منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب - عرض مشاركة واحدة - المدخل لدراسة حقوق الانسان
عرض مشاركة واحدة
قديم 2008-11-06, 18:50   رقم المشاركة : 3
معلومات العضو
المثابر120
عضو فعّال
 
الصورة الرمزية المثابر120
 

 

 
إحصائية العضو










B18

المدخل لدراسة حقوق الإنسان... (1)


تقييم فكرة حقوق الإنسان في جذورها الأولى وموقف المسيحية منها
إذا كانت القوانين والمدارس الفلسفية القديمة قد تعاملت بشكل أو بآخر مع أفكار المساواة والعدالة حيث كان للعامل الاقتصادي والاجتماعي والسياسي الدور في إظهار مواقف معينة لتلك التشريعات والمدارس فان أمر تقييم بعض هذه الجوانب أو الأفكار يمكن ان يساعد على فهم الحال بشكل أفضل كما أن التطرق لموقف المسيحية من هذه المسألة يساهم في إسدال الستار على مرحلة تاريخية مهمة حول الموقف من بعض الأصول الفكرية التي تقوم عليها مبادئ حقوق الإنسان.

المطلب الأول
تقييم فكرة حقوق الإنسان في جذورها التاريخية الأولى
إن الأسس العامة التي تبرر المجاهرة بحماية حقوق الإنسان وحرياته الأساسية لا تخرج عن مفاهيم العدل والحرية والمساواة وإذا كنا قد تعرضنا لمفهوم حقوق الإنسان من خلال التشريعات ومواقف بعض الفلاسفة والمدارس الفكرية التي ظهرت في العصور الأولى فانه يحق لنا أن نتساءل عن القيمة الحقيقية للأفكار التي طرحناها، وهذا يستدعي منا تقييم فكرة حقوق الإنسان في جذورها التاريخية الأولى، وهي عملية تتطلب الإشارة إلى مجموعة العوامل المكونة للمجتمعات البشرية فالعامل الاقتصادي والاجتماعي والسياسي كلها عوامل مهمة في الوصول إلى تقييم متوازن لهذه الحقوق التي نسعى لمعرفتها وفهمها وتقييم مدى احترامها.
ان الإيمان بالإنسان والولاء أو الانتماء للإنسانية، هما اللذان يثيران في طبيعة الإنسان الخيرة أعمق الدوافع وأكثرها صدقاً باتجاه الارتقاء بمستوى الكائن البشري ولكي يكون المسخر لخدمة غيره إنساناً بشرياً نابهاً فهل عاملت الأمم والشعوب القديمة في الفترة التي أشرنا إليها بعضها البعض أو الطبقات الفقيرة والمستضعفة منها بشيء من الرحمة؟
ان الإجابة يمكن أن تكون واضحة من خلال الإقرار ان نظام الرق الذي كان قائماً في تلك الفترة ربما ظل أكبر الإهانات الموجهة للإنسان، هذا النظام الذي جعل من الإنسان موضوعاً ومحلاً للتصرفات القانونية وليس فقط طرفاً وشخصاً للقانون وكانت الحروب هي المسبب الأكبر لاستمراره بغية استمرار الحياة ونشاطها الاقتصادي الذي كان يعتمد عليها بشكل كبير، ومن ثم فان عدم المساواة بين طبقات أو فئات المجتمع ظل عاملاً من عوامل عدم احترام الأسس الضرورية لحق كل إنسان في العيش بشكل متساو مع غيره من بني البشر، وإذا كانت الآلات الحربية التي طورت بشكل مطرد على أيدي الأقوام القديمة وكانت تعد عاملاً من عوامل النجاح في الحروب من أجل تحقيق الأمن والاستقرار على الصعيدين الداخلي والخارجي فان التجارب التاريخية تؤكد أن تطبيق مفاهيم الحقوق الإنسانية من خلال قوانين الدولة تلعب دوراً