منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب - عرض مشاركة واحدة - البحث العلمي
الموضوع: البحث العلمي
عرض مشاركة واحدة
قديم 2008-11-07, 10:54   رقم المشاركة : 5
معلومات العضو
المثابر120
عضو فعّال
 
الصورة الرمزية المثابر120
 

 

 
إحصائية العضو










B18

قواعد اختبار الفرضيَّات:
وعموماً هناك طرق علميَّة تسير فيها اختباراتُ الفرضيَّات، وهي ما تسمَّى أحياناً قواعد تصميم التجارب واختبارها، فقد درس ميل Mill مشكلة الأسباب التي يتناولها البحث التجريبيُّ وتوصَّل إلى قواعدَ خمسٍ يمكن أن تفيد كمرشد في تصميم التجارب واختبار الفرضيَّات والبحث عن تلك الأسباب، ولكن ميل Mill حذَر من أنَّ هذه القواعد ليست جامدةً كما أنَّها لا تصلح للتطبيق في جميع الحالات، ذكر في: (بدر، 1989م، ص214)، وفيما يلي تلك الطرق والقواعد:
1- طريقة الاتِّفاق: وهي طريقة تعترف بمبدأ السببيَّة العام المتمثِّل في أنَّ وجود السبب يؤدِّي إلى وجود النتيجة، وتشير هذه الطريقة إلى أنَّه إذا كانت الظروف المؤدِّية إلى حدث معيَّن تتَّحدُ جميعاً في عامل واحد مشترك فإنَّ هذا العامل يحتمل أن يكون هو السبب، وبمعنى آخر يمكن التعبير عن هذه الفكرة بالطريق السلبيَّة بالقول: بأنَّه لا يمكن أن يكون شيءٌ معيَّن هو سبب ظاهرة معيَّنة إذا كانت هذه الظاهرة تحدث بدونه، والصعوبة التي تواجه الباحث عند استخدامه طريقة الاتِّفاق تقع في تمييزه بين العوامل ذات الدلالة وذات العلاقة بالمشكلة والعوامل التي ليس لها أي دلالة أو علاقة بالمشكلة، ومعنى ذلك أنَّه لا بدَّ له أن يتحرَّى عن السبب الحقيقيِّ وأن يفصله عن السبب الظاهر، (بدر، 1989م، ص ص214-215).

2- طريقة الاختلاف: وتسير طريقة التباين أو الاختلاف في المقارنة بين حالتين متشابهتين في جميع الظروف ما عدا ظرف واحد يتوفَّر في إحدى الحالتين فقط، بينما لا يوجد في الحالة الأخرى وتكون هذه الظاهرة نتيجة أو سبباً لهذا الاختلاف، وهذا يعتمد أيضاً على مبدأ السببيَّة العام المتمثِّل في أنَّ وجود السبب يؤدِّي إلى وجود النتيجة، (محمَّد الهادي، 1995م، ص89)، ويمكن التعبير عن ذلك بطريقة سلبيَّة بالقول: بأنَّه لا يمكن أن يكون شيءٌ معيَّن هو سبب ظاهرة معيَّنة إذا كانت هذه الظاهرة لا تحدث في وجوده، وعلى كلِّ حال فيمكن القول: إنَّ الظروف المتشابهة بالنسبة لجميع العوامل فيما عدا عامل واحد أو متغيِّر واحد ظروف نادرة بالنسبة للعلوم السلوكيَّة، وهذا ما استدعى من القائمين بالبحوث كفالة الضمانات المطلوبة حتى تؤدِّي هذه الطريقة إلى نتائج موثوق بها وإلى تصميم التجارب بنجاح، (بدر، 1989م، ص ص216-217).

3- طريقة الاشتراك: تستخدم بتطبيق الطريقتين السابقتين لاختبار الفرضيَّات، فيحاول الباحث أولاً بتطبيق طريق الاتِّفاق العثور على العامل المشترك في جميع الحالات التي تحدث فيها الظاهرة، ثمَّ يطبِّق طريقة الاختلاف أي أن يتقرَّر لدى الباحث أنَّ الظاهرة لا تحدث أبداً عند عدم وجود هذا العامل المعيَّن، فإذا أدَّت كلا الطريقتين إلى نفس النتيجة فإنَّ الباحث يكون واثقاً إلى حدٍّ كبير أنَّه وجد السبب، (بدر، 1989م، ص ص217-218).

