منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب - عرض مشاركة واحدة - البصمة الوراثية في الاثبات الجنائي
عرض مشاركة واحدة
قديم 2011-03-27, 16:09   رقم المشاركة : 14
معلومات العضو
احلام34
عضو جديد
 
إحصائية العضو










افتراضي

البصمة الوراثية
ومدي مشروعية استخدامها في النسب والجناية




تأليف

عمر بن محمد السبيل

إمام وخطيب المسجد الحرام
وعضو هيئة التدريس بكلية الشريعة بجامعة أم القرى

المبحث الأول

في ماهية البصمة الوراثية

أولاً : التعريف اللغوي للفظ ( البصمة )
البصمة مشتقة من البُصْم وهو : فوت ما بين طرف الخنصر إلي طرف البنصر يقال ما فارقتك شبراً ، ولا فتراً ، ولا عتباً ، ولا رتباً ، ولا بصماً . ورجل ذو بصم أي غليظ البصم ( )
وبصم بصماً : إذا ختم بطرف إصبعه .
والبصمة أثر الختم بالإصبع ( )
فالبصمة عند الإطلاق ينصرف مدلولها غلي بصمات الأصابع وهي : الانطباعات التي تتركها الأصابع عند ملامستها سطحها مصقولاً ، وهي طبق الأصل لأشكال الخطوط الحلمية التي تكسو جلد الأصابع وهي لا تتشابه إطلاقاً حتى في أصابع الشخص الواحد .
ثانياً : ماهية البصمة الوراثية : -
مما تقدم في بيان التعريف اللغوي للفظ البصمة يتضح أن من أهم فوائد معرفة بصمات الأصابع الاستدلال بها علي مرتكبي الجرائم من خلال ما ينطبع من بصماتهم علي الأجسام المصقولة في محل الجريمة ، فهي قرينة قوية في التعرف علي الجناة ، ولقد تجاوزت الاكتشافات الطبية الحديثة معرفة هذه الخاصية من جسم الإنسان إلي اكتشاف خواص كثيرة فيه وإدراك مدي تأثير تلك الخواص في الوراثة عن طريق أجزاء من جسم الإنسان من دم أو شعر أو مني ، أو بول أو غير ذلك .
وقد دلت الاكتشافات الطبية أنه يوجد في داخل النواة التي تستقر في خلية الإنسان ( 46 ) من الصبغيات ( الكروموسومات ) وهذه الكروموسومات تتكون من المادة الوراثية – الحمض النووي الريبوري اللأكسجيني – والذي يرمز إليه بـ (دنا ) أي الجينات الوراثية ، وكل واحد من الكروموسومات يحتوي علي عدد كبير من الجينات الوراثية قد تبلغ في الخلية البشرية الواحدة إلي مائة ألف مورثة جينية تقريباً وهذه المورثات الجينية هي التي تتحكم في صفات الإنسان ، والطريقة التي يعمل بها ، بالإضافة إلي وظائف أخرى تنظيمية للجينات .
وقد أثبتت التجارب الطبية الحديثة بواسطة وسائل تقنية في غاية التطور والدقة : أن لكل إنسان جينوماً بشرياً يختص به دون سواه ، لا يمكن أن يتشابه فيه مع غيره أشبه ما يكون ببصمة الأصابع في خصائصها بحيث لا يمكن تطابق الصفات الجينية بين شخص وآخر حتى وإن كانا توأمين .
ولهذا جري إطلاق عبارة ( بصمة وراثية ) للدلالة علي تثبيت هوية الشخص أخذاً من عينة الحمض النووي المعروف بـ ( دنا ) الذي يحمله الإنسان بالوراثة عن أبيه وأمه ، إذ أن كل شخص يحمل في خليته الجينية ( 46 ) من صبغيات الكروموسومات ، يرث نصفها وهي ( 23 ) كروموسوماً عن أبيه بواسطة الحيوان المنوي ، والنصف الأخر وهي ( 23) كروموسوماً يرثها عن أمه بواسطة البويضة وكل واحد من هذه الكروموسومات والتي هي عبارة عن جينات الأحماض النووية المعروف باسم ( دنا ) ذات شقين ويرث الشخص شقاً منها عن أبيه والشق الأخر عن أمه فينتج عن ذلك كروموسومات خاصة به لا تتطابق مع كروموسومات أبيه من كل وجه ن ولا مع كروموسومات أمه من كل وجه وإنما جاءت خليطاً منهما ( )
وبهذا الاختلاط أكتسب صفة الاستقلالية عن كروموسومات أي من والديه مع بقاء التشابه معهما في بعض الوجوه ، لكنه مع ذلك لا يتطابق مع أي من كروموسومات والديه ، فضلاً عن غيرهما .

قال الدكتور محمد باخطمة: ( وتتكون كل بصمة من وحدات كيماوية ذات شقين ، محمولة في المورثات وموزعة بطريقة مميزة تفرق بدقة بارعة كل فرد من الناس عن الآخر ، وتتكون البصمة منذ فترة الانقسام في البويضة الملقحة وتبقي كما هي حتي بعد الموت ، ويرث كل فرد أحد شقي البصمة من الأب والأخر من الأم بحيث يكون الشقان بصمة جديدة ، ينقل الفرد أحد شقيها إلي أبنائه ، وهكذا ..... ) ( )
وقال الدكتور عبد الهادي مصباح : ( الحامض النووي عبارة عن بصمة جينية لا تتكرر من إنسان إلي آخر بنفس التطابق ، وهي تحمل كل ما سوف يكون عليه هذا الإنسان من صفات وخصائص ، وأمراض وشيخوخة ، وعمر ، منذ التقاء الحيوان المنوي للأب ببويضة الأم وحدوث الحمل ) ( )
وعلماء الطب الحديث يرون أنهم يستطيعون إثبات الأبوة ، أو البنوة لشخص ما أو نفيه عنه من خلال إجراءات الفحص علي جيناته الوراثية حيث قد دلت الأبحاث الطبية التجريبية علي أن نسبة النجاح في إثبات النسب أو نفيه عن طريق معرفة البصمات الوراثية يصل في حالة النفي إلي حد القطع أي بنسبة 100 %أما في حالة الإثبات فإنه فأنه يصل إلي قريب من القطع وذلك بنسبة 99 % تقريباً .
وطريقة معرفة ذلك : أن يؤخذ عينة من أجزاء الإنسان بمقدار رأس الدبوس من البول ، أو الدم ، أو الشعر ، أو المني ، أو العظم أو اللعاب أو خلايا الكلية ، أو غير ذلك من أجزاء جسم الإنسان وبعد أخذ هذه العينة يتم تحليلها ، وفحص ما تحتوي عليه من كروموسومات – أي صبغيات – تحمل الصفات الوراثية ، وهي الجينات ، فبعد معرفة هذه الصفات الوراثية الخاصة بالابن وبوالديه يمكن بعد ذلك أن يثبت بعض هذه الصفات الوراثية في الابن موروثة له عن أبيه لاتفاقهما في بعض هذه الجينات الوراثية فيحكم عندئذ بأبوته له ، أو يقطع بنفي أبوته له ، وكذلك الحال بالنسبة للأم ، وذلك لأن الابن – كما تقدم – يرث عن أبيه نصف مورثاته الجينية ، بينما يرث عن أمه النصف الآخر ، فإذا أثبتت التجارب الطبية والفحصوات المخبرية وجود التشابه في الجينات بين الابن وأبويه ، ثبت طبياً بنوته لهما .
وقد تثبت بنوته لأحد والديه بناء علي التشابه الحاصل بينهما في المورثات الجينية بينما ينفي عن الآخر منهما ، بناء علي انتقاء التشابه بينهما في شتي المورثات الجينية ( )

ثالثاً : مجالات العمل بالبصمة الوراثية :
يري المختصون في المجال الطبي وخبراء البصمات أنه يمكن استخدام البصمات الوراثية في مجالات كثيرة ، ترجع في مجملها إلي مجالين رئيسين هما :

1- المجال الجنائي : وهو مجال واسع يدخل ضمنه :
الكشف عن هوية المجرمين في حالة ارتكاب جناية قتل ، أو اعتداء ، وفي حالات الاختطاف بأنواعها ، وفي حالة انتحال شخصيات الآخرين ونحو هذه المجالات الجنائية .