مهماً في تحقيق الهدف المنشود فالتجربة الرومانية على سبيل المثال التي قدمت قوانينها أفكار الحرية والمساواة والديمقراطية بشكل أو بآخر ولكنها حصرت هذه المفاهيم في فئات معينة الأمر الذي أفقدها ولاء الأفراد. وبعد هزيمة الرومان على يد القبائل الغالية فقد اقتنع الرومان بتغيير تنظيم جيشهم الأرستقراطي وتطبيق مبدأ المساواة العامة بين الناس، ومن ثم فقد أصبح العامة مواطنون وكان عليهم الاشتراك في الجيش وقامت الدولة مقابل أعمال هذه الفكرة بتوزيع الأراضي على من لم يملك أرضاً وخول الدستور الجديد الجمعية الشعبية إجازة القوانين باتخاذ القرارات الخاصة بالحرب والسلم، ومع ذلك فان هذا لم ينفِ الصفة الإمبريالية لحروب الإمبراطورية الرومانية فالطبقة الأرستقراطية بقيت مسيطرة على المجالس الشعبية إذ كان العامة يدلون بأصواتهم لهذه المجموعات الأرستقراطية التي كانوا يشعرون معها بنوع من الأمن، أو لأنهم تعودوا الخضوع للسلطة أو لعلهم تعلموا التسلسل القيادي من خلال خدمتهم العسكرية ويصف أحد الكتاب عظمة القسوة التي وجدت في الإمبراطورية الرومانية حيث يقول (أن الفقراء الرومان المنبوذين، والأيامى والمنكوبات اللواتي تدوسهن الأقدام، وحتى الكثيرين من الرومان المتعلمين وأولاد الناس لاذوا بأعدائهم. لقد كانوا يبحثون عن الإنسانية الرومانية بين البرابرة (القبائل الجوالة) حتى لا يهلكو من قسوة البربرية بين الرومان… لقد انطلقوا ليعيشوا بين الهمج في جميع الأنحاء ولم يندموا على فعلتهم قط، وفضلوا أن يعيشوا أحراراً تحت مظهر العبودية على أن يعيشوا تحت قناع الحرية)(38).
ولم تكن معاملة العبيد على درجة واحدة عند الأمم فلدى الجماعات البدائية كانت معاملتهم حسنة، ولم تكن سلطة السادة مطلقة عليهم وكان يعتبر العبد فرداً من أفراد الأسرة، وتميزت روما عندما كانت مدينة صغيرة بمثل هذا النوع من المعاملة مع عبيدها، إلا ان الصورة تغيرت عندما أصبحت إمبراطورية، فقد أصبح العبيد عنصراً أساسياً في اقتصاد الدولة وبررت روما انحطاط العبد إلى درجة الحيوان لتقوم باستغلاله بالطريقة التي تناسبها، فكان للسيد الروماني كامل الحق في أن يتصرف بحياة عبيده ان شاء أحياهم وأن شاء قدمهم لمصارعة الأسود حتى الموت(39).

أما الرق لدى الشعوب الشرقية فقد كانت المعاملة التي يلقاها العبيد في الحضارات الشرقية أكثر رحمة من الغرب.
عليه فان ما يعرف بحقوق الإنسان من الناحية الواقعية لا يمكن أن يقال إنها كانت معروفة في تلك الحضارات القديمة بالشكل الذي يحفظ كرامة البشر بعيداً عن الجنس أو العرق أو اللون أو الطبقة الاجتماعية التي ينتمي إليها الفرد.
أما القوانين أو التشريعات التي حاولت ان تؤكد على أفكار كالعدالة بوصفها هدف التشريع أو القانون فهي لم تخرج على وجه العموم من الإطار الاجتماعي القائم على وجود طبقات متعددة في المجتمع كما أنها لم تخرج عن الإطار الاقتصادي لتلك المجتمعات القائمة على الحرب بشكل أو بآخر، وهذا أمر لم تسلم منه حتى المدارس الفلسفية والأفكار التي دعت إليها.

