منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب - عرض مشاركة واحدة - القانون
الموضوع: القانون
عرض مشاركة واحدة
قديم 2008-11-06, 09:40   رقم المشاركة : 3
معلومات العضو
المثابر120
عضو فعّال
 
الصورة الرمزية المثابر120
 

 

 
إحصائية العضو










B18

لتطورات في القارة الأوروبية.

خلال القرن الحادي عشر، بدأ اقتصاد أوروبا الغربية في النمو بشكل سريع. وازداد حجم التجارة والصناعة، مما أدى إلى الحاجة إلى قوانين أكثر تعقيدًا وتنوعًا من القانون الإقطاعي. وكان من رأي المفكرين أن القانون الروماني يمكنه سد هذه الحاجة. فقد كانت جامعة بولونيا في شمالي إيطاليا، التي نشأت في القرن الثاني عشر الميلادي تقريبا، تدرِّس مبادئ القانون المدني لجستنيان لطلاب القانون الوافدين إليها من عدة مناطق في أوروبا. وقد اتسع نطاق الاهتمام بهذه المجموعة فوصل إلى جامعات أوروبية أخرى. ونتيجة لذلك، أخذ القانون الروماني يحل تدريجيا محل القانون الإقطاعي في جميع أرجاء القارة الأوروبية.

التطورات في بريطانيا.

في الوقت الذي بدأ فيه القانون الروماني ينتشر خلال القرن الثالث عشر الميلادي بطول القارة الأوروبية،كانت إنجلترا تملك نظامًا قانونيًا راسخًا وموحدًا. تطور النظام القانوني في إنجلترا خارج محاكم البلاد. فقد درجت المحاكم الإنجليزية على إصدار قراراتها استنادًا إلى أعراف الشعب الإنجليزي. غير أن الأعراف تختلف من منطقة إلى أخرى. ولهذا، فالقضايا المتشابهة كثيرًا ماكان يحكم فيها بطريقة متباينة في مناطق مختلفة. ومع ذلك، شرع ملوك إنجليز أقوياء، في أوائل القرن الثاني عشر الميلادي في إقامة نظام محاكم ملكية يمتد اختصاصها إلى جميع أرجاء البلاد. وبهذه الطريقة، سرعان ما أنشأت هذه المحــاكم مجموعة من قــواعد القانون العرفي، أي القواعد التي تطبق بالقدر نفسه في أي مكان من إنجلترا. وكان في مقدور القضاة تعديل القانون، ولكن أي تعديل كهذا كان ينصرف أثره إلى جميع محاكم القانون العرفي.

وبتطور القوانين العرفية، تمخَّص عنها كثير من السوابق القضائية التي تحد من سلطات الحكومة، وتحمي حقوق الشعب. وقد كان من نتيجة هذه السوابق القضائية أن أصبح كل الشعب، بما في ذلك الملك خاضعًا للقانون. كذلك، تطور إلى جانب القانون العرفي نظام قضائي منفصل عُرف باسم محاكم العدالة. ففي العصور الوسطى، كان من لا يظفرون بتعويض في محاكم القانون العرفي يلجأون إلى رئيس القضاء لإنصافهم. وكان رئيس القضاء، وفيما بعد مساعدوه في محكمة العدالة، يبنون قراراتهم على أساس مبادئ العدل، أي على أساس العدالة الأخلاقية. وفي الوقت المناسب، أصبحت هذه المبادئ قواعد ثابتة. وما زالت قواعد العدالة منفصلة عن قواعد القانون العرفي.

والنظام القانوني الإنجليزي هو الأساس الذي يرتكز عليه قانون المملكة المتحدة، باستثناء أسكتلندا. ويقوم القانون الأسكتلندي على أساس الجمع بين القانون الروماني والعرف الإقطاعي. وبعد أن تحولت أيرلندا إلى النظام الجمهوري استمرت في تطبيق نظام مماثل للنظام الإنجليزي.

أولى مجموعات القوانين الحديثة.

