وتتنزل هذه الحرية حتى تصل إلى الدعوة إلى الإسلام ويطالب الإسلام أن يؤمن الإنسان باختياره ويرفض قبول الإكراه في الدين أو استعمال أي قوة أو السيطرة لتحقيق ذلك (
لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي )وأكثر ما يفعله الإسلام في القرآن ان يدعو الناس ان يحكموا عقولهم ويتدبروا خلق السموات والأرض ، أي انه يغذي العقل بمنظومة من المعلومات ليساعده على حسن الاختيار والفرز بين الحق والباطل وحتى في الجدال مع الكفار كان منطق الموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي احسن (
ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي احسن) ويرفض رفضا قاطعا أسلوب الإكراه (
ولو شاء ربك لهدى الناس جميعا افأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين ) بل انه يعطي حقيقة إلهية عن طبيعة البشر في العصيان (
وما اكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين) وأكثر ما يطالب به هو تقديمهم برهان عدم إيمانهم فيقول لهم (
قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين).
إذن فالحرية في الإسلام –والديمقراطية هي الجسد التنظيمي لممارسة الحرية في الحكم والنظام –هي أساس كل اختيار حتى اختيار العقيدة نفسها بل و يطالب الإسلام الإنسان بممارسة حريته علنا عبر الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ولم يتركها حيادية محصورة في داخل الإنسان فقط ، وبهذا فان الإسلام يتجاوز جميع القوانين الوضعية مهما كانت متطرفة لجانب الحرية ، فالقانون الوضعي اكثر ما يذهب في هذا هو مذهب إباحة الرأي فقط ولا يوجب إبداءه على الأفراد في حين ان الإسلام يعتبر ذلك واجبا من واجبات المسلم عبر أمره بالمعروف ونهيه عن المنكر أي ان الحق في المفهوم الإسلامي ليس ذا مضمون سلبي يقف عند حدود وجوده وعدم إساءة استخدامه بل يتعدى ذلك بخطوة أخرى هي التي جعلت الحق ذل مضمون إيجابي عبر الدعوة له .
من جانب آخر ولتأكيد هذه الحرية للإنسان فقد وقف الإسلام موقفا شديدا ضد الاستبداد الذي هو ضد الحرية ،فالإسلام نقيض الاستبداد وحينما بدأ دعوته في مكة كان اتباع الدين يأتون إليه لكونه يحررهم من الظلم والاستبداد فكان الإسلام يعد العبيد بالحرية قبل كل شيء وفعلا استطاع أن يقضي على نظام الرق ، لقد ساوى الإسلام بين الاستبداد والكفر فهو دين الحرية قبل كل شيء ،وإذا كان علماء أوربا في فترة التنوير قد دعو للقضاء على الاستبداد باعتباره مناقضا لطبيعة البشر وحاولوا أن يقيموا النظام الديمقراطي على أساس من هذا المبدأ الطبيعة البشرية فان الإسلام سبقهم في ذلك مئات القرون حينما أكد ان الله خلق الإنسان بطبيعة حرة بل إن الحرية هي جوهر وجوده وطبيعته.
ومن اعظم التأكيد على حرية الإنسان في الإسلام انه ينظر إلى أن الإنسان الذي لا يمارس هذه الحرية في اختيار العقيدة كأنه لم يؤمن فهو يرفض الإيمان بالتقليد أو بالوراثة أو من خلال البيئة ويطالب الإنسان أن يختار عقيدته باختيار حقيقي وإذا كان الإسلام لا يمانع في تقليد الآخرين في أحكام شرعية معينة إلا انه لا يمكن أن يقلد غيره في أصول الدين أي اعتناق الإسلام .
إذن فالإسلام الذي يقوم على هذه الحرية يلتقي بالديمقراطية أو بمرجعية الديمقراطية ذات المضمون التحرري التي تعتبر أن الإنسان حر بطبيعته وان حقوقه النابعة عن هذه الطبيعة يجب أن تحترم وتصان ويحافظ عليها لأنها من الحفاظ على إنسانية الإنسان نفسه .
