منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب - عرض مشاركة واحدة - المجتمـع المـدني والديمقـراطيـة
عرض مشاركة واحدة
قديم 2008-11-06, 18:38   رقم المشاركة : 8
معلومات العضو
المثابر120
عضو فعّال
 
الصورة الرمزية المثابر120
 

 

 
إحصائية العضو










B18

الخاتمة
محاولة تركيب

الآن، وبعد أن حددنا مضمون كل مفهوم من المفاهيم الثلاثة السابقة، يتعين علينا إعادة تركيب للأفكار الواردة، أي تحديد مضمون العلاقة بين العناصر المذكورة. ولكي لا تكون التحليلات المذكورة في الصفحات السابقة ذات طبيعة تجريدية، يتعين أن ننتقل إلى الملموس، إلى البلدان المسماة بالنامية، ومنها بلداننا العربية، انطلاقا من سؤال، نراه حاسما بالنسبة لنا وهو : ما هو السبب الذي جعل التشكيلات السائدة في هذه البلدان، التي قطعت أشواطا كبيرة في دولنة Etatisation الاقتصاد وحققت الاستقلال السياسي، عاجزة تاريخيا في مواجهة مسألة الديمقراطية وبالتالي إعادة تشكيل العلاقات الاجتماعية الداخلية بما يسمح بخلق الشروط لتبلور المجتمع المدني ؟ ما هو شكل الدولة الذي اكنساه المسار الاجتماعي والاقتصادي لهذه التشكيلات ؟ وهل يمكن تعليل بروز دول قوية وديكتاتورية بعيدا عن الإدانات الأخلاقية أو التصنيفات الحقوقية الشكلية ؟

