ثالثاً: الحق في احترام الحياة الخاصة والعائلية
هو أيضاً من الحقوق المدنية حيث لا يجوز التدخل بصورة تعسفية أو بشكل غير قانوني بخصوصيات أحد أو بعائلته أو بيته أو مراسلاته كما أنه لا يجوز التدخل بشكل غير قانوني بشرفه وسمعته ويثبت لكل شخص الحق في الحماية القانونية ضد مثل هذا التدخل أو التعرض، ونصت على هذا الحق جميع الاتفاقيات الخاصة بحقوق الإنسان كاتفاقية الحقوق المدنية والسياسية، والاتفاقية الأوربية لحقوق الإنسان التي أكدت مضموناً آخر يتعلق بهذا الحق عندما أشارت إلى عدم جواز ان تتدخل السلطات العامة في مباشرة هذا الحق، إلا إذا كان هذا التدخل ينص عليه القانون، ويعد اجراءاً ضرورياً، في مجتمع ديمقراطي للأمن الوطني أو الأمن العام، أو الرفاهية الاقتصادية للدولة، أو لحماية النظام أو لمنع الجرائم، أو لحماية الصحة والآداب، أو لحماية حقوق وحريات الغير، وهذا يعني ان حماية الحياة الخاصة والعائلية والمحافظة على حرمة المسكن وسرية المراسلات ليست مطلقة إذا ما توافرت الشروط المذكورة آنفاً أي إذا كان تدخل المشرع ضرورياً لمباشرة الحقوق المذكورة في مجتمع ديمقراطي وتوافر أسباب ضرورية تبرر التدخل، وعلى هذا الأساس فان الطعن الذي قدم إلى اللجنة الأوربية لحقوق الإنسان من جانب بعض الأشخاص الذين أرادوا اعتبار مباشرة بعض العلاقات غير المقبولة من الناحية الاخلاقية معترفاً بها أو مقبولة بالاستناد إلى الحق في حماية الحياة الخاصة لكن اللجنة أكدت أن هذا الحق يجوز تقييده بما يفرضه المشرع من حماية للآداب والأخلاق العامة.(29)
والحقيقة ان اللجنة قد أكدت في قرار آخر ان عبارة الصحة والآداب المنصوص عليها في المادة 8/2 لا تشمل الحماية العامة لصحة أو آداب المجتمع بل يراد بها كذلك حماية صحة وآداب أفراد المجتمع ويقصد بها الرفاهية النفسية والمادية للفرد وحماية توازنه النفسي من كل خطر قد يهدده.(30)
وتعتبر عملية مراقبة مراسلات المسجونين من الاستثناءات الجائزة في نطاق النظام الاقليمي الأوربي لحقوق الإنسان بالاستناد إلى المادة 8/2 وينطبق المعنى ذاته على جواز الاحتفاظ بملفات تضم وثائق خاصة بالمسجونين وصوراً لهم وبصمات أصابعهم التي تتعلق بقضايا جنائية سابقة بهدف حماية المجتمعات الديمقراطية من الجريمة واستتباب الأمن العام.(31)
ومن الدساتير التي نصت على هذا الحق ما جاء في المادة 52 من دستور يوغسلافيا السابق الذي حدد شروط انتهاك حرمة المسكن وحرمة السر حيث نص على (للمساكن حرمة، ولا يجوز انتهاك حرمة المساكن وما في حكمها أو تفتيشها على الرغم من ارادة اصحابها إلا بموجب أمر بذلك وفقاً للقانون، ولاصحاب المساكن والمحال التي يجري تفتيشها ولأفراد أسرهم ووكلائهم حق حضور التفتيش ولا يجوز إجراء التفتيش إلا في حضور أثنين من الشهود).
أما الدستور المصري لعام 1971 فقد نصت المادة 44 منه على ان (للمساكن حرمة، فلا يجوز دخولها ولا تفتيشها إلا بأمر قضائي مسبب وفقاً لأحكام القانون).
ونصت المادة 45 من الدستور ذاته على ان (لحياة المواطنين الخاصة حرمة يحميها القانون وللمراسلات البريدية والبرقية والمحادثات التلفونية وغيرها من وسائل الاتصال حرمة وسريتها مكفولة ولا تجوز مصادرتها أو الاطلاع عليها أو مراقبتها إلا بأمر قضائي ولمدة محددة وفقاً لأحكام القانون)، ونصت المادة 57 على ان (كل اعتداء على الحرية الشخصية أو حرمة الحياة الخاصة للمواطنين وغيرها من الحقوق والحريات العامة التي يكفلها الدستور جريمة لا تسقط الدعوى الجنائية والمدنية عنها بالتقادم، وتكفل الدولة تعويضاً عادلاً لمن وقع عليه الاعتداء).(32)
في حين اوردت المادة (17) من الدستور العراقي لعام 2005 ( اولاً : لكل فرد الحق في الخصوصية الشخصية بما لا يتنافى مع حقوق الآخرين او الاداب العامة . ثانياً : حرمة المساكن مصونة ، ولا يجوز دخولها او تفتيشها او التعرض لها إلا بقرار قضائي ، وفقاً للقانون).
