منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب - عرض مشاركة واحدة - الشوري
الموضوع: الشوري
عرض مشاركة واحدة
قديم 2008-11-07, 11:56   رقم المشاركة : 6
معلومات العضو
المثابر120
عضو فعّال
 
الصورة الرمزية المثابر120
 

 

 
إحصائية العضو










B18

2- وأما الأمور الخاصة فيستشار فيها أهل هذه الخصوصية وأهل العلم والدراية بها‏.‏ ففي تنفيذ الأعمال العسكرية يستشار أهل الرأي في ذلك وفي الأعمال الصناعية أهل الخبرة فيها وهكذا‏.‏

3- وفي سياسة الأمة وإدارة شئونها بوجه عام فمجلس شورى يختلف من أهل العلم والرأي من المسلمين بشروطه السابقة بعلم ورضى الناس عنهم ولذلك كان القراء أصحاب مشورة عمر رضي الله عنه كهولاً كانوا أو شباناً ‏(‏البخاري‏)‏ وكان أهل بدر لأنهم السابقون إلى نصرة الإسلام، هم أهل الحل والعقد وأهل الشورى كما نص علي بن أبي طالب عندما جاءه من يبايعه بعد مقتل عثمان رضي الله تعالى عنه قال‏:‏ ‏"‏ليس هذا لكم إنما هو لأهل بدر وأهل الشورى فمن رضي به أهل الشورى وأهل بدر فهو الخليفة فتجتمع وتنظر في هذا الأمر‏"‏‏.‏

هل يشرع الانتخاب لمعرفة أهل الشورى‏

بعض الناس الذين لم يستطيعوا التفريق بين الأمور التعبدية والقرب العبادية كالصلاة والصيام والحج يظن أن الأمر في السياسات الشرعية وأنظمة الحكم وشئون المعاملات المختلفة لا بد وأن يكون فيه نص شرعي أو سابقة في عهد الخلفاء ليصبح مشروعاً ويستدل في مثل هذه الأمور خطأ بقول الرسول صلى الله عليه وسلم ‏[‏من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد‏]‏ فيجعل حكم العبادات والقرب هم حكم المعاملات‏.‏ وهذا خطأ قد بيناه في صدر هذا البحث وقد قلنا آنفاً أن أوامر الشورى في الإسلام قد جاءت عامة مرنة لم تلزم المسلمين بعدد معين لرجال الشورى، لا بطريقة بعينها لكيفية اختيارهم، ولا بنظام خاص للاقتراع بينهم، بل أمرت هذه النصوص الحاكم بالشورى، والتزمت المسلمين أن لا يصدروا في جميع أمورهم إلا عن الشورى كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏وأمرهم شورى بينهم‏}‏ أما كيفيتها وتنظيمها فقد وكل هذا إلى عرف الجماعة ومستواها، وظروفها في العصور المتعاقبة‏.‏

ولذلك فإن من قال أن الانتخاب ليس نظاماً إسلامياً لأنه لم يأت به دليل شرعي فهو جاهل بالفروق بين المعاملات والعبادات‏.‏

وإذا نظرنا إلى فعل الرسول صلى الله عليه وسلم وجدناه أنه يستشير الشيخين أبي بكر وعمر كثيراً بل ويقول لهما‏:‏ ‏[‏لو أجمعتا في رأي ما خالفتكما في رأي ما خالفتكما‏]‏ ويستشير السعدين أحياناً كما فعل في غزوة الأحزاب ومصالحة غطفان، ويستشير الأنصار في بدر‏.‏

ويستشير الناس عامة في أحد، ويستشير علياً وأسامة في فراق عائشة في حادثة الإفك وهكذا‏.‏

