الإجهاض .
المطلب الأول: الحالة الطبية
لقد نصت المادة 308 قانون عقوبات جزائري: "لا عقوبة على الإجهاض إذا استوحبته ضرورة إنقاد حياة الأم من الخطر متى أجراه طبيب أو جراح في غير خفاء و بعد إبلاغه السلطة الإدارية و عليه إذا ثبت أن الحالة الصحية للحامل تقتضي إجهاضها بــأن كون الإجهاض ضرورة لإنقاد الحامل من موت محقق أو محتمل أو أن يكون ضروريا لإنقادها من متاعب صحية، لا تقوى على تحملها أو أن يكون إجهاضها شرط لشفائها من مرض تعاني منه و هنا كون الإجهاض ضروريا لوقاية المرأة من مرض يرجح أن قضي على حياتها إذا استمر حملها، و هنا يكون العمل العلاجي الداع لتخليص الأم من الجنين ضرورة لإنقاذ حياتها من موت محقق أو محتمل بشرط أن كون ذلك على سبيل العلاج الطبي، و أن يجريه الطبيــب، و أن ترخص الأم إجراء هذا العمل العلاجي، فإذا انتفت الإباحة و تعين توقيع العقاب على الطبيب المختص، ولا عبرة بالمتاعب الصحية العادية للحامل، فلا تبيح هذه المتاعب التخلص من الجنين بالإجهاض1.
أما في فرنسا فقد أكد على هذه الحالة الطبية المرسوم المؤرخ في 28/02/1983 و الذي أباح الإجهاض في الحالات الطبية" الإجهاض الإرادي" كما أكد المرسوم على أنه بالرغم من التطور العلمي الملحوظ في المجال الطبي كتوفر موانع الحمل و تفادي هذه العملية – الإجهاض- إلا أنه قد تستدعي في بعض الأحيان إلى إعمال هذه الوسلة، في الضرورة الطبية.
و نظرا لظهور أو التصريح بهذا القرار ظهرت بعض الحركات و المنظمات المنددة لهذه الإباحة و من بينها حركة الفرنسية للتخطيط العائلي و التي نددت بشكل كبير على هذه الإباحة و رفم هذا أكد التشريع الفرنسي و رسميا في 17/01/1975 التصوت و لمدة 05 سنوات عن هذا القرار "الإباحة"، لعود تنظيم هذا الأخيير في سنة 1979 أين ضق نوعا مامن هذه الإباحة.
مما أدى بالحركة إلى التأكيد إلى ضرورة موافقة الحامل، إذا ما اضطر الأمر لهذه العملية ، و كذا وجوب فرض التعويض من طرف الضمان الإجتماع و التأمين على حياة الأم حتى تعطي نوعا من المسؤولية في هذا المجال.
و ابتداء من سنة 1990 زاد نشاط عملية الإجهاض في فرنسا رغم كل هذه التنديدات بروج المسؤولية، ليصوت في الأخير عن قانون سنة 1992 الذ يحدد مدى تطبيق هذه الإباحة و تحديد أسبابها، و موانع المسؤولية لإرتكابها1.