4- طريقة البواقي: حيث تبيَّن أنَّ بعض مشكلات البحوث لا تحلُّ بأيٍّ من الطرق السابقة، فإنَّ ميل Mill قدَّم طريقة العوامل المتبقِّية للعثور على السبب عن طريق الاستبعاد، وهذه الطريقة قد تسمَّى طريقة المرجع الأخير، (بدر، 1989م، ص218)، وهي أنَّه في حالة أن تكون مجموعة من المقدِّمات تؤدِّي إلى مجموعة من النتائج، فإذا أمكن إرجاع كلِّ النتائج ما عدا نتيجة واحدة إلى جميع المقدِّمات فيما عدا مقدِّمة واحدة أمكن ربط تلك المقدِّمة الباقية بتلك النتيجة الباقية؛ ممَّا يكشف أو يرجِّح وجود علاقة بينهما أي بين المقدِّمة والنتيجة الباقيتين، (محمَّد الهادي، 1995م، ص ص91-92).
5- طريقة التلازم: إذا لم يكن بالإمكان استخدام الطرق السابقة فإنَّ ميل Mill قدَّم للباحثين هذه الطريقة الخامسة التي تدعو في الواقع إلى أنَّه إذا كان هناك شيئان متغيِّران أو يتبدَّلان معاً بصفة منتظمة، فإنَّ هذه التغيُّرات التي تحدث في واحد منهما تنتج عن التغيُّرات التي تحدث في الآخر، أو أنَّ الشيئين يتأثَّران في ذات الوقت بسبب واحد مشترك، (بدر، 1989م، ص218)، ويكون هذا التلازم في التغيير فإذا تغيَّرت ظاهرة ما تغيَّرت معها ظاهرة أخرى، وهذا يعني أنَّ السبب في كلا الظاهرتين واحد فتتغيَّر ظاهرة بتغيُّر الأخرى، وقد تكون الظاهرتان متلازمتين تلازماً شديداً ممَّا يتيح الفرصة ويفسح المجال بعد ذلك للبحث عن العلاقة الحقيقيَّة بينهما، علماً أنَّه إذا كانت هناك علاقةٌ سببيَّة بين متغيِّرين فلا بدَّ أن يكون هناك ترابط أو تلازم بينهما، فالتلازم ليس شرطاً للعلاقة السببيَّة، ولكن السببيَّة شرطٌ للتلازم، (أبو راضي، 1983م، ص ص622-623).

ولا شكَّ في أنَّ هناك ثلاثة جوانب مهمَّة في استخدام منهج ما لحلِّ مشكلة البحث تتحكَّم في نتائج الدراسة، هي:
1- كفاية البيانات: فعلى الباحث أن يسأل نفسه دائماً وقبل إنهاء دراسته عمَّا إذا كان الدليل الذي قدَّمه يعدُّ كافياً لتدعيم وتأييد النتائج التي يصل إليها، وما مقدار الثقة فيه؛ ذلك أنَّه إذا كان الدليل ضعيفاً أو غير كافٍ فإنَّ النتائج لا يمكن اعتبارها مقنعة أو نهائيَّة.

2- معالجة البيانات: إذ يجب أن ينظر الباحث إلى الدليل بحرص ونظرة ثاقبة للتأكُّد من دقَّته وأصالته وصدقه، فالأخطاء قد تحدث إذا وجد تضليل في الاستبيان كالأسئلة الإيحائيَّة، أو عدم قراءة الوثيقة والاطِّلاع عليها اطِّلاعاً سليماً، أو عدم أخذ جميع المتغيِّرات في الاعتبار، كلُّ هذه الأخطاء يمكن أن تقضي على العمل الدقيق في الدراسة.

3- استخراج النتائج: إنَّ فهماً يختلف عمَّا تحتويه البيانات والمعلومات المعالجة يؤدِّي إلى نتائج خاطئة، كما أنَّ على الباحث أن يقاوم رغبته في أن يحمِّل الدليل ما كان يتمنَّى أن يكون فيه، (بدر، 1989م، ص ص190-191).