ولقد اعتبر أهل بدر بعد ذلك رجالاً للحل والعقد ولم يقطع أمر في زمن الخلفاء إلا بمشورتهم وكان هذا انتخاباً طبيعياً لهم، فالرجال الذين لم يجبنوا في لقاء كبدر لا بد وأنه يكونوا أهل ثقة المسلمين جميعاً ومحل احترامهم وتقديرهم بعد أن كانوا محلاً لرضى الله حيث قال صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏[‏وما يدر بك أن الله اطلع على أهل بدر فقال اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم‏]‏‏.‏

ثم كان قراء القرآن وحفاظه والعالمون به بعد ذلك هم أهل الشورى، فالبخاري يقول في صحيحه‏:‏ ‏"‏وكان القراء أهل مشورة عمر كهولاً كانوا أو شباباً‏"‏، وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏[‏إن الله يرفع بهذا الكتاب أقواماً ويضع آخرين‏]‏ فهؤلاء العلماء بكتاب الله دفعهم إلى منزلة الشورى علمهم وسبقهم‏.‏

وحقيقة أنه لم يحصل في العصور المتتالية للإسلام انتخاب لمجلس شورى، وذلك أن المستشارين بالفعل لو كان انتخاب ما نجح غيرهم فعلمهم وسابقتهم في الإسلام، وجهادهم في سبيله أهلهم بطبيعة الأمور لتلك المنزلة وهذه المكانة‏.‏

ولا ينافي هذا إشراك الأمة في اختيارهم فالحاكم الآن لا يستطيع بمفرده الوصول إلى خيار الناس وفضلائهم وأهل الخبرة فيهم‏.‏

ولا ينافي الإسلام أيضاً أن يكون للحاكم حق في اختيار عدد محدود من الأفراد ليكون من رجال الشورى وأهل الحل والعقد فيهم‏.‏ وسلب هذا الحق منه إذا وجد أن المصلحة في ذلك ليست أيضاً باطلة شرعاً‏.‏ بل كل ذلك من المصالح المرسلة التي لم يأت الشرع بإلغائها ولا الالتزام بها‏.‏

فتفويض الأمة الكامل لانتخاب مجلس للشورى جائز شرعاً وجعل عدد محدود باختيار الإمام جائز شرعاً‏.‏ ويقدر هذه المصالح رأي الأمة وجمهوراً‏.‏ وللظروف والملابسات دخل عظيم في اختيار الأسلوب المناسب لتطبيق هذه الأحكام‏.‏

كيف نصل إلى الرأي الأخير في الشورى‏؟‏

السؤال الأخير في موضوع الشورى، هو‏:‏ كيف الوصول إلى الرأي الأخير في الشورى‏.‏ هل الإمام مخير في أن يقبل مذعناً لرأي أغلبيتهم أم له أن يرفض ذلك ويعدل إلى رأي القلة‏؟‏ وما يجب أن يلتزم بإجماعهم أم له أن يرفض رأياً أجمعوا عليه ويمضي ويحمل الأمة على رأيه هو وإن خالف هذا الإجماع‏.‏

في هذه المسألة نجد للباحثين المعاصرين والمحدثين من المسلمين آراء‏.‏

رأي يقول بأن الإمام مخير في قبول رأي الأكثرية من أهل الشورى أو رفض ذلك، والحكم الأخير له مطلقاً سواء وافق آراء الناس أم خالفها ويجب على الأمة -مع ذلك- السمع والطاعة له ما دام أن هذا اجتهاده ورأيه، بل لا يجوز له -في نظر هؤلاء- أن يذعن لآرائهم، وأن يرضخ لجمهورهم‏.‏‏.‏

ويرون أن الشورى بالنسبة للإمام ما هي إلا للاستنارة‏.‏ والتوضيح فقط‏.‏ فهي كما يقال إعلام للأمير لا إلزام‏.‏

ورأي آخر يقول بل الإمام في الإسلام ملزم برأي الأغلبية، ويجب عليه تنفيذ ما اتفقوا وأجمعوا عليه، ولا يجوز له أن يخالف جمهورهم ولذلك يقولون الشورى ملزمة للأمير لا معلمة له فقط‏.‏

