منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب - عرض مشاركة واحدة - التاريخ الاسلامي
عرض مشاركة واحدة
قديم 2011-03-18, 16:41   رقم المشاركة : 94
معلومات العضو
yacine414
عضو مميّز
 
إحصائية العضو










New1 معاهدة برلين

معاهدة برلين :

لما رضيت الروسيا بعرض معاهدة سان استيفانوا على مؤتمر دولي كتب البرنس بسمارك تلغرافاً إلى كافة الدول العظام يدعوهم فيه لإرسال المندوبين عنهم للاجتماع في مؤتمر برلين يوم 13 يونيه 1878 الذي سيكون تحت رياسته وأرسل أيضاً كثير من الأمم ذات الصوالح مندوبين عنهم لتقديم طلباتهم وعرض رغباتهم على أعضاء المؤتمر وإن لم يكن يصرح لهم بالحضور في جلساته إلا إذا طلبوا وبعد المناقشات والمداولات أياماً بين المندوبين وقعوا على المعاهدة المعروفة بمعاهدة برلين وكان ينوب عن الدولة في هذا المؤتمر محمد علي باشا وقره تيودوري باشا وسعد الله بك ولم يتسحسن بعض المؤرخين تعيينها لمحمد علي باشا في ذلك المؤتمر لأنه ألمانيّ الأصل اعتنق الدين الإسلامي كما هو معلوم.

فكان مندوبو الدول وخصوصاً البرنس بسمارك ينظرون إليه بعين الغيظ والتحقير مما كان سبباً في أن البرنس بسمارك انتهره مرة أثناء انعقاد المؤتمر أما المعاهدة المذكورة فأهم مشتملاتها ما يأتي:

تقسيم إمارة البلغار التي كان طلب الجنرال اغناتيف تكوينها إلى قسمين يكوّن القسم الشمالي منها بلاد البلغار الممتازة والقسم الجنوبي بلاد الرومللي وله نوع امتياز أيضاً وأن تستقل رومانيا استقلالاً سياسياً ويضاف إلى بلادها مقاطعة دوبرويجه في مقابلة استيلاء الروسيا على بلاد ببساربيا وأن ينضم إلى بلاد الصرب التي أصبحت مستقلة تماماً أقليم نيش وأن يبقى لإمارة الجبل الأسود التي تعترف الدولة باستقلالها كذلك فرضة انتيفاري بار وثلث الأراضي التي أعطيت لها بموجب معاهدة سان ستيفانو.

وأن تستولي الروسيا على بساربيا التي كانت انتزعت منها بمعاهدة 1856 كما تقدّم وتضم إلى أملاكها بآسيا مدن قارص وأردهان وباطوم التي جعلت ثغراً حراً بعد هدم استحكاماتها.

وأن تترك للدولة بايزيد الشغراد أما من خصوص الغرامة الحربية فقد قرر المؤتمر بقاءها على حالتها كما وردت بمعاهدة سان استيفانو بشرط أن حقوقها من حيث الغرامة لا تضر بمصالح أصحاب الديون الأوروباويين وقرر المؤتمر أيضاً أن تستولي إيران على إقليم قطور النمسا على فرضة اسبيزا Spizza .

وأن تحتل عساكرها بوسنه وهرسك إلى زمن غير محدد لتجري فيها ما يوافقها من الإصلاحات وتعهد الباب العالي بأن يقبل بلا تمييز في الدين شهادة جميع رعاياه أمام المحاكم وأن يجري بالدقة في جزيرة كريد النظام الأساسي الذي عمل لها سنة 1868 وأن يدخل نظامات مشابهة لما في نظامات تلك المعاهدة مع تطبيقها على الاحتياجات المحلية في جميع جهات تركية أوروبا التي لم يسن لها المؤتمر نظاماً خاصاً.

وأن يقوم فعلا بلا تأخير في تحسين وتنظيم الأقاليم التي يسكنها الأرمن حسب أحوال واحتياجات تلك الجهات وأن يحميهم من تعديات الجركس والأكراد وأن يبلغ من وقت إلى آخر دول أوروبا بما أدخله من النظامات التي قضت بها هذه المعاهدة.

وهذه شروط لم نسمع بعقد مثلها بين دولتين أوربياويتني قهرت إحداهما الأخرى ولكن ما حيلة هذه الدولة بمفردها أمام دول أوروبا جميعاً ومن تأمل في بنود المعاهدة التي لم يغب ذكرها عن الأذهان يرى أنها نزعت من يد الباب العالي جميع الإمارات التي كان له عليها حق السيادة وأخذت منه ما يقرب من نصف أملاكه بأوروبا ولم يمض على هذه المعاهدة المشؤمة إلا بعض شهور حتى قام أهل كريد مطالبين بما خصهم به مؤتمر برلين من النظامات فعينت الدولة المشير الغازي أحمد مختار باشا فذهب إلى تلك الجزيرة ونظم المعاهدة المعروفة في التاريخ بمعاهدة هليبه 25 اكتوبر سنة 1878م .