بنهاية القرن السادس عشر، كان القانون الروماني مطبقًا في معظم مناطق أوروبا. ولكن، حظيت إنجلترا وحدها بنظام ملكي قوي إلى الحد الذي مكّنها من إنشاء نظام قانوني موحد. وقد وُضعت مجموعات قوانين في دول أخرى تولت تطبيقها أساسًا حكومات محلية. واختلفت هذه المجموعات بشكل كبير من منطقة إلى أخرى في الدولة الواحدة. وشرع كثير من ملوك أوروبا مع بداية القرن السادس عشر في تشكيل حكومات مركزية قوية. ولتحقيق هذه الغاية، قام هؤلاء الملوك بتجميع المجموعات المحلية المتنوعة في بلادهم في مجموعات قومية، وهو تطور عُرف باسم حركة تجميع القوانين. بلغت حركة تجميع القوانين ذروتها في ظل الحاكم الفرنسي نابليون بونابرت. ففي القرن التاسع عشر الميلادي، عيّن نابليون لجنة من علماء القانون لتحويل القانون الخاص الفرنسي بكامله إلى مجموعة قوانين محكمة على التفكير المنطقي السليم. ومجموعة القوانين الجديدة المسماة مجموعة القوانين المدنية أو قوانين نابليون تركيبة جمعت بين القانون الروماني، والأعراف الفرنسية، والفلسفة الديمقراطية. وقد بدأ سريانها في سنة 1804م، وأصبحت منذ ذلك الحين مجموعة قوانين فرنسا الرئيسية في القانون الخاص. وأضحت هذه المجموعة، أيضا، نموذجا احتذته مجموعات القوانين الخاصة في معظم الدول التي تأخذ بنظام القانون المدني، ولذلك ما زال القانون الروماني الذي تضمنته قوانين نابليون مؤثرا في حياة الناس.

القانون الإنجليزي في المستعمرات.

حين استعمر المستوطنون الإنجليز بلادًا مثل: الولايات المتحدة، وأستراليا وأجزاء من إفريقيا، استمروا في تطبيق القانون الإنجليزي. كان كثير من الزعماء في المستعمرات من رجال القانون الذين درسوا القوانين العرفية الإنجليزية. وقد أخلص هؤلاء الرجال، على وجه الخصوص، لمبادئ القوانين العرفية التي تضع حقوق الشعب فوق إرادة الملك. ولهذا، عندما كانت إحدى هذه المستعمرات تظفر باستقلالها، كانت القوانين العرفية تقف قوة دافعة عند صياغة دستورها الجديد. ومع ذلك، أقرت الدول المستقلة حديثًا الأفكار الجوهرية لنظام القانون العرفي ولم تقر هذا النظام بكامله. فكثير من جوانب القانون العرفي لم يكن عمليًا بالنسبة للأمم الجديدة التي أخذت في الاتساع بشكل مستمر. وبالتحديد، لم يكن قانون الملكية الإنجليزي ملائمًا للولايات المتحدة. فالأراضي مثلا قليلة في إنجلترا، الأمر الذي حمل القانون على فرض قيود ثقيلة على عملية نقل الملكية من مالك إلى آخر. غير أن كثيرًا من الأراضي في الولايات المتحدة لم يكن مستوطنًا،كما أن الأمة ما فتئت توسع من حدودها بصورة مستمرة. ولضمان ازدهار الأمة،كان من المتعين أن يكون الناس أحرارًا في شراء الأراضي وبيعها. ولهذا، بدأ قانون الملكية الأمريكي بالتركيز على الحقوق والالتزامات المتعلقة بالتصرفات الناقلة لملكية الأراضي، ونُبذت القوانين الإنجليزية التي تقيد مثل هذه التصرفات.

وتنهض على أساس النظام الإنجليزي جميع النظم القانونية في أستراليا، وكندا ـ عدا كويبك ـ والهند، وماليزيا، ونيوزيلندا، والولايات المتحدة ـ عدا لويزيانا ـ وكذلك عدد كبير من الدول الإفريقية والكاريبية. غير أن هذه النظم تطورت بطرق مختلفة حسب ما تمليه حاجات كل دولة وأعرافها.

التشريع الإسلامي.