ان الحق في الحياة الخاصة قد يتعارض مع حقوق وحريات أخرى منها مثلاً التنازع الذي يحدث بين الحق في حماية حرمة الحياة الخاصة وضرورة العيش بسلام وأمان مع الحق في التعبير والتجمع، ومن ثم فانه يجب ممارسة هذين الحقين بطريقة معتدلة ومنصفة لكي لا يطغى احدهما على الآخر.(33)
رابعاً: حرية التنقل (الغدو والرواح)
بموجب هذا الحق يصبح لكل انسان مقيم بصفة قانونية داخل اقليم دولة معينة الحق في حرية الانتقال من مكان إلى آخر، وفي اختيار مكان اقامته ضمن ذلك الاقليم وله الحرية في مغادرة أي بلد بما في ذلك بلده، ولا يجوز حرمان أحد من حق الدخول إلى بلاده، ويذكر هنا ان الحقوق المشار إليها أعلاه يمكن ان تخضع لقيود ينص عليها القانون إذا كانت هذه القيود القانونية ضرورية لحماية الأمن الوطني أو النظام العام أو الصحة العامة أو الأخلاق أو حقوق وحريات الآخرين، فعلى سبيل المثال منع قانون الاقامة العراقي الملغى لسنة 1961 الأجانب من الاقامة والمرور والتجول في بعض المناطق فمنع الاقامة في محافظات الموصل وأربيل والسليمانية وكركوك عدا حدود بلدية مركز المحافظة وأخضع سفر الأجانب من العاصمة إلى المناطق المحرمة المذكورة آنفاً على استحصال موافقة وزارة الداخلية ومديرية الأمن العامة ومنع الأجانب من الاقامة في المؤسسات النفطية باستثناء العاملين فيها،( 34) اما اليوم فقد حرص الدستور العراقي لعام 2005 على ان يؤكد حرية المواطن العراقي في التنقل والسفر فنص في المادة (44) منه (اولاً : للعراقي حرية التنقل والسفر والسكن داخل العراق وخارجه . ثانياً : لا يجوز نفي العراقي ، او ابعاده او حرمانه من العودة الى الوطن ) .
كذالك فعل الدستور الاردني النافذ في الماده (9) منه ( 1- لايجوز ابعاد اردني عن ديار المملكه .
2- لايجوز ان يحظر على اردني الاقامه في جهه ما ولا ان يلزم بالاقامه في مكان معين الا في الاحوال المبينه في القانون).
ومن الجدير بالذكر انه يمكن ابعاد الأجنبي المقيم بصورة قانونية من اقليم الدولة إذا كان ذلك الأمر بالإبعاد صادراً طبقاً للقانون، ويستطيع ان يعترض على هذا القرار إلا إذا كانت هناك أسباب اضطرارية تتعلق بالأمن الوطني تتطلب غير ذلك، وهذا ما نصت عليه المادة 13 من اتفاقية الحقوق المدنية والسياسية.
خامساً: الحقوق الأسرية
تعد العائلة الوحدة الاجتماعية الطبيعية والأساسية لكل مجتمع وبهذه الصفة يقع على كاهل الدولة والمجتمع حمايتها، وإذا كانت النصوص القانونية تقر بهذه الحقيقة فقد تم الاعتراف كذلك للرجال والنساء الذين هم في سن الزواج بتكوين الأسرة باعتبارها الخلية الاجتماعية الأساسية في جميع المجتمعات البشرية وهي تتشكل نتيجة الرضا الكامل لأطراف العلاقة ويقع على كاهل الدولة اتخاذ الاجراءات اللازمة لتأمين المساواة في كافة الحقوق والمسؤوليات في المراحل المختلفة للزواج كما يجب حماية الأطفال باعتبارهم قاصرين ويقع الالتزام الأخير على الأسرة والدولة والمجتمع ويجب تسجيل كل طفل فور ولادته ويكون له اسم.