مناهج البحث التربويِّ:
تتَّصل مناهجُ البحث العلميِّ التربويِّ اتِّصالاً وثيقاً بالإستراتيجيَّة التربويَّة؛ لأنَّ وضع الإستراتيجيَّات التربويَّة وتخطيطها يعتمد على حاجة المجتمع وإمكاناته الماديَّة والمعنويَّة والبشريَّة، وعموماً فإنَّ تطبيق الإستراتيجيَّات التربويَّة يتَّصل اتِّصالاً وثيقاً بالأمور الآتية:
1) تفهُّم الإدارة التربويَّة للحاجة إلى التجديد والتطوير والمعاونـة في ذلك.
2) إعداد الوسائل والأجهزة والكوادر البشريَّة اللازمة لتطبيقه من متخصِّصين وفنيِّين.
3) تشجيع ومعاونة المهتمِّين بالتطوير في حقل التربية لتحديد مجالاته ومجالات الإبداعات وعمل البحوث العلميَّة اللازمة المتعلِّقة بهما.

وللقيام بالبحوث التربويَّة على الباحث أن يتَّبع الخطوات الآتيـة:
1) معرفة النظام التربويِّ المراد إجراء البحوث فيه ودراستـه دراسة متعمِّقة.
2) تحسُّس مواضع الخلل في النظام التربويِّ ونواحي القصور فيه عند بلوغ الغاية الموضوع من أجلها، ألا وهي مدُّ المجتمع بما يحتاج إليه من خبرات ومهارات وتخصُّصات بصورة مستمرَّة وحسبما تتطلَّبه الحاجـة.
3) تحديد اختبارات الفرضيَّات المقترحة كحلول ثمَّ اختيار عددٍ منها بحسب الحاجـة.
4) تطبيق اختبارات الفرضيَّات واحداً واحداً والقيام بالتجارب اللازمة عليها قبل تعميمها ثمَّ تحديدها.
5) توفير الوسائل اللازمة لعمل البحوث ولإظهار نتائجها.
6) تعميم النتيجة والتغيير المرغوب فيه.