في النصف الأول من القرن السادس الميلادي بُعث إمام المرسلين محمد بن عبدالله ³ في مكة المكرمة نبيًا ورسولاً إلى الناس كافة. وأنزل الله عليه القرآن وحيًا على مدى ثلاثة وعشرين عامًا. وقد حدّد القرآن بالنص، كما رسمت السنة بالقول والفعل والتقرير، منهاج حياة المسلمين في الأخلاق الروحية والنظم القانونية، بقواعد كاملة التناسق بين مبادئها الكلية، وتفاصيلها الجزئية بإحكام وإعجاز، ووجّه بها الرسول ³، وعلماء الشريعة وفقهاؤها من بعده من الصحابة والتابعين ومن تلاهم، حياة الناس في الجزيرة العربية، وأقاموا على أساسها مجتمعًا إسلاميًا منظمًا وقويًا. وحمل المجاهدون الشريعة الإسلامية معهم في فتوحاتهم شرقًا في آسيا وشمالاً حتى أطراف أوروبا الشرقية (الدول البيزنطية ـ تركيا) وغربًا في شمال إفريقيا حتى أطراف أوروبا الغربية (الأندلس ـ أسبانيا)، وطبقوها في تلك المناطق، حتى أصبحت الشريعة الإسلامية مصدرًا للقيم الأخلاقية، وأساسًا للنظم القانونية فيما يعرف حاليًا بالدول العربية والإسلامية منذ القرون الهجرية الأولى وحتى الآن.

الشريعة الإسلامية

هي أحكام الدين الإسلامي الذي نُزِّل على محمد ³ سواءٌ منها مايتعلق بالعقيدة أو الفقه. وقد أخذت الشريعة معنى أخص لتدل على الفقه خاصة.

مقاصد الشريعة.

جعلت الشريعة الإسلامية أول مقاصدها حفظ الأساسيات الخمسة الضرورية في حياة الناس وهي: حفظ الدين وحفظ النفس وحفظ العقل وحفظ المال وحفظ النسل.

خصائص الشريعة.

امتازت الشريعة الإسلامية بخصائص لاتوجد في غيرها من الشرائع فهي مُحكمة لاتعارض بين آياتها ولااضطراب وهي مرنة ومتوازنة وأحكامها مُيسرة لاحرج فيها وتُحقق العدالة والمساواة والحرية للناس. ومن أهم هذه الخصائص ما يلي:

الشمول.

فهي تشمل أحكام العبادات: وهي التي تنظم علاقة الإنسان بربه، كالصلاة والصوم والزكاة والحج. وأحكام المعاملات: وهي التي تنظم علاقة الإنسان مع غيره في الدولة الإسلامية، وعلاقة الدولة الإسلامية بغيرها من الدول. وتنقسم أحكام المعاملات إلى: أحكام الأحوال الشخصية: وهي التي تتعلق بالأسرة، من خِطبة ونكاح، وحقوق زوجية ونسب وطلاق وعدة ونفقة. والأحكام المدنية: وهي التي تتعلق بالبيع والشراء والرهن والإجارة والوكالة والشُفعة، وما يترتب عليها من حقوق مالية. والأحكام الجنائية: وتتعلق بما يصدر عن المكلَّف من جرائم، وما يستحق عليها من عقوبة. وأحكام المرافعات: وهي التي تتعلق بالقضاء والدعوى والبيِّنات. والأحكام الدستورية: وهي التي تتعلق بنظام الحكم وأصوله وسلطان الحاكم على الرعية، وحقوق وواجبات كل منهما. والأحكام الدولية: وهي التي تنظم علاقة الدولة الإسلامية بغيرها من الدول، ومعاملة غير المسلمين في الدولة الإسلامية.

ولم يظهر هذا التقسيم إلا متأخرًا، ولم يكن الهدف منه إلا عملية التنظيم وتسهيل الدراسة، وإلا فإنه لا يوجد في التصور الإسلامي نشاط إنساني لا ينطبق عليه معنى العبادة. بل إن غاية الوجود الإنساني في الحياة تحقيق العبودية لله.
قال تعالى: ﴿وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون﴾ الذاريات: 56 .

وهذه العبادات والأحكام الشرعية، منظِّمة لحياة الناس، ومُصلحة لأفراد المجتمع الإسلامي بأسلوب تربوي فريد. فالصلاة على سبيل المثال علاقة بين العبد وربه.

يقول الله سبحانه وتعالى مبينًا هذه العبادة التربوية في المجتمع: ﴿إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر﴾ العنكبوت: 45 .

