منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب - عرض مشاركة واحدة - الاصول السياسية
عرض مشاركة واحدة
قديم 2008-11-07, 11:17   رقم المشاركة : 2
معلومات العضو
المثابر120
عضو فعّال
 
الصورة الرمزية المثابر120
 

 

 
إحصائية العضو










B18

الحرية
تنمية الحرية العلمية المتزنة بالشرع الحنيف والمنضبطة بالخلق الرفيع من أهم مستلزمات الابتكار العلمي والأصالة في الإنتاج فالحرية لحياتنا كالشمس للدنيا ليس لها عوض. ذكر الرازي أن الإمام الشافعي رضي الله عنه قال "إن الله خلقك حراً، فكن كما خلقك". وهذه عبارة صادقة فأعظم دور للتعليم ينبثق من هذه القاعدة إذ المراد من التعليم تحرير الإنسان من الخضوع للمخلوقين وتحريره من الركوع لغير رب العالمين … وتحريره من جهل نفسه… ومن ظلم الطواغيت … ومن الشهوات المنحرفة … ومن خطوات الشيطان … تحرير الإنسان من التقليد الأعمى … من العادات الظالمة … من هيمنة الأغنياء والكبراء… تحرير الإنسان من بخس الناس حقوقهم وخضوع القوانين لطبقة مهيمنة ..ومن غير هذا التحرير – الذي يستدعي الكفاح المستمر- لا تصبح التربية مصدر الكرامة ولن تكون أمل الأمة.
قال السفير المسلم ربعي بن عامر رضي الله عنه لرستم قائد جيش الفرس في القادسية "الله ابتعثنا لنخرج من شاء من عباده من عبادة العباد إلى عبادة الله ومن ضيق الدنيا إلى سعتها، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام .."(ابن كثير، البداية والنهاية، ج7 ص39). وهذه الكلمات القليلة تلخص غاية الرسالات السماوية.
الحرية تضمن للفقير والغريب والضعيف وغير المسلم حق الحياة الكريمة في ديار الإسلام والتاريخ الإسلامي يحدثنا عن سماحة الإسلام مع الأقليات غير المسلمة ففي مصر عاش الأقباط في أمن وكرامة وحفظ المسلمون كنائسهم وأمام تلك السماحة الرائعة نجد أمثلة مغايرة في تاريخ الحضارة الغربية في أسبانيا إذ فتكوا بالمسلمين وأقاموا محاكم التفتيش وما نقموا منهم إلا أنهم على دين غير دينهم. عمر رضي الله عنه وجد انحرافاً في مسلك بعض ولاته فذكره بقاعدة من أهم القواعد الإنسانية حيث قال عمر بن الخطاب "متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً".
إن وسائط التربية كالأسرة والمدرسة ووسائل الإعلام من أهم أدوارها تنشئة الفرد على الحفاظ على حريته التي وهبها الله له فالحرية شجرة نادرة تنمو بماء العزة والفهم والإيمان وثمرتها الأكيدة الحياة الكريمة.
يقول القرضاوي في كتابه الفتاوى المعاصرة "جاء الإسلام فقرر مبدأ الحرية، وقال علي بن أبي طالب في وصية له: لا تكن عبد غيرك وقد خلقك الله حرًا. فالأصل في الناس أنهم أحرار بحكم خلق الله، وبطبيعة ولادتهم … هم أحرار، لهم حق الحرية… وليسوا عبيدًا .. جاء الإسلام فأقر الحرية في زمن كان الناس فيه مستعبدين: فكريًا ، وسياسيًا، واجتماعيًا، ودينيًا، واقتصاديًا، جاء فأقر الحرية، حرية الاعتقاد، وحرية الفكر، وحرية القول، والنقد".
التعليم النافع وحده هو المخرج من الأزمة فنمو الحرية يعني نمو التعليم الحر. مدارسنا ينبغي أن تمرر القرارات في محيط المدرسة وتعطي الأسباب وتبين أهميتها فيقتنع العاملون بها ولهم حق الاستفسار بل حتى الاستنكار بطرق حكيمة ومن حقهم المشاركة في إصدار القوانين التي تمس أعمالهم. الاحترام يهدي إلى التعاون والتعاون يهدي إلى الحرية والحرية والتسامح من أهم مكونات النشأة الإنسانية الطبيعية التي تنشد العدالة بجميع ميادينها وكل درجاتها. الرأي السديد الصائب هو أن نسعى بكل الطرق الحكيمة لتعزيز وممارسة وتطبيق مبادئ حقوق الإنسان التي كفلها الإسلام في أسرنا ومدارسنا وجامعاتنا وأجهزة الإعلام إلى أن تصبح الحرية والعدالة من أهم سمات وأساسيات حياة المجتمع الذي نعيش فيه وننتمي إليه.
من أهم الحريات السياسية التي تؤكد التربية القرآنية على تأصيلها هي حرية الحوار فهي من الحاجات لا الكماليات. قال تعالى في سورة البقرة "وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لا تَعْلَمُونَ (30) وَعَلَّمَ آدَمَ الأسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلائِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلاء إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ (31) قَالُوا سُبْحَانَكَ لا عِلْمَ لَنَا إِلا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (32)قَالَ يَا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنتُمْ تَكْتُمُونَ (33)".
من أهم الغايات الاجتماعية للتربية المساهمة في إيجاد الإنسان المصلح الحر في تفكيره البنّاء، وتعبيره المؤدب، وتصرفه السليم، وهو بذلك يعرف حقوقه فيتمتع بها باتزان، ويعرف واجباته فيقوم بها بإتقان. في كل يوم تخطو التربية المعاصرة نظرياً خطوات متسارعة نحو التأكيد على أهمية مبدأ الحرية في التربية لتوليد القوة والطاقة في نفوس المتعلمين والمعلمين.
إن كبت الحريات المشروعة في الاختلاف المحمود والمعارضة الموضوعية سواء في ميدان الأسرة أو المدرسة أو الجامعة أو الحياة العامة تمثل سلسلة متصلة من القيود الحديدية التي تحد من حركة المجتمع وتحجبه من نعمة الرؤية الجماعية والمصارحة الصادقة والتمتع بالحياة. إن ظاهرة الإرهاب الفكري في كثير من الدول الإسلامية تأخذ مظاهر شتى فقد أصبح الخوف من سيف التسفيه والسخرية والفتاوي الشرعية المتسرعة التي تخرج وتوزع بلمح البصر يلاحق الباحثين إذا طرحوا موضوعات غير مألوفة ولا عجب أن نجد بعضهم يقدم الدراسات التي تساير وتساعد التوجه القوي في الساحة السياسية لأجل مصالح ومكاسب شخصية والبعض يختار السلامة فلا يعارض أو يواجه الخاصة ولا العامة.
من المحال حسم كل الخلافات العلمية في فرع من فروع العلم ولكن بالإمكان فتح أبواب الحوار العلمي البعيد عن التجريح الشخصي وأول عائد لمثل هذا الغرس هو احترام آراء المخالفين، والانفتاح على فكر الآخرين، والتعايش السلمي رغم التحديات والاحباطات .