لكي تكون الإجابة ممكنة على هذه الأسئلة المصيرية يتعين التأكيد على الملاحظات التالية :
• إن مجمل المسار الاجتماعي والاقتصادي القائم في البلدان النامية منذ القرن التاسع عشر بالنسبة لأمريكا اللاتينية، ومنذ القرن العشرين بالنسبة لأفريقيا واسيا هو مسار تكون " طبقة حاكمة " على المستوى السياسي ومهيمنة على المستوى الاقتصادي. وهذا في مرحلة نمط اقتصادي سبق أن هيمنت عليه الرأسمالية في بلدان " المركز الامبريالي ". إن هذا المسار ليس متجانسا في جذوره ولا هو متنافر كليا، إذ تبدو التشكيلات الاجتماعية في هذه البلدان، في نفس الحين، ذات سمات مشتركة وفوارق مهمة. تتمثل السمات المشتركة في أن كل هذه التشكيلات ترتطم بمشكلة انطوائها ضمن التقسيم الدولي الرأسمالي المعاصر للعمل، وبالنتيجة، بعلاقتها البنيوية بالرأسمالية المركزية. إنها كلها تتحمل تمفصلات اجتماعية داخلية حيث تبدو القوى المسيطرة في وضع يختلف جذريا عن الجماهير والفئات الاجتماعية في الريف والمدينة التي يجري تبلترها وتهميشها بسرعة بالغة وبالتالي تعاظم التناقضات، التي تؤثر بشكل بالغ على التوجهات السياسية والاستراتيجيات الاقتصادية التي تنتهجها السلطات السياسية السائدة في هذه البلدان. ونشير كذلك إلى أنه في أي من هذه التشكيلات، لم تتم محاولة جدية لإعادة تشكيل علاقات الإنتاج الرأسمالية (باستثناء عدد محدود)، فقد ظلت علاقات الإنتاج المهيمنة علاقات رأسمالية من نمط جديد لا يمكن مقارنتها بتلك التي في " المراكز الامبريالية ". إن علاقات الإنتاج هذه وشكل الرأسمالية الناجمة عنها ليست متخلفة ولا " شبه رأسمالية " بل هي، على الأصح، اللون الخصوصي المحدد للرأسمالية في هذه البلدان. إنها، على وجه التحديد، مرحلة من النظام الاقتصادي الرأسمالي العالمي متسمة بضعف الطبقات الاجتماعية بنيويا. وهذا الضعف البنيوي هو، على وجه التحديد، الذي كان أصلا أو جذرا لتشكل السلطة السياسية في هذه التشكيلات الاجتماعية : أي سمة قصور الديمقراطية السياسية وغياب السوق الثقافي القوي وشلل المجتمع المدني وضموره.
• إن غياب الديمقراطية في بلداننا هي سمة دائمة، لا تمت بصلة إلى " الوراثة التقليدية " عن العهود السابقة، كما يروج لها في بعض الخطابات بمفاهيم من قبيل الاستبداد الشرقي ..... الخ. إن هذا الوضع هو ناتج ضروري لمقتضيات التوسع الرأسمالي، كما هو قائم بالفعل. إن الاستقطاب الناشئ على الصعيد العالمي، المرتبط بمقتضيات التوسع الرأسمالي يخلق بدوره استقطابا اجتماعيا داخليا يتجلى في ظواهر عديدة أهمها التفاوت في توزيع الدخول والتهميش المتعاظم لفئات اجتماعية واسعة .
• إن الوطنية والتنمية والعصرنة، وما إلى ذلك من المصطلحات السياسية، ينبغي – حتى يمكن فهمها في كل أبعادها – أن تدرج ضمن إشكالية التشكل التاريخي لهذه " الطبقات السائدة " في كل من التشكيلات الاجتماعية في بلدان " العالم الثالث، وما يميز هذا التطور عن المسار التاريخي لتشكل البرجوازية الأوربية الغربية، منذ القرن الثامن عشر. إن الفارق يكمن اليوم في عدم تماثل الثورة الصناعية وعدم تمفصلها مع الثورة الديمقراطية. إن الرأسمالية الغربية، باعتبارها مسارا تاريخيا، هي التي ولّدت الثورة الديمقراطية التي كانت في حاجة إليها لتتطور. في حين كان مسار التشكل التاريخي للطبقات السائدة في "التشكيلات العالمثالثية " ليس غير مولد لميكانيزمات تحكم ديمقراطي فحسب، بل أن نشأته غير ممكنة أيضا إلا على أساس تحطيم الممكنات الديمقراطية في صلب هذه التشكيلات تحطيما كاملا وشاملا. يحدث ذلك وكأن الثورة الصناعية والنمو والعصرنة لا يمكن أن تتجسم إلا في تناف مع الثورة الديمقراطية، أي أساس حكم سياسي معاد للديمقراطية. وينبغي تحليل هذه الملاحظة والتفكير في كل تبعاتها إن أردنا أن ندحض نهائيا التحاليل التبريرية التي تبثها القوى المسيطرة في هذه البلدان ( مثل مقولة : لننم الاقتصاد وسوف يأتي دور الديمقراطية فيما بعد، أو : الشعب غير ناضج للديمقراطية، ونخبته يجب أن تقوده على درب التقدم !)
• يجب أن نعي وجود تناقض بنيوي بين السيرورة الاجتماعية في هذه التشكيلات الاجتماعية أي صعود الفئات الوسطى إلى مرتبة " الطبقة الحاكمة "، من ناحية، والايدولوجيا والممارسات الاقتصادية التي تبرز من خلالها هذه المسيرة من ناحية ثانية. لقد برزت هذه الفئات باعتبارها قوى مستقلة داخل التشكيلات الاجتماعية المعنية. هذه الأطروحة مهمة، لأنها تتيح لنا أن نفهم مدلول الأيديولوجيات الراديكالية التي ترفعها القوى المسيطرة، وكذلك نظم الدولة، التي يبرز من خلالها مسار هيمنة الفئات الوسطى. إن شكل الدولة والدور البارز المناط بسلطة الدولة يجسدان طريقة جديدة مؤقلمة مع ظروف العصر. ومن هنا ينبغي فهم دور الجيش وتحليله في كل عمقه. إنه ليس مظهرا من مظاهر فرض إكراه الطبقات المالكة على بقية السكان (نموذج الدكتاتورية العسكرية التقليدية) بل وعلى الأصح، أنه جزء من تشكل العنف " الشرعي " في سيرورة نشأة الفئات الوسطى بوصفها " طبقات " حاكمة.
• أخيراً، ينبغي تعليل أشمل لدلالة المؤسسات السياسية الخاصة بهذه الدولة الاستبدادية. على هذا النحو ندرك أن شكل الدولة هذا ينشأ عبر التحطيم الشامل للممارسة السياسية الجماعية، وعبر إبعاد القوى الاجتماعية غير وثيقة الصلة بالدولة والحزب الحاكم من الاهتمام بالسياسة، وعبر نظام الفروض الملزمة (أنواع التعبئة العسكرية، جيش شعبي، كتائب شباب، طلائع ..... الخ)الذي تفرضه السلطة على التشكيلة الاجتماعية. بإختصار عبر قطع الطريق جذريا أمام مسار الثروة الديمقراطية/على المستوى السياسي، والتي كانت ينبغي أن تواكب كل ثورة اقتصادية، خاصة في ظل المصاعب التي تتخبط بها البلدان النامية الساعية لتعزيز موقعها ضمن الاقتصاد العالمي. إن الدولة الاستبدادية الجديدة التي سادت لأكثر من ثلاثة عقود، بقطع النظر عن الايدولوجيا التنموية التي روجت لها لفترة طويلة، وبقطع النظر عن مناهضتها الظاهرية للنظام الرأسمالي العالمي، كان أثرها الأساسي على الدوام، ولا يزال، تعطيل الجدلية الاجتماعية، أي الإلغاء التسلطي للصراعات الاجتماعية والطبقية من أجل تأمين الظروف الأكثر ملائمة للفئات التي صعدت إلى السلطة بفعل " انقلاب القصر " حتى تتحول إلى فئات سائدة. وقد تعلق الأمر باعتماد منظومة من الإجراءات والترتيبات الحاسمة تمثلت في :
- مصادرة الوظيفة السياسية في التشكيلة الاجتماعية، بشكل استبدادي قمعي فاقع الحدة،
- إبعاد الشرائح القديمة من البرجوازية الصناعية وكذلك المجموعات الأكثر فقرا في الحركة العمالية، ومجمل الجماهير الريفية والمدينية غير المرتبطة بسيرورة الإنتاج عن حقل اتخاذ القرارات الإستراتيجية.