وصدر أمر مولانا السلطان بإنفاذ ما احتوته تلك المعاهدة ثم قام اليونان وأهل الجبل الأسود يطالبون الدولة بما منحهم المؤتمر المذكور ولما أرادت الدولة انفاذ ذلك عارض أهالي البانيا لأن تنازل الدولة عن قطعة من أراضيهم مضر جداً بصالحهم وهي معارضة حقة لو أعارتها أوروبا جانب الالتفات ولما أرسلت الدولة المشير محمد علي باشا بمأمورية اقناع الأهالي وتسكين اضطرابهم وإعلامهم بأنه لا بد من إجراء ما أقرت أوروبا على عمله وأن الدولة لولا ذلك لم تفرط في شبر أرض من بلادها قام الأهالي عليه وقتلوه وعند ذلك أرسلت انكلتره وفرانسا والروسيا والنمسا وإيطاليا وألمانيا حتى اليونان مراكبهم الحربية إلى مياه الدولة ورست تلك الأساطيل بثغرراغوزه وبذلك تم لليونان وأهل الجبل الاستيلاء على ما خصهم من الأراضي.

واعلم أنه بعد أن وضعت الحرب أوزارها بين الدولتين عقدت الدولة العثمانية مجلساً حربياً لمحاكمة جميع القواد الذين أهملوا أو تهاملوا وأخلوا بواجباتهم العسكرية ونفت منهم كثيرين من بينهم المشير سليمان باشا وجرد البعض من رتبهم ونياشينهم وبرئت ساحة البعض ومن الحوادث المهمة الجديرة بالذكرالتي حدثت بالآستانة وقت احتلال الروس لضواحيها الحادثة المعروفة بحادثة جراغان وسببها أن شخصاً يدعى علي سعاوى أفندي أحد الذين كانوا فروا من المرحوم السلطان عبد العزيز من الآستانة مع مصطفى فاضل باشا 1282هـ .

وكان فصيح اللسان قوي الجنان له مشاركة حسنة في كثير من العلوم وبعض اللغات لا سيما اللغة العربية وكان لما عاد إلى الآستانة بوساطة مدحت باشا عين مدير للمكتب السلطاني الذي يتعلم فيه أولاد الحضرة الفخيمة السلطانية ولما عزل لتداخله في الأمور السياسية أخذ في بث الفتن كعادته ودبر مكيدة لإجلاس السلطان مراد على عرش الخلافة وقد انتهز لذلك فرصة اشتغال الدولة بالمخابرات السياسية واضطرابات الأفكار وخوف الناس من تقدّم الروس نحو الآستانة واتفق لذلك مع بعض المهاجرين الذين التجأوا إلى الآستانة في ذلك الوقت وبعد أن اجتمعوا انقسموا إلى قسمين قصد قسم منهم بحراً سراي جراغان حيث يقيم السلطان مراد.

وقصد القسم الثاني وكان يقوده على سعاوى المذكور السراي المذكورة برا ثم اجتمعوا عند بابا السراي ولما منعهم الحراس قتلوهم ودخلوا يفتشون على السلطان مراد حتى عثروا عليه وهموا بإخراجه وفي تلك الأثناء أتت فرقة عسكرية من سراي يلديز وحاصرت الثائرين براً كما حاصرتهم البحارة بحراً وهجموا على السراي وقتلوا كل من كان بها من الثائرين ومن ضمنهم علي سعاوى أفندي وبعد ذلك نقل السلطان مراد وعائلته إلى قصر ضمن سراي يلديز ثم هدأت الأفكار وعادت الأعمال إلى ما كانت عليه وبعد ذلك بأيام حصل حريق هائل بالباب العالي ويقال إنه بفعل أرباب تلك الثورة انتقاماً لما أصابهم من الخذلان.



الدستور العثماني

"النهضة الوطنية والاصلاحات في الدولة العلية"

توفي السلطان سليمان القانوني سنة 1566م والدولة العليا في إبان مجدها وأوج عظمتها وكانت ممالكها تحد شرقاً بالحدود الهندية وغرباً بالمحيط الاطلانطي وكانت أوروبا ترهب سطوته وتخشى قوته.

فخلفه من بعده ملوك لم يتعقبوا خطواته ولم ينهجوا منهجه، لا سيما وقد تألبت عليها الدول الأوروبية واختلفت عليها الفتن الداخلية فبدأت في الانحطاط وانسلخت منها أجزاء كثيرة، وكانت أحياناً تنحط إلى أن تولى الخلافة السلطان سليم الثالث سنة 1789 والبلاد في اختلال، والأحكام في ضعف والانكشارية قابضون على زمام الأمور يولون من شاؤوا من السلاطين ويخلعون من شاؤوا ويقتلون من لم يسر وفاق أهوائهم وأغراضهم، والبلاد في فوضى كادت تمزق شملها. فهاجه حب الإصلاح وصرح بميله إلى تنظيم الجند على النمط الحديث وتسليحهم بالأسلحة الحديثة الاختراع. فلم يوافق ذلك الانكشارية فبطشوا به فمات والإصلاح في مهده.