والصوم يقود إلـى التقـوى يقـول الله سبحانه وتعالى: ﴿يا أيها الذين آمنوا كُتب عليكم الصيام كما كُتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون﴾ البقرة: 183 .

والزكاة تؤدي إلى الطهارة فيقول الله سبحانه وتعالى: ﴿خذ من أموالهم صدقةً تطهِّرهم وتزكّيهم بها﴾ التوبة: 103 .

وفي الحج بُعدٌ عن الرفث والفسوق والجدال، وأمرٌ بالتزود بالتقوى، يقول سبحانه وتعالى: ﴿الحج أشهرٌ معلومات فمن فرض فيهن الحجّ فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج وما تفعلوا من خير يعلمه الله وتزودوا فإن خير الزاد التقوى واتّقوُنِ يا أولي الألباب﴾ البقرة: 197 .

الإحكام وعدم التعارض والاضطراب.

نزل القرآن على رسولنا محمد ³، في ثلاث وعشرين سنة ـ مفرقًا ـ حسب الحوادث والوقائع، واشتمل على أكثر من ستة آلاف آية، ومع ذلك لا نجد حُكمًا يناقض حكمًا، ولا مبدأ يهدم مبدأ، بل جميع أحكامه متسقة، شُرعت لمصالح العباد، وهي جلب المنافع ودرء المفاسد.
وصدق الله القائل: ﴿أفلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافًا كثيرًا﴾ النساء : 82 .
وقال تعالى: ﴿وأنّ هذا صراطي مستقيمًا فاتّبعوه ولا تتبعوا السُّبل فتفرق بكم عن سبيله﴾ الأنعام : 153 .

المرونة والصلاحية لكل زمان ومكان.

يقصد بالمرونة المقْدرَة على إعطاء الحلول لكل مشكلة، تطرأ في حياة الناس، في كل بيئة وعصر، وبيان حكم الشرع في كل نازلة تستجد.
والسر في مرونة الشريعة وصلاحيتها لكل زمان ومكان هو أن الإسلام جاء بقواعد كليّة وبقيمٍ ومبادئ ثابتة، لا تتغير، ولا تتبدل، ثم وجّه العلماء للنظر والاجتهاد في المسائل والحوادث الجزئية، التي تستجد في إطار هذه القواعد والمبادئ.
ومن هنا لا تستجد مسألة إلا ولها حكم في الشريعة.

اليسر ورفع الحرج.

وهذا مبدأ عظيم وشامل لجميع الأحكام في الشريعة الإسلامية وقد وردت آيات كثيرة في القرآن الكريم تقرر التيسير ورفع الحرج، منها: قولـه تعالى:﴿ما يريد الله ليجعلَ عليكم من حرج﴾ المائدة:6.
وقوله تعالى: ﴿وما جعل عليكم في الدين من حرج﴾ الحج: 78. وغيرها من الآيات (سورة التوبة آية 91، وسورة النور آية 61، وسورة الأحزاب آية 37، 38).

والتيسير ورفع الحرج في الشريعة الإسلامية يرجعان إلى التوسط والاعتدال في الدين الإسلامي.
وقد أثبت الله التوسط بقوله ﴿وكذلك جعلناكم أمةً وسطًا﴾ البقرة: 143 .
فإذا رافق الفعل مشقة زائدة، فإن هذه المشقة تُرفع شرعًا بعد النظر في سببها، فإذا كانت من الفعل ذاته سقط وجوب الفعل أو حرمته، إلى حين زوال المشقة، فلا يجب الصوم مثلاً على المسافر، ويجوز أكل الميتة للمضطر. وأما إذا كانت المشقة بفعل المكلَّف واختياره، فإنها مرفوعة بنهي الله عن ذلك، كالنهي عن الوصال في الصوم والنهي عن التنطع في العبادات وغيرها.

ومن التيسير ورفع الحرج في الإسلام، أن الله قد جعل باب التوبة مفتوحًا للعصاة مالم يحضرهم الموت أو تطلع الشمس من مغربها، ولا يخفى ما في ذلك من راحة واطمئنان، وإعادة الثقة إلى نفس المسيء، وتحريره من الشعور بالذنب والإثم. يقول الله سبحانه وتعالى: ﴿قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمةِ الله إن الله يغفر الذنوب جميعًا إنه هو الغفور الرحيمت﴾ الزمر: 53 .