ورأي ثالث يقول بل الأمر في ذلك حسب رأي الأمة إن رأت أن تجعل الأمر للأمير مطلقاً فعلت وإن رأت أن تقيده بآراء أكثرية المستشارين فعلت لأن الإمام نائب عن الأمة والأمر دائر على المصلحة فإن وجدت الأمة أن مصلحتها في تفويض الحاكم لكفاءته وظروف الناس كان لها ذلك، وإن رأت أنه يجب تقيد صلاحياته بإجماع أهل الشورى أو برأي أكثريتهم فلها ذلك أيضاً‏.‏

ونحن نناقش بحول الله هذه الآراء جميعاً فنعرض حجة كل فريق منهم وأدلتهم ونناقش هذه الأدلة ونرجح بالدليل الرأي الصواب بحول الله وقوته‏.‏

أولاً‏:‏ أدلة القائلين بأن الشورى معلمة فقط‏

استدل هؤلاء بالأدلة الآتية‏:‏

أ- قول الله عز وجل لرسوله صلى الله عليه وسلم ‏{‏وشاورهم في الأمر فإذا عزمت فتوكل على الله‏}‏ فأضاف الشورى للمسلمين، وجعل العزم -وقد فسروه بالرأي الأخير- للرسول وحده‏.‏ قالوا فهذا دليل على أن الاختيار إنما هو للأمير فقط‏.‏

ب- وأما الدليل الثاني فهو قولهم أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه استشار الناس في المرتدين وخالفته الأغلبية وقالت‏:‏ كيف نقاتل أقواماً شهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله‏.‏‏.‏ فقال‏:‏ والله لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة فإن الزكاة حق المال‏.‏‏.‏ والله لو منعوني عقالاً كانوا يؤدونه لرسول الله لقاتلتهم عليه‏.‏

وزعموا - فأذعن المسلمون لرأيه ونزلوا عند حكمه وحاربوا المرتدين وتركوا أقوالهم‏.‏

ج- وأما دليلهم الثالث فهو زعمهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صنع أشياء كثيرة برأيه ولم يقبل فيها آراء أصحابه‏:‏ كصلح الحديبية وقتال بني قريظة‏.‏

د- والدليل الرابع قولهم أن الحكم بالأغلبية نظام غربي ديمقراطي وليس نظاماً إسلامياً، فالقائلون بوجوب الأخذ برأي الأغلبية متأثرون -في زعمهم- بالنزعة الغربية التي تسود الآن المجتمعات الإسلامية‏.‏

هـ- وأما دليلهم الخامس فهو قولهم لو كان الحكم برأي الأغلبية شيئاً مقرراً في الشريعة الإسلامية لكان أحد بحوث الفقهاء ولحدد نصاب الشورى في الفقه ووضعت قوانينه ونظمه كما هي بقية بحوث الفقه‏.‏

و- إن الكثرة قد جاء ذمها في القرآن في آيات كثيرة كقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وما أكثر الناس لو حرصت بمؤمنين‏}‏ هذه الأدلة هي التي تذرع بها القائلون بأن الإمام في الإسلام غير ملزم شرعاً -بل ولا يجوز أن يلزم- برأي الأغلبية‏.‏

ولنناقش معاً هذه الأدلة لنرى هل هي أدلة صحيحة تقوم بها الحجة أم لا‏.‏‏.‏

أ- الاستدلال بالآية على المراد غير صحيح لأن الآية تلزم بوجوب الشورى ولا تنص على كيفية الوصول للرأي الأخير فالله يقول لرسوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏{‏وشاورهم في الأمر‏}‏ وهذا أمر من الله ظاهره الوجوب وإذا كان واجباً في حق الرسول فغيره أولى بهذا، ثم يقول له‏:‏ ‏{‏فإذا عزمت فتوكل على الله‏}‏ ولم يبن الله مستند هذا العزم والرأي الأخير الذي يكون عليه العزم هل هو رأي من استشارهم أم رأيه هو بل قال له‏:‏ ‏{‏فإذا عزمت‏}‏ أي على رأي ما ولم ينص ما هذا الرأي هل هو رأي الرسول نفسه بعد الشورى أو رأي من استشارهم‏.‏ ومن قال هنا أن العزم يكون على رأي الرسول الذي اختاره، ولو كان هو الرأي المخالف لرأي من استشارهم فقد تحكم على القرآن وقال فيه بغير علم وحمل الآية ما لم تحمل‏.‏