لقد أدى هذا الوضع إلى ترجيح وزن الدولة في التشكيلة الاجتماعية، والى تفتيت مجموعات كاملة من القوى الاجتماعية والى إعادة الإنتاج الموسع لعملية تحطيم العلاقات الاجتماعية. وبعبارة أخرى يستطيع المرء أن يغامر باستنتاج قوامه أن فشل الدولة الاستبدادية في هذه البلدان لا يكمن في السياسات الاقتصادية المتبعة أساسا ولا في النوايا الواعية أو اللاواعية لدى الماسكين بمقاليد السلطة السياسية فقط بل في شكل الدولة نفسه وفي محتواه الاجتماعي وفي وطائفيته الموضوعية وفي علاقته بالمسار التاريخي لتشكل الطبقات الحاكمة.

ولهذا يتعين التأكيد على ضرورة اكتشاف ودراسة التحولات التي حصلت في شكل ومضمون الدولة في هذه البلدان، ليس عبر أثارها البسيطة، ولكن في التحولات العميقة لتمفصل الاقتصاد والمجتمع السياسي، لكي يمكن أن نفهم الأسباب الحقيقية لضمور المجتمع المدني وضعف ( أو انعدام فاعليته) من جهة، وسطوة الدولة ومؤسساتها المتنوعة من جهة أخرى. لهذه الأسباب، وغيرها، تصبح المطالبة بالديمقراطية ليست ترفا فكريا عابرا بل هي ضرورة تمتع براهنيه ملحة ، لأنها ستسمح بفك الاشتباك بين المجتمع المدني والمجتمع السياسي، بما يسمح بخلق الشروط لتطور الأول وتحرره من سطوة الدولة وعسفها وقمعها في أن.

ومن جهة أخرى نستطيع أن نقول إن المجتمع الديمقراطي في البلدان المتطورة جاء مكملا وامتدادا للدولة الديمقراطية التي كانت في أصل نشوئه. وهي لا تزال ترعاه حتى لو كانت تخاف من تجاوزاته على الصلاحيات الجديدة التي أخذت تحصر عملها فيها. فالدولة تدرك أيضا أن ما يقوم به المجتمع المدني، لا تستطيع هي أن تقوم به، وأنه في مواجهة المنافسة الدولية المفتوحة والتي ستفتح أكثر فأكثر، من مصلحة الدولة عموما والمجتمع ككل أن تتطور وتتدعم المؤسسات المدنية وتزداد نشاطا في الداخل والخارج. فهي لا تجنب حصول فراغ داخلي يتيح تدخل مؤسسات مدنية خارجية فحسب ولكنها يمكن أن تشكل أكثر من ذلك أدوات لمد النفوذ الوطني في الفضاء الدولي ولدى المجتمعات الأخرى.

