منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب - عرض مشاركة واحدة - في الفكر الاستراتجي و السياسي
عرض مشاركة واحدة
قديم 2008-11-07, 11:39   رقم المشاركة : 3
معلومات العضو
المثابر120
عضو فعّال
 
الصورة الرمزية المثابر120
 

 

 
إحصائية العضو










B18

4-التحليل الليبرالي للعلاقات الدولية: السلام عن طريق الترابط

يحُضُّ المثالي لسلام دائم، على القبول بآراء الفلاسفة:
لقد استند هؤلاء على القانون، تنظيم العنف بين الدول، بدرجات مختلفة، كما بين الأفراد، إذ يعتبر كونفوشيوس، الفيلسوف الصيني "من القرن الرابع ق.م" أن النظام الاجتماعي يجب أن يكون متناغماً مع نظام الطبيعة. ويجب أن تطبق هذه القاعدة، ليس فقط على الناس بالنسبة للشعب نفسه، بل أيضاً على الشعوب في العلاقات التي ترعى ذلك. ويدين الفيلسوف الصيني ما أوتسو Mao Tzu بشدة، بعد قرن من ذلك، في قلب حقبة الممالك المحاربة، الطبيعة الإجرامية للحروب.
ويقترح غروتيوس (Grotius) أحد مؤسسي القانون الدولي في أوربا، في القرن السابع عشر، إنشاء جمعية أمم، تسمح بالتحكيم وبالعمل على أن يسود النظام وضمان احترام حقوق الإنسان. ودعا الراهب إمريك كروسيه Emeric Crucé في عام (1623)، المسلمين والأفارقة والهنود إلى اتباع مشروعه الدولاتي الذي يضعه تحت إدارة البابا، وذلك في كتابه "Le Nouveau Cynée" على أن تكون البندقية كعاصمة، وبهذا يكون كنظام دولي للتحكيم الإجباري، وسيكون له كنتيجة طبيعية، القيام بإجراء تدخل جماعي ضد أي ملك يرفض التحكيم، ويعطي كروسيه لهذا المشروع بعداً اقتصادياً، يستند على حرية التجارة والنقد الموحد.
وصاغ العديد من المؤلفين مشاريع "خطط" من أجل جعل السلام محدداً، في عصر النور: فكتب غوتفورد ويلهلم فون ليبنتز- كتابه Consilion Aegyptianorum" عام (1670). وكذلك وليام بن William Penn" في كتابه "محاولة باتجاه السلام الحاضر والمستقبل في أوربا" بعام (1694). ثم القس سان بيير، كتابه بعنوان "مذكرة لجعل السلام دائماً في أوربا عام(1789) ثم جيرمي بنتام (مبدأ القانون الدولي" لعام(1789). وأمانويل كانت "Zum Ewigen Fridie" عام (1795). وهنري سان سيمون: "إعادة تنظيم المجتمع الأوربي، وضرورة وطرق تجميع الشعوب الأوربية في جسم سياسي واحد، بالمحافظة على الاستقلال الوطني لكل شعب عام (1814).

