منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب - عرض مشاركة واحدة - الدين والسياسة
الموضوع: الدين والسياسة
عرض مشاركة واحدة
قديم 2008-11-07, 14:36   رقم المشاركة : 13
معلومات العضو
المثابر120
عضو فعّال
 
الصورة الرمزية المثابر120
 

 

 
إحصائية العضو










B18

الديمقراطية وصلتها بالإسلام:
ويحسن بنا بمناسبة حديثنا عن الديمقراطية: أن نذكر هنا موقف الإسلام من الديمقراطية، فقد رأينا الذين يتحدثون عن الديمقراطية وصلتها بالإسلام عدة أصناف متباينة:

1. الرافضون للديمقراطية باسم الإسلام:
صنف يرى أن الإسلام والديمقراطية ضدَّان لا يلتقيان، لعدة أسباب:
أ‌- أن الإسلام من الله والديمقراطية من البشر.
ب‌- وأن الديمقراطية تعني حكم الشعب للشعب، والإسلام يعني حكم الله.
ت‌- وأن الديمقراطية تقوم على تحكيم الأكثرية في العدد، وليست الأكثرية دائما على صواب.
ث‌- وأن الديمقراطية أمر مُحدَث وابتداع في الدِّين، ليس له سلف من الأمة، وفي الحديث: "مَن أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد" [5]، و"مَن عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد" [6].
ج‌- وأن الديمقراطية مبدأ مستورد من الغرب النصراني أو العلماني الذي لا يؤمن بسلطان الدِّين على الحياة، أو الملحد الذي لا يؤمن بنبوة ولا ألوهية ولا جزاء، فكيف نتخذه لنا إماما؟
على هذا يرفض هؤلاء الديمقراطية رفضا باتًا، وينكرون على مَن ينادي بها أو يدعو إليها في ديارنا، بل قد يتهمونه بالكفر والمروق من الإسلام. فقد صرَّح بعضهم بأن الديمقراطية كفر!
2. القائلون بالديمقراطية بلا قيود:
على عكس هؤلاء، آخرون يرون أن الديمقراطية الغربية هي العلاج الشافي لأوطاننا ودولنا وشعوبنا، بكل ما تحمله من معاني الليبرالية الاجتماعية، والرأسمالية الاقتصادية، والحرية السياسية.
ولا يقيد هؤلاء هذه الديمقراطية بشيء، وهم يريدونها في بلادنا، كما هي في بلاد الغربيين، لا تستند إلى عقيدة، ولا تحثُّ على عبادة، ولا تستمد من شريعة، ولا تؤمن بقِيَم ثابتة، بل هي تفصل بين العلم والأخلاق، وبين الاقتصاد والأخلاق، وبين السياسة والأخلاق، وبين الحرب والأخلاق.
وهذا هو منطق (التغربيين) الذين نادوا من قديم، بأن نسير مسيرة الغربيين، ونأخذ حضارتهم بخيرها وشرِّها، وحلوها ومرها [7]!