وترتبط بحقوق الأسرة حقوق وواجبات الأبوة وقد لاحظ المجلس الاقتصادي والاجتماعي سنة 1955 تبني بعض الأنظمة القانونية لمبدأ يحصر السلطة الأبوية أو هي تجعل هذه السلطة في المرتبة الأولى من حق الزوج ولا يوجد أي حق للزوجة في مباشرتها وان حضانة الأطفال في حالة انتهاء الزواج تكون للزوج بصرف النظر عن ظروف القضية، ورأى المجلس ان هذا الوضع لا يتفق مع مبدأ المساواة بين الزوجين وأوصى الدول الأعضاء باتخاذ تدابير تضمن تحقيق المساواة بين الأب والأم في مباشرة الحقوق والالتزامات تجاه الأفراد وهذه تشمل المساواة في مسائل حضانة الأطفال القصر وتعليمهم ورعايتهم وإدارة أموالهم سواء عند الزواج أو أثنائه أو بعد الانفصال.(35)
والحقيقة ان الحق في تكوين الأسرة أي حق الفرد في ان يتزوج ويؤسس عائلة دون تدخل الدولة وله بالنتيجة ان يربي أطفاله ويعلمهم بالشكل الذي يريده، كل هذه تعد من الحريات المانعة التي يراد بها تلك الحريات التي يكون مضمونها أو ميدانها خاصاً بالأفراد ومحفوظاً لهم بحيث يحرم على الحكام التدخل فيه.
سادساً: مبدأ المساواة المدنية
يطغى على نظريات الحريات مبدأ أساسي في كل ما تقرره من حقوق وحريات لمصلحة الأفراد وهو مبدأ المساواة ويعني ان جميع الأفراد متساوين في التمتع بالحريات الفردية دون أي تفرقة أو تمييز بسبب الجنس أو اللون أو الدين، ولذلك فان الديمقراطيات التقليدية ترى في اقرار هذا المبدأ ضمانة أساسية من ضمانات الحريات الفردية وهو يتضمن:
أ- المساواة أمام القانون.
ب- المساواة أمام القضاء.
ج- المساواة أمام الوظائف العامة.
د. المساواة أمام التكاليف العامة، كأداء الضرائب أو أداء الخدمة العسكرية.(36)
ومبدأ المساواة يعد واحداً من خصائص الديمقراطية الغربية ويراد به تحديداً المساواة أمام القانون وتسمى كذلك بالمساواة المدنية لكنها ليست مساواة فعلية أي مساواة من الناحية المادية والاقتصادية، والمقصود بمبدأ المساواة أمام القانون ان يكون القانون واحداً بالنسبة للجميع ودون تمييز بين طبقة وأخرى، ولا بين الأفراد بسبب الأصل أو الجنس أو الدين أو اللغة وليس المقصود بهذه المساواة المساواة الفعلية التي نادت بها المذاهب الاشتراكية لكن المقصود بالمساواة أمام القانون ان تلك الميزات الاجتماعية التي يحظى بها المواطنون يجب ان يحميها القانون دون تمييز بين فرد وآخر أو بين طبقة وأخرى، وقد تقرر هذا المبدأ على الصعيد الرسمي لأول مرة في الديمقراطيات الغربية الحديثة في وثيقة إعلان حقوق الإنسان لسنة 1789، حيث أشار الإعلان إلى ان الحقوق الفردية أو الحقوق الطبيعية للإنسان هي الحرية، المساواة، الملكية، حق الأمن، حق مقاومة الظلم.(37)
ولكن ما هو أساس المساواة المدنية بين الأفراد؟
يذهب أنصار نظرية العقد الاجتماعي إلى ان هذا العقد هو مصدر المساواة المدنية وهم يبرهنون على ذلك بان شروط العقد كانت واحدة بالنسبة لجميع المشتركين فيه، وهذا يعني انه أبرم بين أطراف متساوين وان الدولة التي تكونت نتيجة لإبرام هذا العقد يقع عليها التزام بمعاملة أطرافه معاملة متساوية باعتبارهم متساوون.