يستبدل الليبراليون الحرب بالترابط
لقد جرى تفسير التقدم في العلاقات الدولية من قبل المدرسة الليبرالية بمأزق الحرب، في حين فكر الواقعيون "على رأسهم كلوزفيتز" بأن الحرب استمرار طبيعي للسياسة بين الدول، وجعل تحديث التقنيات وتعبئة الجماهير، الحرب، أكثر دموية، وأكثر كلفة، فتسببت الحرب العالمية الأولى
بـ(10) ملايين قتيل. وتسببت الحرب العالمية الثانية بمقتل (50)مليون. وتتحدى الحرب الشاملة، وتعبئة الأمم بالكامل التي تتناقض فيها الإيديولوجيات، كل استخدام عقلي للحرب، وانتهى الأمر بظهور السلاح النووي عام (1945)، حيث جعل الحرب الشاملة غير معقولة.
ويعارض الليبراليون الترابط و"التضامن الدولي"، طبقاً للرؤيا الواقعية للعلاقات الدولية، ويؤكدون: يجب أن تسهم ثلاثة عوامل في التقارب بين الشعوب: الديموقراطية والتجارة وعمليات المجتمعات الدولية المؤسساتية.
فالعالم سوف لن يعرف الحرب، إذا لم يكن مشكلاً إلا من الديموقراطيات في توقع مثالي، يمكن وصفه بـ"الكانتي"، وإذا حافظ الأفراد على علاقات سلمية داخل الدول. ويتساءلون، لماذا تحافظ الدول على علاقات أزماتية في نطاق المجتمع الدولي؟ وجعلت هذه الرؤيا المثالية للأزمات، المصالح بين الدول، سبيلاً للاتفاق من أجل السلام، وفي نهاية المطاف، بأن حدث في التاريخ؛ بأن الديموقراطيات هي التي شنّت الحروب.

لهذا يبني الليبراليون آمالهم على تنمية التبادلات بصورة رئيسة
إذن يجب أن ينجم التقدم الاقتصادي والتقني والتضامن بين الدول، لقد تم حدس النتيجة المهدئة للتجارة من قبل إمريك كروسيه، ثم جرى التخطيط لها من بعده من قبل العديد من المفكرين، أمثال بوسييه Bossuet وبواسغلبرت Boisguilbert وكوينسناي Quensnay، وقد كتب مونتسكيو Montesquieu: "لم تعد أوربا سوى أمة مشكلة من عديد من الأمم، وفرنسا وانجلترا بحاجة إلى غنى بولونيا وموسكو، وكل مقاطعة من مقاطعاتها بحاجة للأخرى"7.
أما نظرية الرهان- ذات الأهمية الكبرى لدى المحللين الأمريكيين- التي تُعتمد للمساعدة لتحقيق السلام، عن طريق التجارة والازدهار لكن من المعلوم، أن ما يكسبه أحد ما يخسره آخر، وتبرز الحرب من هذا المبدأ، مع أنه قد يكون رهاناً سلبياً في الحياة الإنسانية، ويأمل الرابح أن يعوض خسارته المحتملة الوقوع، بمضرة الآخرين من الخصوم.
وهناك عقائد اقتصادية تنفي فكرة التقدم، وتعتبر المالتوسية أن ندرة المصادر تحدد النمو السكاني، بشكل لا يمكن تجنبه، ولهذا يجب السيطرة على الخصوبة الإنسانية. أما المركنتيلية- أي النظام الاقتصادي الذي نشأ في أوربا أثناء تفسخ الإقطاعية وتعزيز ثروة الدولة، بتنظيم الاقتصاد، واعتبار المعادن الثخينة ثروة الدولة الأساسية- التي تطورت في القرن السابع عشر، واستهدفت التراكم في البلدان ذات الاحتياطات النقدية، وذلك بخفض الواردات، وفي زيادة الصادرات، وفي الخط نفسه، بالاكتفاء الذاتي، ويكون بالبحث عن خفض التبادلات مع الخارج، وبزيادة الإنتاج في الداخل، وهذا يعني إنتاج ما تحتاجه البلاد. وكانت مثل هذه السياسات مطبقة من قبل بلدان كانت تبحث عن خفض الاعتماد تجاه الخارج.
وعلى العكس من نظرية التبادل كدافع في "لعبة المجموع الإيجابي" طبقاً لليبراليين، حيث يربح كل واحد، وتغني التجارة الدولية التي تستند على نظرية الفائدة المقارنة، وعلى تخصص البلدان المصدرة، بحيث يغنى جميع المشاركين فيها. وتنسق الرأسمالية المكاسب الناتجة عن التبادل السلمي، وتسمح بعملية تراكم رأس المال، الشرط الضروري للثورة الصناعية التي بدأت في أوربا في القرن السابع عشر. ويتوضح نجاحها بإنتاج مواد وفيرة، مع ذلك، فالرأسمالية لا تنظر إلا للأرباح. يضاف إلى ذلك، فما من شيء يزيل المنافسة، بل كل شيء في الرأسمالية يغذيها. وهنا لن تكون السلطة السياسية "السلطة المتحكمة" كموضع رهان، بل الطاقة الاقتصادية "رأس المال الذي يميل دائماً لاجتياز الحدود بشكل أكثر".

