منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب - عرض مشاركة واحدة - المدخل لدراسة حقوق الانسان
عرض مشاركة واحدة
قديم 2008-11-06, 18:51   رقم المشاركة : 4
معلومات العضو
المثابر120
عضو فعّال
 
الصورة الرمزية المثابر120
 

 

 
إحصائية العضو










B18

المطلب الثاني
حقوق الإنسان والدولة الإسلامية
في الوقت الذي كانت فيه أوربا تعيش قرونها الوسطى وقد سيطر على حياتها السلطان المطلق للحاكم والدولة بحيث تلاشت أية ملامح لفكرة الشرعية أو خضوع الدولة للقانون، نشأت في الجزيرة العربية أول دولة قانونية أقامها الرسول محمد(ص) بعد هجرته الى المدينة وقد وطد دعائمها الخلفاء الراشدون، وكانت دولة قانونية بالمعنى المعاصر، دستورها القرآن الكريم، وعرفت مبدأ التدرج في القيمة القانونية لقواعد القانون التي تنظم العلاقات بين سلطات الدولة بعضها مع البعض الآخر، وبين الأفراد وتم الإقرار بالحقوق والحريات الفردية ووضعت القواعد التي تكفل احترام الدولة وخضوعها للقانون مثل مبدأ الفصل بين السلطات وتنظيم الرقابة القضائية وتقرير السيادة الشعبية في قاعدة المبايعة أي اختيار الشعب للحاكم ومراقبته وعزله، وبذلك يكون القانون قد أرسى دعائم الدولة القانونية لأول مرة في تاريخ البشر، فالرسول (ص) اقام دولته في المدينة وباشر فيها اختصاصات الرئيس الأعلى للدولة بالمعنى المعاصر، من اعلان الحرب، وعقد الصلح، وإبرام المعاهدات، ورئاسة الجهاز التنفيذي والقضائي، والخلاصة أنه ما من مسألة تتعلق بالسياسة الخارجية أو بالشؤون الداخلية إلا وكان النبي يلجأ فيها الى الشورى فيما لا وحي فيه(6).
والدولة الاسلامية قائمة على دستور ديني هو القرآن الكريم حيث الشريعة الاسلامية هي عماد الدولة والسيادة في الدولة الاسلامية ليست للحاكم أو للمحكوم. قال تعالى(انا نزلنا اليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله ولا تكن للخائنين خصيما)النساء،105، وقد أكد بعض الفقهاء على أن دور الحاكم المسلم لا يزيد عن كونه يراقب تنفيذ أوامر الله وعندما يتحقق ذلك فقد وجب على المسلمين طاعة الله ورسوله وأولي الأمر، فضلاً عما تقدم فإن الشرع الاسلامي هو صاحب السيادة في سياسة الدولة الخارجية فالحرب والسلم والمعاهدات خاضعة للشريعة وأحكامها.

والشريعة الاسلامية عند فقهاء المسلمين نظام عند الله سابق لوجود الفرد والمجتمع والدولة وذهب بعضهم للتأكيد على أن الاسلام أعفى كل شريعة سابقة عليه وما الدولة إلا منفذة لأوامر المشرع الاسلامي وفي حالة عجزها عن القيام بهذه المهمة فإنها ستفقد مكانتها كدولة وفي كل الأحوال يظل المؤمن ملتزماً بالقوانين الدينية حتى في غياب الدولة(7).
وهدف الدولة الاسلامية إنما يتجسد من خلال إقامة العدل واستتباب الأمن والاستقرار لسكانها بصرف النظر عن أشكالهم وألوانهم وعقيدتهم وأعراقهم. قال تعالى(يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين لله شهداء بالقسط ولا يجرمنك شنئان قوم على أن لا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى واتقوا الله ان الله خبير بما تعملون وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم مغفرة وأجر عظيم) المائدة،8-9 . وليس للحاكم في الدولة الاسلامية سيادة على الشعب فهو لا يزيد عن كونه موظفاً يختاره أبناء الأمة وهو يستمد شرعيته من طاعته للقوانين الاسلامية التي يخضع لها الحاكم والمحكوم معاً(8).