2- مجال النسب : وذلك في حالة الحاجة إلي إثبات البنوة أو الأبوة لشخص ، أو نفيه عنه ، وفي حالة اتهام المرآة بالحمل من وطء شبة ، أو زنا ( )





المبحث الثاني

في استخدام البصمة الوراثية في مجال النسب
المطلب الأول : في تعريف النسب وعناية الإسلام به

أولاً : تعريف النسب :
التعريف اللغوي :

النسب في اللغة : القرابة ، وسميت القرابة نسباً لما بينهما من صلة واتصال ، وأصله من قولهم نسبته إلي أبيه نسباً ، ومن باب طلب ، بمعني : عزوته إليه ، وانتسب إليه : اعتزي.

والاسم : النسبة بالكسر ، وتجمع علي نسب ، قال ابن السكيت : يكون من قبل الأب ، ومن قبل الأم ، وقال بعض أهل اللغة : هو في الآباء خاصة علي اعتبار أن المرء إنما ينسب لأبيه فقط ولا ينسب لأمه إلا في حالات استثنائية .

وقد استعمل النسب وهو المصدر في مطلق الوصلة بالقرابة فيقال : بينهما نسب أي قرابة ،وجمعه أنساب .قال الراغب الأصفهاني النسب والنسبة : اشتراك من جهة أحد الأبوين وذلك ضربان : نسب بالطول ، كالاشتراك من الآباء والأبناء ، ونسب بالعرض ، كالنسبة بين بني الأخوة ، وبني الأعمام ( )
التعريف الاصطلاحي :

مع البحث المستفيض في كثير من المصنفات في المذاهب الفقهية الأربعة لم أقف علي تعريف شرعي للنسب جامع مانع إذ يكتفي الفقهاء بتعريف النسب بمعناه العام ، المستفاد في معناه في اللغة وهو مطلق القرابة بين شخصين ، دون أن يعرفوه بالمعني الاصطلاحي الشرعي ، وهو الذي يفيد صحة ثبوت النسب لشخص ما ، أو عدم ثبوته له . ومن تلك التعريفات العامة تعريف العلامة البقري بقوله : ( هو القرابة ، والمراد بها الرحم ، وهي لفظ يشمل كل من بينك وبينه قرابة ، قربت أو بعدت ، كانت من جهة الأب أو من جهة الأم ) ( )

وعرفه صاحب العذب الفائض ، بالقرابة أيضاً ، ثم قال ( وهي الاتصال بين إنسانين بالاشتراك في ولادة قريبة أو بعيدة .
وقد حاول بعض الباحثين المعاصرين تعريف النسب بمعناه الاصطلاحي الخاص ، وهو القرابة من جهة الأب باعتبار أن الإنسان إنما ينسب لأبيه فقط فقد قال في تعريفه : ( حالة حكمية إضافية بين شخص وآخر ، من حيث أن الشخص انفصل عن رحم امرأة هي في عصمة زوج شرعي ، أو ملك صحيح ، ثابتين ، أو مشبهين الثابت للذي يكون الحمل من مائه ) ( )
ثانياً : عناية الإسلام بالنسب :

أولت الشريعة الإسلامية النسب مزيداً من العناية ، وأحاطته ببالغ الرعاية ، ولا أدل علي ذلك من جعله في طليعة الضروريات الخمس التي اتفقت الشرائع السماوية علي وجوب حفظها ورعايتها .

وأن من أجلي مظاهر العناية بالنسب في الإسلام أن الله تعالي أمتن علي عباده بأن جعلهم شعوباً وقبائل ليتعارفوا ، فقال عز وجل : (( يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثي وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا أن أكرمكم عند الله اتقاكم )) ( ) ولا يتحقق معرفة الشعوب والقبائل ، وما يترتب علي ذلك من تعارف وتألف إلا بمعرفة الأنساب وحفظها عن الاشتباه والاختلاط .

ومن أجل ذلك عني الإسلام أيما عناية بتنظيم العلاقة بين الرجل والمرآة ضماناً لسلامة الأنساب ، فحرم الإسلام كل اتصال جنسي يتم علي أصول شرعية يحفظ لكل من الرجل والمرآة ما يترتب ما يترتب علي هذا الاتصال من آثار ، وما ينتج عنه من أولاد ، وأبطل جميع أنواع العلاقات التي تعارفت عليها بعض الأمم والشعوب التي انحرفت عن شرائع الله السوية ، ولم يبح الإسلام سوي العلاقة القائمة علي النكاح الشرعي بشروطه المعتبرة ، أو بملك اليمين الثابت ، ولذا قال عز وجل  والذين هم لفروجهم حافظون (5) إلا علي أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين (6) فمن أبتغي وراء ذلك فأولئك هم العادون  ( )

ومن مظاهر عناية الإسلام بالنسب أنه شدد النكير ، وبالغ في التهديد للآباء والأمهات حين يقدمون علي إنكار نسب أولادهم الثابت ويتبرؤون منهم ، أو حين ينسبون لأنفسهم أولاداً ليسوا منهم

وفي هذا يقول عليه الصلاة والسلام : ( أيما امرأة أدخلت علي قوم من ليس منهم فليست من الله في شيء ، ولن يدخلها الجنة ، وأيما رجل جحد ولده وهو ينظر إليه ، احتجب الله منه يوم القيامة ، وفضحه علي رؤوس الأولين والآخرين ) ( )
وحرم الإسلام الانتساب إلي غير الآباء حيث قال عليه الصلاة والسلام في معرض التحذير من ذلك ، وبيان الوعيد الشديد علي فاعله : ( من ادعي إلي غير أبيه وهو يعلم أنه غير أبيه فالجنة عليه حرام ) ( )

وأبطل الإسلام التبني وحرمه ، بعد أن كان مألوفاً وشائعاً عند أهل الجاهلية وفي صدر الإسلام ، يقول عز وجل  ادعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله فإن لم تعلموا آبائهم فإخوانكم في الدين ومواليكم  ( )
وإنما حرم الإسلام التبني لما يترتب عليه من مفاسد كثيرة لكون المتبني ابناً مزوراً في الحقيقة والواقع ، وعنصراً غريباً عن الأسرة التي أنضم إليها ، ولا يحل له أن يطلع علي محارمها ، أو يشاركها في حقوقها ، إضافة إلي أنه قد لا ينسجم مع أخلاقها ، ولا يتلاءم مع طباعها ، لإحساسه وإحساس الأسرة بأنه أجنبي عنها ، وسواء كان المتبني معروف النسب أو مجهولة ، إلا أن الإسلام مع هذا يلحق المجهول بمن أدعاه بمجرد الدعوى ، مع إمكان كونه منه عادة ، وكل هذا من عناية الشريعة الإسلامية بالنسب ، ومزيد رعايتها له تحقيقاً لمقاصد عظيمة ، وحكم جليلة .