ويطالب الليبراليون بالتعاون الدولي الذي ينجم عنه التقدم في التبادلات والتقنيات.
ولقد تأسست المنظمات الدولية الأولى في القرن التاسع عشر من أجل إدارة التعاون الدولي في القطاعات التقنية "الاتصالات البعيدة، البريد... الخ". والقانون الدولي مدعو لإدارة العلاقات بين المنظمات الدولية. وتتوقف العلاقات الدولية عن كونها المحتكر للدبلوماسيين ورجال السياسة، وتفسح مجالاً متزايداً للخبراء والموظفين وللبيروقراطيات الوطنية.

على العكس من الواقعيين الذين يتحدثون عن النظام الدولي، يستدل الليبراليون بالتعبير عنه بواسطة المجتمع الدولي:
يحلل الليبراليون المجتمع الدولي، كما يحللون المجتمع المدني. فهم يعترفون بخصوصيته، بعبارة أخرى، من واقع أنه مشكل من دول مستقلة. بل أيضاً يفسحون المجال أمام الفاعلين من غير التابعين للدول: المنظمات الدولية، المنظمات غير الحكومية، الشركات متعددة الجنسية، السلطات المحلية والإقليمية. ويبحث المنظرون الليبراليون عن تحديد القواعد التي تؤطر لعبة اللاعبين: المنظمات وسير عملها، و"الأنظمة" "نظام عدم تكاثر الأسلحة النووية، نظام حقوق الإنسان، نظام التجارة الدولية".. الخ.