من جانب آخر فان ممارسة الإنسان لحريته في المجتمع تجعله يتقيد بما يفرضه المجتمع من ضرورات عبر العمل الجمعي وأنظمته وسياقاته وبالتالي فان حدود الحرية الفردية ستقف عند الحدود الفردية لشخص آخر يريد أن يمارس حريته ومن ثم تم الاتفاق على وجود المجتمع عبر عقد واتفاق بين المجتمعين يرتضون بموجبه الحياة الاجتماعية بما تفرضه من تقييدات على ممارسة الحرية للأشخاص المتعددين ،ولما كان المجتمع لا يقوم بدون سلطة سياسية تحدد له مساراته وسياقاته وأمانيه من هنا تحولت الحرية إلى نظام وآليات تنظيمية للمجتمع بدءا من الفرد حتى الحكومة ، وللحفاظ على أن تقوم هذه الأنظمة وشكل الحكومة بمهماتها للحفاظ على المجتمع كان على الأفراد أن يمارسوا حرية اختيارهم لشكل الحكومة وقانونها ودستورها ونظامها بما يحافظ ولا يتعدى على الحقوق الفردية للمواطنين عامة وبما يكفل لهم الحرية وفق قانون يرتضونه ويختارونه .
وهكذا بدأت الديمقراطية تعبر عن ممارسة الشعب لحريته في اختيار نظام الحكومة والمجتمع والقوانين المنظمة لحياته ومن هنا كانت الديمقراطية المباشرة في ممارسة الحرية في مجتمعات صغيرة كما كانت في اليونان القديمة ثم بعد توسع المجتمع والمدن والدول كانت الديمقراطية غير المباشرة بانتخاب الشعب لمن يمثله في مجالس نيابية كما فرض صيغا معينة للحفاظ على هذه الممارسة ولكي لا تطغى الحكومة على إرادة الشعب فقام بتوزيع المسؤوليات على سلطات متعددة كالسلطة القضائية والسلطة التشريعية والسلطة التنفيذية بحيث يسهل المحاسبة بين هذه السلطات بعضها لبعض ولا تستبد بقراراتها إذا لم تحصل على الإجماع الشعبي المطلوب ، ثم تطورت الديمقراطية بعد نشوء الأحزاب ثم وجود مجتمع المدني يراقب الحكومة عبر تنظيمات شعبية غير حكومية كالجمعيات والنقابات والمنظمات غير الحكومية الأخرى لمحاسبة الحكومة بسلطاتها المختلفة إذا ما حاولت أن تفرض أحكاما أو قرارات قسرية على الشعب حتى اصبح المجتمع المدني في الوقت الحاضر يلعب دورا كبيرا في جعل الحكومة تسير على سكة الشرعية المبنية أساسا على مصلحة الشعب وحريته قبل كل شيء وهكذا دخل مبدأ الاستفتاء الشعبي على أي قرار كبير تريد الحكومة أن تتخذه في المجتمع وسياسة الدولة واقتصادها
ان وجود الحياة المجتمعية في الأنظمة الديمقراطية فرض تعددا للآراء المختلفة مما طرح مبدأ المسامحة والرضا بالاختلاف مع الآخر ووجوده معه حتى تقسمت السياسات إلى يمين ويسار ومؤيد ومعارض مما فرض الاعتراف بحقيقة المعارضة وحقها في الاختلاف والتعبير عن رأيها المختلف مع الحاكمين عبر نشاطات إعلامية ومسيرات التظاهرات تأكيدا لحرية الرأي الآخر . فكيف عبر الإسلام عن ديمقراطيته –ممارسة الحكم-في الإطار النظري ؟ وهل يعتبر شكل نظام الحكم مسألة إنسانية أم دينية ؟ ولماذا لم ينص الإسلام لا في القرآن ولا في السنة على شكل الحكم الدستوري للحكم الإسلامي وأبقاه مفتوحا للاجتهاد؟
لقد اجتهد العلماء المسلمون في شكل الحكومة إسلاميا وديمقراطيا على أساس ان شكل الحكومة إنما هو اجتهاد إنساني يمكن الاستفادة من أي ممارسة جيدة تتناسب ولا تختلف مع المبادئ الإسلامية ، ومنهم من اعتقد أن شكل الحكومة أمر الهي اعتمادا على ما جاء في القرآن والسنة حصرا وممارسة الخلفاء الراشدين كان تعبيرا عنها وهناك من يجتهد في عقد المقارنات في التشابه والاختلاف بين نظام الحكم الإسلامي والديمقراطي وسنحاول ان نستعرض بعض هذه الاجتهادات والأسانيد التي استخدمها العلماء لدعم آرائهم فيها
مدخل منهجي
في كتابه –الديمقراطية التحديات والابتكارات في التسعينات ينقل روبن رايت نصا للفيلسوف الإيراني عبد الكريم سوروش مستشهدا فيه على علاقة الديمقراطية والإسلام قال فيه (إن الديمقراطية الإسلامية ترتكز على دعامتين : الأولى –هي انه لكي يكون الإنسان مؤمنا حقيقيا يجب أن يكون حرا ، أما أن يؤمن تحت ضغط وإكراه فلن يكون أيمانه حقيقيا وهذه الحرية هي أساس الديمقراطية ، والدعامة الثانية :هي إن تفسير النصوص الدينية هو دائما متجدد حيث إن التفسيرات تتأثر دائما بالعصر الذي نعيش فيه وبالتالي فأنت لا تستطيع أن تعطي تفسيرا ثابتا ولكن من حق كل شخص أن يفسر الدين انطلاقا من مبدأ المساواة أمام الله وعلى أساس هذين المبدأين فان الديمقراطية الإسلامية النموذجية هي نتاج للمعتقدات ورغبة الأغلبية ومثلها في ذلك مثل الديمقراطية في أي مكان وبالتالي فهي لا يمكن أن يتم فرضها من القمة أو عن طريق الصفوة من رجال الدين ).