*******






المطلب الثاني

الطرق الشرعية لإثبات أو نفي النسب

الفرع الأول : الطرق الشرعية لإثبات النسب :

والمقصود هنا بيان طرق إثبات النسب بياناً مجملاً ، دون الدخول في تفاصيل آراء العلماء في بعض الشروط والصور المعتبرة في كل طريق من طرق إثبات النسب .
وطرق إثبات النسب خمسة ، وهي : الفراش ، الإستلحاق ، والبينة ، والقافة ، والقرعة . فالثلاثة الأول محل اتفاق بين العلماء ( )
وأما الرابع فيه قال الجمهور ، وأما الخامس فيه قال بعض أهل العلم ، ودونك الكلام علي كل واحد من هذه الطرق بشيء من الإيضاح علي النحو التالي :
أولاً : الفراش :
أجمع العلماء رحمهم الله تعالي علي إثبات النسب به بل هو علي أقوي الطرق كلها ، قال العلامة بن القيم : ( فأما ثبوت النسب بالفراش فأجمعت عليه الأمة ) ( ) والمراد بالفراش : فراش الزوجة الصحيح ، أو ما يشبه الصحيح ، فالصحيح هو عقد النكاح المعتبر شرعاً ، حيث توفرت أركانه وشروطه ، وانتفت موانعه ، وأما ما يشبه الصحيح فهو عقد النكاح الفاسد ، وهو المختلف في صحته ، وكذا الوطء بشبهة علي اختلاف أنواعها ، فإن حكمه حكم الوطء بنكاح صحيح فيما يتعلق بثبوت نسب المولود الناتج عن ذلك الوطء .
فإذا أتت المرآة بولد ممن يمكن ان يولد لمثله لستة أشهر منذ الوطء ، أو إن كان الوطء ، فإن النسب يثبت لصاحب الفراش إذا ولد حال الزوجية حقيقة ، أو حكماً كما في المعتدات ، لقوله عليه الصلاة والسلام ( الولد للفراش وللعاهر الهجر ) ( )
ويدخل في الفراش عند جمهور العلماء الوطء بملك اليمين ، وهو ما يعبر عنه بعض الفقهاء بالإستيلاد ، فإذا كان لرجل سُرية يطئها بملك اليمين ، فإنها تعد فراشاً عند الجمهور ( ) أما الحنفية فيرون أن فراش الأمة فراش ضعيف ، لا يلتحق الولد بصاحب الفراش إلا باستلحاقه له ، علي تفصيل عندهم في هذا ( )
ثانياً : الاستلحاق :
ويعبر عنه أيضاً بـ ( الإقرار بالنسب ) وغالباً ما يكون في أولاد الإماء والإقرار بالنسب علي نوعين :
الأول : إقرار يحمله المقر علي نفسه فقط كالإقرار بالبنوة ، أو الأبوة .
الثاني : إقرار يحمله المقر علي غيره وهو ما عدا الإقرار بالبنوة والأبوة كالإقرار بالأخوة ، والعمومة .

وقد أشترط الفقهاء لصحة الإقرار بالنسب في كلا النوعين شروطاً لا بد من تحققها لصحة الإقرار وثبوت النسب بمقتضاه ، فاشترطوا لصحة الإقرار بالنسب علي النفس الشروط التالية :
1- أن يكون المقر بالنسب بالغاً ، عاقلاً ، فلا يصح إقرار الصغير ، ولا المجنون ، لعدم الاعتداد بقولهم لقصورهم عن حد التكليف .
2- أن يكون المقر له بالنسب ممن يمكن ثبوت نسبه من المقر ، وذلك بأن يولد مثله لمثله ، فلو أقر من عمره عشرون ببنوة من عمره خمسة عشر لم يقبل إقراره ، لاستحالة ذلك عادة .
3- أن يكون المقر له مجهول النسب ، لأن معلوم النسب لا يصح إبطال نسبه السابق بحال من الأحوال .
4- ألا يكذب المقرب المقر له المقر ، إن كان أهلاً لقبول قوله ، فإن كذبه فإنه لا يصح الإقرار عندئذ . ولا يثبت به النسب .
5- أن لا يصرح المقر بأن المقر له ولده من الزنا ، فإن صرح بذلك فإنه لا يقبل إقراره ، لأن الزنا لا يكون سبباً في ثبوت النسب لقول النبي صلي الله عليه وسلم ( الولد للفراش وللعاهر الحجر )
6- أن لا ينازع المقر بالنسب أحد ، لأنه إذا نازعه غير فليس أحدهما أولي من الأخر بمجرد الدعوى ، فلابد من مرجح لأحدهما فإن لم يكن فإنه يعرض علي القافة ، فيكون ثبوت النسب لأحدهما بالقيافة لا بالإقرار .
فإذا توفرت هذه الشروط ثبت نسب المقر له من المقر ، وثبت بمقتضي ذلك جميع الأحكام المتعلقة بالنسب . فإن كان الإقرار بالنسب فيه تحميل للنسب علي الغير ، كالإقرار بأخ له ونحوه ، فإنه يشترط لصحة ثبوت النسب إضافة إلي الشروط المتقدمة ما يأتي :
1- اتفاق جميع الورثة علي الإقرار بالنسب المذكور
2- أن يكون الملحق به النسب ميتاً ، لأنه إذا كان حياً فلابد من إقراره بنفسه .
3- أن لا يكون الملحق به النسب قد أنتفي من المقر له في حياته باللعان ( )

ثالثاً : البينة :
والمراد بها الشهادة ، فإن النسب يثبت لمدعيه بناء علي شهادة العدول بصحة ما ادعاه وقد أجمع العلماء علي أن النسب يثبت لمدعيه بشهادة رجلين عادلين ، واختلفوا في إثباته بغير ذلك : كشهادة رجل وامرأتين ، أو شهادة أربعة نساء عادلات ، أو شهادة رجل ويمين المدعي ، حيث قال بكل حالة من هذه الحالات طائفة من العلماء ، غير أن مذهب جماهير أهل العلم ، وهم المالكية ، والشافعية ، والحنابلة ، أنه لا يقبل في إثبات النسب بالشهادة إلا شهادة رجلين عادلين ( )

فإذا ثبت نسب المدعي بالبينة لحق نسبه بالمدعي وترتب عليه ثبوت جميع الأحكام المتعلقة بالنسب .

رابعاً : القيافة :
وهي لغة تتبع الآثار لمعرفة أصحابها ، والقائف : من يتبع الأثر ويعرف صاحبه ، وجمعه قافه ( )
والقائف في الاصطلاح الشرعي : هو الذي يعرف النسب بفراسته ونظره إلي أعضاء المولود ( )
والقيافة عند القائلين بالحكم بها في إثبات النسب ، إنما تستعمل عند عدم الفراش ، والبينة ، وحال الاشتباه في نسب المولود والتنازع عليه ، فيعرض علي القافة ، ومن ألحقته به القافة من المتنازعين نسبه ، ألحق به .
وقد أختلف العلماء في حكم إثبات النسب بها علي قولين مشهورين :