وهذه الأمور لا تخرج عن الطريقة العلميَّة للبحث والتي تؤكِّد على ملاحظة الظاهرة موضوع البحث عن طريق الشعور بالمشكلة ثمَّ تحديدها، فافتراض الفرضيَّات لحلِّها، ثم اختبار الفرضيَّات المختارة بعد توفير الوسائل اللازمة لذلك، ومن ثمَّ وبعد الوصول إلى النتائج العمل على نشر التغيير المطلوب وتعميمه ليستفيد منه الأفراد والمجتمع، ولا بدَّ لأيِّ بحثٍ تربويٍّ أن يأخذ بعين الاعتبار وعلى قدم المساواة مجموعةَ الأغراض والأهداف التعليميَّة، ومجموعةَ المعتقدات عن الطريقة التي يتعلَّم بها الناس، والبرنامجَ التعليميَّ المخطَّط لتسير بموجبه العمليَّة التعليميَّة والتربويَّة، فإذا ترك أحدها دون تغيير أو تطوير فإنَّ التغيير الذي يحدث بين الاثنين الآخرين لا يكون له التأثير المرغوب فيه في العمليَّة التعليميَّة والتربويَّة، (القاضي، 1404هـ، ص85).
وينصبُّ اهتمام البحثِ التربويِّ على حقول التربية والتعليم وما يمتُّ لها بصلة قريبةٍ أو بعيدة وهذا يشمل حقول المناهج، وإعداد المعلِّمين، وطرائق التدريس، وإستراتيجيَّات التدريس، والوسائل التعليميَّة وتقنيات التعليم، والإدارة التربويَّة ، والتسرُّب، وأساليب التقويم وغيرها، وحيث يعدُّ البحث التربويُّ فرعاً من فروع البحث العلميِّ، يتَّبعه في كثيرٍ من أهدافه ووسائله وأصوله، فإنَّ الباحث في الموضوعات والحقول السابقة يسير بدراستها بحسب خطوات البحث العلميِّ خطوة خطوة أحياناً، أو يعدُّ لها حتى تتمشَّى مع متطلَّبات وأهداف البحث التربويِّ ولكنَّها في النهاية تلتقي مع خطوات البحث العلميِّ بصورة عامَّة، ويصنَّف التربويُّون أبحاثهم (القاضي، 1404هـ، ص ص88-89)، كالآتي:
1- البحث التجريبيُّ: يعتمد على التجربـة الميدانيَّة التطبيقيَّة، ويستخدم للمفاضلة بين أسلوبين أو طريقتين لاختيار أحدهما أو إحداهما للتطبيق مباشرةً أو للتطبيق بعد التعديل حسبما تدعو إليه النتائج والحاجـة.
2- البحث التحليليُّ: يعتمد على جمع البيانات والمعلومات المتعلِّقة بنشاطٍ من النشاطات التربويَّة ثمَّ تحليل تلك المعلومات والبيانات المجموعة لاستخلاص ما يمكن استخلاصه لتقرير ذلك النشاط أو تعديلـه.
3- البحث الوصفيُّ: يستخدم هذا النوع بتجميع المعلومات والبيانات لتكوين فكرة واضحة وصورة متكاملة عن مشكلة تعليميَّة أو تربويَّة، ومن عيوبه محدوديَّـة فترته الزمنيَّة ممَّا يحدُّ من إمكانيَّة تعميم نتائجـه، فدراسة أسباب التخلُّف الدراسيِّ ترتبط في بيئةٍ معيَّنة في زمن محدَّد، قد تقف آثارها في بيئة أخرى أو بعد فترة زمنيَّة للبيئة مكان الدراسة، كما أنَّ وصف ظاهرة معيَّنة وتبيان مدى انتشارها قد يوحي بتقبُّل المجتمع لها، وهذا أمر يجب أن يُحذر منه.
4- البحث التقويميُّ: يستخدم هذا النوع من أنواع البحوث التربويَّة معاييرَ ومقاييسَ معترفاً بها ، فيتمُّ قياس أو تقويم النشاطات التعليميَّة والتربويَّة في مدرسة ما أو في منطقة ما.

يقول عودة وملكاوي (1992م): تثير محاولة تصنيف البحوث في ميدان التربية والتعليم مشكلة لا يوجد اتِّفاق حولها؛ حيث تستخدم أسسٌ على اعتبارها معايير للتصنيف ينتج عنها أنظمة تصنيفيَّة متعدِّدة، ويضع أيُّ نظام للتصنيف إطاراً لفهم المبادئ الأساسيَّة في عمليَّة البحث (منهج البحث)؛ ولذلك فإنَّ نظام التصنيف ليس مهمّاً في حدِّ ذاته إلاَّ بقدر ما يخدم عمليَّات البحث وخطواته بطريقة واضحة مفهومة، (ص95)، لذلك يمكن تصنيف البحوث في ميدان التربية والتعليم من زاويا غير الزاوية التي صنَّفتها إلى بحوث تحليليَّة، وبحوث تجريبيَّة، وبحوت وصفيَّة، وبحوث تقويميَّة باستخدام معايير تصنيفيَّة أخرى، منها تصنيف الأبحاث في ميدان التربية والتعليم إلى: البحث التربويِّ والبحث في التعليم، وإلى البحث التربويِّ والبحث والتطوير، كما يمكن تصنيف البحوث التربويَّة على أساس المعيار الزمني.
البحث التربويُّ والبحث في التعليم:
لقد أجريت عشراتُ الآلاف من الأبحاث والدراسات في مختلف المجالات التربويَّة والتعليميَّة، وقد كان الهدفُ الأساسيُّ لتلك الأبحاث هو زيادة المعرفة بعمليَّة التعلُّم والتعليم ولكنَّ الجانب الأول (التعلُّم) حظي بأكثرها واستأثر بمعظم جهود الباحثين وذلك على حساب الجانب الثاني (التعليم)، فلا تزال المعرفة التربويَّة بعمليَّة التعليم الصَّفِّيِّ قليلةً للغاية، وما ازداد اهتمام الباحثين التربويِّين بعمليَّة التعليم الصَّفِّيِّ إلاَّ انطلاقاً من اعتقادهم بأنَّ دراسة عمليَّة التعليم هي الإطار الذي يجب أن يحكم النشاطَ والعملَ التربويَّ؛ فقد لاحظوا أنَّ نتائج البحث في عمليَّة التعلُّم الذي كان اتِّجاه الباحثين لفترة طويلة لم تكن لها آثار مباشرة وسريعة على التعليم الصَّفِّيِّ وأنَّ على الباحثين أن يهتمُّوا بإدراك الطبيعة الفرديَّة والحيويَّة لعمليَّة التعليم والاعتماديَّة المتبادلة بين التعليم والتعلُّم.