على أن الفكرة رسخت في أذهان العثمانيين فتلقاها السلطان محمود وعمد إلى الإصلاح من الوجهة الادراية والعسكرية. فبدد جند الانكشارية وأحل محلهم جيشاً منظماً. وأخذ يبعث بمنشورات الإصلاح إلى الولاة والحكام. ولكنه توفي ولم يتمم من فروع الإصلاح إلا تنظيم الجند تنظيماً غير تام.

وكانت فكرة الإصلاح قد سرت بين فئة من رجال الدولة فأقاموا يبثونها على عهد السلطان عبد المجيد والسلطان عبد العزيز، وأعظمهم شأناً وأعلاهم يداً مصطفى رشيد باشا وعالي باشا وفؤاد باشا.

فلما توفي السلطان محمود وخلفه السلطان عبد المجيد نشر خط الكلخانة المشهورة سنة 1839م أي في 26 شعبان سنة 1255 هجرية فكانت له ضجة اهتزت لها أوروبا وأخذ رجال الدولة منذ اصدار ذلك الخط الهمايوني ينظمون القوانين الخاصة لكل فرع من فروع القضاء.

ثم تألفت لجنة جمعت أعاظم الاساتذة العثمانيين فألفوا المجلة الشرعية التي صدرت الارادة الشاهانية من السلطان عبد العزيز عام 1289 هجرية بالسير حسب نصوصها، وسن قانون الأراضي سنة 1274 هجرية وقانون الطابو سنة 1275هـ وقانون الجزاء سنة 1274 هـ. وكل هذه القوانين مقتبسة من القوانين الفرنسية مع مراعاة نصوص الشريعة الاسلامية.

ثم وضع قانون التابعية العثمانية وتنظيم المحاكم الشرعية والمحاكم النظامية والمحاكم التجارية ونظامات الادارة الملكية ونظام ادارة الولايات ونظام شورى الدولة، ووضعوا نظاماً للمعارف ونظاماً للمطبوعات ونظامات أخرى للمطابع والطبع وحقوق التأليف والترجمة ونظامات للرسومات وآخر للمعادن وغيره للطرق والمعابر وغير ذلك مما يقتضيه سير الحضارة ويلائم حالة الأمة. وبالجملة فانهم لم يتركوا شيئاً من لوازم إدارة الدولة حتى دونوا له قانوناً.

فجموع هذه القوانين والنظامات كان معروفاً في بلاد الدولة العليا بالدستور.

ومع ذلك فكان الحكم مطلقاً وإرادة السلطان فوق كل قانون. وفي المدة الوجيزة التي جلس فيها السلطان مراد على سرير الملك كان مدحت باشا وحزبه الحر قد انتهى من إعداد القانون الأساسي وترتيب نظام مجلس المبعوثين.



الحادثة الارتجاعية وخلع عبد الحميد

تفرق شمل المستبدين منذ إعلان الدستور وازداد النفور بينهم وبين لجنة الاتحاد والترقي فأخذوا يفكرون في اجتثاث أصول الفساد الذي يزعمونه فشجعوا أولاً الجرائد على الكتابة ضد الجمعية.

ثم قامت حامية الأستانة بإيعاز من أركان السراي، ولخصوا مطالبهم في شكل ديني كي ينضم إليهم أهالي الأستانة وها هي مطالبهم :

1 - إحياء الشريعة.

2 - عزل الصدر الأعظم وناظري الحربية والبحرية.

3 - طرد احمد رضا بك وحسين جاهد بك وجاويد بك ورحمي بك وطلعت واسماعيل

حقي بك ألخ.من المجلس.

4 - عزل محمود مختار باشا لأنه لم يشترك معهم.

5 - العفو عنهم.

فعقد مجلس المبعوثين اجتماعاً فوق العادة، ومع أن عدد الأعضاء (لم) يتجاوز الخمسين فانهم قرروا إجابة مطالب الثوار وانتخبوا وفداً منهم ليبلغ السلطان قرارهم. فتعين إذ ذاك توفيق باشا صدراً اعظم وأدهم باشا ناظراً للحربية. وقرر العفو عن الجنود فبدأ أولئك يطلقون البنادق احتفالاً، وكان يبلغ عدد أولئك ثلاثين ألفاً.

واجتمع المجلس مرة أخرى بعدها فقرر قبول استقالة الرئيس أحمد رضا بك.

وانقلبت لهجة الجرائد انقلاباً إجبارياً فباتت تتكلم عن السلطان عبد الحميد كما كانت تتكلم عنه أيام الاستبداد.

وكانت الحالة كذلك في الاستانة فوردت الأنباء بمجيء الجنود من الروم ايلي لحماية الدستور ومجلس المبعوثين.

ثم حاصر جيش الحرية الأستانة، فأوفد المبعوثون وفداً لمقابلته.

ودخل الجيش تحت قيادة محمود شوكت باشا الاستانة وحاصر يلديز وحدثت هناك موقعة كبيرة انتهت بتسليم حامية يلديز.

ولكن السلطان عبد الحميد استمر على المقاومة فقرر جيش الحرية أن يحمل الحملة الأخيرة. فأطلقت القنابل على حامية الباب العالي والنادي العسكري واستولت عليهما.