3. الوسطيون المتوازنون:
وبين هؤلاء وأولئك: تقف فئة الوسط التي ترى أن خير ما في الديمقراطية -أو قل: جوهر الديمقراطية- متفق مع جوهر تعاليم الإسلام.
جوهر الديمقراطية: أن يختار الناس مَن يحكمهم، ولا يُفرض عليهم حاكم يكرهونه ويرفضونه يقودهم بعصاه أو سيفه. وأن يكون لديهم من الوسائل: ما يقوِّمون به عوجه، ويردونه إلى الصواب إذا أخطأ الطريق، وأن تكون لديهم القدرة على إنذاره إذا لم يرتدع، ثم عزله بعد ذلك.
وإذا اختلف معه أهل الحل والعقد -أو مجلس الأمة أو الشعب أو مجلس النواب، سمِّه ما شئت- فإن كان في أمر شرعي: رُدَّ التنازع إلى الله ورسوله كما أمر القرآن: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ [النساء:59]، وقد أجمع العلماء على أن المراد بالرد إلى الله: الرد إلى كتابه. وبالرد إلى رسول الله: الرد إلى سنته.
والذين يرجع إليهم في هذا هم الراسخون في العلم، الخبراء وأهل الذكر في العلم الشرعي: علم الكتاب والسنة والفقه وأصوله، الذين يجمعون بين فقه النصوص الجزئية وفقه المقاصد الكلية، والذين يجمعون بين فقه الشرع وفقه الواقع، أعني فقه العصر الذي يعيشون فيه وما فيه من تيارات ومشكلات وعلاقات، كما قال تعالى: وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ [النساء:83].
وأما في أمور الحياة المختلفة: التي تدخل في دائرة المباحات، فعند الاختلاف في شأنها -كما هو شأن البشر في الأمور الاجتهادية- لا بد من مرجِّح، والمرجِّح هو الأغلبية، فإن رأي الاثنين أقرب إلى الصواب من رأي الفرد. وهناك أدلة شرعية على ذلك، لا يتسع المقام لسردها. فلتراجع في كتابنا (من فقه الدولة في الإسلام).
ولا يعيب الديمقراطية أنها من اجتهادات البشر، فليس كل ما جاء عن البشر مذموما، كيف وقد أمرنا الله أن نُعمِل عقولنا، فنفكِّر وننظر، ونتدبَّر ونعتبر، ونجتهد ونستنبط؟ ولكن يُنظَر في هذا الاجتهاد: أهو مناقض لما جاء من عند الله أم لا يتعارض معه، بل يمشي في ضوئه؟ وقد رأينا الديمقراطية تجسِّد مبادئ الشورى، والنصيحة في الدِّين، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والتواصي بالحق والصبر، وإقامة العدل، ورفع الظلم، وتحقيق المصالح ودفع المفاسد ... وغيرها.
وما قيل من أن الديمقراطية تعني حكم الشعب، فليس يعني: أنه في مقابلة حكم الله، بل حكم الشعب في مقابلة حكم الفرد المطلق.
وما قيل: إنه مبدأ مستورد، فالاستيراد في ذاته ليس محظورا، إنما المحظور أن تستورد ما يضرك ولا ينفعك، وأن تستورد بضاعة عندك مثلها أو خير منها، ونحن نستورد من الديمقراطية: آلياتها وضماناتها، ولا نأخذ كل فلسفتها التي تغلو في تضخيم الفرد على حساب الجماعة، وتبالغ في تقرير الحرية ولو على حساب القِيَم والأخلاق، وتعطي الأكثرية الحق في تغيير كل شيء، حتى الديمقراطية ذاتها!!
نحن نريد ديمقراطية المجتمع المسلم، والأمة المسلمة، بحيث تراعي هذه الديمقراطية عقائد هذا المجتمع وقِيمه وأسسه الدِّينية والثقافية والأخلاقية، فهي من الثوابت التي لا تقبل التطور ولا التغيير بالتصويت عليها.

الشورى والديمقراطية:
وكثير من الذين يتحدثون عن الديمقراطية، وأن لها في أحكام الإسلام أصولا وجذورا: يركِّزون على قاعدة (الشورى) في الإسلام، ويعتبرون الشورى هي البديل الإسلامي للديمقراطية، وهي أيضا الدليل الشرعي للديمقراطية.
وكان بعض إخواننا في الجزائر يقولون: ( شورقراطية)، أي شورى متضمنة للديمقراطية.
وفي رأيي أننا نستطيع أن ندعم القضية بأكثر من ذلك، وأن الشورى وحدها قد لا تكفي هنا لسببين:
أولهما: أن هناك من الفقهاء من زعم أن الشورى ليست واجبة، وإنما هي من قبيل المندوبات والمستحبات، فهي من المكملات وليست من المؤسِّسات. خلافا لما قاله المحققون من أمثال العلاَّمة ابن عطية، وأقرَّه الإمام القرطبي في تفسيره: (الشورى من قواعد الشريعة وعزائم الأحكام، ومَن لا يستشير أهل العلم والدِّين، فعزله واجب، وهذا ما لا خلاف فيه) [8].
وثانيهما: أن هناك من الفقهاء أيضا من قالوا: إن الشورى معلمة وليست ملزمة. وحتى من سلَّم أن الشورى واجبة وفريضة دينية، يقول: أن الواجب على الحاكم أو الإمام أن يستشير أهل الرأي والبصيرة والخبرة، حتى إذا استنار له الطريق، مضى في سبيله بما يراه وتحمَّل المسؤولية وحده، وليس من الضروري أن ننزل على رأيهم، مستدلين بقوله تعالى: {وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ} [آل عمران:159].
ونحن لا نقر هذين الأمرين، ولنا رد على كل منهما مذكور في مواضعه من كتبنا، ولكن مجرد إثارتهما قد يضعف لدى بعض الناس من الاعتماد على الشورى وحدها.
ورأيي أن الواجب علينا هنا: أن نضيف مبادئ أو مؤيدات أخرى تؤكذ شرعية الديمقراطية الحقيقية وقربها من جوهر الإسلام.
من هذه المؤيدات:

1. رفض سلطان الجبابرة والفراعنة:
أول هذه المبادئ المؤيدة لشرعية الديمقراطية، وحكم الشعوب لنفسها، واختيارها مَن يحكمها ويقودها: أن القرآن الكريم ينكر أبلغ الإنكار، بل يذم أبلغ الذم: الجبابرة الذين يتسلطون على الشعوب، ويحكمونها رغم أنوفها، ويقودونها طوعا أو كرها -بل غالبا ما يقودونها كرها- إلى ما يريدون.
وفي هذا ذم القرآن مُلك صاحب إبراهيم -الذي يسمونه (نمروذ): أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ ... [البقرة:258].
وقد ذكر المفسرون: أنه جاء برجلين من عرض الطريق، فحكم عليهما بالإعدام، ثم نفذ الحكم في أحدهما وضربه بالسيف، وقال: ها أنا قد أمتُّه! وعفا عن الآخر، وقال: ها أنا ذا قد أحييته!
ومثل ذلك حكم فرعون الذي قال القرآن في شأنه: إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعاً يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ [القصص:4].
كما ذم القرآن تسلط الجبابرة في الأرض بصفة عامة، فقال: وَاسْتَفْتَحُوا وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ [ابراهيم:15]، وقال: كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ [غافر:35].
وذم كذلك الشعوب التي تسير في ركاب الجبابرة المستكبرين في الأرض وتنقاد لهم طائعة، كما قال عن فرعون: فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْماً فَاسِقِينَ [الزخرف:54]، وقال عن ملأ فرعون أيضا: فَاتَّبَعُوا أَمْرَ فِرْعَوْنَ وَمَا أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ * يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ وَبِئْسَ الْوِرْدُ الْمَوْرُودُ [هود:98،97].
وذم القرآن عادا قوم هود لتفريطهم في حريتهم وكرامتهم واتباعهم الجبابرة المتسلطين، فقال: وَتِلْكَ عَادٌ جَحَدُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ وَعَصَوْا رُسُلَهُ وَاتَّبَعُوا أَمْرَ كُلِّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ [هود:59].
وحكى القرآن نصيحة نبي الله صالح لقومه ثمود إذ قال لهم: فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ * وَلا تُطِيعُوا أَمْرَ الْمُسْرِفِينَ * الَّذِينَ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلا يُصْلِحُونَ [الشعراء:152،151،150].
وبهذا نرى أن من مبادئ القرآن وأهدافه: أن يحرر الأقوام والشعوب من تسلط الفراعنة والجبابرة المتألهين في الأرض، وأن يرفع جباههم فلا تسجد إلا لله الذي خلقهم، ويعلي رؤوسهم فلا تنحني إلا له سبحانه. فلا يحكم الناس ولا يقودهم نمروذ ولا فرعون، وإنما يقودهم رجل منهم، هم الذين يختارونه، وهم الذين يراقبونه ويحاسبونه، وهم الذين يعزلونه -عند انحرافه- ويسقطونه. كما قال أبو بكر الخليفة الأول في أول خطبة له بعد تولية الخلافة: إن رأيتموني على حق فأعينوني، وإن رأيتموني على باطل فسدِّدوني، أطيعوني ما أطعت الله فيكم، فإن عصيته فلا طاعة لي عليكم [9] اهـ.