وإزاء هذا التًّوجُّه في اهتمامات الباحثين نحو البحث في عمليَّة التعليم فقد بلوروا منهجاً للبحث في ذلك، وحدَّدوا مفهوم البحث في التعليم بالبحث المتعلِّق بالمفاهيم والطرق والإجراءات الخاصَّة بمشاهدة عمليَّة التعليم في حجرة الصَّف، ومن أمثلة البحوث في ذلك ما يأتي:
1) رصد وتحليل التفاعل الصَّفِّيِّ.
2) الربط بين التلاميذ والأنشطة التعليميَّة الصَّفِّيَّة.
3) تطوير أدواتٍ ومقاييسَ للمشاهدة المنظَّمة للتعليم الصَّفِّيِّ.
4) السلوك التعليميُّ للمعلِّم.
5) العمليَّات العقليَّة في حجرة الصَّف.
6) التفاعل بين القدرة العقليَّة وأساليب التعليم وأثره على التحصيل.
وقد تبيَّن للباحثين بأنَّ المهمَّة المتعلِّقة بالبحث في التعليم أصعبُ ممَّا تصوَّروها مسبقاً؛ ممَّا يستدعي توافر عدد أكبر بكثير من خلفيَّات تخصُّصيَّة كالفلسفة، وعلم الاجتماع، وعلم السياسة والاقتصاد بالإضافة إلى المختصِّين في علم النفس التربويِّ الذين سيطروا على ميدان البحث وحدهم فترة طويلة، (عودة؛ ملكاوي، 1992م، ص ص104-105).

البحث التربويُّ والبحث والتطوير:
يشكو التربويُّون الذين يعملون في الميدان من اتِّساع الفجوة بينهم وبين البحوث ونتائجها، كما تصعب عليهم ترجمةُ البحوث ونتائجها إلى إستراتيجيَّات تتعامل مع المشكلات التربويَّة التي يواجهونها، ومن تلك الشكوى ومن تلك الصعوبة ظهر ما يسمَّى البحث والتطوير والذي يختلف عن البحث التربويِّ في أنَّ البحث التربويَّ يهدف إلى اكتشاف معارف تربويَّة جديدة من البحوث الأساسيَّة (البحتة) أو الإجابة عن أسئلة حول مشكلاتٍ عمليَّة من خلال البحوث التطبيقيَّة، وأنَّ البحثَ والتطوير يهدف إلى استخدام نتائج البحوث التربويَّة في تطوير نواتج ومواد وإجراءات تربويَّة لخدمة الميدان العمليِّ في التعليم ولذلك يمكن تسمية البحث والتطوير بالتطوير المرتكز على البحث.

ويختلف البحث التربويِّ عن البحث والتطوير أيضاً في خطوات البحث، فخطوات البحث التربويِّ هي خطوات البحث العلميِّ (التي أشير إليها سابقاً في هذا البحث) بينما خطوات البحث والتطوير شيءٌ آخر، يمكن إبرازها بالآتي:
1) تحديد الهدف أو الناتج التربويِّ.
2) مراجعة نتائج البحوث التربويَّة وتحديد ما يخدم منها الناتج أو الهدف المقصود.
3) بناء نموذج أوليٍّ للناتج المرغوب.
4) اختبار فعاليَّة النموذج في مواقف حقيقيَّة باستخدام معايير أو محكَّات محدَّدة.
5) إعادة النظر في النموذج بناءً على درجة تحقيقه الغرضَ.
6) تكرار الخطوتين السابقتين خلال فترة معيَّنة إلى أن تصل إلى المستوى المطلوب.