القول الأول : أنه لا يصح الحكم بالقيافة في إثبات النسب ، وبه قال الحنفية ( )
القول الثاني : اعتبار الحكم بالقيافة في إثبات النسب عند الاشتباه والتنازع . وبه قال جمهور العلماء ، حيث قال به : الشافعية ( )والحنابلة ( ) والظاهرية ( ) والمالكية في أولاد الإماء في المشهور من مذهبهم ، وقيل : في أولاد الحرائر أيضاً ( )
ومما لا شك فيه أن ما ذهب إليه الجمهور من الحكم بالقيافة واعتبارها طريقاً شرعياً في إثبات النسب هو الراجح ، لدلالة السنة المطهرة علي ذلك ، وثبوت العمل بها عند عدد من الصحابة رضي الله عنهم ، ولم يعرف لهم مخالف ، فكان كالإجماع منهم علي الحكم بها ، قال العلامة بن القيم رحمه الله في بيان حجية العمل بالقيافة في إثبات النسب وقد دل عليها سنة رسول الله  وعمل خلفائه الراشدين ، والصحابة من بعدهم ، منهم عمر بن الخطاب ، وعلي بن أبي طالب ، وأبو موسى الأشعري ، وابن عباس ، وأنس بن مالك رضي الله عنهم ، ولا مخالف لهم في الصحابة ، وقال بها من التابعين سعيد بن المسيب ، وعطاء بن أبي رباح ، والزهري ، وإياس بن معاوية ، وقتادة وكعب بن سور ومن تابعي التابعين اليس بن سعد ومالك بن أنس وأصحابه وممن بعدهم الشافعي وأصحابه ، وأحمد وأصحابه ، وإسحاق وأبو ثور ، وأهل الظاهر كلهم ، وبالجملة فهذا قول جمهور الأئمة ، وخالفهم في ذلك أبو حنيفة وأصحابه وقالوا العمل بها تعويل علي مجرد الشبه ، وقد يقع بين الأجانب ، وينتفي بين الأقارب ) ( )
هذا وقد أشترط الجمهور لاعتبار قول القائف ، والحكم به في إثبات النسب عدة شروط من أهمها : أن يكون القائف مسلماً مكلفاً ، عدلاً ، ذكراً ، سميعاً ، بصيراً ، عارفاً بالقيافة ، مجرباً في الإصابة ( )
وقد ذهب أكثر القائلين بالحكم بالقيافة إلي جواز الاكتفاء بقول قائف واحد والحكم بإثبات النسب بناء علي قوله ، بينما ذهب آخرون إلي أنه لا يقبل في ذلك أقل من أثنين .
ومبني الخلاف في ذلك علي اعتبار القائف هل هو شاهد ، أو مخبر ، فمن قال بالأول أشترط أثنين ، ومن قال بالثاني أكتفي بواحد ، وقيل مبني الخلاف علي أن القائف هل هو شاهد أو حاكم ؟ قال الباجي : ( وجه القول الأول : أن هذه طريقة الخبر عن علم يختص به القليل من الناس كالطبيب والمفتي ، ووجه القول الثاني انه يختص بسماعه ، والحكم به ، الحكام ، فلم يجز في ذلك أقل من أثنين ) ( )

وقال في الإنصاف : ( وهذا الخلاف مبني عند كثير من الأصحاب علي أنه هل هو شاهد أو حاكم ؟ فإن قلنا هو شاهد اعتبرنا العدد ، وإن قلنا هو حاكم : فلا وقالت طائفة من الأصحاب : هذا خلاف مبني علي أنه شاهد ، أو مخبر ، فإن جعلناه شاهداً اعتبرنا العدد ، وإن جعلناه مخبراً لم نعتبر العدد ، كالخبر في الأمور الدنيوية ) ( )
ورجح العلامة بن القيم الاكتفاء بقول قائف واحد محتجاً بذلك بقوله : ( ومن حجة هذا القول ، وهو قول القاضي وصاحب المستوعب ، والصحيح من مذهب الشافعي ، وقول أهل الظاهر أن النبي صلي الله عليه وسلم سر بقول مجزز المدلجي وحده ، وصح عن عمر أنه أستقاف المصطلقي وحده كما تقدم ، واستقاف بن عباس ابن كلبة وحده ، واستلحقه بقوله . وقد نص أحمد علي أنه يكتفي بالطبيب والبيطار الواحد إذا لم يوجد سواه ، والقائف مثله ............ بل هذا أولي من الطبيب والبيطار ، لأنهما أكثر وجوداً منه فإذا أكتفي بالواحد منهما مع عدم غيره فالفائق أولي ( )

هذا وإن لم تتفق الفاقة علي إلحاق المجهول نسبه بأحد المدعيين ، بل تباينت أقوالها وتعارضت ، فإن قولها يسقط لتعارضها ، كالبينتين إذا تعارضتا تساقطتا ، إلا في حالة واحدة وهي أن يتفق اثنين من الفاقة علي إلحاقه بشخص ، ويخالفهما قائف واحد ، فإنه لا يلتفت إلي قوله ، ويؤخذ بقول الاثنين لأنهما كالشاهدين ، فقولهما أقوي من قول الواحد .
أما ما عدا ذلك من حالات الاختلاف كأن يعارض قول اثنين قول اثنين أحرين ، أو قول ثلاثة فإن قول القافة يسقط في هذه الحالات كلها . وبهذا قال الحنابلة ( )

أما لو أخذ بقول القافة ، وحكم به حاكم ، ثم جاءت قافة أخري فألحقته بشخص أخر ، فإنه لا يلتفت إلي قول المتأخرة منهما ، لأن حكم الحاكم يرفع الخلاف ، ومثل هذا أيضاً لو رجعت القافة عن قولها بعد الحكم به وألحقته بشخص أخر فإنه لا يلتفت إلي رجوعها عن قولها الأول لثبوت نسب المجهول بمن ألحق به أولاً وبهذا قال الشافعية والحنابلة ( )

وإذا لم يؤخذ بقول القافة لاختلاف أقوالها ، أو أشكل الأمر عليها فلم تلحقه بواحد من المدعين ، أو لم توجد قافة ، فإن نسب المجهول يضيع علي الصحيح من مذهب الحنابلة ( )
والقول الأخر للحنابلة هو مذهب الشافعية ( ) : أن الأمر يترك حتى يبلغ المجهول ، ثم يؤمر بالانتساب إلي أحد المدعين ، لأنه روي عن عمر رضي الله عنه أنه قال للغلام الذي ألحقته القافة بالمدعيين ( وال أيهما شئت ) ( ) ، ولأنه إذا تعذر العمل بقوله الفاقة رجع إلي اختيار الولد الجبلي ، لأن الإنسان يميل بطبعه إلي قريبه دون غيره ، ولأنه إذا بلغ صار أهلاً للإقرار ، فإذا صدقه المقر له فيثبت نسبه حينئذ بالإقرار .
وفي قول في كلا المذهبين : أنه يؤمر بالاختيار والانتساب إلي أحد المدعيين إذا بلغ سن التمييز .
والمفهوم من مذاهب المالكية : أن الحكم كذلك ، حيث نصوا علي أن الفاقة إذا بأكثر من أب ألحق بهم حتى يبلغ ، ثم يؤمر باختيار واحد منهم ( )