عرفت نظرية التضامن الدولي نجاحات وعكسها:
وصف الراديكالي الفرنسي، ليون بروجوا Leon Bourgeois "التضامن الذي يوحد الأعضاء في مجتمع الأمم المتحضرة"، من أجل تسوية سلمية للأزمات الدولية، عام (1899) في مقدمة لميثاق وضعه بقوله: لم يَكْفِ تطور التجارة الدولية من أجل ضمان السلام، بل على العكس، عرفت أوربا فترات توترات دولية، ترافقت مع مراحل ازدهار اقتصادي (1848-1873-1896-1920) في حين حدث التباطؤ الاقتصادي في السنوات (1873-1896) جنباً إلى جنب مع بعض خفض التوترات الدولية.
وجاءت المرحلة التالية، بعد الحرب العالمية الأولى بإقامة نظام الأمن الجماعي لضمان السلام بطريقة مختلفة عن توازن القوى. ولهذا اعترض وودرو ويلسون رئيس الولايات المتحدة آنذاك، اعترض على الواقعية والمثالية في السياسة الأوربية التقليدية، وذلك بتقديمه النقاط الأربع عشرة في مشروع السلام المقدم عام (1918). ولم يكن الحوار بين الواقعيين والمثاليين واضحاً أيضاً بمقدار ما كان عليه أثناء مؤتمر السلام عام (1919). وصرح كلمنصو Clemenceau لويلسون: "إن تاريخ الولايات هو تاريخ بهي، لكنه قصير، مائة عام، فترة طويلة بالنسبة لكم، أما بالنسبة لنا إنها أمر بسيط. لقد عرفت رجالاً ممن شاهدوا نابليون بأعينهم، لنا مفهومنا للتاريخ، الذي لا يمكن أن يكون كتاريخكم تماماً". وينتقد رئيس الوزراء الفرنسي المثالية الويلسونية بقسوة.
قررت الدول أن "تضع الحروب في مصاف الخارجة عن القانون" (ميثاق بريان-كيلوغ (Briand-Kellogg) لعام 1928). لكن لم يجر إكمال ذلك النظام الخاص بالأمن الجماعي، بنظام اقتصادي دولي صلب، وأدى الكساد الكبير عام (1929) إلى انكفاء الأمم على أسواقها المحمية، وانهارت التجارة الدولية، وظهرت الخصومات القومية من جديد.
ومن أجل معالجة هذا الفشل الذي حدث، فإن النظام الجديد للأمن الجماعي الذي وضع عام (1945)، يمنع اللجوء للقوة- باستثناء حالة الدفاع المشروع- وعُهد للقوى الممثلة في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، مهمة المحافظة على الأمن الدولي، وأضيف إلى هذه الأسس المحدَّدة إقامة نظام اقتصادي ليبرالي، انضم إليه جميع الدول الغربية الحليفة للولايات المتحدة. أما الاتحاد السوفياتي، فقد نأى بنفسه، مع ذلك، فقد قبل بتكثيف مبادلاته التجارية خلال مرحلة الانفراج شرق- غرب في السبعينيات (1970). وصمم الأوربيون، من جانبهم، استبدال المجابهة بين القوى بالترابط في اقتصادهم: حيث طُرحَت خطة شومان كحجر أول في البناء الأوربي- من أجل المشاركة في إنتاج الفحم الحجري والصلب- كبداية، بانتظار إقامة "تضامن حقيقي" بين الدول الأوربية.