ثم قبضت على الكثيرين من أنصار الحكم القديم الذين أثاروا الفتن، ومن بينهم مراد بك الداغستاني، وأعدم الجواسيس رمياً بالرصاص ويقدر عدد القتلى بـ 1200 قتيل، وحاصرت الجنود الدستورية بعدها قشلاقات اسكودار فاستولت عليها. ولم يبق إذ ذاك أي خطر على القانون الأساسي، فعاد أعضاء البرلمان إلى الأستانة واجتمعت الجمعية العمومية لتتداول في أمر السلطان عبد الحميد.

وكانت النتيجة عزل السلطان عبد الحميد وتولية السلطان رشاد مكانه.

وتم يوم 27 ابريل سنة 1909 تتويج السلطان رشاد باسم السلطان محمد الخامس.



السلطان محمَّد رَشَاد خَان الخامِس

(1909 - 1918م)

ولد جلالته سنة 1844 وقد قضى أغلب عمره في قصر زنجيرلي كوي محوطاً بالجواسيس الذين يرصدون حركاته ويقدمون التقارير المشوهة عنه.

اجتمع المجلس العمومي اجتماعاً سرياً وخلع عبد الحميد بموجب فتوى من شيخ الإسلام هذا نصها.

إذا اعتاد زيد الذي هو إمام المسلمين أن يرفع من الكتب الشرعية بعض المسائل المهمة الشرعية، وأن يمنع بعض هذه الكتب ويمزق بعضها ويحرق بعضها، وأن يبذر ويسرف في بيت المال ويتصرف فيه بغير مسوغ شرعي، وأن يقتل الرعية ويحبسهم وينفيهم ويغربهم بغير سبب شرعي وسائر أنواع المظالم، ثم ادعى أنه تاب وعاهد الله وحلف أن يصلح حاله، ثم حنث وأحدث فتنة عظيمة جعلت أمور المسلمين كلها مختلة وأصر على المقاتل، وتمكن منعة المسلمين من إزالة تغلب زيد المذكور ووردت أخبار متوالية من جوانب بلاد المسلمين انهم يعتبرونه مخلوعاً وأصبح بقاؤه محقق الضرر وزواله محتمل الصلاح. فهل يجب أحد الأمرين خلعه أو تكليفه بالتنازل عن الإمامة والسلطنة على حسب ما يختاره أهل الحل والعقد وأولي الأمر من هذين الوجهين ؟

الجواب : يجب كتبه الفقير

السيّد محمد ضياء الدين عفي عنه.

فلما قرئت هذه الفتوى الجليلة على الأعيان والمبعوثين سألهم سعيد باشا رئيس الأعيان الذي كان يراس الجلسة اتختارون خلعه أم تكليفه بالتنازل فأجابوا بصوت واحد : الخلع الخلع.

وهذه ترجمة قرار هذا المجلس العمومي (المؤلف من الأعيان والمبعوثين" :

"يوم الثلاثاء سابع ربيع الآخر سنة 1327 و 14 نيسان سنة 1325 (27 ابريل سنة 1909م) الساعة السادسة ونصف (عربي) (الواحدة بعد الظهر زوالي) قرئت الفتوى الشرعية الموقع عليها بتوقيع شيخ الإسلام محمد ضياء الدين افندي في المجلس العمومي المؤلف من المبعوثين والأعيان ورجح بالاتفاق وجه الخلع الذي هو أحد الوجهين المخير بينهما فأسقط السلطان عبد الحميد خان من الخلافة الإسلامية والسلطنة العثمانية وأصعد ولي العهد محمد رشاد أفندي باسم السلطان محمد خان الخامس إلى مقام الخلافة والسلطنة".

خلع عبد الحميد سنة 1909 فبويع بالخلافة الإسلامية الخليفة الشوري العادل أمير المؤمنين محمد رشاد الخامس.

فلما ولي الخلافة أعاد إليها عهد عمر بن عبد العزيز، إذ سار في المؤمنين سيرته، فكان من كل قلب قاب قوسين أو أدنى. وعمل على خدمة الأمة فأعزته وأخذ بيدها فاحبته وأجلها فأجلته وكانت الكلمة التي امتاز بها عهده السعيد تلك التي قالها على مسمع من وزرائه "إننا جميعاً خدام الشعب".

ولم يمض على توليته الخلافة إلا قليل حتى ألف بين قلوب الأمة في ظل الدستور، فكان لعناصر هذه الأمة أباً رحيماً وراعياً حكيماً. ولقد رأى العثمانيون جميعاً من حكيم تدبيره وسياسته ما ملأ قلوبهم ثقة وتعلقاً به وحباً وإقداراً له، فكان عهده فاتحة لرقي الممالك العثمانية وإصلاحها.

ومنذ ارتقاء جلالته على العرش تسلم حزب الاتحاد والترقي إدارة الحكومة العثمانية، وإنا لنذكر الاصلاحات التي تمت منذ الثلاث السنين الماضية والاتحاديون يديرون الحكومة العثمانية.