العدل.

ويتمثل هذا المبدأ في التوجيهات القرآنية التي تأمر بالعدل المطلق بين الناس، وتنهى عن الظلم حتى مع من نبغض ونعادي، قال الله تعالى: ﴿يا أيها الذين آمنوا كونوا قوّامين لله شهداء بالقسط ولا يجَرمَنّكم شنئانُ قومٍ على ألا تعدلو اعدلوا هو أقربُ للتقوى واتقوا الله إن الله خبيرٌ بما تعملون﴾ المائدة:8.

بين القرآن الكريم أن سبب زوال الأمم وهلاكها هو شيوع الظلم، قال تعالى:﴿ولقد أهلكنا القرون من قبلكم لمّا ظلموا﴾ يونس: 13 .
وقد تجلى العدل وظهر في التاريخ الإسلامي، حتى مع غير المسلمين، ومن ذلك قصة عمر بن الخطاب رضي الله عنه مع القبطي الذي شكا إليه ابن والي مصر عمرو بن العاص، لما لطم القبطيَّ بغير حق فأنصف عمر هذا القبطي، عندما قال له: ¸اضرب ابن الأكرمين·. والحرص على العدل ونبذ الظلم هو الذي جعل أهل بلاد الشام النصارى يرحبون بالمسلمين ويعلنون حبهم لهم مع أنهم كانوا يحكمون من أبناء دينهم الروم.

المساواة.

كلمة تفقد معناها عندما يبتعد الناس عن منهج الإسلام وتعاليم القرآن وسنة الرسول ³. وقد قرر القرآن أن التقوى هي الأساس، والميزان الذي يوزن به الناس، وأن الناس متساوون، وإن اختلفوا في الأجناس والألوان،
قال تعالى: ﴿يا أيها الناس إنّا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبًا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم﴾ الحجرات: 13 .
وقد تمثلت المساواة في الإسلام في أعظم صورها، بجعل المؤمنين إخوة، فقال تعالى: ﴿إنما المؤمنون إخوة﴾ الحجرات :10 .
ولم تكن هذه المبادئ مجرد مُثلٍ عليا تُقرّ وتُردّد، بل طُبِّقت عمليًا، عندما آخى الرسول ³ بين كبار الأنصار وأغنيائهم، وبين فقراء المهاجرين وفيهم الموالي. وكان من التطبيق العملي لهذا المبدأ، أن جعل الرسول ³ زيد بن حارثة أميرًا، وهو من الموالي، في غزوة مؤتة. وكذلك عندما أمّر ابنه أسامة لغزو الروم، وكان في الجيش أبو بكرٍ وعمر وسعد بن أبي وقاص.

الحرية.

تقررت الحرية في الإسلام، من خلال توجيهات القرآن المعجز، فقد قرر القرآن حرية الفكر وحرية العقيدة، وحرية الرأي. ففي مجال الفكر، اهتم الإسلام بتحرير العقل من الأوهام والخرافات، وأخذ القرآن يخاطب العقل البشري مؤصِّلاً كبرى قضايا التوحيد. كما حث القرآن على استخدام العقل وتحرير الفكر. وعاب القرآن على من ألغى عقله وفكره وقلّد غيره. وقد بلغ احترام الإسلام للعقل ذروته، عندما جعل المجتهد مأجورًا على تفكيره، وبذل جهده وإن أخطأ فقال عليه الصلاة والسلام: إذا حكم الحاكمُ فاجتهد فأصاب فله أجران، وإذا حكم فاجتهد فأخطأ فله أجر واحد حديث صحيح، أخرجه البخاري ومسلم ، عن عمرو بن العاص. وأما حرية العقيدة فتتجلى في قوله تعالى: ﴿لا إكراه في الدين﴾ البقرة: 256 .
ولقد شهد هذا المبدأ تطبيقًا عمليًا، غايةً في النزاهة والنبـل، فـعاش النصارى في ظل الدولة الإسلامية غير مُكرهين على اعتناق الإسلام. والتاريخ الإسلامي وما فيه من قصص وأحداث تزخر بالمواقف النبيلة معروف للقاصي والـداني. وأمـا حرية القول، فقد أباحت الشريعة للناس أن يُعبِّروا عما يشعرون، وعمـا يجـول في خـواطـرهم. بـل جعلت القول واجبًا على الناس من خلال فريضة الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر فقال تعالى: ﴿ولتكن منكم أمةٌ يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون﴾ آل عمران: 104 .