وبدا أن العَوْلمة المتزايدة في الاقتصاد، أصبحت السياج الوحيد في تحليلات العلاقات الدولية المعاصرة، مع انهيار الكتلة السوفياتية. مع ذلك، لم تختف النزاعات من أجل المصالح، كما تؤكد على ذلك الحروب التجارية، التي تنخرط فيها القوى التجارية الكبرى "الولايات المتحدة الأمريكية، اليابان، الاتحاد الأوربي" لكن جرى تسييسها على طراز تعاوني، لأن قواعد التجارة الدولية، تخلصت من ليبرالية أكثر حتى الوقت الحاضر.
فإذا كانت الحروب لم تختف في نهاية القرن العشرين "تقدر منظمة الأمم المتحدة أنه قد حدث حوالي مائة نزاع مسلح رئيس منذ عام 1945 حتى نهاية القرن العشرين، نتج عنه حوالي (20) مليون قتيل، فإن الحروب بين القوى العظمى أصبحت ليس فقط مُتجنَّبة، بل أيضاً بعيدة الاحتمال. فهل يجب اعتبار الحوار لهذا السبب، على أنه قد أصبح الميزة لصالح الليبراليين؟ وأصبحت العلاقات الدولية مسيطر عليها بالتوازن شرق- غرب، طيلة فترة الحرب الباردة في عواملها المختلفة "توازن الرعب، توازن القوى العسكرية، المنافسة الاقتصادية، المجابهات في المحيط الخارجي". واليوم أيضاً، لم تغرس الديموقراطية جذورها في كل مكان، ويجب على المجتمع الدولي الاعتماد على القوة في كل مرة يتعرض السلام الدولي للخطر.

ب-القانون الدولي: بين "أرضية متعفنة"
و"طموح سلمي" بين "النزعة الإنسانية والسيادة"(8):

ليس القانون الدولي سوى "الفاصل بين القوى" طبقاً للصفة الجميلة لبول فاليري Paul Valery9. ولا ينجُ القانون الدولي من المشاكل التقليدية الصعبة التي تنشأ في العلاقات الدولية بين الحق والقوة والعدل. والقانون الدولي معرض لخطر أكثر من أي قانون آخر، من واقع أن القانون الدولي يستند بصورة رئيسة على الدول ذات السيادة. ويعتقد باسكال (Pascal): "لا يمكن القيام بالعدل إلا بالاستناد على العمل القوي، ولا نعمل إلا العمل القوي العادل". وتكمن كل الصعوبة في مواجهة نظام القانون الدولي، بالاستحالة النظرية، خارج السيادة الدولية، وفي استحالة العملية مع احترام القانون الدولي، دون سلطة حقيقية مع الموافقة على المستوى الدولي. والبعض يستخلص باستحالة انطولوجية في تطبيق القانون الدولي.

