النص العاشر :
لم يذم أحد من السلف بأنه مجسم ولا ذم المجسمة ، وليس في كتاب الله ولا سنة رسوله ولا قول أحد من سلف الأمة وأئمتها أنه ليس بجسم وان صفاته أجساما وأعراضا .
ثم نقل عن ابن تيمية رحمه الله قوله :
(الوجه السابع والسبعون أن لفظ الجسم والعرض والمتحيز ونحو ذلك ألفاظ اصطلاحية وقد قدمنا غير مرة أن السلف والأئمة لم يتكلموا في ذلك حق الله لا بنفي ولا بإثبات بل بدعوا أهل الكلام بذلك وذموهم غاية الذم والمتكلمون بذلك من النفاة أشهر ولم يذم أحد من السلف أحدا بأنه مجسم ولا ذم المجسمة)
وقوله : (ثم المتكلمون من أهل الإثبات لما ناظروا المعتزلة تنازعوا في الألفاظ الاصطلاحية فقال قوم العلم والقدرة ونحوهما لا تكون إلا عرضا وصفة حيث كان فعلم الله وقدرته عرض وقالوا أيضا إن اليد والوجه لا تكون إلا جسما فيد الله ووجهه كذلك والموصوف بهذه الصفاة لا يكون إلا جسما فالله تعالى جسم لا كالأجسام قالوا وهذا مما لا يمكن النزاع فيه إذا فهم المعنى المراد بذلك لكن أي محذور في ذلك وليس في كتاب الله ولا سنة رسوله ولا قول أحد من سلف الأمة وأئمتها أنه ليس بجسم وأن صفاته ليست أجساما وأعراضا فنفي المعاني الثابتة بالشرع والعقل بنفي ألفاظ لم ينف معناها شرع ولا عقل جهل وضلال )
وعلق الأستاذ فودة بقوله : (تأمل هذا الأسلوب المراوغ ، فهو يدعي أن هذه الألفاظ لم ينفها السلف ولم يثبتوها بل لم يتكلموا فيها نفيا وإثباتا)
ونقول للأستاذ كلام ابن تيمية صحيح فهل أثبت أنت خلافه ؟!
فإن لم تثبت خلافه فأنت الدعي المراوغ لا هو .
وقولك
ومع ذلك فقد أثبتنا نحن أن ابن تيمية بثبت الجسمية والتحيز ومعنى العرضية على الله وكما سيمر بك في هذا الكتاب )
أقول
- أنت في الحقيقة لم تثبت شيئا بل ادعيت دعاوى عريضة بينا بطلانها وما فيها من تحايل وتدليس وتلاعب بالألفاظ ..
وقول الأستاذ فودة عن المجسمة :
(ولهذا لم يلتفت إليهم السلف ولم يعبئوا بهم ولم يشغلوا أنفسهم بالرد عليهم لظهور فساد أرائهم وبطلان قولهم ... أما اشتغال السلف والعلماء المتقدمين بالرد على الجهمية فلأن آراء هؤلاء هي التي تستحق الرد لأنها فيها قرب كبير من الحقيقة والأصول الصحيحة ! فلذلك نبه السلف على بطلانها )
أقول هذا أولا تسليم منك بصحة كلام ابن تيمية رحمه الله بأن السلف لم يتعرضوا لهذه الألفاظ بنفي ولا إثبات ولم يرد عنهم ذم للمجسمة كما ذكر شيخ الإسلام حيث قال :
" لم يلتفت إليهم السلف ولم يعبئوا بهم ولم يشغلوا أنفسهم بالرد عليهم لظهور فساد أرائهم وبطلان قولهم " فقد أنطقه الله بالحق رغم انفه لعله يفيق من غفلته ..
وثانيا : ليتأمل القارئ هذه الفضيحة العظيمة التي سجلها لأستاذ فودة بقوله عن أقوال الجهمية المعطلة :
( لأنها فيها قرب كبير من الحقيقة والأصول الصحيحة !)
فرغم الإجماع المنعقد على كفرهم وضلالهم وتصريح كبار الاشاعرة بتكفيرهم وتضليلهم إلا أن الأستاذ يقرر هنا بان هذا المذهب المردي قريب من الحقيقة والأصول الصحيحة !
بالطبع الحقيقة التي هو عليها لا الحقيقة التي عليها السلف الذين منهم الإمام عبد الله ابن المبارك حيث قال
إنا لنحكي كلام اليهود والنصارى ولا نستطيع أن نحكي كلام الجهمية )
والذين أطبقوا على ضلالهم وكفرهم ثم يأتي الأستاذ فودة بعد هذه القرون الطويلة ليجعلهم أقرب إلى الحق والأصول الصحيحة !!!