مصادر الشريعة.

امتازت الشريعة الإسـلامية بتلك الخصائص السابقة لأنها من عند الله سبحـانه وتعـالى وهناك مصدران للشريعة

* أصلية وهي:

- القرآن الكريم كتاب الله المنزل على رسوله محمد ³، والمنقول إلينا بالتواتر، وقد يعرف بأنه كلام الله المعجز.

- وسُنّة نبيه عليه الصلاة والسلام.

وهي ما صدر عن رسول الله ³، من قول أو فعل أو تقرير أو سكوت سوى القرآن.

* تبعية

وهي ان لم يوجد الحكم في القرآن والسنة، فللمجتهد أن يستنبط الأحكام المطلوبة في ضوء قواعد الشريعة وأصولها مما يطلق عليه المصادر التبعية وهي:

- الإجماع.

ومعناه في اللغة، العزم على الشيء، والتصميم عليه، وفي الاصطلاح: اتفاق المجتهدين المسلمين، بعد وفاة رسول الله ³ على حكم شرعي.
والأصل فيه قوله عليه السلام: (إن الله تعالى قد أجار أمتي أن تجتمع على ضلالة) حديث حسن، خرجه ابن أبي عاصم في السنة، عن أنس.

وهو نوعان:

1 الصريح
أن يبدي بعض المجتهدين رأيه في واقعة أو قضية ثم يعرضه على جميع المجتهدين فيقروه عليه صراحة.

2 السكوتي
أن يبدي بعض المجتهدين رأيه في قضية ثم يعرضه على جميع المجتهدين أو ينتشر الرأي بينهم في زمانهم فلا يقره أحد ولا ينكره أحد وإنما يسكت الجميع.

وهناك من ينكر حصول الإجماع لصعوبة ذلك، وهناك من يقبله في عهد الخليفتين أبي بكر وعمر فقط، نظرا لاجتماع الصحابة، أما بعد ذلك فلا يسلّمون بوقوع الإجماع لصعوبته. وهناك من يقبل الإجماع الصريح دون السكوتي، ويتفق جمهور العلماء على قبول النوعين مستدلين بأنه لا يتصور من الصحابة أو المجتهدين سكوت على خطأ ـ كما أن من العلماء من قال إن الإجماع الصريح دلالته قطعية بخلاف السكوتي فدلالته ظنية.

- القياس

من المصادر التَّبعية ويعني في اللغة التقدير والمساواة، وفي الاصطلاح: إلحاق مسألة لا نص على حكمها بمسألة ورد نص بحكمها، في الحكم، وذلك لتساوي المسألتين في علة الحكم أو سببه.

ومثال ذلك تحريم شرب الخمر، حيث ورد نص في ذلك، والعلة هي الإسكار، فكل شراب فيه هذه العلة، يكون حكمه التحريم، قياسا على الخمر.

- الاستحسان

في اللغة عدَّ الشيء حسنا، وفي الاصطلاح العدول عن قياس جلي إلى قياس خفي، أو استثناء مسألة جزئية من أصل كلي، أو قاعدة عامة لدليل يقتضي العدول. ومثال ذلك، إذا بيعت أرض زراعية، دون النص على حقوق الارتفاق مثل حق الشرب والمرور، فهذه الحقوق لا تدخل تبعا، ومثل ذلك لو وقفها ـ جعلها وقفا ـ لأن الوقف مثل البيع في إخراج المال من حوزة مالكه.

ولكن القياس على الإجارة أولى، لأن الموقوف عليه لا يملك الوقف بل المنفعة فقط، وإذن فالقياس على الإجارة أولى، ومقتضى ذلك دخول حقوق الارتفاق تبعا، ولو لم ينص عليها، قياسا على دخولها في الارتفاق من غير ذكر لها، وسبب هذا أن انتفاع الموقوف يتعذر دون تبعية هذه الحقوق، لذا فهي تقاس على الارتفاق استحسانا وليس على الوقف.