وبالعكس من ذلك يأتي الحديث المتزايد والمتضخم عن المجتمع المدني في البلاد النامية، ومنها البلاد العربية كتعويض عن غياب هذا المجتمع تماما وكرد على الفراغ الذي أحدثه في الفضاء العمومي تفسخ الدولة وتحلل السلطة العمومية إلى سلطة أصحاب مصالح خاصة، وانهيار أي قاعدة قانونية ومؤسسية ثابتة وراسخة للدولة والمجتمع معا. ولذلك فهو يبقى هنا ويستمر يعمل في إطار الأيديولوجية، مما يعني أيضا سهولة استعماله كأداة أو كوسيلة لتحقيق أهداف وتدعيم مواقف وتأكيد مساعي متنوعة وأحيانا متناقضة، سياسية وعقائدية واقتصادية من دون أن يكون غاية في ذاته. فهو ليس مقصودا لما يمثله من إطار نظري وقانوني لبناء سلطة اجتماعية مستقلة بالفعل عن النزاعات السياسية وقادرة على المشاركة مباشرة في إيجاد الحلول من خارج المجال السياسي الرسمي للعديد من المشاكل والتحديات المجتمعية، وإنما لغيره، أي لأهداف تتعلق سواء بالسياسة بمعنى الصراع على السلطة كمواقع ومناصب أو بالوجاهة أو بالمنافع المادية التي تزداد قيمة بقدر ما تزداد مساعدات الدول الصناعية لهذا القطاع الجديد من النشاط الدولي.

وبقدر ما تبدو الدولة في البلدان النامية بشكل عام بوصفها أكثر فأكثر تجسيدا لمجال المصالح الخاصة والجزئية وغياب القانون، ينمو نزوع قوي إلى البحث عن المواطنية والعمومية والمصالح الوطنية والحرية في المجتمع المدني ذاته، أي خارج الدولة. فالمشكلة الحقيقية التي تحاول أن نرد عليها هنا إشكالية المجتمع المدني ليست تنظيم المصالح الخاصة، ولكن بالعكس تنظيم المصالح العامة. ومن هنا التخبط والصعوبة الهائلة في تحديد هذا المفهوم والتناقض الكبير الذي يفترضه استخدامه بينه وبين الدولة. فالإشكالية تبدو هنا مستحيلة، نعني محاولة بناء العام في قلب الخاص، مما يعني في الواقع إعادة ولادة الدولة من رحم المجتمع، مما يجعل النخبة المسيطرة على الدولة تشعر بأن فكرة المجتمع المدني تنطوي على إنشاء دولة بديلة أو دولة نقيض!.
ومصدر كل هذا الاختلاط والتخبط هو إخفاق الدولة القومية، بمعنى الدولة/الأمة، دولة المواطنين، في هذه البلاد. مما يضعنا أمام مسار تاريخي مختلف تماما عن ذاك الذي عرفته المجتمعات الغربية، وأحيانا معاكسا له.

وهذا يعني في الواقع أنه كما أن تطور المجتمع المدني في البلدان الرأسمالية المتطورة ليس منفصلا عن تطور الدولة الديمقراطية، بغض النظر عن مضمونها، فإن غياب الدولة الديمقراطية في العالم النامي، والعالم العربي بشكل خاص، ليس منفصلا أيضا عن غياب المجتمع المدني أو تحييده وما يضمه من مؤسسات اجتماعية مستقلة فاعلة تقوم بتأدية مهام مرئية وثابتة في المجتمع وتكتسب نتيجة ذلك مواقع وصدقيه وشرعية حقيقية.