إن الحاجة إلى رعاية حق الحوار وحماية حرية الاختلاف في حدود الآداب الإسلامية – ضرورة تحتمها تنوع الأفهام، وتباين الأنظار، واختلاف الطباع. أليس بالاجتهاد وحرية البحث نجح المسلمون الأوائل في بناء حضارتهم وانطلقوا سراعاً نحو التأليف والترجمة وعمل التجارب … ؟ ألم يكن حق السؤال والمشورة والقول مكفولاً في سيرة النبي صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدين لكل من الرجل والمرأة والغني والفقير سواء بسواء …؟ ألم يكن البحث الحر عن مصابيح الحكمة ضالة كل مؤمن وغاية كل مؤمنة …؟
إن حرية إبداء المشورة والتعبير عن الرأي يجب أن يغرس في نفس الطفل منذ نعومة أظفاره فعندما يشاهد الطفل أفراد أسرته يتحاورون دون أن يتسلط الكبير أو يستبد الأب بفرض رأيه في كل شاردة وواردة … عندما يرى أن الاحترام لا الخصام يعقب كل نقاش محتدم… عندما يرى أن الإقناع والتحاور أساس التعامل … عندما يرى المرأة مكرمة معززة لها الحق في إصدار القرار وأنها ليست مجرد قطعة من أثاث الدار … ويرى كبار السن لهم عظيم التقدير ووافر التوقير … ويجد المنهج الدراسي من أبجدياته ترسيخ حرية الحوار…فإنه يتعلم عملياً ممارسة الحرية التي وهبها الله عز وجل للعباد.
إن الحرية في التعبير والتفكير والحركة تتطلب نية مخلصة وشجاعة أدبية وثقة بالنفس، ومنطق سليم، وحب الخير للناس وهو غاية الإسلام في تربية الطفل فإذا مارس تلك الفضائل عملياً في منزله الصغير فإنه بلا شك سيمارس تلك المكارم طواعية في مجتمعه الكبير.
لقد حث الله عز وجل المسلمين بإتباع نهج الشورى واتخاذ القرار الجماعي ونهاهم عن التفرد بالرأي وقال سبحانه "وأمرهم شورى بينهم" (سورة الشورى 38) مع العلم أن السورة مكية أي أن التأكيد على الشورى لخدمة الأغراض العائلية والاجتماعية جاء قبل أن تقوم دولة المسلمين ككيان سياسي مستقل وفي هذا الفهم تصويب لما قد يظنه البعض من أن الشورى يجب أن تمارس في النطاق السياسي فقط. والأمر الذي هو أعظم من ذلك أن الله سبحانه يطلب من نبيه صلى الله عليه وسلم - قدوة كل مسلم- أن يحيا في ظل الشورى فغيره بلا شك أولى بالتشاور في سياساته ومشكلاته الحياتية.
المدرسة تستكمل المسيرة مع الطفل فتغرس القيم الإيجابية للحرية في نفس المتعلم من خلال التأصيل النظري والتطبيق العملي. المدرسة في سياستها وممارساتها تستطيع أن تتعامل مع المتعلمين من خلال عدة أنماط سياسية لها صلة وثيقة بموضوع الحريات وهي:
1-السياسة التسلطية الاستبدادية حيث يسمع الطالب التعليمات وينفذها قهراً دون مناقشة أو اقتناع. الطالب المثالي في ظل هذه السياسة هو الذي يحفظ المقرر الدراسي ولا يحيد عنه. المعلم يلقن ويعلم ويسيطر على العملية التعليمية دون اشتراك المتعلمين معه ويظل المعلم الطريق الوحيد الموصل إلى المعرفة أما الكتاب المدرسي فهو المصدر الأساسي للعلم .
2-السياسة التعاونية القائمة على أساس الشورى هي التي تقوم على المشاركة والتعاون والإقناع. هنا على النقيض من النمط السابق فإن المتعلم يتحاور مع الأستاذ ويحول المعلم إلى موجه يرشد إلى مصادر المعرفة ويساعد المتعلم كي يبحث ويفكر من خلال إتاحة الفرص والخبرات التعليمية وبناء على ذلك تصبح المناقشة والحوار من أساسيات هذه الطريقة. رغم وجود لوائح عامة في النظام القائم على الشورى إلا أن المتعلم يستطيع أن يبدي رأيه ويعبر عن مشاعره الإنسانية ويشارك في التخطيط للكثير من الأنشطة التي تقوم بها المدرسة. أما الكتاب المدرسي فهو مصدر من مصادر عدة للمعرفة. في الشورى يتنفس المتعلم عبير الحرية والكرامة التي كتبها الله تعالى لعباده. الخبرة والممارسة وذاتية المتعلم والبحث الحر والحوار المثمر … كلها مفردات أساسية في إعداد المتعلم لحياة قوامها الشورى.
3-النمط الثالث الذي قد ينتشر في المدارس وحتى في نطاق الأسرة بل الدولة هو النمط المُتساهل الغير حازم وهو نقيض النمط التسلطي في السياسة والإدارة. وفي ظل هذا النمط تصبح المدرسة متسيبة تفقد المصداقية والجدية في العمل حيث تعم الفوضى من خلال الأعمال الارتجالية المتخبطة والاجتهادات المتناقضة مما يدعو إلى تثبيط المدرسين وتقليل تفاعلهم وإنتاجهم. يُلاحظ أن هذا النمط لا يمارس توزيع المسئوليات بالتساوي في المدرسة، وينقصه الجدية في متابعة القرارات والقوانين.
توسيع دائرة الحريات وتبصير الناس بحقوقهم من القيم السياسية الهامة في عملية تنشئة الإنسان المثقف. ومن القواعد الأساسية لإصلاح الأوضاع السياسية تطبيق مبدأ الشورى الملزمة لا المعلمة في الممارسات اليومية. ملزمة بمعنى أن الحاكم وولي الأمر في سياساتهم للآخرين لهم حق التعبير عن الرأي والمشاركة في صنع القرارات التي تمس حياتهم. أما الشورى المعلمة هي الاستشارة بغرض الاستئناس برأي الآخرين فقط.
واقع القمع السياسي في العالم الإسلامي يتطلب تأصيل مواثيق عصرية تأصل القيم الإسلامية ويتم صياغتها والإعلان عنها والتقيد بها على أرض الواقع. رفض سياسة تسلط العساكر، وتفرد الأسرة الحاكمة، واستبداد علماء الدين. الدعوة إلى المشاركة الشعبية في الحكم واستلهام الشورى الملزمة لا المعلمة من أهم ضرورات الأمة المسلمة اليوم لدفع العجز الحضاري الذي يلف الأمة ويتلف الحياة. قال القرطبي في تفسيره "قال ابن عطية: والشورى من قواعد الشريعة وعزائم الأحكام؛ من لا يستشير أهل العلم والدين فعزله واجب. هذا ما لا خلاف فيه. وقد مدح الله المؤمنين بقوله: "وأمرهم شورى بينهم" [الشورى: 38]. قال أعرابي: ما غبنت قط حتى يغبن قومي؛ قيل: وكيف ذلك؟ قال لا أفعل شيئا حتى أشاورهم. وقال ابن خويز منداد: واجب على الولاة مشاورة العلماء فيما لا يعلمون، وفيما أشكل عليهم من أمور الدين، ووجوه الجيش فيما يتعلق بالحرب، ووجوه الناس فيما يتعلق بالمصالح، ووجوه الكتاب والوزراء والعمال فيما يتعلق بمصالح البلاد وعمارتها. وكان يقال: ما ندم من استشار. وكان يقال: من أعجب برأيه ضل".
المدارس تغرس في النفوس رفض الظلم. قال أبو القاسم الشابي:

أول خطوة في توسيع نطاق الحريات والتحرر من ضيق التسلط إلى آفاق الحرية أن ندرس الأدبيات الخاصة بهذا الباب فتتوفر القناعة وتزيد الرغبة في تطبيق حرية سماع الرأي الآخر والاستفادة منه إن كان نافعاً ثم تبدأ الأسرة والمدرسة بتنشئة الإفراد على ذلك وتسعى الحركات الإصلاحية ووسائل الإعلام إلى تعزيز هذه الممارسات في أوساطها وتنادي بتوسع دائرة المشاركة الشعبية الواعية.
قال محمد الغزالي في كتابه السنة النبوية بين أهل الفقه .. وأهل الحديث "والشورى في دولة الخلافة برزت في صور شتى، وليس المهم أي طراز نستمسك به؟ بل المهم أن نوفر الضمانات والأساليب التي تجعل الشورى حقيقة مرعية، فيختفي الفرد المستبد، وتموت الوثنيات السياسية، ويترجح الرأي الصحيح دون عوائق، ويتقدم الرجل الكفء دون أحقاد...هل يمكن ذلك في غيبة العقائد والأخلاق؟ هذا مستحيل! لقد نقل الشرق الإسلامي صورة الديمقراطيات الغربية في مرحلة هابطة من تاريخه، صرعته فيها مواريث جاهلية، وخدعته تقاليد استعمارية سفيهة، فماذا حدث؟ تم تزوير الانتخابات على نحو مذهل، وشقت الوثنيات السياسية طرقها وسط هالة من تأييد شعبي مكذوب!".