مثال النوع الثاني استثناء جزئية من أصل، والمفروض أن القاعدة تنطبق على جزئياتها كافة، لكن قد يظهر للمجتهد دليل يقتضي استثناء مسألة معينة عن الحكم الكلي.
فمثال ذلك:كل محجور عليه لسفه لا تصح تبرعاته ومنها الوقف، لكن جرى استثناء جواز وقفه على نفسه استحسانا لأنه بذلك يحفظ ماله فلا يصير عالة على غيره.

- المصالح المرسلة.

الوصف الذي لم يقم دليل من الشارع على اعتباره أو إلغائه ويقسمها العلماء لثلاثة أنواع :

مصالح اعتبرها الشارع، ووضع لها حكما لتحقيقها، مثل حفظ النفس بمنع القتل، وحفظ المال بمنع سرقته أو إتلافه.

مصالح ألغاها الشارع ولم يعتبرها، كالمحارب يوقع نفسه بالأسر، فيحفظ نفسه من القتل، فقد أوجب الشارع عليه الجهاد والقتال.

مصالح لم يقم دليل شرعي على اعتبارها أو إلغائها.

فكل قضية ليس فيها نص ولا إجماع ولا قياس ولا استحسان، وفيها مصلحة للناس، بشرط ألا يوجد دليل يدل على إلغاء هذه المصلحة، فمن حق المجتهد إيجاد حكم مناسب لتحقيقها.

فعندما كثرت الجيوش وتوسعت رقعة الدولة الإسلامية على عهد الخليفة عمر رضي الله عنه وجد من المصلحة أن يضع الدواوين ففعل ذلك باسم المصلحة.

- سد الذرائع.

إذا كانت الوسيلة توصل إلى محرم صارت محرمة، ووجب منعها، وإذا كانت تؤدي إلى واجب فهي واجبة. والمعتبر ليس نية الفاعل، بل ما يؤدي إليه. فالاحتكار مثلا ممنوع سدًا لذريعة التضييق على الناس، ومنع الدائن من قبول الهدايا من مدينه، سدُُّ لذريعة الربا.

- العرف

يسمى العادة أو هو ما اعتاده الناس من قول أو فعل. فقد اعتاد الناس البيع بالتعاطي، دون استعمال صيغ البيع، ودخول الحمامات العامة، دون تحديد وقت أو كمية الماء المستعمل.
ومنه الصحيح ومنه الفاسد، والمعتبر شرعًا هو الصحيح دون الفاسد ويشترط ألا يعارض نصًا شرعيًا فإذا تغير العُرف تغير الحكم تبعًا له ما دام صحيحًا.

- مذهب الصحابي.

كان الكثير من الصحابة يفتي الناس. والسؤال: إذا كان ما يفتيه صادرًا عن رأي واجتهاد، فهل هو ملزم لمن جاء بعده أم لا؟ يرى بعض العلماء أنه حجة، ومن حق المجتهد أن يختار ما يراه الأقرب، لكتاب الله وسنة رسوله. بينما ذهب آخرون إلى أنه ليس بحجة، وليس مُلزما، ويبدو أن قول الصحابي ليس بحجة بنفسه ولكنه مرجح فقط.

- شرع من قبلنا.

ما حكم الأحكام السابقة على شريعة الإسلام كالموجودة في التوراة مثلاً وجاء ذكرها في الكتاب أو السُنّة؟ بعض العلماء يعتبرها شرعًا لنا وبعضهم لا يعتبرها.

- الاستصحاب

لغةً المصاحبة، واصطلاحًا الحكم ببقاء الشيء على ما كان عليه حتى يقوم الدليل على تغييره، فإذا علم أن فلانًا ملك دارًا مثلا فتبقى كذلك حتى يقوم دليل على انتقالها لغيره. ومن تطبيقات الاستصحاب أن الأصل في الأشياء الإباحة، فكل نبات أو حيوان أو تصرف لا يعرف له حكم في الكتاب أو السنة أو باقي المصادر، فإنه يحكم بجوازه وإباحته، لأن الأصل الإباحة والأصل براءة الذمة لكل إنسان حتى يثبت العكس.


المصدر :

https://www.mawsoah.net/theme0/images/water_logo.gif
الموسوعة العربية العالمية
الحقوق القانونية وحقوق الملكية الفكرية محفوظة لأعمال الموسوعة.
Copyrights (c) 2004 Encyclopedia Works. All Rights Reserved