ومن جهة ثانية فإن المجتمع المدني الذي نتحدث عنه اليوم، لم يعد مجرد مفهوم يشير إلى مستوى من مستويات النشاط المجتمعي يتسم بالتعددية والتناقض والجزئية والمصلحة الخاصة، ولكنه يشير إلى مجموعة من المنظمات النشيطة التي يمكن تعيينها وتحديد موقعها ومكانها والأدوار الكبيرة التي تلعبها، بموازاة الدولة أحيانا، وأحيانا ضدها. لكن ما هو أهم من ذلك أن المجتمع المدني لم يعد ينظر إليه على أنه تجسيد للخاص والمصالح الجزئية في مقابل الدولة المجسدة للعام وللمصالح الكلية ولكن كـ " دولة مقابلة "، أي كمنظمات ذات نفع عام وأهداف كلية تخدم أهدافا عامة وتشكل مصدرا للنظام والعقلانية والترشيد والاتساق داخل نظام اجتماعي هجرت الدولة العديد من ميادينه أو أصبحت غير قادرة على بث النظام والسلام فيها. لقد تحول إلى هيئات عامة (سياسية) داخل الدولة المعدلة سياسيا أو التي خفت درجة احتكارها لما هو عام.

ويمكن الاستدلال من الملاحظات السابقة أن في مفهوم المجتمع المدني الجديد اعتراف بضرورة عودة السياسة إلى المجتمع وإلغاء الاحتراف السياسي لا إلغاء السياسة، وتقليص من أهمية السيطرة على جهاز الدولة كشرط لتحقيق أهداف اجتماعية عامة. وهذا يمثل طفرة عميقة في مفهوم السياسة ذاتها تسير في الاتجاه نفسه الذي تحدث عنه ماركس للالتقاء داخل الفرد ذاته بين المصالح العامة والمصلحة الخاصة، حيث تكون حرية الفرد شرط لحرية المجموع.

وفي الختام يمكن الاتفاق مع الاستنتاج الذي توصل إليه برهان غليون " بأننا نسير اليوم نحو حقبة التحرر من المفهوم الكلاسيكي الحديث للدولة كمركز أحادي ووحيد للتنظيم والتنسيق الاجتماعي وهي الحقبة التي دامت أكثر من قرنين. وهذا التحرر من المفهوم التقليدي للدولة لا يعني بالضرورة زوال الدولة وإنما زوال شكل من أشكالها. لكن الأهم من ذلك هو معرفة طبيعة الهيئات والتنظيمات والمؤسسات التي ستحل محلها وتشكل جماع نشاط القرن القادم كله وربما القرن الذي يليه. إن العودة الراهنة إلى المجتمع هي موجة عميقة الجذور، لكن طرق هذه العودة وأشكالها والنماذج التي ستنجم عنها، كل ذلك لا يزال في بداياته الأولى " .

واليوم، والحياة السياسية في بلادنا تمر بمرحلة من التوتر والتشتت والفوضى والالتباسات الفكرية والسياسية، بات لزاما علينا التأكيد على المنطلقات الوطنية الديمقراطية ، وإعادة النظر في بعض المفاهيم التي شابها شيء من الغموض أو اللبس، جرَّاء الظروف التي استجدت بعد احتلال العراق ، وإعادة صياغة بعض التوافقات التي تستدعيها هذه الظروف الصعبة. وفي مقدمة هذه التوافقات إخراج مشروع دمقرطة المجتمع من دائرة التجاذب بين الأطراف المتصارعة وتوكيد استقلاله وانبثاقه من حاجات المجتمع ومن توق جميع القوى الاجتماعية الراغبة في التغيير الديمقراطي إلى الحرية والحياة الكريمة. ويقتضي ذلك توكيد الروابط الضرورية، المنطقية والتاريخية، بين الوطنية والديمقراطية وأن إلغاء أي منهما هو إلغاء للأخرى، إذ الديمقراطية التي تستمد جميع عناصرها من الشعب، الذي هو مصدر جميع السلطات، هي مضمون الدولة الوطنية، وهذه الأخيرة هي شكلها السياسي وتحديدها الذاتي وتجريد عموميتها. إن علاقة الوطنية بالديمقراطية هي علاقة جدلية بامتياز، ومن المؤكد أن فك الاشتباك بين المجتمع السياسي والمجتمع المدني، وتحرير هذا الأخير من هيمنة الدولة سيساهم في وضع مشروع دمقرطة المجتمع موضع التطبيق، وبالتالي المساهمة في بناء عراق ديمقراطي فيدرالي موحد، تلعب فيه مؤسسات المجتمع المدني، على تنوعها، دورا مهما وبناءً.

المصدر :
الأكاديمية العربية المفتوحة - الدانمارك