الاصلاحات الداخلية

تسلم حزب الاتحاد والترقي ادارة الحكومة واعداؤه من رجال العهد الماضي يعدون بالمئات، أولئك المنافقون الذين ارتكبوا من الأعمال المضرة في العهد البائد ما تقشعر منه الأبدان. وكانت الحكومة في اختلال تام والأمة قد فقدت أسباب الأمن والموظفون لا يتقاضون مرتباتهم والديون الخارجية لا تدفع اقساطها في أوقاتها واشتعلت في الولايات نيران الفتن والمشاغبات.

تلك هي حال الحكومة عندما تسلمها حزب الاتحاد والترقي. أما حال العناصر العثمانية المختلفة فكان على أسوأ ما يكون وكل عنصر كان يتأهب للفتك بأخيه. وكان بين المبعوثين لأول مرة من لم يفهم معنى الحرية ولا يعرف واجباته نحو الأمة ولا الفائدة من الاجتماع بمجلس المبعوثين.

تسلم حزب الاتحاد والترقي الحكومة في ذلك الوقت وبدأ في أعماله واصلاحاته بهمة لا تعرف الكلل ولا الملل.

كان أول ما ابتدأ في تنفيذه من الوسائل النافعة تعميم المساواة بين أفراد الأمة بوضعهم جميعاً في مستوى واحد إمام قانون واحد.

ولقد وفقت الحكومة لجمع الأسلحة من الأشقياء الذين يلجأون إلى الجبال في الروم ايلي. فأثار أولئك من أجل ذلك ثورات جديدة قاومتها الحكومة وأخمدتها، فعادت السكينة في انجاء الدولة العليا وعمَّ الأمن وانتشرت الطمأنينة.



الاصلاحات المالية

قبض حزب الاتحاد والترقي على ادارة الحكومة العثمانية والخزانة خاوية على عروشها فبدأ في إصلاحها، وتمكن من وضع ميزاني لمالية الحكومة العثمانية فكانت عبارة عن خمسة وعشرين مليوناً واردات وثلاثين مليوناً مصروفات. وكانت قد تراكمت الديون من جهة ولم تحصل الضرائب منذ سنين من جهة أخرى. فلما وضعت الميزانية المذكورة لم يكن أحد يعتقد إمكان تحصيل 25 مليوناً من بلاد الدولة، ولكن كان المتحصل عقب اعلان الدستور لأول مرة 26 مليوناً ونصفاً سنة 1910.

وفي سنة 1911 بلغ المتحصل ثلاثين مليوناً.

ولقد زادت واردات جميع مصالح الحكومة، وبالجملة فان المواد الأساسية لايرادات الحكومة نمت وازدادت إلى درجة كبيرة.

وكانت ايرادات الجمارك سنة 1910 ثلاثة ملايين ونصفاً فوصلت إلى خمسة ملايين سنة 1911 وكانت واردات العشور سنة 1910 ستة ملايين فأصبحت سبعة ملايين ونصفاً.

وبالجملة فإن حزب الاتحاد قد عرف أدواءالأمة وعلاجها فنجح في تقليل الهجرة وعدد المهاجرين في الروم ايلي وقلل من العثور في الأناضول، وقصارى القول إن الحزب قد نجح في مداواة هذه الأمراض نجاحاً باهراً.

ولقد وزع حزب الاتحاد المبالغ الجسيمة على سكان الجزيرة والموصل والاناضول لاحياء أراضيهم وتعميم الزراعة بينهم بعد الموات.

فلا عجب إذا ابتهج المسلمون في شرق الأرض وغربها بارتقاء جلالة مولانا السلطان الاعظم محمد الخامس عرش الخلافة العثمانية.

ولم يمضِ على جلوس محمد رشاد على العرش ثلاث سنوات حتى اعتدت إيطاليا سنة 1911، بتحريض من الدول المسيحية وبالاتفاق معها وبمعاونتها، على طرابلس الغرب - ليبيا - وانتزعتها منها بعد حرب دامت سنة بذلت فيها الدولة كل جهد وطاقة ومال ورجال حتى لم يبق ما تبذله، ثم جاءت حرب البلقان التي تولى كبرها كل من الصرب والبلغار والرومان مدفوعين بأيدي الدول الغربية المسيحية عامة وروسيا، التي كانت ولا تزال عدوة الإسلام والمسلمين، خاصة. ثم جاءت ثالثة الاسافي واعني بها الحرب العالمية الأولى التي اضطرت الدولة العثمانية على خوضها مرغمة.

وعلى الرغم من أن كفة الدولة العثمانية وحلفائها، المانيا والنمسا والبلغار، لم تكن لتعادل كفة الانكليز والافرنسيين والطليان والروس، في بادئ الأمر، ثم الولايات المتحدة، بعد ذلك، فقد استطاع العثمانيون أن يقاوموا أربع سنوات هلك فيها الزرع والضرع، فقد رأيت الجندي التركي يحارب وهو جوعان وعريان والأمراض تفتك به ولكنه كان يحارب بقوة الإيمان وباسم الاسلام ولذا فقد كانت كل المصائب تهون لديه. ولكن كان لا بد لهذه المأساة، التي رصد لها الغرب كل امكاناته، من نهاية فخرت الدولة صريعة سنة 1918 واستسلمت لاعدائها تحت ضربات حقدهم. ولولا استسلام البلغار أولاً والنمسا بعد ذلك لما حصل ما حصل ولكنها إرادة الله.