وقد استنتج بعض فقهاء القرن الثامن عشر ان المساواة المدنية بين الأفراد مصدرها أحكام القانون الطبيعي وهم يقولون ان الناس حين كانوا يعيشون في الحالة الطبيعية الأولى كانوا متساوين لا يفرق بينهم فارق ولا يميز بينهم مميز، وقد أكدوا هذا المساواة على الرغم من اعترافهم بان الافراد غير متساوين من حيث كفاءتهم الجسمية والمعنوية، وأنصار مدرسة القانون الطبيعي يؤيدون فكرة المساواة بين الأفراد على اعتبار انها تقوم على أساسين: الأول ان كل فرد يشترك مع غيره من الأفراد في الطبيعة الانسانية، والثاني ان كل فرد يجب ان يحترم احكام القانون الطبيعي إذا أراد ان يحترم غيره من الأفراد أحكام هذا القانون في علاقتهم مع هذا الشخص، وهذا الالتزام المتبادل بين الأفراد سيقود إلى تحقيق المساواة بينهم(38)
ويترتب على المفهوم المتقدم ان المساواة بين الأفراد تكون حقيقية كما هي واقعة فعلية من غير الممكن انكارها، وهذا لا يعني تحقيق المساواة المادية أو المساواة في الثروة تلك المساواة التي تنادي بها الماركسية التي تستهدف ضمان ان يكون للأفراد قدراً متساوياً من الثروة، والدراسة التاريخية للوقائع تظهر ان الديمقراطية التقليدية لم تكن تستهدف تحقيق المساواة المادية بين الأفراد فالنضال في عهد الثورة الفرنسية كان يستهدف الوصول الى الحرية السياسية لإشراك الشعب في إدارة شؤون البلاد وبشكل متساوي بين الأفراد ولم تخطر فكرة المساواة المادية ببال منظري تلك الفترة، والحقيقة المهمة ان المساواة المدنية لا تتحقق إلا إذا تم الاعتراف بتكافؤ الفرص بالنسبة للمزايا الاجتماعية التي تقوم الدولة بتقديمها.
يتضمن مبدأ المساواة المدنية كما أشرنا آنفاً مساواة الأفراد أمام القانون وهو يتطلب من الشارع ان يسن تشريعاته دون تمييز بين فرد وآخر أو بين طبقة وأخرى ففي مجال القانون الجنائي ان ينص على توقيع العقوبة ذاتها بالنسبة لنفس الجريمة على الجميع ولا يعد وجود حدٍ أدنى وحدٍ أعلى للعقوبة على ذات الجريمة وبالشكل الذي يقود إلى تطبيق أو فرض الحد الأدنى على حالة والحد الأعلى على حالة أخرى، إخلالاً بمبدأ المساواة أمام القانون أو المساواة في العقاب.(39)
المبدأ الثاني الذي تشتمل عليه المساواة المدنية هو مبدأ المساواة أمام القضاء بمختلف جهاته ودرجاته، والمقصود به: ألا يكون هناك تمييز لأشخاص على غيرهم من حيث القضاة أو المحاكم التي تفصل في جريمة ولا من حيث العقوبات القانونية التي تقرر على مرتكبيها وعلى أساس هذا المبدأ (المساواة أمام القضاء) قضت الثورة الفرنسية على المحاكم الخاصة بالنبلاء وعلى المحاكم الخاصة الأخرى أو الاستثنائية التي تحاكم مرتكبي بعض الجرائم الخاصة، كما قضت على التفريق في العقوبة الذي كانت هذه المحاكم تتبعه، وفي طرق تنفيذ العقوبة حيث كان الأشراف يعدمون بضرب العنق (المقصلة) في حين كان يتم اعدام غير النبلاء شنقاً.(40)
أما المساواة أمام الوظائف العامة فهي تلزم مؤسسات الدولة بعدم التمييز بين المواطنين عند تقديمها للخدمات أو عند استيفائها للمقابل عنها ويدخل ضمن هذا الأمر عدم جواز اقامة قضاء خاص لبعض الأفراد تمييزاً لهم عن الآخرين ولا يجوز اقامة أي تمييز فيما بين المواطنين بخصوص قبولهم في الوظائف والأعمال العامة طالما كانوا متساوين في الشروط التي يتطلبها القانون، ومع ذلك يمكن قبول استثناءات محدودة جداً وهذه الاستثناءات التي ترد على المبدأ المذكور محددة للغاية، ففي فرنسا مثلاً قرر قانون صدر عام 1886 منع أبناء العائلات التي سبق لها تولي عرش فرنسا من تقلد الوظائف العامة أو النيابية.(41)