المطلب الثاني: حالة الضرورة
تناول قانون العقوبات الجزائري في المادة 48 منه حكم حالة الضرورة كمانع المسؤولية كقاعدة عامة في جميع الجرائم بقوله :"لا عقوبة على من اضطرته إلى ارتكاب الجريمة قوة لا قبل له بدفعها و بالإضافة إلى ذلك أورد المشرع نصا خاصا ععلى اعتبار أن إنقاد حياة الحامل هو من حالات الضرورة التي لا مسؤولية عنها و بالتالي، لا عقاب عليها لا بالنسبة للطبيب الذي يرتكب فعل الإجهاض و لا بالنسبة للأم التي رضيت بهذا الفعل.2
و ينص المشرع المصري على هذه الحالة في المادة م 61 قانون عقوبات مصري على شروط الضرورة بقوله:"لا عقوبة على من ارتكب جريمة ألجأته إلى ارتكابها ضرورة وقاية نفسه و غيره من خطر جسيم على النفس على وشك الوقوع به أو بغيره و لم يكن لإرادته دخل في حلول ولا في قدرته في منعه من طريقة أخرى، فإذا توفرت شروط الضرورة في الإجهاض فإنه يمكن الاستناد إليها، و من أهم شروطها في هذه الحالة أن يهدد الحمل حياة الحامل، أو أن يهدد سلامة جسمها بخطر جسيم، و لايشترط أن يجريه طبيب أو أن ترضى الحامل به و تكون هذه الحالة مانعة من المسؤولية، و لا يحتج بحالة الضرورة لمن كان حملها ثمرة علاقة غير مشروعة – خارج نطاق عقد الزواج- و لما من إرادتها من دخل في حلول الخطر".
المطلب الثالث: الإجهاض برضى المجني عليه
إن الاتفاق العام لدى التشريعات العربية منها أو الغربية هو أن رضاء المجني عليه ليس سببا كافيا لإباحة الإجهاض، و هذا الاتفاق مستمد من خطة الشارع فقد عاقب الحامل إذا جهضت نفسها، و عاقبها إذا رضيت بتعاطي الأدوية أو استعمال الوسائل المؤدية إلى الإجهاض- كما نصت عليه المادة م 304 قانون عقوبات جزائري و كذا م 262 قانون عقوبات مصري و يفسر هذه القاعدة أن الحاق موضوع الحماية ليس للأم حتى يكون لرضائها بالاعتداء عليه ما يبيحه و إنما هو للجنين، فهو غير ذات صفة للتصرف فيه، و بالاضافة إلى ذلك أن للأم رسالة اجتماعية فرضها عليها الشراع، من عناصرها أن تتحمل آلام و متاعب الحمل والولادة، و من ثم لا يكون من حقها أن تتخلى عنها برضائها بالإجهاض.
و في هذا الشأن قد أورد المشرع الأردني العقوبة على من قام بإجهاض امرأة حامل برضاها بقوله: "من أقدم بأي وسيلة كانت على إجهاض امرأة برضاها عوقب بالحبس من سنة إلى ثلاث سنوات". و كما جاء في نص م 36 من قانون العقوبات الإنجليزي بقوله: "أي شخص يسبب عمدا إجهاض امرأة برضاها بأي وسيلة غير مشروعة أو بإعطائها أي مادة ضارة يعتبر مرتكبا لجريمة الإجهاض" و هذا ما جاء في قانون العقوبات الفرنسي بأنه لا أثر لرضاء الأم إطلاقا في إباحة الإجهاض.
المطلب الرابع: الإجهاض لأسباب أخلاقية و اجتماعية
1) الإجهاض لأسباب أخلاقية:
قد يكون الحمل سفحا فتقدم الأم على الإجهاض إتقاءا للعار و دفاعا عن الشرف فهل هذا يكون سببا لإباحة فعلها؟
يدخل في هذا النطاق أن يكون الحمل ثمرة لجريمة الاغتصاب أو تلقيح صناعي أجري دون رضاء المرأة.
إن سبب الإباحة التي تثيره هذه الحالة التساؤل عن مدى توفر شروطه و الدفاع الشرعي عن الشرف.
نعتقد أن هذه الشروط غير متوفرة لأن الفعل غير موجة إلى من صدر عنه الاعتداء، فقد صدر هذا الاعتداء عن الرجل الذي ارتكب الاغتصاب و لكن الفعل قد وقع عدوانا على حق الجنين، و له في القانون استقلاله عن ذلك الرجل.