المطلب الثاني
موقف المسيحية من فكرة حقوق الانسان
يمكن الإشارة إلى وجهتي نظر تتعلقان بموقف المسيحية من الأفكار العامة التي تقوم عليها فكرة حقوق الإنسان فيشير جانب إلى أن المسيحية قد ركزت على كرامة الإنسان وعلى المساواة بين جميع البشر على اعتبار أنهم أبناء الله، ووضعت حجر الأساس لتقييد السلطة إذ أن الأخيرة تقرر بالنتيجة من أجل خدمة الإنسان ويتوجب عليها بالتالي احترامه ولا يجوز للسلطة الزمنية أن تتجاوز اختصاصها فتتدخل في الأمور الدينية وإلا فانها في هذه الحالة ستخالف مبدأ (أعط ما لقيصر لقيصر وما لله لله) وتصبح مقاومتها أمراً مشروعاً(40).
وإذا كانت المسيحية التي نادت بمبدأ أعط ما لقيصر لقيصر وما لله لله وما يمثله ذلك من فصل بين السلطة الدينية والدنيوية فضلاً عن فكرة العدالة وباتخاذ الأسرة والكنيسة والدولة وسائل لتحقيق السعادة للإنسان واعتبار الناس أخوة متساوين أمام الله في الحياة الأخرى، وفتحت أبواب الكنائس للعبيد ودافعت عن الفقراء والمستضعفين ضد الأغنياء فتطبيق هذه المبادئ كان من الممكن أن يؤدي إلى نجاح المسيحية في تقليص التفاوت الطبقي وإشاعة العدالة والمساواة في المجتمع إلا أن هذه المبادئ لم تطبق.

وإذا كان المجال قد فتح في عصر قسطنطين لحرية الاعتقاد إلا أن ذلك قد زال بعد أن أصبحت المسيحية ديناً رسمياً للدولة وعوقب من يدين بغير دين الدولة بقسوة بالغة، وكان ذلك بداية الاستبداد الذي مارسته الكنيسة حيث عطلت إرادة الفرد وحرمته من أية مكانة له عندها(41).
ويؤكد أحد الكتاب على أن الأفكار ذات الطابع السياسي التي طرحها المسيحيون الأوائل لم تكن تعبر بأي شكل من الأشكال عن خصوصية محددة بهم اذ أنها في حقيقتها أفكار سبق أن طرحها غيرهم، فهم آمنوا شأنهم في ذلك شأن الرواقيين بالقانون الطبيعي ومبدأ المساواة بين البشر وبضرورة التزام الدولة بالعدالة فضلاً عن مبدأ مهم أضافوه أعتبر المحور الذي دارت بخصوصه المناقشات طيلة الفترة التي امتدت حتى القرن العاشر الميلادي وهو مبدأ إطاعة السلطة الشرعية واحترامها تطبيقاً لقول السيد المسيح (أعطوا ما لقيصر لقيصر وما لله لله) واطاعة لوصية القديس بولص القائلة (لتخضع كل نفس للسلاطين لأنه ليس هناك سلطان إلا من الله، والسلاطين الكائنة هي مرتبة من الله، حتى من يقاوم السلطان يقاوم ترتيب الله، والمقاومون سيأخذون لأنفسهم الإدانة فان الحكام ليس أداة خوف للأعمال الصالحة بل للشريرة أفتريد ألا تخاف السلطان؟ افعل الصلاح فسيكون لك مدح فيه لأنه خادم الله للصلاح. ولكن إذا فعلت الشر فخف لأنه لا يحمل السيف عبثاً إذ هو خادم الله المنتقم للغضب من الذي يفعل الشر. لذلك يلزم أن يخضع له ليس بسبب الغضب فقط، بل، أيضاً لمن له الإكرام)(42).
وطبقاً لهذه الكلمات فإن إطاعة السلطان كانت تعد فضيلة مسيحية لم ينكرها أي من زعماء الكنيسة، فهي طاعة يأمر بها الله، وهذا القول يسبغ على التعاليم المسيحية طابعاً يغاير النظرية الدستورية الرومانية التي ترى أن سلطة الحاكم مستمدة من الشعب(43).
عليه فان هناك من يرى أن معاملة الرقيق على سبيل المثال كانت أفضل عند الشرقيين منها عند الغرب وخاصة الإمبراطورية الرومانية فشرائع الشرق وقوانينه كانت على العموم أكثر رحمة بالرقيق من قوانين الغرب، وأن المسيحية، وهي رسالة إنسانية، اضطرت بتأثير الظروف التي عاشت في ظلها في أوربا أن تتأثر بالفكر الغربي في النظرة إلى الرقيق(44).
واستمر الحال على هذا المنوال حتى في العصور الوسطى المسيحية التي اعتبرت الرق نظام الهي وأوصت العبيد بتحمل ما يلقوه من سوء معاملة أسيادهم إلا أنها في الوقت نفسه دعت السادة إلى أن يرأفوا بعبيدهم المسيحيين دون غيرهم إلا إذا تنصروا(45).