2. اتباع الجماعة والسواد الأعظم:
وهناك نصوص شرعية، وأحاديث نبوية، تأمر المسلمين أن يكونوا مع الجماعة، فيد الله مع الجماعة، وأن يتبعوا السواد الأعظم [10]، أي جمهور الناس، وأن يهتموا برؤية المؤمنين للأشياء والوقائع والأشخاص، فإن رؤيتهم معتبرة عند الله وعند الناس، كما قال الله تعالى: وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ [التوبة:105]، فجعل رؤيتهم للعمل مقارنة لرؤية الله ورسوله.
وقال في آية أخرى: كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللَّهِ وَعِنْدَ الَّذِينَ آمَنُوا [غافر:35]، فجعل مقت الذين آمنوا وسخطهم بجوار مقت الله تعالى.
ولذا قال ابن مسعود رضي الله عنه: ما رآه المسلمون حسنا، فهو عند الله حسن، وما رآه المسلمون قبيحا، فهو عند الله قبيح [11].

3. عدم قبول صلاة الإمام الذي يكرهه المأمومون:
ثبت عن رسول الله أنه قال: "ثلاثة لا ترتفع صلاتهم فوق رؤوسهم شبرا (وهذا كناية عن عدم قبولها عند الله): رجل أمَّ قوما وهم له كارهون، وامرأة باتت وزوجها عليها ساخط، وأخوان متصارمان" [12].
ومعنى هذا: أن الإمام في الصلاة يجب أن يكون ممن يحبهم المأمومون، وإذا أحسَّ بغير ذلك: يجب أن يتخلى عن هذه الإمامة، وإلا ارتدت صلاته عليه، أو بقيت معلقة لا تقبل عند الله.
فإذا كان هذا في الإمامة الصغرى، فكيف بالإمامة الكبرى! إمامة الأمة في شؤونها كلها، التي تشمل دينها ودنياها؟
وفي الحديث الصحيح: "خيار أئمتكم: الذين تحبونهم ويحبونكم، ويصلون عليكم وتصلون عليهم (أي يدعون لكم وتدعون لهم)، وشرار أئمتكم: الذين تبغضونهم ويبغضونكم، وتلعنوهم ويلعنونكم" [13]، فأساس الصلة بين الحاكم والمحكومين: هو الثقة والمحبة المتبادلة بينهم. لا التباغض ولا التلاعن، الملازم للحكم المستبد الذي يقوم على القهر والجبروت.
وأحيل القارئ الكريم إلى أن يقرأ ما كتبته عن الديمقراطية وصلتها بالإسلام في كتابي (من فقه الدولة في الإسلام) [14].
________________________________________
[1] - انظر: كتابنا (دور القيم والأخلاق في الاقتصاد الإسلامي) نشر مكتبة وهبة بالقاهرة، ومؤسسة الرسالة في بيروت.
[2]- رواه أحمد في المسند (17994) عن عبد الرحمن بن غَنم، وقال محققوه: إسناده ضعيف لضعف شهر ابن حوشب، وحديث عبد الرحمن بن غَنم عن النبي مرسل، والطبراني في الأوسط (7/212) عن البراء ابن عازب، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد: رواه الطبراني في الأوسط وفيه حبيب بن أبي حبيب كاتب مالك وهو متروك (9/38).
[3]- من عيوب الأكثرية البرلمانية: أنها قد لا تكون معبِّرة عن أغلبية حقيقية، فقد تُعرض قضية يُطلب التصويت عليها في المجلس، فإذا كان معها 51% من الحاضرين، فقد رجحت وأقرت. فإذا نظرنا إلى الواقع: وجدنا الحزب صاحب الأغلبية في البرلمان، قد صوت على مشروع القرار في الحزب، وقد اختلف الأعضاء فيه، ولكن نجح القرار في الحزب بأغلبية 51%، ونظام الحزب يلزم أعضاءه جميعا -الموافقين والمخالفين- بالتصويت في المجلس مع أغلبية الحزب. ومعنى هذا في النهاية: أن المصوتين الحقيقيين لا يزيدون عن الربع كثيرا، فإذا أدخلنا اعتبار الغائبين، كانت النسبة أقل وأقل، فإذا تصورنا أن النواب أنفسهم فازوا بنسبة 51% من مجموع الناخبين، وربما كانوا 30% أو أقل: عرفنا قيمة التمثيل الحقيقي للشعب. ومع هذا لا يوجد بديل أدنى إلى القبول من هذا!
[4]- انظر: فصل (الإسلام والديمقراطية) من كتابنا (من فقه الدولة في الإسلام) صـ130- 146 طبعة دار الشروق. القاهرة.
[5]- سبق تخريجه.
[6]- سبق تخريجه.
[7]- انظر: مستقبل الثقافة في مصرلطه حسين صـ54 طبعة دار الكتاب اللبناني. بيروت.
[8]- تفسير القرطبي (4/249) طبعة دار الكتب المصرية، وانظر: المحرر الوجيز لابن عطية الأندلسي (1/534).
[9]- جزء من خطبة أبي بكر سبق تخريجها.
[10] - انظر: كتابنا( من فقه الدولة في الإسلام).
[11]- رواه أحمد في المسند (3600) عن ابن مسعود موقوفا، وقال محققوه: إسناده حسن، والطيالسي في المسند (1/33)، والبزار في المسند (5/212)، والطبراني في الكبير (9/112)، والحاكم في المستدرك كتاب معرفة الصحابة (3/83)، وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد: رواه أحمد والبزار والطبراني في الكبير ورجاله موثقون (1/428).
[12]- رواه ابن ماجه في إقامة الصلاة والسنة فيها (971) عن ابن عباس، وابن حبان في صحيحه كتاب الصلاة (5/53) وقال الأرناؤوط: إسناده حسن، والطبراني في الكبير (11/449).
[13]- رواه مسلم في الإمارة (1855) عن عوف بن مالك، وأحمد في المسند (23981).
[14]- نشر دار الشروق بالقاهرة