ومن هنا فإن الدولة الاسلامية إنما تقوم طبقاً للفكر الاسلامي على أسس قانونية أو شرعية ويكفي أن نشير هنا إلى هذه الحقيقة التي عبر عنها أحد الحقوقيين بقوله (أول دولة قانونية في الأرض يخضع فيها الحاكم للقانون، ويمارس سلطاته وفقاً لقواعد عليا تقيده ولا يستطيع الخروج عليها بما للأفراد من حقوق وحريات نص عليها الاسلام، ونظمها، وقرر الضمانات التي تكفل حمايتها ضد اعتداء الحكام والمحكومين على السواء، فالإسلام عرف فكرة الحقوق الفردية المقدسة التي تكون حواجز منيعة أمام سلطات الحاكم، عشر قرون، قبل أن يظهر على السنة فلاسفة العقد الاجتماعي في القرن السادس عشر، فمن الاسلام انتقلت فكرة الدولة القانونية الى مختلف النظم القانونية في العالم وهي الأفكار التي لولاها ما عرف العالم حقوق الانسان في أوربا في القرن السادس عشر بسبب المطالبة بحقوق الأفراد وحرياتهم نتيجة شيوع الأنظمة الاستبدادية الظالمة ونتيجة لها أصبحت السيادة تجد مصدرها في المجموع لا في فرد واحد، وهذه الفكرة بدورها ساهمت بالنتيجة في إبراز فكرة العقد الاجتماعي في نشوء الدولة، وهو العقد الذي انتقل بموجبه الأفراد من حياة الفطرة غير المنظمة الى العيش في مجتمع منظم غير أن الخلاف نشأ بين أنصار هذه النظرية بشأن تحديد مضمون هذا العقد الاجتماعي فمنهم من صوره باعتباره تنازل من الجماعة عن حقوقها السيادية لصالح الحاكم الذي اختارته وانتهوا الى المناداة بالسلطة المطلقة، في حين ذهب آخرون وبحق الى القول بأن السيادة غير قابلة للتصرف فيها، ومن ثم لا تملك الجماعة التنازل عنها للحاكم لكنها تفوضه ممارستها بالنيابة عنها وتحت مراقبتها وبشرط أن يكون الحق في مقاومته وإيقاع الجزاء عليه في حالة خرقه لنصوص العقد(9).

وفي الدولة الاسلامية ليس للحاكم سيادة على الشعب اذ أنه مجرد موظف يستمد سلطته من طاعته للشريعة الاسلامية وعلى الرعية مساعدته في الخضوع للشريعة فإذا تصرف الحاكم خلافها فالناس في حلٍ من ولائهم له ولعل في خطبة الخليفه أبي بكر تعبيراً واضحاً عن القضية حين قال (أيها الناس إني قد وليت عليكم ولست بخيركم فإن احسنت فأعينوني وان أسأت فقوموني….. إلى قوله … أطيعوني ما أطعت الله ورسوله، فإن عصيت الله ورسوله فلا طاعة لي عليكم)(10).
إن ما تقدم يعني أن ليس لرئيس الدولة الاسلامية أية قداسة شخصية يتميز بها عن أي مواطن عادي وسلوكه الشخصي كسلوكه الوظيفي عرضة للخطأ والصواب ويستوجب الحساب ولا خلاف بين المسلمين عموماً على أن رئيس الدولة في حالة إخلاله بواجباته يمكن عزله، ويجب عزله اذا قدر على ذلك، ولكن الخلاف ظهر فيما اذا لم يقدر على عزله فهل يجب الخروج عليه وخلعه بالقوة؟
أخيراً في حالة قيام ثورة ضده فإن من يقودها يصبح الرئيس الشرعي إذا انتصر على الأول وهؤلاء الذين قالوا بجواز الخروج والثورة. أما الذين رفضوا الثورة أو الخروج على رئيس الدولة في حالة إخلاله بواجباته لا حظوا في ذلك أمرين: الأول حرصهم على وحدة الأمة الاسلامية وتجنب الفتن إعمالاً للقاعدة الشرعية في تحمل الضرر الأدنى لتفادي الضرر الأكبر.
أما الأمر الثاني فهي السوابق التاريخية الثابتة ايام الصحابة والتابعين اذ امتنع الصحابة عن الخروج على سلطان الخلفاء الأمويين الذين فسقوا عن أمر ربهم وخالفوا الكتاب والسنة في كثير من أعمالهم.
والحقيقة أن الرأي الأخير ليس بالرأي الراجح في الفقه الاسلامي فضلاً عن أنه يعتمد على أساس مادي ويرتكز الى القوة المسلحة التي يتمتع بها الحاكم الجائر في الوقت الحاضر، وهو رأي ضعيف ويتجافى مع الأسس الدستورية في الاسلام التي انتهجها الخلفاء الراشدون(11).
مما تقدم يبدو لنا أن الإسلام قد قرر مجموعة من المبادئ العامة التي يعتبرها دعائم ضرورية يلتزم بها نظام الحكم في المجتمع الإسلامي وهذه المبادئ هي:-