هوامش الفصل الأول
1. د. محمد الزحيلي، حقوق الإنسان في الإسلام، دراسة مقارنة مع الإعلان العالمي والإعلان الإسلامي لحقوق الإنسان، دار الكلم الطيب، الطبعة الثانية، دمشق-بيروت، 1997، ص9.
2. د. توفيق حسن فرج، المدخل للعلوم القانونية، مؤسسة الثقافة الجامعية، الطبعة الثانية، 1981، ص438-440.
3. المصدر نفسه، ص450.
4. باسيل يوسف، دبلوماسية حقوق الإنسان، المرجعية القانونية والآليات، بيت الحكمة، بغداد، 2002، ص9.
5. د. نعيم عطية، إعلانات حقوق الإنسان والمواطن في التجربة الدستورية الفرنسية، مجلة إدارة قضايا الحكومة، العدد الرابع، 1972، ص962.
6. د. أحمد جمال الظاهر، دراسات في الفلسفة السياسية، الطبعة الأولى، مكتبة الكندي، أربد، 1988، ص11.
7. المصدر نفسه، ص18.
8. المصدر نفسه، ص23-24.
9. إبراهيم السامرائي، الحماية الدولية لحقوق الإنسان في ظل الأمم المتحدة، رسالة
دكتوراه مقدمة إلى كلية القانون / جامعة بغداد، 1997، ص9.
10. د. توفيق حسن فرج، المصدر السابق، ص184-185.
11. المصدر نفسه، ص186.
12. إبراهيم السامرائي، المصدر السابق، ص29-30.
13. د. أحمد جمال الظاهر، حقوق الإنسان، عمان، 1988، ص73.
14. المصدر نفسه، ص73.
15. المصدر نفسه، ص74-75.
16. حضارة العراق، الجزء الثاني، بغداد، 1985، ص63-71.
17. المصدر نفسه، ص72.
18. صلاح الدين الناهي، العدالة في تراث الرافدين وفي الفكرين اليوناني والعربي
الإسلامي، الطبعة الأولى، الدار العربية للموسوعات، بيروت-لبنان، 984، ص39.
19. المصدر نفسه، ص39-40.
20. المصدر نفسه، ص35-36.
21. د. عباس العبودي، ضمانات العدالة في حضارة وادي الرافدين، دراسات قانونية،
العدد الثاني، 2000، بيت الحكمة، بغداد، 2000، ص22-23.
22. المصدر نفسه، ص24-26.
23. المصدر نفسه، ص28-29.
24. المصدر نفسه، ص29-30.
25. د. محمد يوسف علوان، مذكرات في مقرر حقوق الإنسان، الكويت، ص3.
26. د. أحمد جمال الظاهر، حقوق الإنسان، المصدر السابق، ص80.
27. د. محمد يوسف علوان، المصدر السابق، ص3.
28. المصدر نفسه، ص4-5.
29. د. صلاح الدين الناهي، المصدر السابق، ص44-54.
30. د. غانم محمد صالح، الفكر السياسي القديم والوسيط، جامعة بغداد، 109-110.
31. المصدر نفسه، ص131-133.
32. ان الفقهاء الذين طوروا القوانين الرومانية كانوا من أصول شرقية فكايوس من الشمال السوري وبابنيان من حمص وبولس واولبيان من الساحل الفينيقي ومودستيان من صور، فقد أعتمد حبستنيان على هؤلاء الفقهاء ولقبوا بالعلماء العالمين ولفب بابنيان بأمير الفقهاء وكان يطلق على مدرسة بيروت اسم الأم المرضعة للحقوق ومدة الدراسة فيها خمس سنوات.
د. عباس العبودي، المصدر السابق، ص19-20.
33. د. أحمد جمال الظاهر، حقوق الإنسان، المصدر السابق، ص86.
34. د. غانم محمد صالح، المصدر السابق، ص167.
35. المصدر نفسه، ص157-158.
36. المصدر نفسه، ص159-160.
37. المصدر نفسه، ص163.
38. د. أحمد جمال الظاهر، حقوق الإنسان، المصدر السابق، ص95-97.
39. المصدر نفسه، ص99.
40. د. محمد يوسف علوان، المصدر السابق، ص10.
41. أزهار عبد الكريم عبد الوهاب، الحقوق والحريات العامة في ظل الدساتير العراقية، رسالة ماجستير مقدمة إلى كلية القانون والسياسة/ جامعة بغداد، 1983، ص3-4.
42. د. غانم محمد صالح، المصدر السابق، ص179.
43. المصدر نفسه، ص180.
44. د. أحمد جمال الظاهر، حقوق الإنسان، المصدر السابق، ص100.
45. المصدر نفسه، ص99.