و تأبى السياسة الجنائية أن يعترف الشارع بهذا الإجهاض فمن ناحية ليست المرأة بحاجة إليه. فلها حق الدفاع الشرعي ضد الرجل الذي يحاول الاعتداء على عرضها، و لها كذلك الحق في الحيلولة دون الحمل باستعمال الوسائل التي من شأنها ذلك، فإذا ما حصل الحمل كان له الحق في النمو، و الميلاد الطبيعي الذي لا يجوز للحامل الاعتداء عليه، و من ناحية ثانية يخشى أن يؤدي هذا الاعتراف إلى إساءة استعماله حين يكون ثمرة علاقة جنسية، رضيت بها تحفظ. فإذا توفرت لهذا الإجهاض مقتضيات العمل العلاجي، كما لو كانت اللمجني عليها، في الاغتصاب طفلة أو مريضة لا تقوى على احتمال الحمل أو الولادة، أو كان محققا إقدامها على الانتحار أبيح الإجهاض استنادا إلى الاعتبارات الطبية.
2) الاجهاض لأسباب اجتماعية:
و زيادة على ما سبق فإن أسباب الإجهاض تتنوع من أسباب اقتصادية و اجتماعية فنجد أثرها بالنسبة للأسباب الاقتصادية يتحدد انطلاقا من استهداف المركز الاقتصادي للأسرة، كما لو كان عدد الأبناء كبيرا و الدخل قليلا، فيخشى أن يؤدي ميلاد ابن جديد إلى أن يهبط المستوى الاجتماعي للأسرة. إلا أننا نرى أنه لاشك من عدم شرعية هذا الإجهاض، ذلك أنه عند المقارنة بين الأهمية الاجتماعية للمركز الاقتصادي للأسرة و حق الجنين في الحياة يتبين رجحان الثاني "أي حق الجنين" ومن ثم يتعين صيانته بتحريم الاعتداء عليه و لو استند إلى هذه الأسباب و إضافة لهذا أن القول بإباحة الإجهاض يعني الإباحة العامة للإجهاض لدى العائلات الفقيرة دون سواها. لذلك من العسير وضع ضابط يحدد المستوى الاقتصادي الذي يباح الاجهاض محافظة عليه.
أما فيما يخص الأسباب الاجتماعية فهي تتحدد انطلاقا من أثرها في النمو الديموغرافي، كما تؤكد التقارير أن "الصين" كي تحد النسل و فرضت سياسة التعقيم منذ عام 1984م. تحت ذريعة استقرار و النمو السكاني، و تحسين أوضاع الاقليات و إزالة التفاوت الاقتصادي و من أجل ذلك وصل الأمر إلى حد جمع النساء الحوامل من القرى المجاورة و الائي لديهن طفل و أكثر لإجراء عملية الإجهاض لهن و من رفض إجراء العملية تم إجبارها على إجرائها. و أنشئت من أجل هذا الغرض عيادة في كل مستشفى مهمتها مراقبة النساء و تحديد عدد الأطفال.
و قد دفع العديد من النساء و الأطفال حياتهم نتيجة لهذه السياسة كما لم يكتسب الكثير من الأطفال الشرعية حيث تم إنجابهم سرا. و قد حققت هذه الإجراءات التعسفية نجاحا كبيرا في الإقليم، و قد صرح أطباء تحديد النسل الصينيون في الإقليم بأنه في إحدى المدن البالغ عدد سكانها 200 ألف نسمة كان هناك 35 ألف أم تنظر الفحص الحكومي الذي أسفر على إجبار ؟؟؟ سيدة على الخضوع لعملية الإجهاض، و تم إجبار 10708 سيدة أخرى على عمليات التعقيم، و جاء لكي يتم إنجاز نسبة محددة للإجهاض يضطر الإطباء أحيانا لقتل المواليد الجدد للأقليات المسلمة.
و قد استنكر الأمريكيون في العديد من المرات على إباحة الإجهاض حاملين الرايات باللون الأحمر للتذكير بمبادئ التراث و العائلة الملكية كما هو الحال كل عام منذ 22 جانفي 1973 تاريخ صدور قرار المحكمة العليا الذي شرع الإجهاض في الولايات المتحدة الأمريكية من أجل التعبير عن رفضهم المطلق عن الإجهاض.