وهكذا فإنَّ مصطلح دراسة تحليل الدراسات السابقة الذي اقترحه الباحث الأمريكي جلاس Class عام 1976م في مقالةٍ له بمجلَّة الباحث التربويِّ أصبح عنواناً على نوعٍ من الدراسات يقوم فيها الباحث بمراجعة تحليليَّة ناقدة ودقيقة لمجموعة الدراسات التي أجراها الباحثون في موضوعٍ تربويٍّ معيَّن، ويعرِّفها ماكميلان وشوماخر بأنَّها إجراءاتٌ محدَّدة لمراجعة الدراسات السابقة حول موضوع معيَّن باستخدام تقنيَّات مناسبة للجمع بين نتائجها، (عودة؛ ملكاوي، 1992م، ص ص106-108).

تصنيف البحوث التربويَّة على أساس المعيار الزمني:
دأبت معظم المراجع والمؤلَّفات المتخصِّصة بالبحث في ميادين التربية والعلوم الاجتماعيَّة والنفسيَّة على تصنيف البحوث في ثلاث فئات، هي: البحوث التاريخيَّة والبحوث الوصفيَّة، والبحوث التجريبيَّة، وقد تمكَّن أحد الباحثين التربويِّين (عودة؛ ملكاوي، 1992م، ص ص108-109) من تحديد هذا التصنيف من خلال طرحه الأسئلة التالية:
1) هل يتعلَّق البحثُ بما كان؟، وعندها يكون البحثُ متعلِّقاً بالماضي فهو بحث تاريخيٌّ، ويمكن للمؤرِّخ التربويِّ أن يسعى للتوصُّل إلى وصفٍ دقيق لأحداثٍ فريدة حدثت في الماضي بخصوص موضوعٍ تربويٍّ معيَّن، أو للتوصُّل إلى تعميمات مفيدة نتيجة لمسح أحداثٍ ماضية يمكنها أن تفيد في فهم السلوك القائم حاليّاً ويمكن الاعتماد عليها في حلِّ مشكلات راهنة.
2) هل يتعلَّق البحث بما هو كائن حاليّاً؟؛ أي بتمييز معالم الأشياء أو المواقف أو الممارسات الحاليَّة بشكلٍ يسمح للباحثِ بتحديد وتطوير إرشاداتٍ للمستقبل، وعندها يكون البحث وصفيّاً.
3) هل يتعلَّق البحث بما يمكن أن يكونَ عند ضبط عوامل معيَّنة؟، وعندها يكون البحثُ تجريبياً، ويتمُّ من خلال محاولة ضبط جميع العوامل المؤثِّرة في المواقف باستثناء عدد قليل من العوامل التي تعدُّ متغيِّرات مستقلَّة في الدراسة يجري معالجتَها وبيان أثرها وبناء علاقة سببيَّة بينها وبين متغيِّرات أخرى تسمَّى بالمتغيِّرات التابعة.

وحيث أنَّ المنهج التجريبيَّ والمنهج الوصفيَّ يعدَّان أكثر المناهج استخداماً من قبل الباحثين التربويِّين فإنَّ عرضهما بصورة أوسع من غيرهما من مناهج البحثِ العلميِّ قد يكون مطلباً ملحّاً أكثر من غيره في هذا البحث الهادف إلى تزويد المشرفين التربويِّين باحتياجاتٍ تمهيديَّة في مجال البحث العلميِّ يُتْبِعُونها بجهودهم الذاتيَّة بالتوسُّع من مصادر أخرى.
المنهج التجريبيُّ:
يعدَّ البحث التجريبيُّ أفضل طريقة لبحث المشكلات التربويَّة، وفي هذا النوع من البحوث يجري تغيير عامل أو أكثر من العوامل ذات العلاقة بموضوع الدراسة بشكلٍ منتظم من أجل تحديد الأثر الناتج عن هذا التغيير، فالباحثُ يحاول إعادة بناء الواقع في موقف تجريبيٍّ يدخل عليه تغييراً أساسيّاً بشكل متعمَّد، ويتضمَّن التغيير في هذا الواقع عادة ضبط جميع المتغيِّرات التي تؤثِّر في موضوع الدراسة باستثناء متغيِّر واحد محدَّد تجري دراسة أثره في هذه الظروف الجديدة.