خامساً : القرعة : وهي أضعف طرق إثبات النسب الشرعي ، ولذا لم يقل بها جمهور العلماء ، وإنما ذهب إلي القول بها ، واعتبار ها طريقة من طرق إثبات النسب : الظاهرية ( ) والمالكية في أولاد الإماء ( ) وهو نص الشافعي في القديم ( ) وفيها قال بعض الشافعية عند تعارض البينتين ( ) وقال بها الإمام أحمد في روايته ( ) وابن أبي ليلي ، وإسحاق بن راهوية ( ) . وأحتج القائلون بها بما رواه أبو داود ( ) والنسائي ( ) عن زيد بن أرقم رضي الله عنه قال ( كنت جالساً عند النبي  فجاء رجل من اليمن ، فقال : إن ثلاثة نفر من أهل اليمن أتو علياً يختصمون إليه في ولد ، وقد وقعوا علي امرأة في طهر واحد ، فقال لاثنين منهما : طيبا بالولد لهذا ، فغليا ، فقال : فقال أنتم شركاء متشاكسون ، إني مقرع بينكم فمن قرع فله الولد وعليه لصاحبه ثلثا الدية ، فأقرع بينهم ، فجعله لمن قرع فضحك رسول الله  حتي بدت أضراسه أو نواجذه )
قال الإمام بن حزم تعليقاً علي هذا الحديث ( لا يضحك رسول الله  دون أن ينكر يري أو يسمع ما لا يجوز البتة غلا أن يكون سروراً به ، وهو عليه الصلاة والسلام لا يسر إلا بالحق ، ولا يجوز أن يسمع باطلاً فيقره ، وهذا خبر مستقيم السند نقلته كلهم ثقات ، والحجة به قائمة ، ولا يصح خلافه البتة ) ( )
وقال الإمام الخطابي : ( وفيه إثبات القرعة في أمر الولد ، وإحقاق القارع ) ( )
والقرعة عند القائلين بها لا يصار إلي الحكم بها إلا عند تعذر غيرها من طرق إثبات النسب من فراش أو بينة أو قيافة ، أو في حالة تساوي البينتين ، أو تعارض قول القافة ، فيصار حينئذ إلي القرعة حفاظاً للنسب عن الضياع وقطعاً للنزاع والخصومة فالحكم بها غاية ما يقدر عليه ، وهي أولي من ضياع نسب المولود لما يترتب علي ذلك من مفاسد كثيرة .

قال العلامة بن القيم رحمه الله : ( إذا تعذرت القافة ، أو أشكل الأمر عليها كان المصير إلي القرعة أولي من ضياع نسب الولد وتركه هملاً لا نسب له ، وهو ينظر إلي ناكح أمه وواطئها ، فالقرعة هاهنا أقرب الطرق إلي إثبات النسب ، فإنها طريق شرعي ، وقد سدت الطرق سواها ، وإن كانت صالحه لتعيين الأملاك المطلقة وتعيين الرقيق من الحر ، وتعيين الزوجة من الأجنبية فكيف لا تصلح لتعيين صاحب النسب من غيره ، ومعلوم أن طرق حفظ الأنساب أوسع من طرق حفظ الأموال ، والشارع إلي ذلك أعظم تشوفاً ، فالقرعة شرعت لإخراج المستحق تارة ولتعينه تارة ، وها هنا أحد المتداعيين هو أبوه حقيقة ، فعملت القرعة في تعيينه كما عملت في تعيين الزوجة عند اشتباهها في أجنبية ، فالقرعة تخرج المستحق شرعاً ، كما تخرجه قدراً ...... فلا استبعاد في الإلحاق بها عند تعينها الطريقة ، بل خلاف ذلك هو المستبعد ) ( )

الفرع الثاني : الطريق الشرعي لنفي النسب :
من أجل محاسن شريعة الإسلام المباركة ، رعايتها للأنساب ، وعنايتها بالحفاظ عليها ، ومن مظاهر ذلك تشوفها إلي ثبوت النسب ودوامه ، وتسهيلها في إثباته بأدنى الأسباب وأيسرها ، وتشديدها في نفيه وإبطاله متي ما ثبت بأحد الطرق المشروعة ، حيث لا تقبل الشريعة الإسلامية نفي النسب بعد ثبوته مهما كان الحامل عليه أو الداعي إليه غلا عن طريق واحد ، وهو اللعان .
لذا ، فأنه يحسن إعطاء نبذة موجزة عن اللعان وصفته والآثار المترتبة علي النحو التالي :

تعريف اللعان :
اللعان في اللغة مشتق من اللعن ، وهو الطرد والإبعاد من الخير ، سمي بذلك ، لأن الزوج ، يلعن نفسه في الشهادة الخامسة ، أو لأن أحد الزوجين عرضة للطرد والإبعاد من رحمة الله بسبب كذبه وافترائه ( )
وهو في الشرع شهادات مؤكدات بإيمان من زوجين مقرونة بلعن أو غضب ( ).
دليل مشروعيته :
دل علي مشروعية : الكتاب ، والسنة ، والإجماع .
أما الكتاب : ففي قول الله عز وجل (( والذين يرمون أزواجهم ولم يكن لهم شهداء إلا أنفسهم فشهادة أحدهم أربع شهادات بالله إنه لمن الصادقين (6) والخامسة أن لعنت الله عليه إن كان من الكاذبين ( 7) ويدرأ عنها العذاب أن تشهد أربع شهادات بالله إنه لمن الكاذبين ( 8 ) والخامسة أن غضب الله عليها إن كان من الصادقين )) ( )
¬¬¬¬
وأما السنة : فللأحاديث الكثيرة الثابتة عنه  في ذلك ، ومنها ما ثبت في الصحيحين عن ابن عمر رضي الله عنهما : ( أن رجلاً لا عن امرأته ، وانتفى من ولدها ، ففرق رسول الله  بينهما وألحق الولد بالمرآة ) ( )

وأما الإجماع علي مشروعية اللعان في الجملة فقد حكاه عدد من العلماء ( ) .
واللعان لا يشرع إلا حين يعلم الزوج بزنا زوجته إما برؤية ، أو إخبار ثقة ، أو مشاهدة رجل فاجر يدخل عليها ، أو يخرج منها ، أو باستفاضة زنا عند الناس ، ونحو ذلك ، فإذا ما حصل شيء من ذلك ولم يكن ثمة ولد يحتاج الزوج إلي نفيه فالأولي به في هذه الحالة أن يكتفي بطلاقها لتحريم بقائها معه ، مع حفظ لسانه عن رميها بالفاحشة ستراً عليها ، وصيانة لحرمة فراشه ، فغن كان هناك ولد يحتاج إلي نفيه سواء كان حملاً ، أو مولوداً ، فإنه لا ينتفي منه لولادته علي فراشه إلا بأن يلاعن زوجته ( ) ولا يصح اللعان إلا بعد توفير الشروط التالية :
1- أن يكون الزوجين مكلفين .
2- أن يكون الزوج مختاراً للعان ، وغير مكره عليه .
3- أن يقذف الزوج زوجته بالزنا ، فتكذبه .
4- أن يكون اللعان بأمر من الإمام أو نائبه .

فهذه جملة الشروط التي اشترطها الفقهاء لصحة اللعان ( ) . ولهم في ذلك تفاصيل واسعة ، وليس هذا محل بيانها .

صفة اللعان :

وصفته أن يأمر الإمام أو نائبه الزوج أن يلاعن زوجته فيقول : أشهد بالله أن زوجتي هذه قد زنت ، فيسميها باسمها ، أو يشير إليها يكرر ذلك أربع مرات ، ثم يقول في الخامسة ، وأن لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين .
وإذا أراد نفي الولد قال : وإن هذا الولد من زني ، وليس مني فإذا فرغ الزوج من لعانه لاعنت الزوجة قائلة : أشهد بالله إنه لمن الكاذبين فيما رماني به من الزنا ، تكرر ذلك أربع مرات ، ثم تقول في الخامسة : وأن غضب اله عليها إن كانت من الصادقين .
وإن كان الزوج قد نفي ولدها قالت : وإن هذا الولد منه وليس من زنى ويجب علي المتلاعنين التقيد بهذه الصفة والألفاظ في اللعان إتباعا للكتاب والسنة ، فإذا حصل شيء من الإخلال بذلك لم يصح اللعان ، كما يجب أن يبدأ الزوج باللعان قبل المرآة ، فإن بدأت قبله لم يصح ، لأن الله تعالي بدأ بالزواج ، وأمر به رسول الله  ، ولأن لعانها مبني علي لعانه لا العكس .
آثار اللعان :
فإذا تم اللعان علي الصفة المشروعة ترتب عليه الإحكام التالية
1- انتفاء الولد من الزوج إذا صرخ بنفيه ، ولحوق نسب الولد بأمه للحديث السابق .
2- سقوط حد القذف عن الزوج إن كانت زوجته محصنة ، وسقوط التعزيز عنه إن لم تكن محصنة ، وسقوط حد الزنا عن المرآة ، بنص القرآن علي ذلك .
3- وقوع الفرقة المؤبدة بين الزوجين وتحريم نكاحها عليه علي التأبيد ( ) لقوله  ( لا سبيل لك عليها ) ( )

فهذه أهم أحكام اللعان ، ومسائله ، وللعلماء تفاصيل موسعه في كثير من أحكامه ، وليس هذا محل بيانها ، حيث المقصود بإعطاء نبذة موجزة يتضح بها معالم هذا الحكم الشرعي .