أما الكاتب الألماني المسلم مراد هوفمان فانه يتحدث عن لبنات أساسية للديمقراطية الإسلامية ويكتب تحت عنوان (شورى قراطية ) ومن خلال كتاب الإسلام في الألفية الثالثة- ديانة في صعود -( إن القانون الإسلامي –أي الشريعة-لا يتطلب شكلا محددا للدولة المثالية فعلى كل جيل من المسلمين أن يجتهد للتوصل إلى تنظيم الدولة الذي يتماشى على افضل سبيل مع موروثاته ودرجة تطوره ويحقق افضل مصالحه ، من الممكن أن يكون هذا الكيان مملكة خاصة إن القرآن يتحدث عن الملوك مثل ملك سليمان في سورة النمل –28-24وملكة عادلة ذات عقل راجح هي ملكة سبأ بلقيس، ولكن من الجائز أن تكون هذه الدولة جمهورية مثل الدولة الإسلامية الأولى التي قامت في المدينة ، أما أهم الشروط التي يجب توافرها في كيان حكم إسلامي صحيح هو ان يسود فيه الإجماع على من يحكم وما يحكم أو أن يتم الحكم بموافقة الغالبية حتى يكون هناك عقد بمفهوم روسو يحكم العلاقة بين الشعب والحكومة ويسمى العقد الاجتماعي وهو في الإسلام (البيعة).
أما اللبنات الأساسية للديمقراطية الإسلامية فيحددها هوفمان بقوله(انه لما كان أهم أهداف الديمقراطية ووظائفها إنما هو تأمين وجود رقابة منظمة على الحكومات لمنع أي ظلم وتسلط وسوء استخدام للسلطة وما هذا إلا جوهر الأهداف الإسلامية فيتم ذلك في الديمقراطية الإسلامية بجعل القرآن الكريم المصدر الأعلى للدستور وسيكون هذا اللبنة الأولى لديمقراطية إسلامية ، أما اللبنة الثانية لهذه الديمقراطية فهي في وضع جميع القوانين المستمدة من القرآن الكريم موضع اعتبار وقياس من قبل قانونيين مسلمين ، واللبنة الثالثة لهذه الديمقراطية هي قيام حياة نيابية إسلامية بناء على التوجيه القرآني بوجوب الشورى حتى أن الشيخ محفوظ نحناح زعيم الحركة الإسلامية الجزائرية اقترح تسمية شورى قراطية للشكل الإسلامي للديمقراطية ،ثم تأتي اللبنة الرابعة في البناء الديمقراطي بكيفية انتخاب أعضاء مجلس الشورى وليس بالتعيين بل عبر انتخابات عامة حرة لممثلي الشعب ،واللبنة الخامسة هي إصدار تشريعات تنظم الجوانب الفنية لبناء الشوارع والتعريفة الكمركية والمسائل الصحية وضمانات العمل وغيرها و أحكام تكميلية في مجال التعزير ) ويختم هوفمان لبناته بانتخاب رأس الدولة عن طريق انتخابات نيابية وفق المنظور الإسلامي أي ان يكون ذكرا ولا وجود لمجلس ثوري ولا مكتب سياسي .
