السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
النص: المذهب البراغماتي و المذهب الوجودي
"إن القبض على الحقيقة – أبعد ما يكون هنا، عن كونه غاية في ذاتها – لا يزيد عن كونه وسيلة أو أداة أولية لبلوغ أنواع حيوية أخرى من الإشباع والرضا والسرور . وإذا قدر لي أن أضل طريقي في الغابة وأتضور جوعا، ثم وجدت ما يشبه طريقا معبدا للبقر، فإنه لأمر بالغ الأهمية، أنه يتعين علي الاعتقاد بوجود مقام أو مأوى إنساني في نهايته، لأنني إذا فعلت ذلك، ومضيت في أثره، فسأنقذ حياتي .
إن الفكرة الصحيحة هاهنا نافعة، لأن المقام أو المأوى الذي هو هدفها أو موضوعها نافع . ومن ثم فإن القيمة العملية للأفكار الصحيحة، تشتق بصفة أولية من الأهمية العملية لموضوعاتها بالنسبة لنا. وليس ثمة ريب في أن موضوعاته ليست، في الحقيقة هامة في كل الأوقات، فربما في مناسبة أخرى لا تكون بي حاجة إلى المقام أو المأوى وعندئذ ففكرتي عنه مهما تكن محققة ستكون من الناحية العملية فكرة منفصمة وغير مرتبطة وأولى بها أن تظل كمينة... وكلما أصبحت حقيقة من تلك الحقائق الإضافية مرتبطة عمليا بمطلب عاجل من مطالبنا أو بضرورة ملحة من ضروراتنا، فإنها تنقل من مخزن التبريد حيث كانت قابعة، لكي تؤدي عملا في العالم ويزداد نشاط اعتقادنا بها" .
وليام جيمس
- حلل النص تحليلا فلسفيا .
تحليل النص :
الإطار الفلسفي :
تحليل المعرفة الإنسانية من مختلف النواحي يعتبر مسألة فلسفية استقطبت اهتمام كل المفكرين، ونظرية المعرفة عند الفيلسوف هي رأيه في تفسير المعرفة ومصدرها وقيمتها أيا كانت الحقيقة المعروفة، وقد اختلف الفلاسفة اختلافا واضحا في تأسيسهم لنظرية المعرفة، والمذهب البراغماتي من بين المذاهب الفلسفية المعروفة التي خاضت في مشكلة المعرفة وهذا النص لوليام جيمس أحد أعمدة المذهب البراغماتي يوضح هذا الأمر و جاء النص مجيبا عن الإشكالية التالية :
ما معيار صحة الفكرة ؟
الـموقف :
بين وليام جيمس أن المعرفة أداة للسلوك العملي، بمعنى أن الفكرة بمثابة خطة يمكن لاهتداء بها في القيام بعمل معين، والفكرة التي لا تنتهي إلى سلوك واقعي ناجح لا قيمة لها بل هي وهم في عقل صاحبها، فمعنى الفكرة لم يعد يكمن في أصلها بل يكمن في إرشادها لنا على مستوى الواقع فالعلم لا يهدف إلى امتلاك الحقيقة وإنما يهدف إلى تسيير الحقيقة تسييرا نافعا ومعيار صحة الفكرة متوقف على نجاحها واقعيا وتحقيقها لمنعة ملموسة .
الحجج :
استخدم وليام جيمس عدة حجج ليثبت موقفه نذكر منها :
- البحث عن الحقيقة لا يتعدى أن يكون مشروع حيوي يعود علينا بالمنعة العملية لأن هذا الأمر فيه خدمة لأغراضنا وتطوير حياتنا .
- لا معنى لاعتبار أمر حقيقة من الحقائق، إن لم يوفر لي أو لنا السعادة والراحة ويضمن أسباب الخروج من الأزمة والقلق.
- إن الحقيقة تقاس بمعيار العمل المنتج، فكل ما يؤدي إلى النجاح فهو حقيقي، وإن كل ما يعطينا أكبر قسط من الراحة وما هو صالح لأفكارنا ومفيد لنا بأي حال من الأحوال، فهو حقيقي.
النقد والتقييم :
لا يمكن نفي الطابع النفعي عن المعرفة ولا يمكن تجاهل الأدلة التي استخدمها جيمس في إثبات رأيه. لكن نظرية البراغمتيين أراد لها أصحابها أن تكون شاملة لشتى الحقائق، سواء أكانت عملية أو فلسفية أو دينية .. لكن إذا كان مقياس صدق الفكرة هو نتائجها، فانه من العسير أن يجمع الناس على صواب كل فكرة بالنسبة إلى آثارها، وعندئذ يستبعد أن تكون الحقيقة هي هي عند جميع الناس، بل تختلف باختلاف النفع والضرر لكل واحد . والظاهر أن كثيرا من معلوماتنا في الحياة اليومية يكون صوابا أو خطأ لمطابقة أو عدم مطابقته للواقع . وبعد ذلك قد تكون هذه المعرفة نافعة أو غير نافعة، ولو كان عامل النفع وحده هو مقياس صواب الفكرة، لكان صواب كثير من أفكارنا متوقفا على قانون العقوبات ونوع النظام الحاكم . كما أن البراغمتيين جعلوا المعرفة شبيهة بالسلعة المعروضة في السوق قيمتها الحقيقية لا تقوم في ذاتها بل تتمثل في الثمن الذي يدفع فيها .
الخاتمة :
نجاح الفكرة ليس معيارا لصحتها في كل الأحوال .
الـمواضيع المقترحة :
1-هل صحيح أن المفاهيم ينشئها العقل كما يدعي ديكارت ؟
2-يرى الوجوديون أن الإنسان صانع وجوده بإرادته . فإلى أي مدى يمكن قبول هذا الرأي ؟