فهذا هو السبيل الشرعي الوحيد لنفي النسب ، أما غير ذلك من الطرق التي كانت شائعة قبل الإسلام ، كالتبني ، وتحويل النسب ، أو التنازل عنه للغير ، وغير ذلك فقد أبطلها الإسلام ، وحرمها ، وأجمعت الأمة علي تحريمها ( ) لقوله تعالي :  أدعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله ( ) ولقوله  ( من ادعي إلي غير أبيه وهو يعلم أنه غير أبيه فالجنة عليه حرام ) . وقوله  ( لا ترغبوا عن آبائكم فمن رغب عن أبيه فهو كفر ) ( ) . ولقوله  ( الولاء لحمة كلحمة النسب لا يباع ولا يوهب ) ( )



المطلب الثالث

حكم استخدام البصمة الوراثية في مجال النسب

تمهيد
بعد بيان ماهية البصمة الوراثية وإيضاح طرق إثبات النسب الشرعي ، وطريق نفيه ، فإن مقتضي النظر الفقهي لمعرفة حكم استخدام البصمة الوراثية في مجال النسب ، يفرض علي الباحث الشرعي النظر في إمكانية اعتبار البصمة الوراثية قرينة يستعان بها علي إثبات النسب أو نفيه فحسب ، أو اعتبار هما طريقاً من طرق إثبات النسب قياساً علي إحدى الطرق الثابتة شرعاً .
غير إني وقبل بيان ذلك أود القول بأن النظريات العلمية الحديثة من طبية وغيرها مهما بلغت من الدقة والقطع بالصحة في نظر المختصين إلا أ،ها تظل محل شك ونظر ، لما علم بالاستقراء للواقع أن بعض النظريات العلمية المختلفة من طب وغيره يظهر مع التقدم العلمي الحاصل بمرور الزمن إبطال بعض ما كان يقطع بصحته علمياً ، أو علي الأقل أصبح مجال شك ، ومحل نظر ، فكم من النظريات الطبية علي وجه الخصوص – كان الأطباء يجزمون بصحتها وقطعيتها ، ثم أصبحت تلك النظريات مع التقدم العلمي الطبي المتطور ضرباً من الخيال ( )
¬¬¬¬¬
وهذا أمر معلوم وثابت مما يحتم علي الفقهاء والباحثين الشرعيين التروي في النظر ، وعدم الاندفاع بالأخذ بالنظريات العلمية كأدلة ثابتة توازي الأدلة الشرعية أو تقاربها ، فضلاً عن إحلال تلك النظريات محل الأدلة الشرعية الثابتة ( ) أمارات قد تحمل عليه ، أو قرائن قد تدل علية ، لأن الشارع يحتاط للأنساب ويتشوف غلي ثبوتها . ويكتفي في إثباتها بأدنى سبب ، فإذا ما ثبت النسب فإنه يشدد في نفيه ، ولا يحكم به إلا بأقوى الأدلة .

قال ابن قدامه : ( فإن النسب يحتاط لإثباته ويثبت بأدنى دليل ، ويلزم من ذلك التشديد في نفيه . وأنه لا ينتفي إلا بأقوى دليل ( )

وقال العلامة بن القيم : ( وحيث اعتبرنا الشبه في لحوق النسب ، فإنما إذا لم يقاومه سبب أقوي منه ، ولهذا لا يعتبر مع الفراش ، بل يحكم بالولد للفراش وإن كان الشبه لغير صاحبه ، كما حكم النبي  في قصة عبد ابن زمعة بالولد المتنازع فيه لصاحب الفراش ولم يعتبر الشبه المخالف له فاعمل  الشبه في حجب سوده حيث أنتفي المانع من إعماله في هذا الحكم بالنسبة غليها ولم يعلمه في النسب لوجود الفراش ) ( ) ومن تشديد الشارع في نفي النسب بعد ثبوته أنه حصر نفيه بطريق واحد فقط وهو اللعان ، واشترط لإقامته شروطاً كثيرة تحد من حصوله ، وتقلل من وقوعه – وقد سبق بيانها – وبناء علي ذلك فإنه لا يجوز استخدام البصمة الوراثية في نفي نسب ثابت ، كما لا يجوز الاكتفاء بالبصمة الوراثية عن اللعان في نفي النسب بمقتضي نتائجها الدالة علي انتفاء النسب بين الزوج والمولود علي فراشه ، وذلك لأن اللعان حكم شرعي ثابت بالكتاب والسنة والإجماع وله صفة تعبدية في إقامته ، فلا يجوز إلغاؤه ، وإحلال غيره محله ، أو قياس أي وسيلة عليه مهما بلغت من الدقة والصحة في نظر المختصين به .

وإن كان بعض الفقهاء المعاصرين قد ذهبوا إلي جواز الأخذ بالبصمة الوراثية والاكتفاء بها عن اللعان إذا دلت نتائجها عن انتفاء النسب بين الزوج والمولود علي فراشه ، معللين لذلك بأن الزوج إنما يلجأ إلي اللعان لنفي النسب عند فقد من يشهد له بما رمي به زوجته ، وحيث أن الفحص من خلال البصمة الوراثية قد يدل علي صحة قول الزوج ، فإنها تكون بمثابة الشهود التي تدل علي صدق الزوج فيما يدعيه علي زوجته في حال ثبوت انتفاء النسب بين الزوج والمولود علي فراشه من خلال نتائج البصمة الوراثية ( )

ومع تقديري للقائلين بهذا القول من الفقهاء فإن فيه من المصادمة للنصوص الشرعية ، الجرأة علي إبطالها ، وإلغاء العمل بها ما يحمل علي رد هذا القول وعدم اعتباره ، وذلك لأن الأحكام الشرعية الثابتة لا يجوز إلغاؤها ، أو إبطال العمل بها إلا بنص شرعي يدل علي نسخها وهو أمر مستحيل ، ولأنه لو أقرت الزوجة بصدق زوجها فيما رماها به من الفاحشة فإن النسب يلحق الزوج لقوله  ( الولد للفراش وللعاهر الهجر ) ولا ينتفي عنه إلا باللعان ولأن اللعان يشرع لدرء الحد حاملاً ، ويعلم الزوج أن الحمل منه ، ولكنه زنت بعد الحمل فيريد أن يدرأ الحد علي نفسه باللعان فلا يجوز منعه من هذا الحق الثابت له شرعاً ، فكيف يجوز إلغاء حكم شرعي بناء علي نظريات طبية مظنونة ، والله عز وجل يقول  وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضي الله ورسوله أمراً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم  ( ) وقد جاء في مشروع توصية المجمع الفقهي برابطة العالم الإسلامي في دورته الخامسة : ( أنه لا يجوز استعمال البصمة الوراثية في نفي النسب استقلالً اكتفاء باللعان ، ولا استعمالها في نفي نسب من ثبت نسبه بأي دليل شرعي ) ( )