1ً-تناقضات القانون الدولي:
تلازم التفكير بالقانون الدولي، مع ظهور الدول المستقلة. وكما فكر أرسطو، فالدولة في اليونان، سياسياً، تجمع، وتجانس ثقافي، ويقابل رجال القانون سيادة الدولة بالقانون في أوربا المقسمة، في العصر الحديث، مع أنها تتقاسم الثقافة نفسها والقيم نفسها والسلوك نفسه، وهذا أيضاً هو واقع العالم العربي.

القانون الطبيعي: يُعتبر أرسطو أنه الأب لمدرسة القانون الطبيعي.
بالنسبة له، الطبيعة اجتماعية، والإنسان كائن اجتماعي بالسليقة- "حيوان سياسي"- يطمح للعيش في مجتمع. ودمج القِس توماس الكويني Thomas D’Aquin "من القرن الثامن" هذا المفهوم في رؤيا مسيحية وأسس عقيدة من العدل الاجتماعي أيضاً. وجرت عَلْمَنة القانون الطبيعي في العصر الحديث "القرن السادس عشر- القرن الثامن عشر. ووجَّه النظام الديني من جديد الاتهام "بواسطة البروتستانتية"، بصورة رئيسة، وبالحجج اللاهوتية التي تفقد تأثيرها في المجال السياسي. إذ تتحقق الطموحات الجديدة من أجل السلام والنظام عبر الدولة، في نطاق القانون الطبيعي، والذي لم يعد يعتمد على الدين بل على العقل، حتى إذا كان بإمكانه أن يكون له وجود في "الدول البروتستانتية، وفي النظام الملكي الفرنسي، وكذلك في فلسفة هوبس "Hobbes"، نتيجة الغموض بين ما هو ديني وروحي.
وطبق الراهب الإسباني ألدو مينكاني، فرنسيسكو دوفيتوريا Francisco De Vitoria (1480-1546) مدرسة القانون الطبيعي "على مجتمعات الدول ذات السيادة". فالدول ذات السيادة حرة، لكنها بحاجة للعيش في مجتمع، كما هو الحال بالنسبة للأفراد. فمجتمعات الدول ذات السيادة هي ضرورة- تماماً كحق الناس الذين يسوسونها، والذين يشكلون جزءاً متكاملاً من القانون الطبيعي. ويفرض قانون العنف العقيدة المسيحية على الهنود الحمر، لكن يجب أن تكون الكرامة الإنسانية معترفاً بها. وهو بالمقابل يسمح بحق الإسبان بالإقامة في مناطق الهنود الحمر، وكذلك بحق هؤلاء الأخيرين بالمجيء إلى إسبانيا، باسم حرية الانتقال، ويسمح أيضاً بحق البعثات التبشيرية الإسبانية بالوعظ بالعقيدة المسيحية، دون أن تقبل هذه العقيدة بالتبادل باسم حرية التبشير.
ويعتبر الهولندي هوغو دوغروت Hugo De Groot- المسمى غروثيوس Grotius (1583-1645) الأب للقانون الدولي. وأثره الرئيس المعاهدة باسم "الحق في الحرب وفي السلم"، المكتوبة باللاتينية عام (1652)، وترجمت إلى جميع اللغات الأوربية عام (1758)، لكون الدول ذات سيادة، يجب أن تكون هذه السيادة محددة بقوة وحيدة هي القانون، إذا لم توجد منظمات عالمية للدول. لكن، وبخلاف أسلافه، فقد عَلْمَن غروتيوس الحق الطبيعي الذي "يشكل، في بعض مبادئه الرئيسة، القانون العقلي، الذي جعلنا نعترف بأن عملاً ما أخلاقياً هو شريف أو غير شريف، طبقاً لتلاؤمه أو عدم تلاؤمه مع ما له طبيعة معقولة أو اجتماعية بالضرورة". ويتميز هذا القانون الطبيعي عن القانون الإرادي الذي ينتج عن إرادة الأمم، يتوضح بطريقة الاتفاقيات بين هذه الأمم. وتُحدَّد القواعد العلمية للقانون الإرادي العلاقات الدولية، لكن يجب أن تكون متطابقة مع مبادئ القانون الطبيعي، خصوصاً باحترام الكلمة المعطاة "مبدأ العالم الألماني بوفندورف (Pufendorf) (1632-1674) ويكمل عمل غروتيوس بالاعتماد على القانون الطبيعي، أكثر، مع التقليل من دور الحق الإيجابي.
ويحاول واضعو القانون الطبيعي تحديد حدود سيادة الدول، وذلك بإخضاع هذه الدول إلى القانون الطبيعي، لكن يبقى التحديد ذاتياً، على الرغم من كل شيء في الحقيقة، وتبدو العلاقات الدولية أنها جلبت عنصراً دائماً لهذا البناء النظري، مع ذلك عرف القانون الطبيعي مكسباً مشجعاً، في عالم متضامن أكثر، حيث تختفي ممارسة الحرب بين القوى، كما أن حقوق الإنسان مسجلة في هذا التَّوقَّع نفسه، إذا نحن رأيناها في عالميتها، إذا نظرنا إليها من هذه الزاوية.. ويستمر العديد من علماء القانون في ترجمة القانون الطبيعي، دون تجنب الغموض الموجود بين الأخلاق والقانون على الدوام..