ففي هذه البحوث التجريبيَّة يقوم الباحثُ بدور فاعل في الموقف البحثيِّ يتمثَّل في إجراء تغيير مقصود في هذا الموقف وفق شروط محدَّدة، ومن ثَمَّ ملاحظة التغيير الذي ينتج عن هذه الشروط، فإذا رغب باحثٌ ما في تحديد أثر ظرف تعليميٍّ جديد مثل استخدام طريقة تعليميَّة جديدة في تعليم الطلاَّب المهارات الجغرافيَّة التطبيقيَّة، فإنَّ الطريقة التعليميَّة الجديدة التي يجري تقويمها تسمَّى بالمتغيِّر المستقل والمحكُّ الذي يستخدم لتقويم هذا المتغيِّر هو نتائج الطلبة على اختبار أو مقياس لمهارات معيَّنة ويسمَّى بالمتغيِّر التابع، ففي أي تصميم تجريبيٍّ توجد علاقةٌ مباشرة بين المتغيِّرات المستقلَّة والمتغيِّرات التابعة بحيث يسمح التصميم للباحث الافتراض بأنَّ أيَّ تغيير يحصل في المتغيِّر التابع أثناء التجربة يعزى إلى المتغيِّر المستقل.

وحيث أنَّه من المستحيل الوصول إلى التصميم التجريبيِّ المثاليِّ في البحث التربويِّ؛ إذْ يوجد باستمرار العديد من المتغيِّرات العرضيَّة المتدخِّلة التي تمارس دورها في التجربة بحيث تؤثِّر في نتائجها، فالقدرة العقليَّة والدافعيَّة عند الطلاَّب يمكن أن تنتج أثراً ملموساً وغير مرغوب فيه في المتغيِّر التابع فإنَّه بدون ضبط كافٍ لأثر المتغيِّرات المتدخِّلة لا يستطيع الباحث أن يؤكِّد ما إذا كان المتغيِّر المستقل أم المتغيِّرات المتدخِّلة هي المسؤولة عن التغيُّر في المتغيِّر التابع، والطريقة الوحيدة لإبقاء جميع العوامل ثابتة ما عدا المتغيِّر التابع الذي يسمح له بالتغيُّر استجابة لتأثير المتغيِّر المستقلِّ هي إيجاد مجموعتين متماثلتين في التجربة تخضع إحداهما لتأثير المتغيِّر المستقلِّ أو العامل التجريبيِّ موضوع الدراسة، بينما لا تخضع المجموعة الثانية لمثل هذا التأثير، وتكون المجموعتان متماثلتين في بداية التجربة وتخضعان لنفس الظروف تماماً ما عدا تأثير المتغيِّر المستقلِّ، (عودة؛ ملكاوي، 1992م، ص ص119-120).

المجموعة الضابطة والمجموعة التجريبيَّة:
يعدُّ ضبط المتغيِّرات من الإجراءات المهمَّة في البحث التجريبيِّ؛ وذلك لتوفير درجة مقبولة من الصدق الداخليِّ للتصميم التجريبيِّ؛ بمعنى أن يتمكَّن الباحث من عزو معظم التباين في المتغيِّر التابع إلى المتغيِّر المستقلِّ وليس إلى متغيِّراتٍ أخرى وبالتالي تقليل تباين الخطأ، ولذلك تتميَّز البحوث التجريبيَّة على غيرها من البحوث في الثقة التي يمكن توافرها في تفسير العلاقة بين المتغيِّرات وخاصَّة العلاقات السببيَّة التي تصعبُ دراستها بغير التجربة الحقيقيَّة.