الفصل الخامس
الدولة الإسلامية وحقوق الأقليات

ومما يذكره هنا الحداثيون والعلمانيون: أن الدولة الإسلامية حين تقوم، يترتب على قيامها الجَور على حقوق الأقليات الدِّينية (المسيحية خاصة) بسبب طبيعتها الإسلامية. وذلك يتجلى في عدة صور:
1. اعتبار هؤلاء الأقليات من (أهل الذمة) وهذا يعني تهميشهم في المجتمع، والنظر إليهم نظرة دونية.
2. فرض الجزية عليهم كما أمر القرآن: حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ [التوبة:29].
3. فرض أحكام وقوانين دينية عليهم، مما توجبه الشريعة الإسلامية التي لا يؤمنون بها.
4. حرمانهم من وظائف معينة، مباحة للمسلمين، محرمة عليهم.
ومن الضروري هنا: أن نناقش هذه الدعاوى، ونرد عليها واحدة واحدة، بالأدلة الشرعية المستقاة من المنابع الصافية، المؤيدة بالمنطق العلمي السليم.

1. مسألة أهل الذمة:
أما مسألة (أهل الذمة) فالذمة معناها: الضمان والعهد، أي أنهم في ضمان الله ورسوله وجماعة المسلمين وعهدهم، لا يجوز دينا إخفار ذمتهم، أو نقض عهدهم المؤبد، الذي يصون حرماتهم، ويحفظ دينهم وأنفسهم وأعراضهم وأموالهم. والأصل في ذلك هو القاعدة التي يتناقلها المسلمون خاصتهم وعامتهم: لهم ما لنا وعليهم ما علينا.
ومع هذا، إن كان هذا المصطلح (أهل الذمة) يعطي انطباعا غير حسن عند إخواننا المسيحيين ويستاؤون منه، فإن الله لم يتعبدنا به، ويمكننا أن نستبدل به مصطلح (المواطنة) و(المواطنين). ومما يؤيد ذلك: أن فقهاء الشريعة في جميع المذاهب، اعتبروا أهل الذمة من (أهل دار الإسلام) ومعنى (أهل الدار): أي أهل الوطن، بمعنى أنهم مواطنون مشتركون مع المسلمين في المواطنة.