لقد كان من حظ محمد رشاد الا يشهد مأتم سلطنته لأنه مات قبل الاستسلام بشهور ولكني اعتقد أنه كان يقدر حدوث هذه المأساة، لأن البلاد كانت على شفا جرف وعلى وشك الانهيار من كل جانب ونتائج مثل هذه الحال لم تكن لتخفى على محمد رشاد لاسيما وقد بلغني انه كان عالماً بالتاريخ.



أواخر سلاطين بني عثمان

يوسف عز الدين

كانت ولاية العهد بعد محمد رشاد للأمير يوسف عز الدين، لأن ولاية العهد في الدولة العثمانية كانت من حق أكبر أفراد الأسرة المالكة سناً، بعد الجالس على العرش وليس من حق أكبر أولاد الجالس على العرش.

وكان يوسف عز الدين شخصية محبوبة من جميع الأوساط، وكان الناس يرجون منه الخير للبلاد، على الرغم من أنهم لم يروا منه خيراً ولا شراً، ولم يكن أولياء العهد يتدخلون في الأمور السياسية ولكنه كان محبوباً، ولعله كان من سوء حظ البلاد والعباد أن مات سنة 1916 وقد قيل، آنذاك، أنه مات مسموماً قتله الاتحاديون لأنه لم يكن يرى رأيهم ولا يوافقهم على سياستهم، وأشيع أنه مات منتحراً إثر نوبة جنون أصابته كالتي أصابت أباه عبد العزيز فانتحر.



محمد وحيد الدين السادس بن مراد

1916 - 1992

بعد وفاة يوسف عز الدين صارت ولاية العهد إلى الأمير وحيد الدين فخلف أخاه محمد رشاد على العرش باسم محمد السادس ولم تمضِ على خلافته بضعة شهور حتى استسلمت الدولة العثمانية واستولت جيوش الأعداء على كل البلاد من شرقها إلى غربها ومن شمالها إلى جنوبها، ولم يسلم من أيديهم وتعدياتهم إلا شرق الاناضول لأن روسيا كانت قد انسحبت من الحرب سنة 1917 بعد أن فرضت عليها الشيوعية ولذا فإنها لم تستطع أن تحرك ساكناً لتستولي على شرق الاناضول ولولا ذلك لما بقي بلد من بلاد الدولة العثمانية لم يدخل في حوزة اعدائها.

أراد وحيد الدين أن ينقذ ما يمكن انقاذه من البلاد فاستعان بمصطفى كمال وعهد إليه بإنقاذ البلاد كما سنرى ذلك مفصلاً، ولكنه وضع ثقته في غير موضعها، فلما رأى أن مصطفى كمال أخذ يعمل لحسابه الخاص وليس لحساب الدولة، ورأى أن الأمور تسير على غير ما كان يرجو تنازل عن العرش سنة 1922 واعتزل الحياة السياسية ومات سنة 1926 وأوصى أن يدفن في دمشق في تكية السلطان سليم حيث يوجد قبور لكثير من آل عثمان.



عبد المجيد بن عبد العزيز

واعتلى عرش السلطنة العثمانية، بعد تنازل السلطان محمد وحيد الدين، ولي العهد الذي اصبح السلطان عبد المجيد وبعد أن أصبح مصطفى كمال سيد الموقف جرد السلطان من السلطة الزمنية وجعله خليفة، أي أشبه بشيخ إسلام ولكن من غير سلطة روحية أيضاً. ثم ألغى الخلافة سنة 1924 وطرد عبد المجيد فذهب ليعيش في منفاه في مدينة نيس الأفرنسية على الشاطئ اللازوردي.

وبإلغاء الخلافة قضى مصطفى كمال على امبراطورية عظيمة كانت ملء عين الزمان وسمعه، وقتل أمجاداً، وقضى على ثقافة، ونحر أقواماً طالما ازهقوا أرواحاً بريئة صادقة في بناء هذه الامبراطورية، وطالما أراقوا دماءً زكية في سبيل إعلاء مجد الإسلام وكلمته.



خَاتِمَة الدَولةِ العُثمانيّة

بعد جهاد وجلاد شاقين، في الداخل والخارج، استمرا ستة قرون متوالية كانت خاتمة المطاف الحرب العالمية الأولى، التي دامت اربع سنوات ونيف، امتدت من سنة 1914 إلى سنة 1918، وثبت فيها العثمانيون، أمام أعدائهم، ثبوت الجبال ودافعوا عن دينهم ووطنهم وكرامتهم دفاع الأبطال. انتهت تلك الحرب بمأساة مفجعة اذ استيقظ المسلمون كلهم على كابوس مزعج انطوى على أعظم فاجعة أصيبوا بها وأكبر مصيبة نزلت بهم، منذ ظهور الإسلام والى تلك الساعة، فقصمت ظهورهم وكبلتهم بحبلي الخيبة والخسران، إذ رأوا بنيان دولة الخلافة ينهار كما تنهار بيوت الكرتون، لا بل وقد أصبحت هذه الدولة ذات العز الباذخ والشأن الرفيع الشامخ، التي كانت ملء عين الزمان وسمعه، أثراً بعد عين وكأنها لم تغن بالأمس واصبحت أرضها موطناً لاعدائها أو موطئاً لاقدامهم.