وهناك من يرى وجوب الدعوة إلى الديمقراطية إسلاميا وليس الوقوف عند معرفة التشابه أو الموافقة على النظام الديمقراطي وعدم رفضه بل ويدعو صاحب هذا الرأي إلى اعتبار أن الديمقراطية إنما هي آليات تنظيمية يحق للجميع الاستفادة منها باعتبارها إنجازا إنسانيا وخير من عبر عن هذا الرأي الأستاذ محمد حسن الأمين في مقابلة مفصلة نشرت على الإنترنت حيث يبدأ حديثه عن الديمقراطية بقوله(هي نظام يكاد يكون مجرد آلية للتنظيم تتوخى اكثر قدر من العدالة في توزيع المسؤوليات وفي تحقيق المجتمع السياسي بحيث يمكن القول بان الديمقراطية هي نظام الحرية عندما نريد أن ننقل الحرية من معناها المجرد إلى المجتمع السياسي ) ويضيف( لما كانت الديمقراطية إنجازا إنسانيا فإني اعتقد أن الإسلام لا يمانع من الأخذ بأسبابها إذا لم نقل إن الإسلام يدعو إلى الأخذ الجدي بمعطيات النظام الديمقراطي لان ذلك يتصل اتصالا وثيقا بما دعا إليه الإسلام على مستوى الشورى ..الحكمة ضالة المؤمن يأخذها أنى وجدها). ويسند الأمين رأيه بان الإسلام لم يحدد شكل النظام الخاص به مما يسمح بالاجتهاد فيه ويقول( الإسلام لم يحدد شكل النظام الخاص به ولم يحدد في أي من مصادره الأساسية كالقرآن ، ولكنه دعا لتطبيق الشريعة الإسلامية وهذا ما جعل المسلمين القدماء يستفيدون من الأنظمة التي كانت سبقتهم كالروم والفرس وطبقوها في الدولة الإسلامية وهكذا الحال بالنسبة للنظام الجمهوري والديمقراطي ) ،ويؤكد الأمين على انه (في إطار شكل الحكومة فان الإسلام اختار العدالة ولم يحدد للناس النظام الخاص المغلق لهذه العدالة فالنظام الذي يحقق العدالة حينما يختاره المسلم فهو اختيار صحيح وهو حر في ذلك لأنه يحقق العدالة ) .
أما مسألة كون السلطة شانا بشريا وليس إلهيا فيحددها بقوله( إن السلطة في الإسلام ليست شأنا إلهيا ولكنها شأن بشري ،الشريعة شأن الهي ، إن الله انزل الشريعة ويجب علينا كمسلمين أن نطبقها أما السلطة فهي شان بشري يختاره البشر وبالتالي فان شرعية أي نظام هي في اختيار البشر سفهو نظام شرعي وان كانت اسلاميته منقوصة أما النظام المستبد فانه لاشرعية له حتى لو كان يحكم باسم الإسلام ) .
أما بالنسبة للشورى فهو يرى إنها ليست محببة فقط بل هي أمر واجب وملزم وقد كانت ممارسة الرسول صلى الله عليه وسلم لها في أول الإسلام حينما كان يستشير أهل الحل والعقد فهذه آلية الشورى مناسبة لذلك العصر ولكنها ليست آلية خالدة فبعد اتساع الحكم الإسلامي على الدنيا أخذت آلية الشورى النبوية هذه تتعقد بتعقد العصر واتساع مساحة الحكم ، ومن نظام آلية الشورى الأول إلى آلية النظام الديمقراطي نجد إن الهدف هو استشارة ومشاركة الملايين من الناس في هذا العمل عبر الانتخابات فالديمقراطية هي مبدأ الشورى نفسه ولكن بمناسبة العصر الحديث ولو استمر نظام الشورى في الإسلام وتطور مع تطور الدولة الإسلامية لأمكن اكتشاف النظام الديمقراطي قبل اكتشاف الغرب له .