و الإجهاض من المواضيع التي لا تزال تثير الكثير من الجدل في الويات المتحدة الأمريكية بين مؤيدين و معارضين و لذلك تجمع المتظاهرون القادمون من مختلف أنحاء البلاد رافعين صورا لأجنة ملطخة بالدم و لافتات تندد بالجهاض. 2
و لهذا نجد أن أغلبية القوانين و التشريعات على اختلاف اتجاهاتها و فلسفاتها تتفق على تجريم الإجهاض و تعاقب كل من يقوم به أو يساعد على إحداثه رغم الرضاء و ما يلازمه من ظروف و ملابسات. فحق الحياة حق مقدس للفرد أين ما وجد في أي مكان و زمان نحن نعيش به و لايجوز التصرف به أو إباحة الاعتداء عليه بحجة رضاء المجني عليه أو طلبه.
إلا أننا في الوقت الحاضر نسمع النداء و الاقتراح بإباحة الإجهاض، و نجد أن بعض الدول الأجنبية قد أباحت الإجهاض و رخصت به في كل من السويد، النرويج و هولندا، و طالبت بإباحته كل من ألمانيا، فرنسا، بلجيكا و إيطاليا و ما زال هذا الاقتراح موضوع البحث و الدراسة أما في البلاد العربية طالبت تونس باباحته الإجهاض بصفة مطلقة إلا أنه لم يصدر قانون بذلك للآن، و الرأي الغالب في تونس هو الذي يطالب بإباحة الإجهاض كتبرير لتحديد النسل و كحل للعقبات و الصعوبات الاجتماعية و الاقتصادية.
المبحث الثالث: موقف الشريعة الاسلامية من الإجهاض
بعد ما رأينا موقف التشريعات الوضعية لجريمة الإجهاض، و مدى التقارب بينها في تحديد أركانها و أسباب إباحتها و كذا العقوبة المقررة لها، سنحاول الآن بحث هذا الموضوع من الناحية الشرعية، و التي لاشك أنها عالجت بالتفصيل هذه الجريمة، كما حددت العقوبة "الدية" المقررة لها و هذا باختلاف المذاهب الدينية و لاسيما منها المذهب المالكي، الشافعي و الحنفي، و كذا الظاهري.
المطلب الأول: في المذهب المالكي
جاء في موطأ الإمام أنه قال: "إن فدية الجنين الحرة عشر ديتها، و العشر خمسون دينارا أو ستمائة درهم". و قال :"و لم أسمع أحدا يخالف في أن الجنين لا تكون فيه "الغرة" حتى يزايل بطن أمه و يسقط من بطنها ميتا.
و قال الإمام مالك: "و سمعت أنه إذا خرج الجنين من بطن أمه حيا ثم مات أن فيه الدية كاملة و قال :"و لا حياة للجنين لا بستهلال، فإذا خرج من بطن أمه فاستهل ثم مات ففيه الدية كاملة، ونرى أن في الجنين للآمة عشر ثمن أمه".
و قال الإمام مالك: "و إذا قتلت المرأة رجلا أو امرأة عمدا و التي قتلت حامل لم يقد منها حتى تضع حملها، و إن قتلت المرأة و هي حامل عمدا أو خطأ، فليس على من قتلها في جنينها شيء، فإذا قتلت عمدا الذي قتلها و ليس في جنينها دية، و إن قتلت خطأ فعلى قاتله ديتها و ليس في جنينها دية، و حدث يحي:"أن مالكا سأل عن جنين اليهودية و النصرانية يطرح فقال:"رأى أن فيه عشر دية أمه".
و جاء في "المدونة الكبرى" أنه لو أوصى الرجل لجنين امرأة فاسقطته بعد موت الموصي فيرى:" أبو القاسم أن لا شيء له من الوصية إلى أن يخرج حيا، و يستهل صارخا".
