وهذه خطبة الجمعة لفضيلة الشيخ يحيى بن علي الحجوري ( ) :
الخطبة الأولى
الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله .
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران: 102]
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا(1)}( النساء : 1 ) .
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلا سَدِيدًا(70)يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا(71)}. ( الاحزاب : 70 - 71 )
أما بعد فإن أصدق الحديث كتاب الله ، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم ، وشر الأمور محدثاتها ، وكل محدثة بدعة ، وكل بدعة ضلالة ، وكل ضلالة في النار .
أيها الناس إن الله سبحانه وتعالى أرسلَ رَسوله محمداً صلى الله عليه وسلم مُخرجاً لهذه الأمة من ظُلمات الجهل والتيه ، إلى نور الحق والبرهان والاستقامة .
( هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلاَلٍ مبِينٍ ) .
{لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌٌَ }.
( فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنْ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ) .
وجعله في غايةٍ من الحرص على أن يُوصلَ الحق إلى الناس ، وعلى أن يُوصلَ الهداية إلى الناس ، بل إن الله عز وجل قد عتب عليه في مواضع كثيرة في كتابه لشدة حرصه على الناس وعلى هدايتهم( فلا تذهب نَفسك عليهم حَسَرات إن الله عليمٍ بما يصنعون ) ، { فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا} ، فيخبر ربنا سبحانه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كاد أن يايخئ نفسه وأن يقتل نفسه حسرةً على أنها من شدة الحسرة على الناس لِمَ لم يستجيبوا لشرع الله ، ولقد كان يَسعى في أسواق الجاهلية وفي أيان الحج فيقول عليه الصلاة والسلام : ( ألا من يؤويني فأبلغ دين ربي ) وهذا في غاية الحرص على إيصال الخير للناس .
وفي < الصحيحين > أنه ذهب إلى ابن عبد ياليل فعرض نفسه عليه ليؤويه حتى ينصر دين الله ، فرد عليه دعوته ، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مغمومٌ ، حتى بلغ قرن الثعالب ورفع رأسه ، وإذا جبريل يناديه يا محمد إن هذا ملك الجبال يناديك إن شئت أن أطبق عليهم الاخشبين فعلت قال : ( لا إني أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله ) الحديث عن أم المؤمنين عائشة في < الصحيحين > .
كل هذا يَدل على حرصه الشديد على إيصال الخير للناس ، وما توفاه ربه سبحانه حتى أكمل به هذه الملة المعوجة ، ففتح به أعيناً عمياً وآذاناً صماً وقلوباً غلفاً ، كانت تدعو غير الله كانت تَعتقد الضَر والنفع في غير الله ، ربما كان أحدهم يعبد حجراً وبلا شك ولقد كان في مكة أكثر من ثلاثمائة صنم {وَقُلْ جَاء الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقاً } ، وجاء الحق بتحطيم ذلك الباطل على يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، جاء رسول الله باخراج الناس من ظلمات الأهواء إلى نور الحق والسنة إلى نور الحق والهداية { الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا } فما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى نزلت هذه الآية ، وقال بعض يهود : لو علينا نزلت لتخذنا ذلك اليوم عيداً ، لأن عندهم الأعياد من تلقاء أنفسهم من غير توقيف عن دليل ، وهي نزلت في يوم عرفة ولم يَلبث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا نحو ثمانين يوماً حتى قَبضه الله (مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ) مما يحتاج إليه الناس في دينهم ، لم يكن ليترك رب العالمين الناس إلى عقول العقلانيين ، ولا إلى هلوسة المهلوسين ، ولا إلى استحسان المستحسنين ، فأكمل الله سبحانه وتعالى دينه ، وفي < الصحيحين > من حديث سهل بن سعدٍ رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه قال لعلي بن أبي طالب : ( ادعهم إلى ما نحن عليه ، والله لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من حمر النعم ) ، والذي كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم هو أن يدعو الناس إلى كتاب الله وإلى ما أوحى الله إليه من السنة ، (وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى (1) مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى (2) وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلا وَحْيٌ يُوحَى ) .
(وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْء) .
(أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آَمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ (16) اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآَيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) ، وقد حذر رسول الله صلى الله عليه وسلم من تمام نصحه وغاية محبته للمسلمين ولأهل الإسلام ، حذر من جميع البدع صغيرها وكبيرها ودقيقها وجليلها لما فيها من الأضرار على الناس في دينهم في معتقداتهم في عباداتهم في جميع أحوالهم ، فقال عليه الصلاة والسلام في خُطَبه وكان يكرر ذلك : ( ألا وإن كل بدعةٍ ضلالة وكل ضلالة في النار ) وهو القائل عليه الصلاة والسلام : ( من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد ) ( من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد ) ، فأبان صلوات الله وسلامه عليه أن من جاء باختراع في الدين ليس له مثالٌ سابق من الشرع فهو وبال على صاحبه مردودٌ عليه ، وروى الترمذي وغير من أهل السنن والمعاجم والمسانيد من حديث العرباض بن سارية رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم وعظهم موعظةً بليغة وجلت منها القلوب وذرفت منها العيون فقالوا يا رسول الله : كأنها موعظة مودعٍ فأوصنا قال : ( أوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة ، وإن تأمر عليكم عبدٌ ، فإنه من يعش منكم فسيرى اختلافاً كثيراً ، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين عضوا عليها بالنواجذ ، وإياكم ومحدثات الأمور ، فإن محدثة بدعة ) سمعاً وطاعةً لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم .
ألا وإن من أعظم البدع ، وأقبح البدع ، وأرذل البدع في هذه الأيام ، وفي هذه العصور الجديدة ، لما أحدثه بعض الناس مما يدعونه علماً ، ويسمونه بالأعجاز العلمي ، يضخمونه في أعين الناس ، يعضمونه في صدور الناس ، والواقع أنه جهلٌ محظ ، والواقع أنه تجهيل للمسلمين ، والواقع أنه مزاحمة لكتاب رب العالمين وسنة سيد المرسلين عليه أفضل الصلاة والتسليم ، يأتون بأفكار الكفار وأفكار أولئك الحيارى من اليهود والنصارى يصححون بها ويصدقون بها كلام رب العالمين سبحانه وتعالى ، فترى أحدهم يقول : وهذا الفعل مصداق قوله تعالى كذا ، يأتي باكتشافاتٍ من اكتشافات الكفار ثم يزعم أنه يُصدق القرآن ، ويدل على صدق القرآن ، وأولئك حيارى وأولئك يَتَلمسون لهم ما يجعلهم في أي جانبٍ من الجوانب ، وهؤلاء على شريعة من الأمر أعرضوا عنها (ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِّنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّهُمْ لَن يُغْنُوا عَنكَ مِنَ اللَّهِ شَيئًا وإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ ) نعم والله ،
يقول الرسول صلى الله عليه وسلم : ( قبل الساعة ، يظهر الجهل ، وتكثر الفتن ، ويفشو الزنا ، ويقل الرجال ، وتكثر النساء ) والحديث من حديث أنس وأبي موسى وآخرين في < الصحيحين > وغيرهما وشاهدنا من هذا أنه يكثر الجهل باسم الجهل والتعالم ، وما ارتكبت الشركيات إلا بالجهل بالله ، وما ارتكبت الفواحش إلا بالجهل بالله سبحانه وبشرعه ودينه ، يقول الله سبحانه وتعالى في قوم موسى لما كانوا يطلبون منه أن يجعل لهم إلهاً من غير الله : (اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ) وحصلت هذه الحادثة لرسول الله صلى الله عليه وسلم حين كانوا ذاهبين إلى حنين ، قالوا يا رسول الله : أجعل لنا ذات أنواطٍ كما لهم ذات أنواط ؟ شجرة نعلق فيها سيوفنا للبركة ، قال : ( الله أكبر إنها السَنَن قلتم والذي نفسي بيده كما قالت بنو إسرائيل لموسى (اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ) فأبان موسى عليه الصلاة والسلام أنهم سألوا الشرك بالله وهكذا النبي أبان عليه الصلاة والسلام أنهم سألوا تلك البركة التي لا دليل عليها بسبب الجهل بالله سبحانه وبدينه وبكتابه وبشرعه ، وهكذا قوم لوط يسألون الفاحشة فيقول عليه الصلاة والسلام : ( إني أراكم قوماً تجهلون ) وهكذا عاد {واذكر أخَا عادٍ إذْ أنْذر قومَهُ بالأَحْقافِ وقدْ خلَتِ النُّذُر منْ بينِ يديه ومن خلفه ألاَّ تعبدوا إلاَّ الله إني أخافُ عليكم عذاب يوْمٍ عظيمٍ(21)قالوا أجئتنا لتأفكنا عن آلهتنا فأْتنا بما تعدنا إِن كنت من الصادقين(22)قالَ إِنّما العِلمُ عِندَ اللهِ وأُبلِّغُكُمْ ما أُرسِلتُ به ولكنّي أراكُم قوْماً تجْهلون(23) } .، ولو استعرضت القرآن والسنة لرأيت فيهما من هذه الأدلة الكثيرة ما يُبين أن جرائم الدنيا تقترف بسبب الجهل والهوى ونعوذ بالله من ذلك ، حتى إن موسى عليه السلام يَستعيذُ من الجهل فيقول : ( أعوذ بالله أن أكون من الجاهلين ) .