وقال الشيخ محمد الأشقر ( إنه لن يكون مقبولاً شرعاً استخدام الهندسة الوراثية ، والبصمة الوراثية لإبطال الأبوة التي ثبتت بطريق شرعي صحيح من الطرق التي تقدم بيانها ولكن مجال العمل بالبصمة الوراثية سيكون في إثبات أو نفي أبوة لم تثبت بطريق شرعي صحيح .....) ( )

هذا ومع أنه لا يجوز الاكتفاء بالبصمة الوراثية عن اللعان ، فإنه يحسن الاستعانة بها علي اعتبار أنها قرينه قد تحمل الزوج علي العدول عن اللعان فيما إذا ثبت من خلال نتائج البصمة الوراثية أن المولود علي فراشه هو أبنه قد تخلق من ماءه ، وهذه مصلحة شرعية يدعو إليها الشرع المطهر ويتشوف إليها لما فيها من تأكيد للأصل الشرعي وهو ( أن الولد للفراش ) ، ولما فيها من درء مفسدة اللعان وضرره ، فإن أصر الزوج علي طلب اللعان للانتفاء من نسب المولود علي فراشه فذلك حق له لا يجوز منعه منه بناء علي ما ظهر من نتائج البصمة الوراثية من كون المولود المراد نفيه هو أبنه .

ولو أن اللعان تم بين الزوجين ، وانتفي الزوج من الولد ، ثم أكذب نفسه ، وعاد واستلحق الولد بنسبه ، فأنه يلحق به سواءً أكان إستلحاقه بسبب ما ظهر له من نتائج البصمة الوراثية قبل اللعان أو حتي بعده والتي تدل علي أنه ولده ، أو لم يكن إستلحاقه بعد اللعان بسبب ، لأن الفقهاء أجمعوا علي أن الملاعن إذا أكذب نفسه وأستلحق الولد بعد نفيه فإنه يقبل منه ويلحقه نسبه ، لتشوف الشارع إلي ذلك ، لكن يقام عليه حد القذف إن كانت الزوجة محصنة ، ويعذر إن لم تكن محصنة ) ( )
وأما إذا تبين من خلال نتائج البصمة الوراثية صحة ما يدعيه الزوج من كون أن المولود علي فراشه ليس أبنه ، فذلك قرينه تقوى جانب الزوج ، وتؤكد حقه في اللعان .

فالخلاصة أنه لا يجوز الاكتفاء بالبصمة الوراثية عن اللعان علي اعتبار أن نتائجها عند ذوي الاختصاص بها قطعية أو قريبة من القطعية ، وذلك لأن الحكم الشرعي لا يجوز إبطاله وترك العمل به إلا بدليل نصي وهو غير ممكن ، غير أن الحاكم الشرعي يجدر به أن يستفيد من هذه التقنية الحدية المتطورة وإجراء الفحوصات المخبرية للبصمة الوراثية للاستعانة بها كقرينة من القرائن التي يستعان بها علي التحقق من صحة دعوى الزوج أو عدمها ، بغرض الحيلولة دون وقوع اللعان قدر المستطاع لحض الشارع علي درء ذلك ومنعه ، وتشوفه لاتصال الأنساب وبقاء الحياة الزوجية ( )

الفرع الثاني

حكم استخدام البصمة الوراثية في إثبات النسب

نظراً لتشوف الشارع إلي ثبوت النسب وإلحاقه بأدنى سبب فإن الأخذ بالبصمة الوراثية في مجال إثبات النسب في الحالات التي يجوز فيها الحكم بثبوت النسب بناء علي قول القافة ، أمر ظاهر الصحة والجواز وذلك لأنه إذا جاز الحكم بثبوت النسب بناء علي قول القافة ، لاستنادها علي علامات ظاهرة ، أو خفية مبنية علي الفراسة والمعرفة والخبرة ( )في إدراك الشبه الحاصل بين الآباء والأبناء فإن الأخذ بنتائج الفحص بالبصمة الوراثية ، والحكم بثبوت النسب بناء علي قول خبراء البصمة الوراثية أقل أحواله أن يكون مساوياً للحكم بقول القافة إن لم تكن البصمة أولي بالأخذ بها ، والحكم بمقتضي نتائجها من باب قياس الأولي ، لأن البصمة الوراثية يعتمد فيها علي أدلة خفية محسوسة من خلال الفحوصات المخبرية ، التي علم بالتجارب العلمية صحة نتائجها الدالة علي وجود الشبه ، والعلاقة النسبية بين أثنين أو نفيه عنهما كما قال أحد الأطباء المختصين ( أن كل ما يمكن أن تفعله القافة يمكن للبصمة الوراثية أن تقوم به ، وبدقة متناهية ( ) . وقد نص بعض الفقهاء علي ترجيح قول القائف المستند في قوله إلي شبه خفي علي قول القائف المستند في قوله إلي شبه ظاهر ، معللين لذلك : بأن الذي يستند في قوله إلي شبه ظاهر معللين لذلك : بأن الذي يستند في قوله إلي شبه خفي معه زيادة علم تدل علي حذقه وبصيرته ( ).

ومما لا شك فيه أن البصمة الوراثية فيها من زيادة العلم والحذق واكتشاف المورثات الجينية الدالة علي العلاقة النسبية ما لا يوجد مثله في القافة ومع ذلك فإن ( القياس وأصول الشريعة تشهد للقافة ، لأن القول بها حكم يستند إلي درك أمور خفية وظاهرة توجب للنفس سكوناً ، فوجب اعتباره كنقد الناقد وتقويم المقوم ) ( ) ، ولأن قول القائف ( حكم بظن غالب ، ورأي راجح ممن هو من أهل الخبرة فجاز كقول المقومين ) ( ) فكذلك الحال بالنسبة للبصمة الوراثية لما فيها من زيادة العلم والمعرفة الحسية بوجود الشبه ، والعلاقة النسبية ما لا يوجد مثله في القافة ، إما يحمل علي الحكم لمشروعية الأخذ بها في مجال إثبات النسب في الحالات التي يجوز فيها الحكم بناء علي قول القافة ، قياساً عليها ، ولأن الأصل في الأشياء – غير العبادات – الإذن والإباحة ، وأخذاً من أدلة الشرع العامة ، وقواعده الكلية في تحقيق المصالح ، ودرء المفاسد لما في الأخذ بالبصمة الوراثية في مجال إثبات النسب من تحقيق لمصالح ظاهرة ، ودرء المفاسد قصيرة .