فهنيئا للأستاذ فودة وأتباعه المحققين المنتفخين بقربهم من الجهمية وبعدهم عن أعداءهم من السلف !!!
وهذه والله لفضيحة عظيمة يسجلها الأستاذ على نفسه في آخر هذا المبحث كرامة لهذا الإمام الجليل رحمه الله ولعل هذه الفضيحة هي ثمرة هذا العمل الخبيث نسال الله العافية ...
ثم يقول الأستاذ : (هذا النص وإن ساقه على لسان من سماهم بالمثبتة ، إلا أننا نعرف تماما أن مراده بالمثبتة أهل الحق عنده .. )
أقول أولا هذا اعتراف من الأستاذ فودة بأن ابن تيمية إنما يسوق هذه الكلام على لسان غيره ممن سماهم بالمثبتة ... وهذا تصديق قولنا فيما سبق والله الحمد .
وثانيا : قوله " إلا أننا نعرف تماما أن مراده بالمثبتة أهل الحق عنده " هو التخرص بعينه. - وإن هذا الكلام من الأستاذ فودة ليدل القارئ على ما ذكرناه من حقيقة أن الأستاذ فودة رغم كل هذه الحيل لم يظفر بنص صريح يقرر فيه ابن تيمية أن الله جسم ،وإلا لما كان الأستاذ في حاجة لمثل هذه الطرق الملتوية والمشحونة بالتخرص والادعاء .
- والأستاذ لا شك يشعر بالريبة من هذه النقولات التي يسميها " نصوصا صريحة " لذا فإنه لا ينسى أن ينبه على ما يتوقعه من ريبة من القارئ بأن ابن تيمية لم يقل هذا ، وإنما ساقه حجة للمثبتين على النفاة دون التزامه ، لا سيما وقد نص على ذلك فيما نقلناه عنه ،وهذا يحدث -على الأقل- احتمال عدم صحة نسبة هذه الأقوال إليه ..
ولكن الأستاذ دائما يتقدم بين يدي القارئ بأن المثبتين هم المجسمة من الكرامية والحنابلة وتارة بأنهم أهل الحق عند ابن تيمية وتارة بأنهم أهل الحديث والأثر ورغم كل ذلك فنقول للأستاذ فودة وللقارئ أن هذا لا يعني أن ابن تيمية يقول بهذا ضرورة فهي طريقة استنتاجيه في نهاية الأمر مبناها على التخرص والتخمين لا القطع عند جميع العقلاء .
لان القول بأن هذا قول المثبتين .. والمقصود بالمثبتين هم كذا وكذا... وبما أن ابن تيمية لا يخرج عن قول المثبتين وقد ساق هذا القول على سبيل الاحتجاج ولم يعلق عليه... فيعتبر هذا قول له ... - فعلى فرض صحة هذا - فهو عند جميع العقلاء من قبيل الإلزام والاحتمال،يحتاج إلى دليل آخر يرجح ما ذهب إليه الأستاذ...
- وهذه الطريقة على فرض صحتها فهي لا تعني على أي حال ما يدعيه الأستاذ فودة دائما من صراحة النصوص ووضوحها .
فإذا كانت هذا طبيعة كل دليل أتى به الأستاذ فكيف يدعي بعد ذلك صراحة الأدلة ووضوحها وقطعيتها ؟ !
وكيف هذا وقد نص ابن تيمية رحمه الله على مراده بما يقطع الطريق على كل متخرص كما سبق تفصيل ذلك في مقدمة هذا البحث ومع ذلك يأتي الأستاذ ويقول :
(بهذه النصوص الواضحة الجلية ، تستطيع أن تتيقن بأن الرجل غارق في التجسيم الصريح ، ولا يستطيع أحد من أصحابه ولا أتباعه دفع هذه الصفة عنه بأساليبهم الماكرة وأقوالهم الفارغة)
أقول : الحمد لله فأنت إلى الآن لم تستطع أن تبرز للقارئ نصا صريحا يقرر فيه ابن تيمية رحمه الله بأن الله جسم ، وكل ما سبق يؤكد للقارئ مدى تلاعب الأستاذ فودة وتحايله عليه ولله الأمر من قبل ومن بعد ..
والله الموفق
يتبع نقض مبحث التركيب إن شاء الله