أما المساواة في التكاليف فهي تشكل جانباً من المساواة أمام المصالح والمؤسسات العامة حيث لا يجوز ان تفرض الضرائب مثلاً على فئة اجتماعية دون أخرى بمعنى ان الضرائب يجب ان لا تثقل كاهل طبقة من الأفراد أكثر من طبقة أخرى(42) فمن التجاوزات غير المشروعة على هذا المبدأ الاعفاء الكلي من الضرائب قبل ثورة 1789 الفرنسية بالنسبة للأشراف ورجال الدين(43) وكذلك الحال فيما يتعلق بأداء الخدمة العسكرية إلا انه يلاحظ ان من المقبول فرض بعض الشروط للانتفاع ببعض المؤسسات العامة ذلك ان من المصالح العمومية ما لا يمكن للأفراد ان يطالبوا بخدماتها إلا إذا توافرت فيها شروط معينة أو قاموا بإجراءات خاصة تحددها القوانين والتعليمات وعلى ذلك لا يمكن لجميع المواطنين دخول الجامعة إلا إذا كانوا حاصلين على شهادة الدراسة الإعدادية ولا يمكن لجميع الأفراد ان ينتفعوا بمياه الشرب أو الكهرباء إلا إذا دفعوا مقابل هذه الخدمات.(44)
ولا خلاف في الوقت الراهن على ان المساواة أمام مؤسسات الدولة أو المساواة المدنية عموماً أصبحت واجبة الاحترام ولذا فان كل قانون يخرج على مقتضياتها سيكون مخالفاً للدستور وإذا خالفت دائرة من دوائر الدولة مبدأ المساواة فمن حق الفرد الذي أصابه الضرر ان يرفع دعوى أمام القضاء طالباً التعويض من الدائرة المخالفة، فإذا امتنعت مؤسسات الاتصالات عن ايصال خدمة الهاتف إلى أحد المواطنين فانه يجوز له ان يرفع أمره إلى القضاء للحكم له بالتعويض المناسب إلا انه لن يكون هناك مجال للتعويض إذا كان الرفض مبنياً على خطأ طالب الاشتراك نفسه أو كان مبنياً على مسوغ شرعي كعدم توفر الخطوط الكافية مثلاً،(45) وقد لا تمتنع المؤسسة الحكومية عن اداء الخدمة وإنما تميز فقط في المعاملة بين اشخاص كانت تجب المساواة فيما بينهم فان من حق المتضرر المطالبة بالتعويض أو الغاء الأمر الذي بني على تميز في المعاملة.(46)
وتتضمن الدساتير العربية جميعها مبدأ المساواة أمام القانون الذي يقضي بان كل المواطنين سواسية أمام القانون فقد ورد في المادة 40 من الدستور المصري ان (المواطنون لدى القانون سواء، وهم متساوون في الحقوق والواجبات العامة، لا تمييز بينهم في ذلك بسبب الجنس أو الأصل أو اللغة أو الدين أو العقيدة).
كما نص الدستور العراقي في المادة (14) منه : ( العراقيون متساوون امام القانون دون تمييز بسبب الجنس او العرق او القومية او الاصل او اللون او المذهب او المعتقد او الرأي او الوضع الاقتصادي او الاجتماعي).
وفي الاتجاه ذاته جاء الدستور الاردني في الماده (6) منه لينص :
( 1- الاردنيون امام القانون سواء لاتمييز بينهم في الحقوق والواجبات وان اختلفوا في العرق او اللغه او الدين .
2- تكفل الدوله العمل والتعليم ضمن حدود امكانياتها وتكفل الطمأنينه وتكافؤ الفرص لجميع الاردنيين ) .
والحقيقة ان معظم الدساتير العربية اتفقت في نصوصها التي أوردتها بهذا الشأن مع اتفاقية الحقوق المدنية والسياسية مع فروقات بسيطة في التعابير المستخدمة ويستثنى من ذلك ما تذكره هذه الاتفاقية من منع التميز على أساس الرأي السياسي وغير السياسي وأحوال الملكية والميلاد وغيرها وتستبدل هذه في بعض الدساتير العربية بالكلام عن حظر التمييز على أساس الحالة الاجتماعية أو محل الاقامة أو المهنة بينما يورد الدستور اللبناني نصاًَ مبسطاً إذ يذكر فيه (كل اللبنانيين سواء لدى القانون ... دونما فرق بينهم)(47)
ولا يشكل النص في دساتير العالم على المساواة وعدم التمييز مجرد مبدأ توجيهي أو مجرد توصية، لكنه نص أساسي ودقيق ومهم للغاية وهو يفرض على الأجهزة القضائية واجب اكتشاف ان السلطات التشريعية والإدارية قد أخذت بنظر الاعتبار هذا المبدأ في تعاملها مع المواطنين وعند انتهاك هذا المبدأ فانه يجب على القضاء ان يأمر هذه الجهات بعدم تطبيق القوانين والقرارات والتعليمات الأخرى غير المنسجمة مع هذا القانون.(48)
يتبع >