معايير لقياس الحريات في المجتمع
الإقبال على الديمقراطية يمر بدرجات متفاوتة تبدأ من الرفض التام لمضمون الفكرة إلى القبول المطلق في جميع المجتمعات العربية المعاصرة. يرفض البعض استخدام كلمة الديمقراطية تماماً لأنها كلمة غربية لها تاريخها ومدلولاتها. هذا التباين له صداه في الخطاب الديني والعلماني والقومي لإصلاح الوضع السياسي المتأزم في العالم العربي بعد أن أصبحت الحريات مكبوتة إن لم تكن مسحوقة. الديمقراطية بمعنى منهج سياسي سلمي لإدارة الأمور، وتنظيم الأدوار، وتقدير المصالح، ضرورة مجتمعية لتحسين أداء الحركة في المجتمع طالما أنها لا تعارض مقتضيات الشريعة. تُجند التربية الحديثة جميع مؤسساتها لترسيخ معاني الحياة الديمقراطية لتشارك معظم شرائح المجتمع في اتخاذ قراراتها الوطنية وفق ثوابت المجتمع علماً بأن الديمقراطية ليست مجرد انتخاب وترشيح ومهرجانات خطابية. من التجارب العربية السباقة في مضمار الحياة البرلمانية تجربة الكويت وهي تجربة واقعية للمجتمع المسلم الذي يتبنى منهج الشورى في إدارة الدولة ويستفيد من التجارب السياسية العالمية بما يتوافق مع مقاصد الشريعة الإسلامية. ينص دستور دولة الكويت على "أن نظام الحكم في الكويت ديمقراطي، السيادة فيه للأمة مصدر السلطات جميعاً" علماً بأن الشريعة الإسلامية مصدر رئيسي للتشريع.
هناك جملة من المؤشرات الهامة لقياس مدى تمتع الأمم بالحريات السياسية أشار إليها الباحثون في هذا المضمار مثل د. إسماعيل الشطي (2002 م) الذي يقترح مجموعة معايير لقياس الديمقراطية سنذكر بعضاً منها وسنضيف إليها بعض الضمانات في النقاط التالية:
"مقدار حيازة الأمة للسلطة، فكلما حازت الأمة قدرا أكبر من السلطة زادت درجة اقترابها من النظام الديمقراطي، حتى إذا صارت مصدرا للسلطات فإنها تعبر عن إرادتها من خلال دستور تجتمع عليه، يضم المبادئ التي تتفق عليها، ويحوي الحقوق والواجبات وينظم العلاقات بين السلطات المختلفة.
مقدار المشاركة السياسية للأمة ونسبة المقترعين من السكان، إذ قد تحرم القوى المهيمنة في المجتمع بعض الفئات من المشاركة في الحكم، أما بسبب العنصر أو الجنس أو الدين والمذهب أو المستوى الاجتماعي أو السن.
وفرة مؤسسات المجتمع المدني، كالنقابات والاتحادات والجمعيات والهيئات الخاصة، وكلما تعددت هذه المؤسسات عكست مؤشرا قويا لاقترابها من الديمقراطية، غير أنه من الضروري إدراك أن تلك المؤسسات يجب أن تكون حرة مستقلة عن الأجهزة الرسمية للدولة أو الأواصر الاجتماعية، وتشكل هيئاتها بالاقتراع المباشر .