و جاء في "المدونة" أيضا ان البكر الحامل من الزنا يؤخر جلدها حتى تضع حملها، و يجف دمها و تتعالى من نفاسها، و إن كان حدها الرجم تمهل حتى تضع ما في بطنها فإذا وضعت ما في بطنها فإن أصابوا للصبي من يرضعه أقيم عليها الحد و لم تؤخر، و إن لم يصيبو من يرضعه لم يجعل عليها حتى ترضع ولدها. 1
وروى مالك عن ابن شهاب عن سعيد ابن مسيب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لأن الجنين يقتل في بطن أمه بـ غرة ...عبد أو ليدة" فقال الذي قضى عليه: طيف أغرم ما لا شرب و لا أكل و لا أسها، و مثل ذلك يطل. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن هذا من ؟؟ الكهان". هذا عن الجنين المسلمة، فقال قال صاحب بداية المجتهد، قال مالك: "أن فيه عشر دية أمه".
على من يجب الغرة؟ : يرى مالك و الحسن البصري و البصريون: "تجب في مال الجاني، وروى عن جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم جعل في الجنين غرة على عائلة الضارب و بأ بزوجها وولدها". أما مالك فقد شبهها بدية العمد إذا كان الضرب عمدا. 2
المطلب الثاني: المذهب الشافعي
جاء في كتاب "الأنوار" أن الموجب في دية الجنين وهو جناية ينفصل منها الجنين ميتا ذو قيود:
القيد الأول: وهو ما يؤثر في الجنين من ضرب و إيجار دواء و تهديد الجديد و شهر السلاح ونحوها و لا آثار للطمة الخفيفة و شبهها.
القيد الثاني: الانفصال فلو ماتت الأم و لم ينفصل الجنين لم يجب الضارب بشيء للجنين، و إن يسمع من البطن طرقا و لو كانت منتفخة البطن فضربها فزاد الانتفاخ أو كانت تجد تحركا في بطنها تزال فكذلك و لا يشترط انفصاله بتمامه، فإذا ضرب بطنها فخرج رأس الجنين و ماتت أمه و لم ينفصل أو خرج رأسه ثم جنى عليها فماتت و جبت الغرة".
القيد الثالث: كونه ميتا، فإذا انفصل حيا و بقي زمانا سالما غير متألما فلا ضمان، و إن مات كما خرج أو بقي متألما حتى مات و جببت دية كاملة على العاقلة استهل أم لا.
و لا يشترط تيقن الحياة لوجوب الدية و لاستقرارها، بل يكفي ما يدل عليها، كالتنفس و امتصاص اللبن، و الحركة القوية كقبض اليد و بسطها و فتح عينيه و تطبيقهما و لا عبرة بمجرد الاختلاج، و لا يشترط بلوغه وقتا يعيش الولد فيه وهو 06 أشهر فما فوقه.
و ماتت المضروبة ثم انفصل ميتا و جبت دية لها و غرة للجنين و انفصل حيا ثم مات و جبيت ديتان ورثت منه إن مات أولا، و يرث منها إن ماتت أولا و لا فرق في وجوب الغرة بين أن يكون الجنين ذكرا، أو أنثى، أو خنثى أو مجهول الحال، كان ثابت النسب أو غيره تام الأعضاء أو ناقصها ولو اشترك اثنان في الضرب قالغرة على عاقلتهما مناصفة، و لو ألقت جنينين و جبت غرتان و لو ألقت حيا أو ميتا فلكل حكمه و لو ألقت يدا أو رجلا أو عينا أو غير ذلك مما يدل على التصور و ماتت و لم ينفصل و جبت غرة، و كذا لو ألقت رأسين أو أربع أيدي أو أربع أرجل، و لو ألقت بيدين و جبت غرتان ولو ألقت يدا أو رجلا ثم انفصل فقيد اليد أو الرجل ميتا بلا اندمال و جبت غرة و إن انفصل حيا فقيدا بلا اندمال و مات و جبت دية كاملة.