لقد كانت الصفعة قاسية جداً وأليمة جداً لأنها لم تكن مرتقبة ولا محسوبة فنحن كنا نعلم أننا في حرب مع أعداء أقوياء، وكنا نقدر الربح والخسارة ونحسب حسابهما ولكننا لم نكن نقدر الخسارة وحدها لا سيما بعد أن رأينا الدولة تقف في وجه الأعداء أربع سنوات وتكاد لا تتزحزح عن أماكنها في جميع الجبهات ثم نراها تنهار وتخر، في بضعة شهور، وكأن عاصفة اقتلعتها من جذورها أو فيضاناً طفا عليها فجرفها. إننا نحن الذين شهدوا تلك المأساة ندرك أبعادها إدراكاً تاماً ونشعر بالآمها ولا نستطيع التعبير عنها باللسان ولا بالقلم لأنها أكبر وأعظم من أن توصف.

كان من البديهي بعد أن اندحرت الدولة في ميادين الحرب أن تستقيل الوزارة العثمانية القائمة، وزارة الاتحاد والترقي، التي كان يرأسها طلعت باشا وتألفت وزارة جديدة برئاسة أحمد عزة باشا الأرناؤوط وأرسلت هذه الوزارة وفداً وزارياً الى مدينة مودروس في جزيرة ليمنوس، الكائنة في بحر يجه، بين البرّين التركي واليوناني، لمفاوضة الانكليز على شروط الهدنة، وهي لم تكن هدنة بالمعنى الصحيح بل كانت إملاءً واستسلاماً. وكان هذا الوفد برئاسة وزير البحرية، رؤوف بك بطل الدارعة الحميدية المشهور.

وبعدما اندحرت الدولة في الحرب رأى حكامها، زعماء حزب الاتحاد والترقي، أنهم خسروا المعركة نهائياً وأنه لا سبيل للمكابرة بل لا بد لهم من أن ينهجوا نهجاً جديداً وان الخطوة الأولى هي أن يتواروا عن الأنظار، فعقدوا اجتماعاً قرر فيه ثمانية منهم مغادرة البلاد على اعتبار أنهم هم المسئولون الأوائل عن الحرب وعما أصاب الدولة من انهيار وانهم إذا سلموا من أيدي أعدائهم فقد لا يسلمون من أيدي أبناء البلاد أنفسهم لأن الناس في مثل هذه الحالات يحكمون بالعواطف وتسيطر عليهم الغوغائية. وهؤلاء الثمانية هم : طلعة باشا رئيس الوزارة، انور باشا وزير الحربية، احمد جمال باشا وزير البحرية وقائد الحملة العثمانية على الجبهة المصرية والحاكم بأمره في سوريا الكبرى الممتدة من جبال طوروس الى قناة السويس، عزمي بك والي بيروت، بدري بك مدير شرطة استانبول، الدكتور ناظم بك والدكتور بهاء الدين بك من كبار رجالات الحزب ومدحت باشا أمين سر حزب الاتحاد والترقي. غير أن هذا الأخير وافق على مغادرة البلاد مسايرة لصديقه طلعة باشا ولكنه لم يكن، في قرارة نفسه، راغباً بهذه الهجرة.

فلما رأى طلعة باشا أن مدحت بك لا يرغب بالهجرة إلا مسايرة له قال له : إذا كنت لا ترغب بمغادرة البلاد فابق حيث أنت وأنا راض عنك فبقي وركب السبعة المذكورون، في أوائل نوفمبر 1918، سفينة حربية المانية حملتهم الى جزيرة القرم التي كانت تحت السيطرة الالمانية، آنذاك، وهناك استقبلتهم السلطات الألمانية بالترحاب ووضعت تحت تصرفهم قطاراً يحملهم الى برلين التي اختاروها داراً لهجرتهم.

وكان هؤلاء الفارون، منذ أن غادروا استانبول، يتحدثون فيما بينهم بما يجب عليهم فعله، فكان طلعة باشا يرى أن حياتهم السياسة قد انتهت وأن المنطق يقضي عليهم بأن يعتزلوا السياسة ويعيشوا في عالم المجهول فقد عملوا ما فيه الكفاية واخطأوا من حيث أرادوا الخير والصواب، وكان من رفاقه، ولا سيما المدنيين، من يرون رأيه وأما العسكريون وخاصة أنور باشا الذي كان مملؤاً شباباً وحماسة فإنه كان يرى غير ذلك ويفضل أن يغتنم ما بين روسيا والدول الغربية من عداء وأن يستثمر هذا العداء ويستمر في القتال حتى تستطيع الدولة العثمانية أن تحتفظ بأكبر جزء ممكن من البلاد وأن تعقد صلحاً مشرفاً مع الأعداء.