2. مسألة الجزية:
وأما مسألة (الجزية) فقد كانت غاية للقتال: حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ [التوبة:29]، ومعنى الصغار هنا: خضوعهم لدولة الإسلام، ودلالة ذلك: دفع هذا المبلغ الزهيد الذي يعبر عن إذعانهم لسلطان الدولة. وفي مقابله تقوم الدولة بحمايتهم والدفاع عنهم، والكفالة المعيشية للعاجزين منهم، كما فعل سيدنا عمر حين فرض ليهودي محتاج، ما يكفيه وعياله من بيت مال المسلمين [1].
وقد كانت هذه الجزية بدلا من فريضة الجهاد، وهي فريضة دينية تعبدية، فلم يُرِد الإسلام -لفرط حساسيته- أن يفرض على غير المسلمين ما يعتبره المسلمون عبادة وقربة دينية، بل أعظم القربات عند الله.
ولقد طلبت قبيلة (تغلب) العربية الكبيرة من أمير المؤمنين عمر: أن يسقط عنهم (الجزية) لأنهم قوم عرب يأنفون من قبول كلمة (جزية) وليأخذ منهم ما يشاء باسم الزكاة أو الصدقة، وقد تردد في أول الأمر، ثم قَبِل ذلك؛ لأن المقصود أن يدفعوا للدولة ما يثبت ولاءهم ومشاركتهم لها في الأعباء. ومن هنا رأى أن العبرة بالمسميات والمضامين، لا بالأسماء والعناوين.
وهو اجتهاد عُمَري يجب اعتماده في هذه القضية وفي أمثالها. وهو ما جعله رضي الله عنه، يغض الطرف عن هذا المصطلح الذي جاء في القرآن، ما دام قد حقق المقصود منه، فكيف بمصطلحات لم تجئ في قرآن ولا سنة؟!
وقد قرَّر الفقهاء أن الذمي إذا شارك في الدفاع ومحاربة الأعداء سقطت عنه الجزية.
واليوم بعد أن أصبح التجنيد الإجباري مفروضا على كل المواطنين -مسلمين وغير مسلمين- لم يعد هناك مجال لدفع أي مال، لا باسم جزية، ولا غيرها.

3. فرض القوانين الدِّينية:
وأما ما يقال عن فرض الأحكام والقوانين الدِّينية على غير المسلمين في المجتمعات الإسلامية، فهذا يحتاج إلى بيان.
أولا: أن الأحكام والقوانين الدِّينية لا تفرض أبدا على غير المسلمين، فلا تفرض عليهم الأحكام المتعلِّقة بالعبادات والفرائض الدِّينية من الصلاة والصيام والزكاة والحج وغيرها.
حتى الزكاة لم يفرضها عليهم، لأن فيها معنى العبادة، ومعنى الحق المالي، فراعى جانب العبادة فيها، ولم يفرضها عليهم، احتياطا في رعاية شعورهم.
وإن كان لي رأي في الموضوع: أنه لا مانع من أن تفرض عليهم ضريبة مساوية للزكاة، تسمى (ضريبة التكافل) توحيدا للمعاملة المالية بين أبناء الوطن الواحد. وقد وضحت ذلك بأدلته في كتابي فقه الزكاة [2].
ومما يلحق بالقوانين الدِّينية: القوانين الخاصة بالأحوال الشخصية من الزواج والطلاق والمواريث وغيرها، فهذه تعامل معاملة الأمور الدِّينية الخالصة، ونترك لهم حرية تنظيمها وتقنينها بما يتناسب وعقائدهم. وقد أمرنا أن نتركهم وما يدينون.
ومما سجله التاريخ الإسلامي: أن المسيحين كانت لهم محاكمهم الخاصة، وفيها قضاة منهم، تفصل بينهم وفقا لأحكام ملتهم.
أما القوانين المدنية والجنائية وغيرها، فيجري عليهم فيها ما يجري على المسلمين، تسوية بين أهل البلد الواحد. والحكم هنا يدور مع الأكثرية، كما تقضي بذلك مبادئ الديمقراطية، بشرط أن لا تجور الأكثرية على حقوق الأقلية.
وأعتقد أن رجوع المسيحيين إلى قوانين الأكثرية المسلمة: لا يتعارض مع أي معتقد عندهم، وخصوصا أن المسيحية لا تحتوي على تشريعات ملزمة لهم، ويستوي عندهم أن يكون القانون الذي يحكمهم: قانون نابليون أو قانون محمد.
بل أرى أن قانون محمد في الواقع: أقرب إليهم من قانون نابليون لأمرين:
الأول: أن قانون محمد قانون يراعي القيم الأخلاقية، والمثل العليا، التي جاء بها رسل الله جميعا، وحرصت عليها كل رسالات السماء، ومنها رسالة المسيح. بخلاف قانون نابليون الذي تغلب عليه النزعة النفعية والمادية والدنيوية.
والثاني: أن قانون محمد أو قانون المسلمين قانون نابع من المنطقة نفسها، معبر عنها وعن حاجاتها ومطالبها، معالج لمشكلاتها، فهو منها وإليها. بخلاف قانون نابليون المستورد من خارج المنطقة، ولا صلة له بثقافتها ولا بحضارتها، ولا بمفاهيمها ولا بتقاليدها.
وأخيرا أقول: إن مصلحة غير المسلمين: أن يحتكم المسلمون إلى شريعتهم التي تتجلى فيها طاعتهم لربهم، وإذعانهم لحكمه. فهذا أدعى أن يرعوا فيها حقوق الناس وحدود الله تعالى.
وبهذا يأخذ غير المسلمين أحكام الشريعة على أنها قانون عادي، ويأخذها المسلمون على أنها تنفيذ لشرع الله، وامتثال لأمر الله، وفي هذا من الخير ما فيه.
هذا مع ملاحظة: أن بعض القوانين الجنائية المفروضة على المسلمين، لا تفرض على غيرهم، مثل عقوبة شرب الخمر، لأنها غير محرمة في دينهم. وهناك خلاف في تطبيق بعض الحدود على غير المسلمين. وأنا أرى هنا: الأخذ بالأيسر والأوسع في هذا المجال.