استقلالية القضاء عن بقية السلطات.

التعددية السياسية، وهي التي تضمن تعدد الاتجاهات لتحول دون احتكار طرف سياسي للسلطة.
ضمانات للحريات العادلة، وأبرزها حرية التعبير والتجمع والتنقل والملكية، وبالأخص عدم تقنين احتكار إصدار الصحف أو محطات البث أو غيرها من وسائل الإعلام، والتعامل مع هذه الوسائل كسلطة تشكل الرأي العام ولكن يبقى مصدرها الشعب كبقية السلطات" (باختصار).
يمكننا أن نجعل مناهج التعليم من مؤشرات قياس الحريات في المجتمع إذ أن المنهج الدراسي يجب أن يهيئ الطلاب والطالبات لممارسة الحياة البرلمانية وفق وعي سياسي ناضج يفقه روح الديمقراطية. عندما تجد الطالبة في أنشطة الفصل برلماناً صغيراً فإنها تعايش أبجديات الدستور وتفهم طبيعة العمل السياسي الحر منذ الصغر فينشأ الولاء لمنهج الشورى.
يجب أن تقوم مؤسسات الإعلام بتعميق وتطبيق وإثراء مفهوم المواطنة.
ينبغي أن تلعب المدرسة في الكويت دوماً دوراً حضارياً رائداً في غرس المفاهيم السياسية من خلال:
التأكيد على أهمية الدستور الكويتي في استقرار وتقدم البلد.
تقدير نعمة الحرية والمكاسب الوطنية والافتخار بها والمحافظة عليها.
شحذ ذهن المتعلم كي يتعلم كيف يفكر موضوعياً ويعبر سلمياً.
يقدر أهمية المشاركة في القرار.
يمارس في واقعه الميداني مهارات وقيم الحياة البرلمانية (التحليل – المناقشة - التصويت – المشاركة في صنع القرار – إبداء الرأي – احترام الاختلافات – التعاون مع القرارات الجماعية).
يطلع على بعض مظاهر الحياة البرلمانية بشكل محسوس (الزيارات الميدانية لمجلس الأمة).
نقد التصرفات الغير مقبولة والتي تتنافى مع أبجديات الحرية والعدل (الأنانية-التسرع-الغلو).
ينادي المربون اليوم ببناء وعي تربوي عربي مُتكامل بحقوق الإنسان في مؤسَّساتنا التَّربوية. "وإذا كانت هذه الضَّرورة التَّربوية تأخذ طابعاً ملحاً في مختلف أنحاء العالم المعاصر، فإنَّها في سِياق وجودنا وحياتنا العربية تَتجاوز حُدود كل أولوية وضَرورة" (وَطفة والرَّاشد، 1999، ص 11). وتأسيساً على هذا السياق فإن التوجهات التربوية المعاصرة تنادي بإدخال مبادئ وقيم الديمقراطية ضمن المناهج الدراسية مع التركيز على الأساسيات التالية:
احترام الشخصية الإنسانية والاعتقاد بذكاء الفرد وقدراته الإبداعية.
الثقة في الحياة وفي العمل الجماعي.
تزويد الطلاب والطالبات بطرائق متنوعة لتمييز القيم والمفاهيم (سليمان والعثمان، 2002 م، ص 35، 83).
تأصيل مفهوم الحرية في سياق التعاليم الإسلامية إذ أن الإسلام جاء لتحرير الإنسان من جميع صور الظلم.

