النص الرابع : وصف الله بما يقتضي أنه جسم هو مذهب جماهير أهل الإسلام .
نرى في هذا العنوان تنازلا من الأستاذ فودة عن القول بتصريح ابن تيمية بأن الله جسم إلى القول بما يقتضي أن يكون الله جسما فهل ما سبق كان كافيا أو أنه قد تنازل عن شرطه بأنه سيورد نصوصا صريحة وليست لوازم ومقتضيات !
وحيث أن القارئ لم يقنع بعد بما سبق حيث تبين له أن ما سماه الأستاذ فودة نصوصا لم تكن إلا مجرد تلاعب واحتيال في توجه الكلام وتفسيره فكيف له أن يقنع بما يقر الأستاذ فودة أنه ليس نصوصا بل مقتضى ولازم ؟
- وإذا كان ما أورده الأستاذ فيما سبق مما يسميه نصوصا واضحة وصريحة قد علم حاله مع أنه من المفترض من جهة ترتيب الأدلة أن تكون هي الأقوى دلالة فكيف بما يقر الأستاذ فيه بأنه مقتضى الكلام ولازمه ؟ !
لا شك أنه سيكون الأضعف من نوعه وسيبذل الأستاذ فودة جهدا أكثر مما سبق حتى يوقف القارئ على محل الشاهد من الكلام ! .
ولنرجع إلى الأستاذ حيث نقل عن ابن تيمية قوله :
(فيقال إن أردت بهذا الكلام أنهم وصفوه بلفظ الأجزاء والأبعاض وأطلقوا ذلك عليه من غير نفي للمعنى الباطل وقالوا إنه يتجزأ أو يتبعض وينفصل بعضه عن بعض فهذا ما يعلم أحد من الحنابلة يقوله هم مصرحون وإن أردت إطلاق لفظ البعض على صفاته في الجملة فهذا ليس مشهورا عنهم لا سيما والحنابلة أكثر اتباعا لألفاظ القرآن والحديث من الكرامية ومن الأشعرية بإثبات لفظ الجسم فهذا مأثور عن الصحابة والتابعين والحنبلية وغيرهم متنازعون في إطلاق هذا اللفظ كما سنذكره إن شاء الله وليس للحنبلية في هذا اختصاص ليس لهم قول في النفي والإثبات إلا وهو وما أبلغ منه موجود في عامة الطوائف وغيرهم إذ هم لكثرة الاعتناء بالسنة والحديث والاءتمام بمن كان بالسنة أعلم وأبعد عن الأقوال المتطرفة في النفي والإثبات وإن كان في أقوال بعضهم غلط في النفي والإثبات فهو أقرب من الغلط الموجود في الطرفين في سائر الطوائف الذين هم دونهم في العلم بالسنة والاتباع
وإن أردت أنهم وصفوه بالصفات الخبرية مثل الوجه واليد وذلك يقتضي التجزئة والتبعيض أو أنهم وصوفه بما يقتضي أن يكون جسما والجسم متبعض ومتجزئ وإن لم يقولوا هو جسم فيقال له لا اختصاص للحنابلة بذلك بل هذا مذهب جماهير أهل الإسلام بل وسائر أهل الملل وسلف الأمة وأئمتها )
وكالعادة فقد قطع الأستاذ فودة هذا النص الذي سقناه مكتملا هنا تقطيعا وحشاه حشوا ثم علق عليه فقال :
( فانظر في هذا الكلام الشنيع كيف ينسب القول بأن الله جسم إلى جماهير أهل الإسلام ، بل وسائر الملل وسلف الأمة وأئمتها ، فمن من السلف قال بهذا إلا المجسمة ،وهل المجسمة هم سلف الأمة المباركة فتعست إذن أمة سلفها وقدوتها هم أرذل الطوائف وأضيقهم عقولا وأقبحهم مذهبا )
ووالله لو سمع هذا الكلام من له أدنى تأمل واطلاع على كتب شيخ الإسلام لمجه مجا ولحكم على قائله بالكذب الصريح فورا فكيف ينسب ابن تيمية القول بأن الله جسم إلى جماهير أهل الاسلام وسائر الملل والسلف وهو في كل كتاب بل في كل موضع له يتكلم عن الجسم وأهل الكلام يذكر أن السلف لم يتكلموا بهذه الألفاظ وان منهج الشريعة هو السكوت وعدم التعرض لهذا اللفظ بنفي ولا إثبات وان وأن ...