1. الشورى: إذ ورد النص على الشورى في القرآن الكريم وفي أحاديث نبوية شريفة، كقوله تعالى(وشاورهم في الأمر) وقول رسول الله (ص) (ما ندم من استشار ولا خاب من استخار)، ويذهب الرأي الراجح من علماء المسلمين إلى القول بأن الشورى تعد فرضاً واجباً.
2. العدالة: فقد اشتهر الإسلام بأنه دين العدالة وهو لا يطلب العدالة من رجال القضاء فقط بل يطلبها من كل من يملك سلطة أيا كانت إعمالا لقوله تعالى (إن الله يأمر بالعدل والإحسان).
3. المساواة: وهي من المبادئ الأساسية المقررة في القرآن والسنة. قال تعالى(إنما المؤمنون أخوة)، ويقول الرسول (ص) في خطبة الوداع (ليس لعربي على اعجمي ولا اعجمي على عربي ولا أحمر على ابيض ولا لأبيض على أحمر فضل إلا بالتقوى). فالقرآن والسنة يقرران مبدأ المساواة بوصفه وسيلة لتحقيق العدالة.
4. الحرية : تضمنت أحكام الإسلام منهجاً يحقق حرية الفرد ويحفظ كرامته وإنسانيته ولم يضع من القيوم التي تحد من هذه الحرية إلا ما يتطلبه الصالح العام، وقد كفل الحرية دينياً فضلاً عن كفالة الحقوق والحريات التقليدية والحقوق الاقتصادية والاجتماعية.
5. مسؤولية الخليفة: فهذا مبدأ معمول به في اطار النصوص الشرعية التي وردت في القرآن والسنة والتي توجب الشورى كما إن الاقرار بهذا المبدأ أمر يفهم من نهج الخلفاء الراشدين واعترافهم بمسؤوليتهم عن أعمالهم، ويترتب على تقرير مسؤولية الخليفة ما ذهب إليه بعض العلماء من جواز عزل الخليفة إذا فقد صلاحيته للمنصب لأسباب جسدية أو خلقية(12).
إن المبادئ المذكورة أعلاه تجعل النظام السياسي في الإسلام أكثر النظم السياسية قرباً لمفهوم الديمقراطية الغربية والعكس اصح على اعتبار أن الإسلام رسالة سماوية أولاً وأن النظام الإسلامي كان اسبق في الظهور والتطبيق ثانياً، ومع ذلك فعلى الرغم من وجود هذا التقارب فإن الاختلاف في بعض الجوانب موجود كذلك فالديمقراطية هي دولة فقط بينما الإسلام هو دين ودولة معاً، ويترتب على هذا بروز بعض الفوارق بين الديمقراطية ونظام الحكم في الإسلام وبالشكل الآتي:
1. تقترن الديمقراطية بفكرة القومية فالفكرة الأخيرة لعبت دوراً في بروز الدولة القومية إذ يتحدد شعبها بأنه الشعب الذي يعيش في اقليم واحد يجمع بين أفراده روابط الدم والجنس واللغة والعادات المشتركة، بينما يتحدد شعب الدولة الإسلامية على أساس وحدة العقيدة.
2. تهدف الديمقراطية إلى تحقيق غايات دنيوية حيث تلعب الجوانب المادية دوراً مهماً بينما يهدف النظام الإسلامي إلى تحقيق اغراض روحية وأخرى مادية.
3. تقرر الديمقراطية سلطة مطلقة للشعب باعتباره صاحب السيادة، بينما الأمر ليس كذلك في الإسلام إذ أن سلطة الشعب مقيدة بالشريعة الإسلامية(13).
على مستوى العلاقات الخارجية يؤكد الاسلام على وحدة الجنس البشري، قال تعالى (يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منها رجالاً كثيراً ونساء، واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام أن الله كان عليكم رقيبا)، النساء،1، ويحث الإسلام على ضرورة احترام حقوق الآخرين كحقهم في الحياة، والملكية طالما أن حقوقهم لا تضر بحقوق المسلمين.
وتقرر الشريعة الاسلامية بإمكانية الدفاع عن الدولة الاسلامية اذا اعتدى أحد عليها أو على أمنها واستقرارها كما أن هناك قوانين تلتزم الدولة الاسلامية بها في حالة الحرب، فالإسلام لا يسوغ اللجوء الى الحرب العدوانية ولا يجيز قتل الأبرياء أو حرق المنازل والأشجار ولا يقاتل الشيوخ والنساء والأطفال الذين لا يقاتلون ولا يجيز تعذيب سجناء الحرب أو إساءة معاملتهم(14).