الفصل الثاني
حقوق الإنسان في الإسلام
سنتعرض في هذا الفصل الى المقصود بحقوق الانسان في الاسلام من حيث النظرية والتطبيق، وفي المراحل المختلفة التي مرت بها الدولة الاسلامية. فما هي الأسس التي تقوم عليها فكرة حقوق الانسان في الاسلام؟ وهل تتفق هذه الأسس مع الأسس العالمية التي ظهرت في العصر الحديث وهي تمثل بشكل أو بآخر هاجس الانسان الأول في تحقيق العدالة؟ فكيف حدد الاسلام حقوق الانسان كفرد وكعضو في الجماعة؟ وما هي المعادلة التي طرحها الاسلام لإخضاع الدولة للشريعة التي هي بمثابة القانون في الدولة الحديثة؟ ثم ما هي تفاصيل الحقوق الاساسية التي اعترف الاسلام بها للانسان؟
أن ما تقدم من تساؤلات يمكن البحث فيها والإجابة عنها من خلال دراسة الأسس الفكرية التي طرحها الاسلام لحقوق الانسان، والتطرق لمبدأ خضوع الدولة الاسلامية للقانون أو الشريعة، ثم البحث في تفاصيل الحقوق والحريات الاساسية التي أقر الاسلام بها للانسان.

المبحث الأول
المنطلقات الأساسية لحقوق الانسان في الاسلام
أن الكلام في هذا العصر كثير عن مبادئ حقوق الانسان وأن تعداد هذه الحقوق الاصلية والجزئية لا حصر لها، وإذا كان من الضروري فهم المقصود بحقوق الانسان في الاسلام بصورة صحيحة فإن البداية يجب أن تكون من المنطلقات الفكرية التي تمثل الجوهر أو الأساس لفكرة حقوق الانسان فهذه هي الخطوة الأولى باتجاه دراسة تفاصيل هذه الحقوق، وقبل ذلك معرفة موقف الدولة الاسلامية من هذه المسألة.