قال العلامة بن القيم رحمه الله : ( وأصول الشرع وقواعده والقياس الصحيح يقتضي اعتبار الشبه في لحوق النسب والشارع متشوف إلي اتصال الأنساب وعدم انقطاعها ، ولهذا أكتفي في ثبوتها بأدنى الأسباب من شهادة المرآة الواحدة علي الولادة والدعوى المجردة مع الإمكان ، وظاهر الفراش ، فلا يستبعد أن يكون الشبه الخالي عن سبب مقاوم له كافياً في ثبوته .... ) ( ) وقال أيضاً : ( بل الشبه نفسه بينه من أقوي البيانات ، فإنها أسم لما يبين الحق ويظهره وظهور الحق هاهنا بالشبه أقوي من ظهوره بشهادة من يجوز عليه الوهم والغلط والكذب ، وأقوي بكثير من فراش يقطع بعدم اجتماع الزوجين فيه ) ( )

وقال شيخنا العلامة عبد العزيز بن باز رحمه الله : ( إن الأساس في هذا كله مراعاة الشبه الذي يراه المختصون ، فإذا كان ولد تنازعت فيه امرأتان أو تنازع فيه أبوان أو ثلاثة ، أمان أو أكثر فهذا محل البحث ... فيمكن للثقات الذين يعرفون الشبه سواء بالبصمة أو غيرها أن يشهدوا أن هذا ولد فلانة ، وهذا ولد فلانة عند الإشتباه ( )

فالبصمة الوراثية ، والاستدلال بها علي إثبات النسب يمكن أن يقال بأنها نوع من علم القيافة ، وقد تميزت بالبحث في خفايا وأسرار النمط الو راثي للحامض النووي بدقة كبيرة ، وعمق ومهارة علمية بالغة ، مما يجعلها تأخذ حكم القيافة في هذا المجال من باب أولي فيثبت بالبصمة ما يثبت بالقيافة مع وجوب توفر الشروط والضوابط التي وضعها الفقهاء في القافة عند إرادة الحكم بإثبات النسب عن طريق البصمة الوراثية ( )

وجاء في توصية ندوة الوراثة والهندسة الوراثية ما نصه : ( البصمة الوراثية من الناحية العملية وسيلة لا تكاد تخطئ في التحقق من ألوالديه البيولوجية ، والتحقق من الشخصية ، ولا سيما في مجال الطب الشرعي ، وهي ترقي إلي مستوي القرائن القوية التي يأخذ بها أكثر الفقهاء في غير قضايا الحدود الشرعية ، وتمثيل تطوراً عصرياً عظيماً في مجال القيافة الذي يذهب إليها جمهور الفقهاء في إثبات النسب المتنازع فيه ، ولذلك تري الندوة أن يؤخذ بها في كل ما يؤخذ فيه بالقيافة من باب أولي ) ( )
وبناء علي ذلك فإنه يمكن الأخذ بالبصمة الوراثية في مجال إثبات النسب في الحالات التالية :

1- حالات التنازع علي مجهول النسب بمختلف صور التنازع التي ذكرها الفقهاء ، سواء أكان التنازع علي مجهول النسب بسبب انتفاء الأدلة أو تساويها ، أو كان بسبب اشترك في وطء شبهه ونحوه . ( )
2- حالات الاشتباه في المواليد في المستشفيات ومراكز رعاية المواليد والأطفال ونحوها ، وكذا الاشتباه في أطفال الأنابيب .
3- حالات ضياع الأطفال واختلاطهم ، بسبب الحوادث والكوارث وتعذر معرفة أهليهم ، ( ) وكذا عند وجود جثث لم يمكن التعرف علي هويتها بسبب الحروب ، أو غيرها .

شروط خبير البصمة الوراثية :
اشترط الفقهاء في القائف شروطاً لابد من تحققها كي يقبل قوله ، ويحكم بثبوت النسب بناء عليه ، وذلك لأن قول القائف إما خبر ، أو شهادة ، وكلهما لابد فيه من الأهلية لذلك ، حتى يقبل قوله ، ويحكم بثبوت النسب بناء عليه وخبير البصمة الوراثية كالقائف فيما يشترط فيه من الشروط ومجمل ما ذكره الفقهاء من شروط في القائف أن يكون: 1- مسلماً . 2- عدلاً . 3- ذكراً . 4- حراً . 5 – مكلفاً . 6- سميعاً . 7 – بصيراً . 8 – ناطقاً . 9 – معروفاً بالقيافة مجرباً في الإصابة . 10 – وأن يكون من بني مدلج . 11 – وأن لا يجر لنفسه بذلك نفعاً ، أو يدفع ضرراً فلا يقبل قوله لأصوله وفروعه ، ولا يقبل علي من بينه وبينه عداوة ، لئلا يحمله الهوى نحو أي منهما فيجر له نفعاً ، أو يوقع به ضرراً . 12- وأن يشهد بإثبات النسب قائفان فأكثر( )

فهذا مجمل ما اشترط الفقهاء من شروط في القائف كي يقبل قوله ، ويحكم بثبوت النسب بناء عليه ، وعلي خلاف بينهم في كثير من هذه الشروط ، ولست هنا بصدد مناقشة كل شرط ، وبيان ما أراه راجحاً إذ أن الخلاف في مثل هذا بحمد الله أمر سهل ، والمرجع في رفعه إلي الحاكم الشرعي عند الحكم ، لأن حكم الحاكم يرفع الخلاف والحاكم قد يري الأخذ ببعض هذه الشروط ، أو لا يري الأخذ بها في قضية من القضايا حسب ما يحف بالقضية أو حال من قرائن ، غير أني أود هنا أن أبدي رأيي في بعض هذه الشروط لما رأي من فرق بين القائف وخبير البصمة نحو اعتبار هذه الشروط فيه أم لا ، ومن هذه الشروط ما يأتي :

1- اشتراط الإسلام :
وهذا الشرط إنما يكون في حالة إثبات النسب لمسلم ، أما في حالة إثبات النسب لكافر ، فإن قول الكافر يقبل في حق كافر آخر عند بعض أهل العلم ، كما في الشهادة ( )
2- اشتراط الحرية :
وهذا الشرط مع ضعف القول به في حق القائف ، فإنه لا يحتاج إلي اشتراطه في خبير البصمة الوراثية أيضاً لا سيما وأنه لا يوجد رق في هذا الزمان .

3- اشتراط كون القائف من بني مدلج :
وقد قال باشتراط هذا الشرط بعض الشافعية ، ( ) وهو قول ضعيف لمخالفة ما ثبت عن الصحابة من أنهم أستقافوا من غير بني مدلج ( ) ولذا فإنه لا يلتفت في هذا الشرط في خبير البصمة الوراثية لأنه لا آثر للوراثة في البصمة ، بخلاف القيافة فضلاً عن ضعف القول به في القيافة

4- اشتراط العدد :
ذهب بعض الفقهاء إلي اشتراط العدد في القيافة ، بمعني أنه لابد أن يتفق قائفان فأكثر علي إلحاق المدعي نسبه بأحد المتداعين ، بينما ذهب آخرون إلي جواز الاكتفاء بقول قائف واحد ، وهو الراجح من حيث الدليل .
والخلاف هنا ينسحب تبعاً إلي البصمة الوراثية ولذا ذهب بعض الفقهاء المعاصرين إلي اشتراط التعدد في خبراء البصمة الوراثية احتياطا للنسب بينما ذهب آخرون إلي جواز الاكتفاء بقول خبير واحد ( )

والذي أراه أن الأمر راجع إلي الحاكم الشرعي ، فعليه أن يجتهد في اختيار ما يراه راجحاً – كسائر المسائل الخلافية ومحققاً للمصلحة ، لأنه قد يري من قرائن الأحوال في قضية من القضايا من صدق وأمانة وكفاءة عالية وخبرة ودقة متناهية في خبير البصمة الوراثية ما يحمله علي الاكتفاء بقوله ، بينما قد يظهر له في قضية أخري من الشكوك ما يدعوه إلي التثبت والاحتياط ، فيحتاج إلي قول خبير آخر .

5- اشتراط المعرفة والإصابة بالتجربة :
أشترط الفقهاء في القائف أن يكون معروفاً بالقيافة ، مشهوراً بالإصابة ، فإن لم تعرف إصابته فإنه يجرب ف