ويوسف يقول : { وَإِلا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجَاهِلِينَ} فيبين أن الزنا يحصل بسبب الجهل بالله وبشرعه وبعظمته سبحانه وتعالى .
وهؤلاء القوم في هذه الأزمنة يكونون مساعدين للشيطان على تجهيل المسلمين ، وإيقاع المسلمين في الجهل حتى يسيطر عليهم الضلال والباطل الذي أفاد عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم في < الصحيحين > من حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( حتى إذا لم يبقي عالماً ، أتخذ الناس رؤوساً جهالاً فسألوا ، فأفتوا بغير علمٍ فضلوا وأضلوا ) ، فإذا جنح الناس ، وهرع الكثير منهم ، وأنتشر الباطل ، واستولت البدع ، واضمحلت السنن ، وسيطر الهوى ، رأيت ذلك الصنف يُبجح ما هو عليه ، ويذم ما كان عليه الآخرون ، ولو كان كتاباً وسنة .
إن ما يتعلق بهذه البدعة أضرارها كثيرة وشرورها مستطيرة على المجتمعات الإسلامية نعم والله ، فإنها تقليدٌ للكافرين ليس لهم أصلٌ من المرسلين عليه الصلاة والسلام ، ولا من سلفنا الصالح ، فقد نزه الله السلف الصالح أن يكون منهم من يدعو إلى أفكار الكفار يُسميها أعجازاً عليماً ونعوذ بالله .
وهكذا تقرأ في القرآن والسنة ترى التحذيرات الكثيرة ، والزواجر الشديدة من تقليد الكافرين في أقوالهم وأفعالهم ، وهؤلاء لما لم يقبل منهم الناس دعوتهم إلى التوحد ودعوتهم إلى الاتفاق ودعوتهم إلى التقارب مع اليهود والنصارى ، عمدوا وهرعوا وانطلقوا ساعين إلى تبريرات أفكارهم ، وتعظيمات أقوالهم في صدور جهال المسلمين ، فيقولون هذه الآية يصدقها قول فلان الكافر ، وهذا الحديث يدل هذا على أنه إعجازٌ علمي أعني أن قول الكافر يصدق كلام رب العالمين ، نعوذ بالله من أن يعتقد أناس هذا المعتقد الوخيم ( وَمَنْ أَصْدَقُ مِنْ اللَّهِ حَدِيثًا) (وَمَنْ أَصْدَقُ مِنْ اللَّهِ قِيلاً ) (فبأي حديث بعد الله وَآيَاتِهِ يُؤْمِنُونَ)، إن الكفار عليهم لعائن الله قد ذمهم الله في كتابه ، وعلى لسان رسوله عليه الصلاة والسلام { لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ(78)كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ}،
{ لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلاثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلا إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنْ لَمْ يَنتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ(73)أَفَلا يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ}.
{لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ وَقَالَ الْمَسِيحُ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ} ، فهم في غاية من التردد والارتباك والشك ولا ريب والحيرة ، حتى إنهم يعتقدون أن عيسى هو الله ، ويعتقدون أنه ابن الله ، ويعتقدون أنه ثلاث ثلاثة ، {وَقَالَتْ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتْ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ } هكذا يخبر الله سبحانه أنهم في غاية من الضلال { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَتُرِيدُونَ أَنْ تَجْعَلُوا لِلَّهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا مُبِينًا(144)إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا}.
{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ(51)فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِم يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ } إنهم أناسٌ مخادعون لله يجب بيان سبيلهم كما أمر ربنا سبحانه (وَكَذَلِكَ نفَصِّلُ الآيَاتِ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ) .
يقول الله : {أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ}. وقد سلك أتباعهم في تحريف النصوص ولي أعناقها إلى ما يزعمون أنه أعجازاً علمياً مسلك أولئك الكفار ، قولوا حطة قالوا حنطة وحبةٌ في شعرة ، ونهى الله سبحانه وتعالى عن الهرولة بعدهم ، وعن السلوك في سيرهم ، فإنهم ضالون كما يقول ربنا سبحانه : {اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيهِمْ غَيْرِ المَغضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلاَ الضَّآلِّينَ) نعم عباد الله هذا التشكيك ، هذا التجهيل ، هذه البدعة المنكرة ، هذه الأمور الخطرة يزعمون أنها دينٌ ، وأنها تزيد الإيمان (فبأي حديث بعد الله وَآيَاتِهِ يُؤْمِنُونَ ) .
(أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آَمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ).
{يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَنْفَالِ قُلِ الأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ(1)إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ ءاياتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانَا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ}.
{أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ}.
{ اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ}.
{ قَالُوا لَوْلا فُصِّلَتْ ءاياتُهُ ءاعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ ءامنوا هُدًى وَشِفَاءٌ وَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى أُوْلَئِكَ يُنَادَوْنَ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ}..
أبعد هذه هداية بعد هذه المواعظ العظيمة هل هناك هداية غير كتاب الله وسنة رسوله بظاهرها ، التي خاطب الله سبحانه المسلمين بالتفقه فيها والتدبر لها حتى الأعراب ( أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا) ، إنهم يأتون بأفعالهم القبيحة ، وأفكارهم القذرة أعني هؤلاء ، متهمين السلف الصالح بالتقصير ، وعدم إقامة الحجة فترى أحدهم يقول مستدلاً : { سَنُرِيهِمْ ءاياتِنَا فِي الآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ }. ويزعم أن بيان الحق يحصل بما حصلت من الأمور الجديدة والاكتشافات الحديثة وكأن سلفنا الصالح وجميع الأنبياء لم يقيموا الحجة على الأمة { لِئَلا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ }، وقد قاموا بشرع الله خير قيام لسنا بحاجةٍ إلى هذه الاكتشافات ، وهكذا يزعمون أنهم هم أهل العلم ، ويصدرون جميع الأدلة إلى ما هم عليه من الأفكار وهم أناس زنادقة ، أعني أصحاب تلك الأفكار التي يأخذ منهم المسلمون زنادقة ، وهم يهود ، هم نصارى ، هم أحدهم يبول على ثيابه وفي جسمه ولا يتنزه من البول ولا من الشرك بالله قبل ذلك ، وهؤلاء ينصبون عليهم الأدلة { وَيَرَى الَّذِينَ أُوتوا الْعِلْمَ الَّذِي أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ هُوَ الْحَقَّ }. وينزل آية سبأ على أولئك الكافرين ، وأنهم هم أهل العلم {وَإِذَا جَاءهُمْ أَمْرٌ مِنَ الأمْنِ أَوْ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ } والآية فيها منهم أي من المسلمين لا من الكافرين الذي يستنبطون أن البحار أمواج والذي يستنبطون أن الناس يصعدون زعموا القمر ، وهذه أكذوبات أتوا بها لزحزحة المسلمين عن الاقتناع بكلام ربهم وسنة نبيهم يجب على المسلمين جميعاً أن يتقوا الله ، ويبتعدوا عن هذه الأفكار الهدامة .