وقد فسر الرسول صلى الله عليه وسلم الآية عملياً عندما استشار أصحابه في أحد فأشار جمهورهم بوجوب الخروج للقاء العدو خارج المدينة مخالفين بذلك رأي الرسول صلى الله عليه وسلم ولما أخذ برأيهم خشوا أن يكونوا قد ألزموا الرسول بشيء يكرهه فأرادوا بعد أن لبس الرسول صلى الله عليه وسلم لأمة الحرب ودرعه أن يتنازلوا عن آرائهم فقال لهم النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏[‏لا يحل لنبي أن يخلع لأمة الحرب بعد إذ لبسها حتى يفصل الله بينه وبين عدوه‏]‏ وهذا معنى‏:‏ ‏{‏فإذا عزمت فتوكل على الله‏}‏ أي إذا استقر الرأي على أمر فلا يجوز العدول عنه‏.‏

وبهذا يتبين أن هذا الدليل لا حجة فيه للقائلين بأن نص في أن الإمام مخير في الأخذ برأي الشورى أو رأي نفسه‏.‏

ب- وأما الدليل الثاني وهو الزعم بأن أبا بكر الصديق رضي الله عنه ألزم المسلمين برأيه في حرب المرتدين فهو باطل كل البطلان لأن أبا بكر الصديق لم يلزم المسلمين بشيء على غير إرادتهم ولكنه رأي قتال مانعي الزكاة وإن صلوا وخالفه في هذا جمهور المسلمين كما سلف فناقشهم وأقنعهم أن الزكاة أخت الصلاة ومن منع الزكاة كمن منع الصلاة ولذلك يقول عمر رضي الله عنه وقد كان زعيم هذه المعارضة ‏"‏فوالله ما رأيت أن الله شرح صدر أبي بكر للقتال حتى علمت أنه الحق‏"‏ فعمر اقتنع برأي أبي بكر قبل أن يعزم المسلمون على قتال المرتدين ثم جاء الحديث الصحيح الذي قال عبدالله بن عمر موافقاً لرأي أبي بكر وهو قوله صلى الله عليه وسلم ‏:‏ ‏[‏أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، ويقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة فإن فعلوا ذلك فقد عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله‏]‏ ‏(‏البخاري ومسلم‏)‏ فالمسلم لا يأمن سيوف المسلمين بنص الحديث حتى يؤدي الصلاة والزكاة بعد أن يكون شهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله‏.‏

ولما وضحت هذه الحجج للمسلمين أخذوا برأي أبي بكر الصديق عن اقتناع وإيمان ولم يكن إذعاناً لرأيه وهم مقتنعون بوجوب الطاعة للإمام فقط وإن خالفهم رأيهم‏.‏

ولو كان هذا واقعاً - لكان الصحابة آثمين أعني لو أن الصحابة رضوان الله عليهم أطاعوا أبو بكر الصديق رضي الله عنه وهم يرون أن المرتدين لا يجوز قتالهم لأنهم مسلمون لكانوا آثمين أشد الإثم بل وعاصين لله لأنهم أطاعوا أميرهم في معصية عظيمة وهي قتل أناس مسلمين لا يجوز قتالهم‏.‏ فهل يريد أصحاب هذا الرأي أن يصفوا الصحابة بذلك‏؟‏