على إن الاجتهاد الخطر في تطبيق الشريعة يذهب إلى إمكانية أن يدعي أي حاكم انه يطبق الإسلام كما يفهمه مما يفتح مجالا للاستبداد باسم هذا الفهم للإسلام من هنا تظهر ضرورة الديمقراطية للحكم الإسلامي حينما تكون مبنية على رأي الشعب وأكثريته حيث عندها لا يستطيع أي حاكم مستبد أن يقول هذه الشريعة كما افهمها أنا وأنا أطبقها إذن ما هو الضمان ضد هذا الاستبداد ؟ يجيب الأمين (هو في ان تكون المرجعية في اختيار السلطة هي الناس لذلك فانه لاشرعية لأي نظام دون ان تكون هناك ضمانة حقيقية لإمكانية تداول السلطة وليس الاستفراد بها .
وينقد الأمين بعض الممارسات للأحزاب الإسلامية حينما تستغل الديمقراطية للوصول إلى السلطة دون الإيمان بها فيقول ( ان التيارات الإسلامية التي تستفيد من الديمقراطية النسبية في بعض البلاد الإسلامية لا يجوز ان تدافع عن هذه الديمقراطية فقط لأنها توفر لها فرصة الوصول الى السلطة بل يجب ان تدافع عن هذه الديمقراطية بوصفها مبدْا جذريا وأساسيا بغض النظر عن كونه يوفر لها فرصة الوصول او لا ) ويعتبر ان مشاركة الإسلاميين في نظام استبدادي لا يسمح لهم ان يغيروا فيه شهادة زور على هذا النظام فليس من المفروض المشاركة الا في نظام وحكم يمكن الإسلاميين حقا من ان يغيروا ويؤثروا في الحكومة وتشريعاتها
وفي تفصيل لبعض المفردات الديمقراطية في الإطار الإسلامي وخاصة مسألة الاقليات الدينية يرى الأمين ان نظام الحكم الإسلامي يعالج هذه المسألة معالجة سليمة فالإسلام في نظره لم يضق بالاقليات والشريعة الإسلامية رحبة من هذا المجال وقد شرعت تشريعات لحماية الاقليات وحفظ حقوقها وهذا أمر يتعلق بمبادئ الإسلام نفسه في حماية الاختيار للأفراد والجماعات فالإسلام يحتمل وينمي هذا التعدد داخل المجتمعات على مستوى الشريعة وعلى مستوى أنظمة الحكم وهو مفتوح للاجتهادات الأخرى كما ان تطوير الفقه السياسي في الإسلام يمكن ان يحدث مساحات لا حدود لها لاستيعاب هذه الاقليات بل ومشاركتها في بنية المجتمع الإسلامي ، ففي الإسلام متسع كبير لهذه المشاركة التي لا تتوقف عند حدود إقامة شعائرهم الدينية بل تصل الى حدود مشاركته في السلطة نفسها ، وأخيرا يؤكد الأمين على انه مادام الإسلام يتيح وسائل الحوار والإقناع ولا يفرض عقيدته على الناس بالقسر والاكراه وانما يريد منهم ان يأخذوا بها بعد البرهان عليها واقناعه بها فهو لا يخاف المعارضة في ذلك ويفتح لها المجال في مجتمعه ونظامه دون ان يكون قد خالف مبدأهالاسلامي نفسه .
اتفاق واختلاف:
لقد اتجه بعض الباحثين الى ان يدرج الصفات التي تجمع الديمقراطية والاسلام مقابل الصفات التي تختلف بينهما واخذ موقف الحياد فلا يطلق حكما كليا على الاتفاق او الاختلاف من باب موضوعية البحث وهذا مافعله الباحث علي المؤمن في بحثه المنشور على الانترنت بعنوان (النظام السياسي الاسلامي والانظمة الديمقراطية والثيوقراطية )مبتدئا بتحديد مفهوم الديمقراطية الذي يراه غير محدد كليا فيقول (الديمقراطية مفهوم واسع فضفاض ساهم في اثرائه عبر عقود طويلة من الزمن كثير من المفكرين السياسيين كل حسب نظرته لهذا المفهوم فجاء اطارا كبيرا يجمع في داخله العديد من التيارات الفكرية التي تتفق على بعض الخطوط العامة وتختلف في معظم التفاصيل ) ثم يبدا من هذه المسلمة للحديث عن التشابه والاختلاف بين الاسلام والديمقراطية مستخدما النظام الاسلامي الايراني كقياس لانه يعتبره جاء بعد ان درس الايرانيون بعمق كل الانجازات البشرية وتوقفوا عند التجارب والنتاجات والخبرات الحيادية كالعلوم والتقنيات الادارية والنظم السياسية والهياكل التنظيمية الدستورية وتحديدا جوانبها التي لا تتضمن موقفا من الكون والحياة والانسان والوجود ،أي انها لا تحمل بالضرورة سمات الهوية وتم استثمار المفيد منها بعد ان اخضعها لمعاييره الحضارية والثقافية ومقاييسه التي هي الشريعة الاسلامية وقبل بها على الاسس التالية