4. الحرمان من الوظائف:
وأما حرمان الأقلية الدِّينية من وظائف الدولة، فنود أن نبين هنا: أن وظائف الدولة أنواع ومستويات.
فمنها: وظائف لها طابع ديني لا يفكر المسيحي ولا اليهودي أن يكون له حظ فيها، مثل وظائف الإمامة والخطابة والأذان وخدمة المسجد، ونحو ذلك.
ومثل ذلك: الوظائف المتعلِّقة بأركان الإسلام الأخرى، مثل: الزكاة والحج وغيرها. وإن كان هناك من الفقهاء من أجاز للذمي أن يكون من (العاملين) على الزكاة، ويأخذ أجرته منها، وهذا قمة في التسامح.
وهناك وظائف تحتاج إلى تخصص في الشريعة وفقهها، مثل (القضاء) فلهذا اشترط الفقهاء فيما مضى: أن يكون القاضي مسلما، إذْ لا بد له أن يكون عالما بالقرآن والسنة، عالما بالفقه وأصوله. وهذا مما يتعسر -إن لم يتعذر- على غير المسلم.
وقد يتغير الاجتهاد في عصرنا الذي أصبح فيه القضاء جماعيا، وغدت فيه المحكمة تتكون من عدة قضاة، وهنا يمكن أن يقال: لا مانع من أن يكون بعض القضاة من غير المسلمين، إذا مَلَك من المؤهلات ما يمكِّنه من هذا.
على أن يترك القضاء في الأحوال الشخصية للقضاة المسلمين، لما ذكرنا: أن هذه الأحوال لصيقة بالجانب الدِّيني، ولهذا قلنا: يجب أن تكون لغير المسلمين فيها محاكمهم الخاصة.
وقد تثار هنا قضية رئاسة الدولة، وهل تحرم منها الأقلية؟
والواقع أن الدولة في الإسلام: دولة عقائدية، دولة فكرة ورسالة، وهي موصولة بالدِّين، غير منفصلة عنه. ومن أول مسؤولياتها: التمكين لدين الله، والذود عنه، ورئاسة الدولة في الإسلام لها اختصاصات ذات علاقة بالشأن الدِّيني، وبعضها لا يجوز أن يقوم به إلا مسلم، مثل إمامة الناس في الصلاة، فالإمام أو الحاكم المسلم هو إمام الناس في الصلاة، وقائدهم في المواجهة، وقاضيهم في الخصومات، والنائب عن رسول الله في حراسة الدِّين وسياسة الدنيا به، كما قال العلماء. فهو المسؤول الأول عن حمل الإسلام: عقيدة وشريعة، عبادة ومعاملة، دعوة ودولة، قرآنا وسلطانا، دينا ودنيا. كما قال الله تعالى: الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِِ [الحج:41]، فجعل أول أعمال الممكنين في الأرض: إقامة الصلاة، وإيتاء الزكاة، وهذا شأن المسلمين.

يتبع >

__________________