وكلام الأستاذ فودة أكثره خطابي ودعاوى فارغة من المضمون وعند التحقيق يكون الأمر على خلاف ما ادعى
ومع أن الأستاذ قد صدر العنوان بقوله ( وصف الله بما يقتضي أنه جسم هو مذهب جماهير أهل الإسلام)
فكونه يقتضى يعني يلزم منه...، فإن كان مقصوده أن ما ذكره هو لازم قوله فهو باطل قطعا ولا يلزمه هذا أصلا ! وإن كان يدعي أن هذا هو لفظ كلامه ونصه فهو باطل أيضا وكذبا صريحا عليه رحمه الله .
أما القارئ الكريم فإنه سيقرأ قول ابن تيمية على هذا الوجه :
(وإن أردت أنهم وصفوه بالصفات الخبرية مثل الوجه واليد..... فيقال له لا اختصاص للحنابلة بذلك بل هذا مذهب جماهير أهل الإسلام بل وسائر أهل الملل وسلف الأمة وأئمتها)
فسيعلم أن ابن تيمية إنما يثبت الصفات الخبرية مثل الوجه واليد وغيرها مما أطبق السلف والأئمة على إثباتها وان هذا هو مذهب جماهير أهل الإسلام وسائر الملل ...
وسيعلم أن قوله ( وذلك يقتضي التجزئة والتبعيض..) أنه من إلإلزامات التي يلزمه بها الخصم والتي لا يسلم بها ابن تيمية حيث أنها لا تلزم القول بإثبات الصفات على ما يليق بالله جل وعلا فضلا أن نقول يلتزمها ابن تيمية أو لا يلتزمها .....
فالتلاعب واضح وجلي والقارئ الذي تصفه دائنا بأنه فطن لن يحتاج إلى كبير جهد لكشفه !!
-وتلاعب الأستاذ بالألفاظ في هذا الموضع وفي الكثير من المواضع الأخرى هو على هذه الصورة ...
ويكمن في أنه ينسب إلى القائل لازم قوله الذي يزعم أنه يلزمه وكأنه قال به وسلم له بهذا التلازم فيجعله من نفس قوله فإثبات الصفات الخبرية التي جاءت في الكتاب والسنة وإجماع السلف كاليد والوجه وغيرها يسميها الرازي أجزاءا وأعضاءا ويلزم المثبت لها من الحنابلة بأنه مجسم لان إثبات هذه الأجزاء والابعاض والأعضاء مستلزم لكون الله سبحانه جسما ، فيرد ابن تيمية أن إثبات الصفات الخبرية من اليد والوجه وغيرها مما جاء به الكتاب والسنة غير مختص بالحنابلة بل جماهير أهل الإسلام يثبتون ذلك ...
فيأتي الأستاذ فودة فيلبس الأمر ويجعل لازم إثبات الصفات هو نفس قول المثبت ثم يشنع عليه ويقول انظروا لابن تيمية إنه يثبت أن لله ابعاضا واجزاءا وأن الله جسم وينسب ذلك إلى جماهير أهل الإسلام !
فالله المستعان على محقق ينشد الإنصاف كالأستاذ فودة !
ويختم الأستاذ بقوله :
( فالحاصل أن ابن تيمية ،يعتقد أن كون الله جسما هو ما اتفق عليه سلف الأمة والصحابة وهو قول أكابر العلماء من المسلمين . فتأمل وتعجب .)
والحقيقة أننا حينما نتأمل في كلام شيخ الإسلام رحمه الله لا نعجب إلا من تحايل الأستاذ وتلاعبه المكشوف والذي يجعل القارئ بعد ذلك على حذر شديد وريبه في تصديق كلامه ..