المطلب الأول
الأساس الإسلامي لحقوق الانسان
ترتكز مفاهيم حقوق الانسان في الشريعة الاسلامية على طابع الضرورة المؤسس على العقيدة، وهو طابع يقوم على ضمان معنى الإنسانية، فالإسلام دين عالمي ولم يرسل النبي محمد (ص) للعرب فقط فدعوته جاءت للناس جميعاً، وقد انطلق الاسلام من قاعدة أساسية ثابتة فيما يتعلق بحقوق الانسان، وهي أن أصل الانسان واحد ومصيره واحد. قال تعالى(ولقد خلقنا الانسان من سلالة من طين)المؤمنون، 12.
وقد تبنى الاسلام في نظرته للأمور كافة فلسفة وسطية حيث الاعتدال أبرز ملامحها، بمعنى مجانبة الإفراط والشذوذ والتفكك والتفريط والمبالغة والتسيب بل يقوم على الاتزان. قال تعالى(وكذلك جعلناكم أمة وسطاً لتكونوا شهداء على الناس) البقرة،143 (1)، وينظر الاسلام الى الانسان باعتباره أغلى الكائنات وأعظمها طالما كان مخلصاً لله تعالى الذي سخر له الكون ليحقق له السعادة. قال تعالى ( وسخر لكم ما في السماوات وما في الأرض جميعاً منه، أن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون) الجاثية13. والحقيقة ان تكريس الكون بما فيه للانسان إنما هو تكريم له من الله تعالى ومن تفضيل الله للانسان ان جعله خليفة في الأرض لما تمتع به من الطاقات والقدرة والاستعداد للقيام بمهام المسؤولية في الحكم. قال تعالى (وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة) البقرة،30 .

مما تقدم يبدو جلياً أن الأساس الاسلامي لحقوق الانسان إنما يقوم على التكريم الإلهي للانسان فالإنسان هو خليفة الله في الأرض ومحور الرسالات السماوية وله سجدت الملائكة وفضل على سائر المخلوقات وسخر له ما في الكون، وقد شرع الاسلام الكثير من الأحكام وبيّن الحقوق والواجبات في جوانب الحياة المختلفة وإلزام المسلمين أداءها والوقوف عندها، والتقيد بها فقال تعالى ( تلك حدود الله فلا تقربوها)، فالحدود هي الفواصل بين الحقوق والواجبات والأوامر والنواهي والحق والباطل، ومن ثم فإن الأساس في الاسلام لحقوق الانسان هو ما قرره الاسلام في تشريعاته وأحكامه وان هذه الحقوق هي منحة من الله تعالى ويمكن ان يعبر عن الأساس لحقوق الانسان في الاسلام بمبدأ (العبودية لله تعالى) فطرة الله التي فطر الناس عليها، فالإسلام دين الفطرة وهو الحامي لها والمدافع عنها ومن مستلزمات هذا الحق أن يرعى كل فرد من الناس هذا الحق لأمثاله بمقدار ما يرعاه لنفسه ويكون هذا الحق الانساني المطلب الأساسي للناس جميعاً على مستوى الفرد والجماعات، ويرى آخرون أن حقوق الانسان في الاسلام تنبع من العقيدة وبشكل خاص من عقيدة التوحيد فالله الواحد خلق الناس أحراراً ويريدهم أن يكونوا أحراراً ويأمرهم بالمحافظة على الحقوق التي شرعها والحرص على الالتزام بها ثم كلفهم شرعاً بالجهاد في سبيلها، قال تعالى (وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين)(2).
والحقيقة أن مدلول هذه العبارات واحد فحقوق الانسان في الاسلام تنبع من التكريم الإلهي له بالنصوص الصريحة وهو جزء من التصور الإسلامي لهذه المسألة القائمة في جانب مهم منها على العبودية لله تعالى وفطرة الانسان التي فطره الله عليها فكرامة الانسان هي الأساس لكل الحقوق الأساسية، فهي دليل إنسانية البشر وإذا كانت الكرامة الإنسانية هي المنبع لحقوق الانسان جميعاً فقد كانت هذه المسألة ولازالت غاية جميع القوانين والدساتير وعماد حياة الفرد الاجتماعية وهذا ما عبرت عنه المواثيق والإعلانات والعهود الدولية المتعلقة بحقوق الانسان حيث جاء في الإعلان العالمي لحقوق الانسان الصادر عام 1948 أن(الاعتراف بالكرامة المتأصلة في جميع أعضاء الأسرة البشرية وبحقوقهم المتساوية والثابتة هو أساس الحرية والعدل والسلام في العالم)، أن ما تقدم يظهر أن حقوق الانسان مرتبطة ارتباطاً جذرياً بالعقيدة الصحيحة وأن الإيمان بالله تعالى أولاً وبالشريعة المنزلة ثانياً هو مصدر الحقوق وأساسها(3).

