بسم الله الرحمن الرحيم
اما الرواية التي اوردتها عن مالك فقد قلت لك سابقا ان راوي الحديث لا يأخذ برواياته عند المالكية ارواياته الغريبة عن مالك و لن تجد مالكيا واحدا يقر برواياته فكلها رد اما الامام ابو حنيفة فيقول :
قلت : أرأيت لو قيل أين الله تعالى ؟ فقال - أي أبو حنيفة : يقال له كان الله تعالى ولا مكان قبل أن يخلق الخلق ، وكان الله تعالى ولم يكن أين ولا خلق ولا شىء ، وهو خالق كل شىء ) الفقه الأبسط ضمن مجموعة رسائل أبي حنيفة بتحقيق الكوثري (ص 25) ، ونقل ذلك أيضا المحدث الفقيه الشيخ عبد الله الهرري المعروف بالحبشي في كتابه الدليل القويم (ص54)
وقال أبو محمد علي بن أحمد المعروف بابن حزم الأندلسي- (456 هـ) ما نصه : ( وأنه تعالى لا في مكان ولا في زمان، بل هو تعالى خالق الأزمنة والأمكنة، قال تعالى: (وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً)(سورة الفرقان/2)، وقال (قَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا)(سورة الفرقان/59)، والزمان والمكان هما مخلوقان، قد كان تعالى دونهما، والمكان إنما هو للأجسام ) أنظر كتابه علم الكلام: مسألة في نفي المكان عن الله تعالى (ص/ 65)
قال الحافظ ابن جرير الطبري في تفسيره الملقب بأجل التفاسير ( 1/192) عند تأويل قوله تعالى " ثم استوى إلى السماء " ما نصه : والعجب ممن أنكر المعنى المفهوم من كلام العرب في تأويل قول الله " ثم استوى إلى السماء " الذي هو بمعنى العلو والإرتفاع هربا عند نفسه من أن يلزمه بزعمه إذا تأوله بمعناه المفهوم كذلك أن يكون إنما علا وارتفع بعد أن كان تحتها إلى أن تأوله بالمجهول من تأوليه المستنكر . ثم لم ينج مما هرب منه ، فيقال له : زعمت أن تأويل قوله " استوى " أقبل ، أفكان مدبرا عن السماء فأقبل إلبها ؟ فإن زعم أ، ذلك ليس بإقبال فعل ولكنه إقبال تدبير ، قيل له : فكذلك فقل : علا عليها علو ملك وسلطان لا علو إنتقال وزوال
قال الإمام فخرالدين الرازي رحمه الله في تفسيره ( 14/119) ما نصه " إن فرعون لما طلب حقيقة الإله من موسى عليه السلام ولم يزد موسى عليه السلام على ذكر صفة الخلاقية ثلاث مرات ، فإنه لما قال " وما رب العالمين " ففي المرة الأولى قال " رب السماوات والأرض وما بينهما إن كنتم موقنين " وفي الثانية قال " ربكم ورب آبائكم الأولين " وفي المرة الثالثة " رب المشرق والمغرب وما بينهما إن كنتم تعقلون " ومل ذلك إشارى إلى الخلاقية ، وأما فرعون لعنه الله فإنه قال " يا هامان ابن لي صرحا لعلي أبلغ السباب ، أسباب المساوات فأطلع إلى إله موسى " فطلب الإله في السماء فعلمنا أن وصف الإله بالخلاقية وعدم وصفه بالمكان والجهة دين موسى عليه السلام وسائر جميع الأنبياء وصفه تعالى بكونه في السماء دين فرعون وإخوته من الكفرة "
ونقل الحافظ الكرماني في الفتح ( 13/412) ما نصه : قوله " في السماء " ظاهره غير مراد ، إذ الله منزه عن الحلول في المكان لكن لما كانت جهة العلو أشرف من غيرها أضافها إليه إشارة إلى علو الذات والصفات .
وقال إمام الحرمين أبو المعالي عبد الملك بن عبد الله الجويني الأشعري (478 هـ) ما نصه : ( البارىء سبحانه وتعالى قائم بنفسه ، متعال عن الافتقار إلى محل يحله أو مكان يقله ) الإرشاد إلى قواطع الأدلة (ص 53).
وقال الامام الغزالي (505 هـ) ما نصه : ( تعالى - أي الله - عن أن يحويه مكان ، كما تقدس عن أن يحده زمان ، بل كان قبل أن خلق الزمان والمكان وهو الان على ما عليه كان ) إحياء علوم الدين: كتاب قواعد العقاند، الفصل الأول (1/ 108).