المبحث الثاني
تصنيف حقوق الانسان في الإسلام
تتعدد حقوق الانسان بشكل لافت للنظر مع مرور الوقت إلا أن معالجة المسلمين للحقوق الأساسية بقي أمراً مطروحاً ومفهوماً في مصادر القاعدة الشرعية التي نستطيع من خلالها سواء عبر المصادر الأصلية أو المصادر التبعية أن نتلمس وجود العديد من هذه الحقوق التي بدأت الاتفاقيات الدولية ودساتير العالم تشير إليها بينما كان الاسلام قد تحدث عنها ونبه الى أهميتها قبل قرون عديدة، كما يمكن تصور وجود ضمانات قانونية وقضائية لحماية الحقوق التي أقرها الإسلام، ومن ثم سنبحث في تفاصيل بعض الحقوق الأساسية في الاسلام فضلاً عن الضمانات القانونية والقضائية.

المطلب الأول
صور من حقوق الإنسان في الإسلام
توجد العديد من الحقوق التي يجب أن يتمتع بها كل إنسان لكي يعيش بكرامة وأمن ويمكن ردها الى مجموعات محددة سنتعرض إلى بعض منها من خلال استعراض موقف الإسلام بالشكل الآتي:
الفرع الأول – الحقوق الشخصية
إن حقوق الانسان والنظرة إليها يجب أن تتم في اطار واحد وككل لا يتجزأ، ومع ذلك فإن بعضها أهم من البعض، والحقيقة هي أن الحقوق الأساسية أو ذات الطابع الشخصي هي التي تحافظ على المصالح الضرورية شرعاً وبشكل خاص في الدين والنفس ومنها:
أ- حق الحياة: هذا الحق هبة من الله تعالى الى الانسان، وقد اجمعت على هذه الشرائع والأديان، وهو مأخوذ من الحديث الشريف (كل المسلم على المسلم حرام، دمه، وماله، وعرضه) وهو ما جاء في خطبة الوداع (إن دمائكم وأعراضكم وأموالكم حرام عليكم كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا) وينبني على هذا الحق مجموعة من الأحكام الشرعية المهمة هي:
1. تحريم قتل الانسان، لقوله تعالى ( ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق)، الانعام،151، وأن هذا الحق يتساوى فيه الناس جميعاً بمجرد الحياة لا فرق بين شريف ووضيع وبين عالم وجاهل وبين عاقل ومجنون وبين بالغ وصبي وبين ذكر أو أنثى وبين مسلم وذمي.
2. تحريم الانتحار، فالحياة هبة الله والروح أمانة في يد صاحبها فلا يجوز له الاعتداء عليها بل ويعاقب من يحاول الانتحار، وقد روى الشافعي أن رسول الله (ص) قال ( من قتل نفسه بشيء من الدنيا عُذبَ به يوم القيامة).
ويلحق بالأمر المتقدم تحريم الاذن بالقتل حيث الله هو المحي والمميت فان اذن شخص لآخر بان يقتل الأول منهما الثاني فقد اختلف الفقهاء في العقوبة التي توقع على الجاني فاعتبر الحنفية ذلك شبهة تدرأ العقوبة، ولا يقتل الجاني، بل يلتزم بالعقوبة تعزيراً، وقال المالكية لا يعتبر الاذن شبهة لأنه باطل، ولا يبيح الفعل فالجاني يعد قاتلاً ويستحق القصاص.
3. وحرمت المبارزة، وهي الاقتتال بين شخصين بهدف إثبات حق أو لدفع عارٍ أو اهانة.
ولأجل المحافظة على حق الحياة لكل إنسان فقد اباح الشارع له بعض المحظورات للحفاظ عليها فأجاز له أكل المحرمات كالميتة والخنزير والخمر حفاظاً على حياته كما أجاز للمريض الفطر في رمضان حفاظاً على صحته ويتصل حق الحياة بالكرامة الانسانية وضرورة المحافظة عليها فالتكريم للانسان جاء من الله تعالى، وقد روي أن جنازة مرت بالنبي(ص) فقام، فقيل له إنها جنازة يهودي فقال أو ليس إنساناً؟)