1- عدم تعارضها مع النظرية السياسية الاسلامية والتقائها في المفاهيم العامة لهذه النظرية
2- حيادها الايدلوجي وكونها مجرد آليات تنظيمية واسلوب فني وتنظيمي
3- فائدتها ونجاحها قياسا بما انجزته البشرية في المجالات نفسها
ويلاحظ الباحث ان تطويع مثل هذه النتاجات البشرية واستخدامها لا يعني تبني النظام الاسلامي لها بالكامل او اعتماد مبانيها النظرية والفكرية والتشبه بجذورها وخلفياتها التاريخية والظروف الاجتماعية التي ادت الى ظهورها ، فمثلا استخدام النظام الاسلامي آليات وتقنيات الديمقراطية لايعني انه نظام ديمقراطي بالمعنى الفكري والفلسفي للديمقراطية كما ان التقاء النظام الاسلامي ببعض مباني الثيوقراطية لا يعني انه نظام ثيوقراطي وهكذا الامر في استخدام الشكل الجمهوري للحكومة واستخدام بعض النظام الرئاسي او الشكل المركزي والموحد للدولة ، ومن هنا يستنتج الباحث قائلا (فالنظام الاسلامي لا يرفض الديمقراطية بالمطلق ولا يقبلها بالمطلق ولا يقبل الثيوقراطية بالمطلق ولا يرفضها بالمطلق فربما تلتقي معه الديمقراطية في بغض اساليبها وربما تتعارض بيد ان مجالات اللقاء هذه تذوب في الاطار العام للنظام الاسلامي وتكون جزءا من اساليب النظام الاسلامي في ممارسة السلطة) هذا الامر يضيف الباحث يؤكد حقيقة اصالة النظام السياسي الاسلامي وانه بعيد كل البعد عن الانظمة المختلفة او التوفيقية او التوليفية ، ومن هنا فان كثيرا من الآليات والتقنيات التنظيمية التي استخدمها النظام الاسلامي خاضعة للتجربة وتدخل في اطار المتغيرات لانها بالاساس تعبر عن رأي بشري وموقف اجتهادي .
وهكذا يصل علي المؤمن الى تحديد نقاط الالتقاء بين الديمقراطية والاسلام ومنها المفهوم العام للجمهورية والفصل بين السلطات وسيادة القانون والالتزام بالحقوق والحريات العامة ومنح الامة دورها في المشاركة السياسية مع مفارقات بسيطة .
وهناك سمات اتفاق بين النظام الديمقراطي والاسلامي تقول (لقد ذهب قسم من الكتاب الاسلاميين المنادين بالديمقراطية الى انها تعني الشورى ، وبما ان الشورى ثابتة في الاسلام-حسب ادعائهم-فالديمقراطية اذن لا تنافي بينها وبين الاسلام واوردوا ادلة للشورى تاكيدا لمدعاهم يقول فهمي هويدي –الديمقراطية التي نقبلها مقابلا للشورى او ترجمة معاصرة لها التي لا تحل حراما ولا تحرم حلالا –ويرى اسحق احمد فرحان ان-الشورى هو المفهوم الاسلامي والديمقراطية مفهوم غربي مستورد –لكنه يؤكد انه باستعماله للفظ لا يعني الديمقراطية بغثها وسمينها –على حد تعبيره-بل يعني بها الشورى ولذلك يقترح استعمال لفظ –الشورى قراطية-لتدلك على تمسكنا بجوهر قيم الشورى ، ويتحدث الشيخ القرضاوي فيرى—ان الاسلام قد سبق الديمقراطية بتقرير القواعد التي يقوم عليها جوهريا –على انه يرى –ان الديمقراطية اهتدت من خلال كفاحها الطويل مع الظلمة والمستبدين من الاباطرة والملوك والامراء الى صيغ ووسائل تعتبر الى اليوم مثل الضمانات لحماية الشعوب من تسلط المتجبرين –وعليه يرى القرضاوي انه –لزاما علينا ان نقتبس من اساليب الديمقراطية ما لابد منه لتحقيق العدل والشورى واحترام حقوق الانسان والوقوف في اوجه طغيان السلاطين العالين في الارض).