أذن حقوق الانسان التي يقررها الاسلام هي في حقيقتها ليست منّةً من حاكم أو دولة أو اية جهة محددة وإنما هي حقوق أزلية فرضتها الإرادة الإلهية فرضاً كجزء لا يتجزأ من نعمة الله على الانسان حين خلقه في أحسن صورة وأكمل تقويم فحقوق الانسان في الاسلام موضوعة ومقررة سلفاً، وهي تتناسب مع كونه انساناً متميزاً على سائر المخلوقات إذ أوكل له دورٌ في الحياة مما يعني إعطاءه مقومات الحياة الكريمة.
إن الأسس التي تقوم عليها مفاهيم حقوق الانسان انما تجد اساسها في مفاهيم بنى عليها المسلمون حياتهم فمفاهيم العدل والحرية أساسية لتأسيس الافكار الخاصة بحقوق الانسان وقد جعل الاسلام من العدل اساساً للحكم. قال تعالى (ان الله يأمر بالعدل والإحسان) النحل،90، والعدل غاية في الاسلام الذي نادى بالحرية والمساواة ويختلف المفهومان عما هو عليه الحال بالنسبة للمدارس الغربية التي تنادي بالحرية الفردية على حساب المساواة أو المساواة على حساب الحرية الفردية، فالحرية والمساواة في الاسلام مقيدة وذلك بهدف تحقيق العدل العام المعبر عنه في الشريعة التي تنص على مصلحة الفرد ومصلحة المجتمع، والعدل ان يعطي الحاكم كل ذي حق حقه ويسمح الاسلام بدخول الافراد في سباق لتحقيق مصالحهم ولكنه يؤكد على ضرورة مساعدة الانسان لأخيه الانسان وعند عدم تحقيق هذه المساعدة تتدخل الدولة عندها، ومن ثم فان الشريعة تنص على تحريم القتل حفاظاً للنفس التي حرم الله قتلها إلا بالحق، وتحريم الزنا حفاظاً للنسل، وتحريم السرقة حفاظاً للأموال، وتحريم القذف حفاظاً للعرض، وتحريم الخمر حفاظاً للعقل، ومعاقبة المرتد حفاظاً للدين وهذه كلها ضروريات تحقق العدالة الاجتماعية في جوانب اساسية منها، كما تقرر أحكام الاسلام المساواة بين افراد المجتمع وجعل التفضيل في العمل الصالح. قال تعالى ( يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات)(4) .

فتتميز حقوق الانسان وحرياته الاساسية في الاسلام بأنها ذو بعد أخلاقي عميق وهي ذات خصائص ثلاث
1- هي أنها منح ربانية الهية وليست منة من دولة أو حاكم.
2- انها شاملة من حيث الموضوع لكل الحقوق والحريات وعامة لسائر الجنس البشري، وبذلك فإن الشريعة الاسلامية تكون قد أدانت التفرقة العنصرية والنظم التميزية الأخرى على المستوى الوطني والمستوى الدولي.
3- انها كاملة وغير قابلة للإلغاء أو الوقف لمجرد ضيق الدولة أو الحاكم بمباشرتها لأنها جزء من الشريعة الإسلامية(5).

يتبع >