الوضعية:
"الوضعية هي فلسفة أوغوست كونت، التي تقصر عنايتها على الظواهر والوقائع اليقينية، مهملة كل تفكير تجريدي في الأسباب المطلقة. في حين تعتمد كل فلسفة على معرفة الوقائع، وعلى التجربة العملية مثل فلسفة سبنسر وستيوارت ميل ورينان.. الخ".
القانون الإيجابي في معارضته للقانون الطبيعي هو القانون مهما يكن وليس ذلك الذي يجب أن يكون. إنه قانون كيفي وعارض، دون تفوق، ودون وحدة. وإذا كان كذلك، فهو دون منطق، ويستطيع السفسطائيون والكلبيون، أن يعتبروا المخترعين للقانون الإيجابي: فبالنسبة لهم كل شيء هو شأن من المشاركة أو الاتفاق والدولة هي تشكل مصطنع، وليس طبيعياً. فإذا استفادت سيطرة الدين المسيحي من مدرسة القانون الطبيعي زمناً طويلاً "أكثر انسجاماً مع فكرة التفوق" فقد جعلت الاكتشافات الكبيرة، انطلاقاً من نهاية القرن الخامس عشر، من تجزئة أوربا سياسياً، بأن يتم وعي التنظيم الاجتماعي بصورة نسبية وتشجيع عملية تجديد الأفكار الوضعية. وحصل المفهوم الوضعي على نجاحات وبسرعة كبيرة في القانون الدولي، وعلى نحو أكثر من مدرسة القانون الطبيعي، وإنه يتطابق أكثر من مصالح الملوك المستبدين.
أما بالنسبة للجزويتي الإسباني فرنسيسكو سوواريتز (1548-1617) فإن حق الناس هو تطوري وعارض، ويختلف عما هو للشعوب، حسب مفهوم القانون الطبيعي. فهو إذن قانون إيجابي. لكن يعترف سوواريتز، مع ذلك، أنه يجب أن يكون تابعاً للقانون الطبيعي على الدوام: من ثم، استرجع العديد من القانونيين هذه النظرية لكن تحرروا من تفوق القانون الطبيعي. إذ يعتقد الانجليزي سلدن Selden (1548-1654) أن قانون الناس، هو نتيجة وحيدة للمعاهدات والعادة. وهناك انجليزي آخر يدعى زوش Zouch (1590-
1660)، الذي لم يعترف إلا بالأعمال التي يعترف بها بصورة مشروعة. أما الهولندي بنكر شوك Bynker Shook (1673-1743) فقد اقتصر على القانون الطبيعي الناتج عن العادة.
ووسع السويسري أمريش دوفاتل Emmerich De Vattel
(1714-1786)، وكان دبلوماسياً في خدمة ملك الساكس، وسع هذه المفاهيم، فأقام الوضعية على الإرادية- وهذه الأخيرة مذهب يجعل الإدارة تتدخل في كل حكم، وتستطيع أن تعلق هذا الحكم- في كتابه: حق الناس، أو مبادئ الحق الطبيعي المطلق في سلوك وشؤون الأمم والملوك (1758). ويسمح بوجود حق طبيعي، لكن مع فارق دقيق "هام" حيث أن الدول هي ذات سيادة في تفسير هذا الحق، والمجتمع الدولي مختلف بالطبيعة إذن عن المجتمع المدني: على عكس الأفراد، فالدول ليست بحاجة للتخلي عن السيادة من أجل الدخول في المجتمع، فلا يوجد عقد اجتماعي في المجتمع الدولي. وبما أن الدول معرضة لخطر الدخول في نزاع إذا لم يتم الاتفاق على تفسير الحق الطبيعي، فهذا هو بالضبط الحق الإرادي الذي يجب أن يعدل من الحق الطبيعي من أجل تسهيل القبول المشترك، حسب الحالة الراهنة. وما من أحد يتبع قانون الحرب، أي الحرب العادلة بالضبط، والتي تتطابق مع القانون، لكن، لما كان مفهوم العدل نفسه، ليس واحداً لدى جميع الدول، فالحرب هي إذن عادلة مهما تكن مبرراتها، ويجب فقط أن تخضع لبعض الأشكال "سواءً أكانت حرباً مفتوحة أم (خفية)، على سبيل المثال.
وهناك كاتبان آخران يُنَهّجان القانون الدولي الإيجابي في عصر النور وهما موزير (Mozer)، في كتابه "مبدأ حق الناس الحالي" (1750-1752)، وجورج فريدريك دومارتن Georges Frederic de Martens "ملخص حقوق الناس الحديث في أوربا القائم على المعاهدات والاستخدام" عام (1788). ويعتبران، مثلهم مثل فاتل، أن المجتمع الدولي مجتمع مشكل من دول ذات سيادة ومتساوية، والقانون الدولي لا يهتم بالأفراد، وهو نتيجة إرادة وموافقة الدول ذات السيادة "الموضحة بالمعاهدات ضمناً بالعادة، وتقدر الدول التزاماتها في العلاقات الدولية فقط، وتستطيع استخدام الحرب من أجل تسوية خلافاتها.