بالطبع لا‏.‏‏.‏ ولكن أوقعهم في هذا الخطأ الشنيع عدم سير الأمور سيراً حقيقياً وتعجلهم في إصدار الحكم والأخذ بظواهر ظنوها أدلة وما هي بأدلة‏.‏

ج- وأما الدليل الثالث وهو الزعم بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم فعل أشياء كثيرة بغير شورى كصلح الحديبية الذي كان على خلاف رأي الصحابة وقتال بني قريظة - فهو جهل فاضح أيضاً وقد بينت هذا في مقال طويل وذلك في معرض الرد على الأستاذ محمد سلامة الذي ادعى هذه الدعوى وخلاصة ذلك أن صلح الحديبية كان بأمر من الله تعالى بدليل قول الرسول صلى الله عليه وسلم لعمر ‏[‏إنه ربي ولن يضيعني‏]‏، وأما غزوة قريظة فقد جاء في صحيح البخاري أن جبريل جاء قبل الظهر ليقول للرسول صلى الله عليه وسلم ‏[‏إن ربك يأمرك أن تخرج إلى بني قريظة‏]‏‏.‏

ونحن نقطع أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما قطع في أمر ما من أمور المسلمين العامة إلا بوحي أو شورى بل قال أبو هريرة رضي الله عنه ‏"‏ما رأيت أحداً أكثر مشورة لأصحابه من رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه‏"‏‏.‏

ولم يثبت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ برأي الأقلية في أي من الأمور التي شاور فيها أصحابه أبداً وسيأتي تفصيل ذلك لهذا الأمر عند بيان قول القائلين بوجوب الأخذ برأي الأكثرية‏.‏

د- وأما القول بأن الأخذ برأي الأكثرية نظام غربي وديمقراطي وليس من الإسلام هو خطأ من وجوه كثيرة‏.‏

أولاً‏:‏ أنه ليس كل شيء في النظم الغربية باطلاً ومخالفاً للإسلام بل بعض هذه النظم والقوانين لا تخالف الإسلام فكون الحاكم يجب أن يرضى عنه جمهور الأمة، لا ينافي الإسلام وهو أحد القوانين في النظم الديمقراطية وكذلك عزل الحاكم إذا أساء، ولا نستطيع أن نلغي مثل هذه القوانين من نظام الإسلام لأنها أصبحت جزءاً من النظام الديمقراطي‏.‏

ثانياً‏:‏ حصر عمر رضي الله عنه الحكم في ستة عندما فوضته الأمة في اختيار نائب له فأبى أولاً ثم رضخ بعد إلحاح لهذا ثم أخبر أنه إذا اجتمع أربعة على واحد وخالف اثنان فلا يعتد برأيهما فينصب خليفة للناس وإذا انقسم الستة إلى ثلاثة وثلاثة فعبدالله بن عمر مرجح لأحد الرأيين ولو كان الأخذ بقول الأغلبية منافياً للإسلام لما وافق الصحابة عمراً على رأيه هذا ولقالوا له‏:‏ لقد ابتدعت بدعة عظيمة في الإسلام فكيف يكون الاختيار بترجيح واحد أو بموافقة الأغلبية بل الأمر لك وحدك‏.‏

وإقرار الصحابة له وعدم وجوب مخالف في ذلك إلى يومنا هذا دل على أنه إجماع على أن نظام العدد والتصويت معمول به في شريعة الإسلام وفي سنة الراشدين‏.‏ وليس نظاماً غربياً كما يدعي المدعون، فليس رأي الأكثرية عورة يجب نزعها من الإسلام نزعاً ونسبتها للغرب‏.‏

هـ- وأما الحجة الخامسة وهي أن نظام العدد والتصويت لو كان من شرائع الإسلام لذكرته كتب الفقه، وحددت نصابه ونظامه فهو أيضاً قول مقذوف على عواهنه‏.‏ فكتب السير ذكرت حادثة عمر هذه وجعلت بيعة الإمام بموافقة أهل الشورى وجمهور المسلمين بل قال أبو بكر الصديق للأنصار يوم السقيفة ‏"‏إن العرب لا تجتمع إلا على هذا الحي من قريش‏"‏ أي أن جمهور العرب يجمعون ويجتمعون على قريش ولا يمكن أن يرضى جمهورهم عن أنصاري‏.‏