ولما لم ير استعداداً من رفاقه للسير في خطته فر خلسة من القطار، وهم في طريقهم الى برلين، وذهب الى القفقاس حيث كان أخوه نوري بك يقاتل الروس، وكان يأمل إثارة مسلمي داغستان واذربيجان وأن يقيم إمارة اسلامية في تلك الربوع. وبعد أن درس الوضع هناك إلى موسكو فاستقبله الروس استقبالاً حسناً وانزلوه قصراً فخماً واتفق معهم على محاربة الانكليز وحلفائهم ثم لحق به كل من أحمد جمال باش وبدري بك ولكنهما عادا إلى برلين. وجاء هو مرتين إلى برلين ليقنع رفاقه بالتعاون مع الروس ولكنهم أبوا ونصحوه باجتناب الشيوعيين لأنهم خداعون غدارون ولكنه لم يسمع لهم، ولعله كان يعلم علمهم ولكنه لم يكن يرى غير هذا الطريق يسلكه.

أدرك أنور باشا بعد أن اختلط بالروس أنهم يخدعونه وأن الهوة بينه وبينهم عميقة جداً، فهو يريد أن يعيد إلى تركيا شأنها وإسلامها وهم يريدون أن يقضوا على هذه الدولة التي أزعجتهم كثيراً أو أن يبعدوها عن الإسلام على أقل تقدير وأنهم باستضافته والمفاوضة معه إنما ارادوا حجره في روسيا لكي لا يزعج خطط مصطفى كمال الذي كان على اتفاق معهم واشترط عليهم الاّ يمدوا أنور باشا بالسلاح. وكان الروس يدركون من ماضي الرجلين أن مصلحتهم مع مصطفى كمال وليست أنور باشا لا سيما وأن الانكليز أيضاً كانوا يؤيدون مصطفى كمال.

بعد أن استيقن أنور باشا أن صداقة الروس كانت خداعاً وملقاً وأنه وقع في شركهم، رأى من العار أن يعود خاسئاً ويستجدي الحياة استجداء وصمم على أن يستمر في خطته حتى ينال احدى الحسنيين فإما النصر وإما لقاء الله. فكتب رسالة إلى جمال عزمي بك وإلى طرابزون السابق وهو غير عزمي بك والي بيروت، يوصيه بزوجته ودخل بخارى يسانده الحزب الاميري فيها وبطش بدعاة الشيوعية وأعوانها ولا سيما بحزب (مجددي) الشيوعي وحارب الروس وانتصر عليهم في معارك كثيرة تناقلت الأنباء العالمية أخبارها. فلما رأى الروس ذلك ورأوا أن الحماسة قد اشتدت ضدهم وأن العاقبة قد تكون وخيمة عليهم إذا تهاونوا بالأمر، جمعوا جيوشاً كبيرة لمقاومة هذه الثورة الجائحة التي لو كتب لها النجاح لكانت قضت على الامبراطورية الروسية وأرجعتها إلى حجمها الحقيقي وهو إمارة موسكو. وحدث، في 4 أوغست 1922 أنه بينما كان أنور باشا في قرية بالجوال شرقي بخارى وقد تفرق عنه الجند بسبب عيد الأضحى، أن هاجمه الروس بأعداد كبيرة فخرج إليهم بنفسه وظل يقاتلهم حتى قتل.

لقد مات أنور باشا ميتة شريفة تليق برجل مثله ولم يشأ أن يعيش عالة على أحد على الرغم من أن ملك الأفغان، امان الله خان، دعاه مرات كثيرة مع الرجاء والالحاح بأن يأتي إليه لينظم له جيشه ووعده بأن يجد عنده كل ترحيب وتكريم ولكنه اعتذر عن القبول وفضل هذه النتيجة الشريفة على حياة الاستجداء.

أما أحمد جمال باشا فقد استجاب لدعوة أمان الله خان وذهب إلى افغانستان وأخذ يعمل في تنظيم جيشها وجاء إلى موسكو فاحتجزه الروس بشكل لطيف لأنهم لم يكونوا يريدون لأفغانستان نهضة ووعياً، ولكنه استطاع أن ينجو منهم بلباقة إذ أنه ابدى استعداده للذهاب إلى تركيا لاستمالة الناس إلى جانبهم فسمحوا له بالذهاب عن طريق القفقاس، ولما كان في تفليس تصدى له شخص من الأرمن فقتله ويقال بأن الروس هم الذين دبروا اغتياله لكي يتخلصوا منه إذ أنهم لم ينخدعوا بوعده. وقتل الأرمن طلعة باشا في برلين كما قتلوا غيره من رجالات حزب الاتحاد والترقي المسئولين عما أصاب الأرمن، زمن الحرب، من قتل وتشريد.

كانت هذه صفحة من صفحات العهد العثماني ولكنها لم تكن آخرها ولا كانت أقواها صدمة على نفوس المسلمين لأن الناس كانوا قد نسوا رجال العهد العثماني وعلقوا آمالهم بالحركة الكمالية التي كانوا يعتقدون أنها ستعيد إليهم الشيء الكبير من آمالهم. فماذا كان ؟










رد مع اقتباس