وقال أيضا ما نصه ( الأصل السابع: العلم بأن الله تعالى منزه الذات عن الاختصاص بالجهات ، فإن الجهة إما فوق وإما أسفل وإما يمين وإما شمال أو قدّام أو خلف، وهذه الجهات هو الذي خلقها وأحدثها بواسطة خلق الإنسان إذ خلق له طرفين أحدهما يعتمد على الأرض ويسمى رجلا، والاخر يقابله ويسمى رأسا، فحدث اسم الفوق لما يلي جهة الرأس واسم السفل لما يلي جهة الرِّجل، حتى إن النملة التي تدب منكسة تحت السقف تنقلب جهة الفوق في حقها تحت وإن كان في حقنا فوقًا. وخلق للإنسان اليدين وإحداهما أقوى من الأخرى في الغالب، فحدث اسم اليمين للأقوى واسم الشمال لما يقابله وتسمى الجهة التي تلي اليمين يمينا والأخرى شمالا، وخلق له جانبين يبصر من أحدهما ويتحرّك إليه فحدث اسم القدّام للجهة التي يتقدم إليها بالحركة واسم الخلف لما يقابلها، فالجهات حادثة بحدوث الإنسان. ثم قال: "فكيف كان في الأزل مختصًا بجهة والجهة حادثة؟ أو كيف صار مختصا بجهة بعد أن لم يكن له؟ أبأن خلق العالم فوقه، ويتعالى عن أن يكون له فوق إذ تعالى أن يكون له رأس، والفوق عبارة عما يكون جهة الرأس، أو خلق العالم تحته، فتعالى عن أن يكون له تحت إذ تعالى عن أن يكون له رجل والتحت عبارة عما يلي جهة الرّجل: وكل ذلك مما يستحيل في العقل ولأن المعقول من كونه مختصّا بجهة أنه مختص بحيز اختصاص الجواهر أو مختص بالجواهر اختصاص العرض، وقد ظهر استحالة كونه جوهرا أو عرضا فاستحال كونه مختصًا بالجهة: وإن اريد بالجهة غير هذين المعنيين كان غلطا في الاسم مع المساعدة على المعنى ولأنه لو كان فوق العالم لكان محاذيا له، وكل محاذ لجسم فإما أن يكون مثله أو أصغر منه أو أكبر وكل ذلك تقدير محوج بالضرورة إلى مقدّر ويتعالى عنه الخالق الواحد المدبّر، فأما رفع الأيدي عند السؤال إلى جهة السماء فهو لأنها قبلة الدعاء، وفيه أيضا اشاره إلى ما هو وصف للمدعو من الجلال و الكبرياء تنبيها بقصد جهة العلو على صفة المجد والعلاء، فإنه تعالى فوق كل موجود بالقهر والاستيلاء ) إحياء علوم الدين: كتاب قواعد العقائ، الفصل الثالت، الاصل السابع (1/ 128)
وقال أبو الوفاء علي بن عقيل البغدادي شيخ الحنابلة في زمانه (513 هـ) ما نصه : ( تعالى الله أن يكون له صفة تشغل الأمكنة ، هذا عين التجسيم ، وليس الحق بذي أجزاء وأبعاض يعالج بها ) الباز الأشهب : الحديث الحادي عشر
وقال سيدنا الامام أحمد الرفاعي الشافعي الأشعري (578 هـ) ما نصه : ( وطهِّروا عقائدكم من تفسير معنى الاستواء في حقه تعالى بالاستقرار، كاستواء الأجسام على الأجسام المستلزم للحلول ، تعالى الله عن ذلك . وإياكم والقول بالفوقية والسُّفْلية والمكان واليد والعين بالجارحة، والنزول بالإتيان والانتقال ، فإن كل ما جاء في الكتاب والسنة مما يدل ظاهره على ما ذُكر فقد جاء في الكتاب والسنة مثله مما يؤيد المقصود ) البرهان المؤيد (ص 17 - 18 )
وقال أيضا ما نصه : ( غاية المعرفة بالله الإيقان بوجوده تعالى بلا كيف ولا مكان ) أنظر كتاب حكم الشيخ أحمد الرفاعي الكبير (ص35- 36).
وقال أيضا ما نصه : ( وأنه - أي الله - لا يحل في شىء ولا يحل فيه شىء ، تعالى عن أن يحويه مكان، كما تقدَس عن أن يحده زمان ، بل كان قبل خلق الزمان والمكان، وهو الآن على ما عليه كان ) إجابة الداعي إلى بيان اعتقاد الإمام الرفاعي (ص 44).
- وقال أيضا ما نصه : ( لايحده تعالى المقدار، ولا تحويه الأقطار، ولا تحيط به الجهات ، ولا تكتنفه السماوات وأنه مستوٍ على العرش على الوجه الذي قاله وبالمعنى الذي أراده ، استواء منزَها عن المماسة والاستقرار والتمكن والتحول والانتقال ، لا يحمله العرش ، بل العرش وحملتُه محمولون بلطف قدرته ، ومقهورون في قبضته ، وهو فوق العرش ، وفوق كل شىء إلى تخوم الثرى ، فوقية لا تزيده قربا إلى العرش والسماء بل هو رفيع الدرجات عن العرش كما أنه رفيع الدرجات عن الثرى ) المرجع السابق (ص 43