ووصل الوضعيون الإراديون إلى قمتهم في القرن التاسع عشر، وتخلصوا من ورقة التوت التي كانت المرجع للقانون الطبيعي. ولم يعد باعتبارهم سوى الحق الإيجابي، والدولة مصدر القانون، والقانون يصدر إذن عن إرادة الدولة، بالنسبة للمدرسة الإيجابية الألمانية وعلى رأسها (جيلنك تريبيل)
(Jellinek Triepel)، ويعمق تريبيل تحليل القانون الدولي الإيجابي في المنطق الإرادي لفاتل. وينظم الإيطالي أنزيلوتي (Anzilotti)10- الذي سيصبح قاضياً في محكمة العدل الدولية الدائمة- بشكل جيد، القانون الإيجابي الذي يجب أن يكون، حسب رأيه، الموضوع الوحيد في دراسة القانون الدولي.
وانتهت العقيدة الوضعية، إلى القانون الدولي، المسمى بـ(الكلاسيكي): وهو ذلك النظام، الذي يشكل حجر الزاوية في مبدأ سيادة الدولة بين الدول. وقدرت محكمة العدل الدولية العليا، بأن القانون الدولي، يؤدي خدمة لـ"تسوية التعايش" بين الدول، "بهدف متابعة الأهداف المشتركة" و"تربط التسويات في مجال القانون، الدول، وهي الصادرة عن إرادة هذه الدول". كما يجب أن لا يؤدي هذا العرض الخاص بالتبرير عن الدول، للفوضى". وتوجه المحكمة اهتماماً من أجل توضيح أن "الحدود الأساسية التي تفرض القانون الدولي على الدولة، تلك التي تستعيد كل ممارسة لقوتها على دولة أخرى"، وتتوقف حرية دولة ما إذن عند بدء حرية دولة أخرى، وإن التأكيد على هذا المبدأ، هو إذن، أقل ما نستطيع انتظاره من القانون الدولي.
-ويحاول رجال القانون تجاوز هذه التناقضات في الحقبة المعاصرة:
يتساءلون عن العظمة بأنها الرغبة الوحيدة للدول، وأقل من تساؤلهم عن القانون، وعن أساسه الايديولوجي، وأقل من وظيفته: ويوجد القانون الدولي خدمة لتأطير عمل الدول والفاعلين الآخرين في العلاقات الدولية، وتحليلاتهم تميل نحو الذرائعية لإثبات بسيط للوقائع: فالدول هي ذات سيادة، ومع ذلك فإنها تخضع للقانون الدولي. ويتعلق معظم القانونيين المعاصرين إذن بوصف القانون كما هو.
يرفض هانس كلسون ومدرسته "المعيارية- Normativiste" المؤسسة في فيينا، اعتبار أي شيء آخر غير القانون. "إنها النظرية الخاصة بالقانون" ولا تتميز الدولة عن القانون، هي إذن القانون: "هي الآمر بالدفع القانوني"، والقانون الدولي مندمج فيه. وانتهت سيادة الدولة عن طريق الذوبان في المعايير التي ساهمت الدول في إقامتها. ويصبح القانون الدولي تتويجاً لنظام القانون الوطني، في حدوده القصوى.
وتتقارب عقيدة "الموضوعية- الاجتماعية" الممثلة بجورج سيل Georges Scelle، مع مدرسة القانون الطبيعي، مع ذلك: "إذ ينتج المجتمع الدولي، ليس عن التعايش، ومن تجمع الدول، بل على العكس، من تداخل الشعوب بالتجارة الدولية "بالمعنى الواسع". وسيكون عجباً، بالتأكيد، أن تتوقف الظاهرة الاجتماعية في الدولة، في حدود الدولة". لأن القاعدة القانونية، هي "آمر اجتماعي يترجم ضرورة تولدت عن التضامن الوطني، فلماذا لا تؤدي خدمة لأمور القوانين الدولية التي تطبق على المجتمعات الدولية؟ طبقاً لرأي المؤلف نفسه. وسوف لن يكون "حق الناس" قانونياً بين الدول- كما كان على الدوام- بل أصبح قانوناً بين الأفراد مطبق في نطاق دولي، وسيحل محل المجتمع الدولي"، التجميع الدولي: ويتحول الرابط الاجتماعي بين الأفراد إلى شعور حقيقي بالانتماء المجتمعي. وأعاد جورج سيل الربط إذن بالتحليل الليبرالي بين المجتمع الدولي، وعقيدة القانون الطبيعي، ويبقى جزء كبير من القانونيين مع ذلك، مترددين في قبول مفهوم "المجتمع الدولي" ويبدون شكوكاً أكثر.

يتبع >