و إن عاش فإن قالت القوابل أنها يد من لم تخلق الحياة فيه وجب نصف غرة، و إن قلن أنها يد ممن خلقت فيه الحياة، وجب نصف الدية و كذا إن عرف انفصال اليد بعد وجود الحياة بأن ألقته عقيب الضرب ثم انفصل و إن شك وجب نصف الغرة و إن ألقته بعد اندماله مالم يضمن الجنين حيا كان أو ميتا، أما اليد فإن خرج ميتا وجب نصف الغرة، و إن خرج حيا و مات أو عاش فقيلا و يجب نصف الغرة و قيل يراجع القوابل، و إن انفصل حيا و مات و جبت الدية و إن عاش فحكومة.
و بهذا التفصيل قطع الغزالي، و لو ألقت أولا جنينا كاملا ثم يدا فكذلك الحكم، ولو انفصل بعد الاندمال فلا شيء للجنين.
و تجب الغرة إذا انفصل ما ظهر فيه صورة الآدمي من يد أو إصبع أو ظفر او غيره، و يكفي الظهور بطرف واحد، و لا يشترط في الأطراف كلها، و لم يظهر شيء من ذلك و شهدت القوابل بأن صورة خفية يختص بمعرفتها أهل الخبرة وجبت غرة، و إن قلنا ليست فيه صورة خفية و لكن لو بقي للتصور أو شككنا أنه في أصل آدمي أولا لم تجب الغرة، و ليس في إلقاء العلاقة شيء و لا تجب الغرة القابلة إلا بجنين كامل وهو المحكوم بالاسلام تبعا لأبويه أو أحدهما و بالحرية تبعا لحرية الأم وبسبب آخر مع رقها في نكاح الغرور أو اعتقاق السيد الحمل وحده، فأما المحكوم بالتهود و التنصر تبعا ففيه ثلث غرة المسلم وهو بعير وثلثان فيشتري به غرة إن وجدت و إلا فيعدل إلى قيمة الإبل و المحكوم بالتمجس ففيه ثلثا عشر غرة المسلم وهو ثلث البعير فيشتري به غرة إن وجدت و إلا الإبل أو الدراهم.
و إن كان أحد أبويه يهوديا أو مجوسيا فكجنين الأشرف، ولو جنى على الذمية حبلى من ذمي فأسلم أحدهما ثم أجهضت وجبت غرة كاملة و كذا لو جنى على أمة حبلى فعتقت ثم ألقته ميتا، و للسيد منه الأقل من عشر قيمة الأم و من الغرة، ولو جنى السيد على أمته الحامل الجناية إلى الإجهاض ذكرا كانت أو أنثى. 1
و خلاصة القول قد اشترط الشافعي حالة ما إذا مات في بطن أمه، أن يعلم بأنه قد تخلق و جرى فيه الروح، و فسره بـ:"ما ظهر في وصورة الآدمي من يد و أصبع". و نرجح رأي الشافعي عندما قال أن الأصل براءة الذمة و عدم وجوب الغرة فإذا لم يعلم تخلقه فإنه لا يجب الشيء. و قد أكد الشافعي على أنه تجب الكفارة في الخطأ العمدي.
أما الإمام الغزالي فإنه يرى أن الإجهاض جناية على موجود حاصل قال: "و لها مراتب، أن تقع النطفة في الرحم و تختلط بماء المرأة و تستعد لقبول الحياة، و إفساد ذلك جناية، فإذا صارت مضغة و علقة كانت الجناية أفحش و إن نفخ فيه الروح و استوت الخلقة إزدادت الجناية تفاحشا".
و عن عبد الله قال حدثني رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الصادق الصدوق: "إن أحدكم يجمع خلقة في بطم أمه أربعين يوما نطفة ثم يكون علقة مثل ذلك، ثم يكون مضغة مثل ذلك، ثم ينفخ فيه الروح و يؤمر بأربع كلمات: يكتب رزقه و أجله و عمله و شقي أو سعيد". 1