وسيأتي في بيان مسوغات الأخذ برأي الأغلبية أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه ما كان ليخالف جمهور مستشاريه قط بل أن الرسول صلى الله عليه وسلم ليقول لأبي بكر وعمر ‏[‏ولو اجتمعتما على رأي ما خالفتكما‏]‏‏.‏

وإذا كانت كتب الفقه التي اهتمت بالفروع قد كتبت في عهود تعطل فيها العمل بالشورى في ظل أحكام أخذت الوراثة في الحكم، والاستئثار بالأمر دون المسلمين، فهل يكون هذا الواقع حجة في دين الله‏؟‏ إلا أنها حجة واهية‏.‏

و- وأما الحجة السادسة لأصحاب القول الأول وهي أن الكثرة قد جاءت مذمومة في القرآن في آيات كثيرة كقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وما أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين‏}‏ الآية في قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وإن تطع أكثر من في الأرض يضلوك عن سبيل الله‏}‏ قالوا وزعموا‏:‏ ويؤخذ منها أن الكثرة على ضلال، وما دام الأمر كذلك فلا يؤخذ برأيهم ولا يحكم بحكمهم‏.‏

ولم أر قولاً في الباطل كهذا القول‏.‏ إذ هو إنزال للآيات في غير منازلها وتطبيق لها في غير واقعها‏.‏ فالكثرة المذمومة هنا هي كثرة الكفر والضلال لا مجموع الأمة وجمهور خيارها‏.‏

فالأمة بمجموعها معصومة عن الخطأ كما هو مقرر في أصول الفقه، وجمهور الأمة أقرب إلى الصواب من القلة في الأمور التي لا نص فيها فانظر كيف يستدل بالآيات في غير مواضعها، وتنزل على غير أحكامها ومنازلها‏.‏

وبهذا النقاش الموضوعي تتداعى تلك الحجج الوهمية التي تذرع بها من قال بأن الإمام في الإسلام غير ملزم برأي الأغلبية ومن قال أن اتباع رأي الأغلبية مناف للشريعة الإسلامية‏.‏

ولنأت الآن إلى نقاش أصحاب الرأي الثاني وهم القائلون بأن الشريعة الإسلامية توجب على الإمام الشورى، وتوجب عليه أيضاً الرضوخ لرأي جمهورهم والحكم مطلقاً بالرأي الذي يجمعون عليه وتتلخص حجتهم في الأدلة الآتية‏:‏

أ- حدوث وقائع كثيرة تدل على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نزل عن رأيه لرأي جمهور أصحابه، بل عدم ورود حادثة واحدة تدل على أن الرسول تمسك برأيه في أمر شورى أعني أمراً ليس موحى به‏.‏ وكذلك كانت سنة خلفائه الراشدين إنهم ما تمسكوا بآرائهم في وجه الشورى قط بل قضوا دائماً بالنص أو بما اتفق عليه جمهور الأمة‏.‏

ب- قالوا، لا فائدة من الشورى لو أن الأمير له الخيار بعد الشورى أن يختار ما يشاء ولو خالف إجماع أهل الشورى‏.‏

ج- قالوا‏:‏ إنه لو كان هذا مقرراً في الشريعة وهو أن الأمير غير ملزم إلا برأيه لكان هذا مدعاة إلى التسلط والقهر، وإلغاء لرأي الأمة، وإتلافاً لإجماعها وهي معصومة من الخطأ كما تقرر في الأصول، والأمير غير معصوم من الخطأ‏.‏ فكيف يحكم غير المعصوم على المعصوم‏.‏

يتبع >