نلاحظ قبول الديمقراطية بشكلها القائم في الدول الغربية وامريكا حيث يتقبلون الرأسمالية والعلمانية كضلعين لا ينفكان عن المثلث الذي تمثل الديمقراطية الضلع الثالث فيه خصوصا وان دعاة الديمقراطية في العالم العربي لم يفصلوا بين الرأسمالية والعلمانية والديمقراطية اذ اشترطوا لقيام وضع سياسي ديمقراطي القبول بالرأسمالية والايمان بالعلمانية وتذكر الباحثة فردوس الموسوي على ان ما توحيه كلمة الديمقراطية من قبول العلمانية احد ابناء النظام الديمقراطي وتقول( وتعتبر قضية فصل الدين عن الدولة شرطا اساسيا لكل ديمقراطية حقيقية مبنية على اساس استقلال السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية وعلى اساس اعتبار سلطة الدولة مشتقة من سلطة القانون )
وتربط الباحثة المسألة هنا بالموقف السياسي من الاستعمار وافكاره حيث تشير الى ان في هذه توجيه لانظار المسلمين الى الغرب وفكره وهو غاية مايريده المستعمرون وما يبذلون له الاموال فهم يسخرون الحملات التبشيرية لتحقيق النجاح في الغزو الفكري بعد ان فشل الغزو العسكري وهذا –برايها-يتحقق عندما نطالب بالديمقراطية ونلفت انظار المسلمين الى النظام الغربي كمثل اعلى والاعتذار باننا نريد المعنى الفلاني ولا نريد المعنى الآخر لا يجدي نفعا طالما ان اللفظ مشترك واطلاقه يصرف الذهن للوضع القائم في الغرب أي الى التجربة الغربية فما حاجتنا الى هذا اللبس والابهام.
ان هناك من الحركات السلفية الاصولية من يلتقي مع هذا الرأي ويذهب بعيدا في رفضه المتطرف لاي ديمقراطية وهذاما وجدناه في كتيب تثقيفي بعنوان (الديمقراطية نظام كفر ) حيث يقول مؤلف الكتيب (الديمقراطية التي سوقها الغرب الكافرالى بلاد المسلمين هي نظام كفر لا علاقة لها بالاسلام لامن قريب ولامن بعيدوهي تتناقض مع احكام الاسلام تناقضا كليا في الكليات و في الجزئيات وفي المصدر الذي جاءت منه والعقيدة التي انبثقت عنها والاساس الذي قامت عليه وفي الافكار والانظمة التي اتت بها لذلك يحرم على المسلمين اخذها او تطبيقها او الدعوة اليها او الدعوة لها تحريما جازما ص5) ويفصل الكاتب في اسباب هذه الاتهامات ويبررها بطريقة فهمه لحقيقتها حيث يرى ان (الديمقراطية انبعثت عن عقيدة فصل الدين عن الحياة وهي العقيدة التي قام عليها المبدأ الرأسمالي )ويضيف(فكانت فكرة فصل الدين عن الحياة هي عقيدته التي انبثق عنها وقاعدته الفكرية التي بنى عليها جميع الافكار الديمقراطية ص10) والاتهام الآخر لها انه(من وضع عقول البشر وليست من الله وهي لا تستند الى وحي السماء ولاتمت بصلة لأي دين من الاديان التي انزلها الله ص10) من جانب آخر يصف المؤلف الديمقراطية بانها لايمكن تحقيقها ابدا بمعناها الحقيقي(فالديمقراطية بمعناها الحقيقي هي فكرة خيالية غير قابلة للتطبيق فلم توجد ابدا ولن توجد، فان اجتماع الشعب كله للحكم والادارة مستحيل ايضا لذلك احتالوا على الديمقراطية وأولوها وأوجدوا لها ما يسمى برئيس الدولة وبالحكومة وبالمجلس النيابي ومع ذلك فان معناها بعد هذا التاويل لا ينطبق على الواقع ولم يوجد في الواقع ، فكون رئيس الدولة والحكومة واعضاء البرلمان ينتخبون باكثرية اصوات الشعب وان مجلس النواب هو التجسيد السياسي للارادة العامة لجماهير الشعب وانه يمثل اكثرية الشعب هو ابعد ما يكون عن الحقيقة والواقع ص14).
يتبع >