ولضبط أثر المتغيِّرات الغريبة أو الدخيلة جاءت فكرةُ اختيار مجموعة مكافئة للمجموعة التجريبيَّة (مجموعة الدراسة) تسمَّى تلك المجموعة المكافئة بالمجموعة الضابطة أو بمجموعة المقارنة؛ حيث يسعى الباحث جاهداً إلى عمل كلِّ ما بوسعه أن يعملَه من أجل أن يهيئ ظروفاً متكافئـة لكلٍّ من المجموعتين، سواء أكان ذلك عند اختيارهما أم كان عند تنفيذ التجربة حتى يكون الفرقُ الأساسيُّ بين المجموعتين مصدره المتغيِّر المستقل في الدراسة، (عودة؛ ملكاوي، 1992م، ص ص122-123)، وعموماً هناك عوامل مؤثِّرة في الصدق الداخليِّ للتجربة تتصل بتاريخها وبنضجها وبموقف اختبارها وبنوعيَّة الأداة، وبالانحدار الإحصائيِّ، وبالاختبار، وبالإهدار، وبتفاعل النضج مع الاختبار، وهناك عوامل مؤثِّرة في الصدق الخارجيِّ للتجربة كتفاعل الاختبار مع المعاملة، وتفاعل الاختيار مع المعاملة، وتفاعل الظروف التجريبيَّة مع المعاملة، وتداخل المواقف التجريبيَّة، وهناك أنواع للتصاميم التجريبيَّة منها تصميم المحاولة الواحدة، وتصميم قبلي - بعدي لمجموعة واحدة، وتصميم المقارنة المثبَّت، وتلك العوامل وهذه التصاميم هي ممَّا يجب على الباحث في البحث التجريبِّي الإلمام بها إلماماً جيِّداً ومصادر أساسيَّات البحث العلميِّ تشرح ذلك بتوسُّعات مناسبة، انظر: (عودة؛ ملكاوي، 1992م، ص ص123-139)؛ (بدر، 1989م، ص ص219-226).

وعموماً ففي الدراسات التي تتَّخذ الطريقة التجريبيَّة منهجاً لا بدَّ أن يسأل الباحثُ نفسه دائماً الأسئلةَ الثلاثة (فودة؛ عبدالله، 1991م، ص39) الآتيـة:
1) هل التصميم الذي وضعه يساعد على اختبار فرضيَّاته؟.
2) هل استطاع ضبط جميع العوامل الأخرى المؤثِّرة في تجربته؟.
3) هل يمكن إعادة التجربة من قبل باحث آخر؟.

المنهج الوصفيُّ:
يعدُّ المنهج الوصفيُّ من أكثر مناهج البحث العلميِّ استخداماً من قبل التربويِّين؛ لذلك فإنَّه وبالإضافة إلى ما ورد عنه في فقراتٍ سابقة يحسن إبراز أهم خصائصه بالآتـي:
1) أنَّه يبحث العلاقة بين أشياء مختلفة في طبيعتها لم تسبق دراستها، فيتخيَّر الباحث منها ما له صلة بدراسته لتحليل العلاقة بينها.
1) أنَّه يتضمَّن مقترحاتٍ وحلولاً مع اختبار صحَّتها.
3) أنَّه كثيراً ما يتمُّ في هذا المنهج استخدام الطريقة المنطقيَّة (الاستقرائيَّة، الاستـنـتاجيَّة) للتوصُّل إلى قاعدة عامَّة.
4) أنَّه يطرح ما ليس صحيحاً من الفرضيَّات والحلول.
5) أنَّه يصف النماذج المختلفة والإجراءات بصورة دقيقة كاملة بقدر المستطاع بحيث تكون مفيدةً للباحثين فيما بعد، (أبو سليمان، 1993م، ص33).

وهنا يجب التفريق بين البحث الوصفيِّ ودراسات أخرى تلتبس به هي التقدير والتقويم، فالتقدير: يصف ظاهرة حالة من الحالات في وقت معيَّن دون الحكم عليها أو تعليلها وذكر أسبابها أو إعطاء توصية بخصوصها، كما لا يتحدَّث عن فاعليَّتها إلاَّ أنَّه ربَّما تَطَلَّب بعض الأحكام والآراء لبعض الحالات بقصد عرضها لما يمكن توقُّعه، في حين أنَّ التقويم: يضيف إلى الأوصاف السابقة الحكم على الوسائل الاجتماعيَّة، وما هو المرغوب فيه ومدى تأثير الإجراءات والإنتاجيَّة والبرامج، كما يتضمَّن أحياناً توصياتٍ لبعض ما ينبغي اتِّخاذه، (أبو سليمان، 1993م، ص34).

يتبع >

__________________