مقتطفات من وثيقة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان
اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان (Universal Declaration of Human Rights) في عام 1948 م. فيما يلي مقتطفات من الوثيقة:
المادة الأولى: يولد جميع الناس أحرارا متساوين في الكرامة والحقوق وقد وهبوا عقلا وضميرا وعليهم أن يعامل بعضهم بعضا بروح الاخاء.
المادة الثامنة عشرة: لكل شخص الحق في حرية التفكير والضمير والدين ويشمل هذا الحق حرية تغيير ديانته أو عقيدته[1]، وحرية الإعراب عنهما بالتعليم والممارسة وإقامة الشعائر، ومراعاتها سواء أكان ذلك سرا أم مع الجماعة.
-المادة التاسعة عشرة: لكل شخص الحق في حرية الرأي والتعبير ويشمل هذا الحق حرية اعتناق الآراء دون أي تدخل واستقاء الأنباء والأفكار وتلقيها وإذاعتها بأية وسيلة كانت دون تقيد بالحدود الجغرافية.
-المادة السادسة والعشرون:
1-لكل شخص الحق في التعلم، ويجب أن يكون التعليم في مراحله الأولى والأساسية على الأقل بالمجان، وأن يكون التعليم الأولي إلزاميا وينبغي أن يعمم التعليم الفني والمهني، وأن ييسر القبول للتعليم العالي على قدم المساواة التامة للجميع وعلى أساس الكفاءة.
2- يجب أن تهدف التربية إلى إنماء شخصية الإنسان إنماء كاملا وإلى تعزيز احترام الإنسان والحريات الأساسية وتنمية التفاهم والتسامح والصداقة بين جميع الشعوب والجماعات العنصرية أو الدينية، وإلى زيادة مجهود الأمم المتحدة لحفظ السلام.
3-للآباء الحق الأول في اختيار نوع تربية أولادهم.
-المادة السابعة والعشرون:
1-لكل فرد الحق في أن يشترك اشتراكاً حراً في حياة المجتمع الثقافي وفي الاستمتاع بالفنون والمساهمة في التقدم العلمي والاستفادة من نتائجه.
2-لكل فرد الحق في حماية المصالح الأدبية والمادية المترتبة على إنتاجه العلمي أو الأدبي أو الفني.
-المادة الثامنة والعشرون:لكل فرد الحق في التمتع بنظام اجتماعي دولي تتحقق بمقتضاه الحقوق والحريات المنصوص عليها في هذا الإعلان تحققا تاما.
-المادة التاسعة والعشرون:
1-على كل فرد واجبات نحو المجتمع الذي يتاح فيه وحده لشخصيته أن تنمو نموا حرا كاملا.
2-يخضع الفرد في ممارسة حقوقه وحرياته لتلك القيود التي يقررها القانون فقط، لضمان الاعتراف بحقوق الغير وحرياته واحترامها ولتحقيق المقتضيات العادلة للنظام العام والمصلحة العامة والأخلاق في مجتمع ديمقراطي.

يتبع >