كما يثبت حرمة أفناء النوع أو الجنس البشري تحت أي ظرف ولأي سبب ومن هذا المنطلق حرم جمهور العلماء فكرة تحديد النسل، والقضاء على الذرية، ولم يسمحوا إلا به في حدود ضيقة.
وحرم الاسلام انطلاقاً من الأفكار المتقدمة المثلة بالميت، والقتيل ولو كان من الاعداء المحاربين في المعركة وبهذا المعنى قال رسول الله (ص) (كَسْرُ عظم الميت ككسر عظم الحي في الإثم)، انطلاقاً من فكرة تكريم الإسلام للإنسان حياً وميتاً ثم حث الرسول (ص) على صيانة عرض الميت بقوله (اذكروا محاسن موتاكم) ومنع وطئ القبور والجلوس عليها حيث قال (لئن يجلس أحدكم على جمرة فتحترق ثيابه فتخلص الى جلده، خير له من أن يجلس على قبر).
وقد نص الاعلان الاسلامي لحقوق الانسان في المادة (2) فقرة (4) على (يجب أن تصان جنازة الانسان وألا تنتهك، كما يحرم تشريحه إلا بمجوز شرعي، وعلى الدولة ضمان ذلك)(15).
وقد نصت المادة 33 من مشروع الدستور الإسلامي الذي وضعته لجنة من العلماء في الشريعة على أن (تعذيب الأشخاص جريمة، ولا تسقط الجريمة أو العقوبة طول حياة من يرتكبها، ويلتزم فاعلها أو الشريك فيها بالمسؤولية عنها في ماله. فان كان بمساعدة موظف أو بموافقته أو بالسكوت عنها، فهو شريك في الجريمة جنائياً ومسؤول مدنياً، وتسأل معه الحكومة بالتضامن)(16).
فالإسلام انطلاقاً من احترامه للحق في الحياة يقرر تحريم التعذيب والعقوبات والمعاملات غير الإنسانية.
ب- حق الحرية: يعتبر هذا الحق من أكثر الحقوق التصاقاً بحق الحياة فهو من الحقوق الاساسية للانسان ويعد حقاً عاماً شاملاً واصل لحقوق متعددة تدخل تحت عناوين مختلفة منها حرية الاعتقاد والتدين وحرية التفكير المرتبط بالعقل والبحث والاختيار لكشف الحقائق وحرية التعبير والدعوة الى الخير أعمالاً لقوله تعالى (ولتكن منكم امة يدعون الى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر)، آل عمران،3/104. وبقدر تعلق الأمر بالحرية الشخصية فهي محترمة في الاسلام بقيدين:
1. أن تتوقف حرية الشخص عند حرية الآخرين.
2. ضرورة تقييد هذه الحرية بالأنظمة والأحكام.
والقوانين العادلة التي تراعي المصالح العامة وقد كفل الاسلام حق الحرية الشخصية فالناس متساوون في هذا الحق اذ أن الأصل هو الحرية حتى يعلم أنهم غير أحرار.
أما موقف الاسلام من الرق فيجب أولاً أن نعترف بحقيقة وهي أن الاسلام لم يستحدث نظام الرق، لكنه شجع على القضاء عليه كما أن الاديان السابقة للاسلام لم تحرمه ولما جاء الاسلام كان المجتمع العربي وحاله في ذلك حال بقية المجتمعات الأخرى يأخذ بالرق اذ كان النظام الاقتصادي والسياسي والاجتماعي والقانوني لا يجد في اقرار مبدأ الرق جانباً سيئاً، وليس في القرآن الكريم نص صريح يدل على فرض نظام الرق على أي فئة من البشر حتى ولو كان مشركاً يقاتل المسلمين على الرغم من وجود آيات أخرى فيها اشارة الى الرق لكنها جاءت لبيان بعض الأحكام كقوله تعالى (والذين هم لفروجهم حافظون، إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم)، المؤمنون،5/6، أو في الآيات التي تدعو الى تحرير الأرقاء كقوله تعالى (والذين يظاهرون من نسائهم، ثم يعودون لما قالوا فتحرير رقبة)، سورة المجادلة،3، وهناك آيات تدعو الى تحرير الرق كقوله تعالى (حتى اذا أثخنتموهم فشدوا الوثاق، فأما مناً بعد، وأما فداء)، سورة محمد،4.

ولم يفرض القرآن الرق على أسرى الحروب وإنما اضطر المسلمون الى اللجوء لفرض الرق على أسرى الحروب من باب المعاملة بالمثل أما التعذيب أو التنكيل بأسرى الحروب بعد استرقاقهم فقد أدانه الاسلام بشدة.
وقد وسع الاسلام من أبواب العتق من باب اعتباره من الكفارات حيث كانت منافذ العتق قبل الاسلام ضيقة تنحصر أو هي تكاد أن تكون كذلك في أرادة السيد وقد اتبع الاسلام في توسيع منافذ العتق عدة اساليب منها:
1. الحث والترغيب دون أن يقيد ذلك بكفارة الذنب كقوله تعالى (فلا أقتحم العقبة، وما أدراك ما العقبة فك رقبة)، سورة البدل.
2. الأخذ بنظام الكفارات بصدد الذنوب الكبيرة كالقتل الخطأ اعمالاً لقوله تعالى (ومن يقتل مؤمناً خطأ، فتحرير رقبة مؤمنة ودية مسلمة الى أهله)، سورة النساء، 92(17).
فضلاً عما تقدم فقد أقر الاسلام حق الاعتقاد أو الحق في التدين والتفكير والضمير اذ يأتي هذا الحق بعد الحق في الحياة من حيث الأهمية لأن الدين أحد الضروريات الخمس وقد أكد القرآن الكريم هذا المنهج في قوله تعالى (لا اكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي)، البقرة،2/256، وقال تعالى (ولو شاء ربك لأمَنَ من في الأرض كلهم جميعاً أفأنت تُكره الناس حتى يكونوا مؤمنين)، يونس،10/99، وقد أقر الاسلام حرية الاعتقاد الديني والتسامح بشكل لم يعرف له التاريخ مثيلاً، وتمثل هذا بمظاهر عديدة منها احترام بيوت العبادة والوثائق التاريخية كثيرة في وصية الخلفاء لقادة الجيوش وفي المعاهدات التي تم ابرامها من جانب المسلمين ووقت الفتوحات مع غير المسلمين كالوثيقة العمرية مع أهل بيت المقدس فالأساس في التعامل مع غير المسلمين هو البر والقسط مع الناس جميعاً إلا اذا قاتلوا المسلمين فهذا يشرع الجهاد ضدهم.
وقد أنفرد الاعلان الاسلامي لحقوق الانسان في مادته العاشرة بتثبيت حكم الردة وما قال به علماء المسلمون بهذا الخصوص اذ نصت على (لما كان على الانسان ان يتبع دين الفطرة، فإنه لا يجوز ممارسة أي لون من الاكراه عليه، كما لا يجوز استغلال فقره، أو ضعفه، أو جهله لتغيير دينه الى دين آخر، أو الى الإلحاد).
فحرية العقيدة في الاسلام هي من جنس حرية الرأي مقيدة بعدم الردة، فالنظام الاسلامي الذي منح غير المسلمين حرية العقيدة وسمح لهم بالعيش في الدولة الاسلامية لهم ما للمسلمين وعليهم ما على المسلمين فهو لم يسمح لهم ولا لسواهم أن يدخل أحدهم في الاسلام متى شاء بنية الخروج منه متى شاء بدعوى.

تابع القادم :
المدخل لدراسة حقوق الإنسان...(2و3)