هناك من بين أمــم الدنيا أمــة عريقة ظلــت مــدة قــرون ثلاثة متواليــة سيــدة البحـــر الأبيض المتوسط ، و كانــت الخصـم اللــدود لقوى الشــر ، و كانت الحكـم العـادل بين الخصمـــاء ، و كانت كلمتهـا القول الفصل ، كما كانت بحريتها الفيصــل ، و كانت سفــن و أساطيل العالم تقتــرب من مينـاء عاصمــة تلك الأمة بعضها بثقــة و اطمئنــان ، لحســن علاقات بلدانها بتلك الأمـــة ، و أخرى بوجــل و تــردد ، أمام هيبــة تلك العاصمــة التي كان يتــردد اسمهـا بصــدى مــدو بالــغ ، و وقــع شديد بليــغ ، و هي تطل من عليائهــا شامخــة ناصعــة ، بمآذنهــا و شرفــات قلاعهــا ، على مينائها الذي يرمــز تلاطــم الأمــواج فيه لذلــك البحــر ، و هو أشبــه ما يكــون ببركــة مضطربــة ، يبتلــع فيها السمــك القـوي الضخـم السمك الضعيــف الصغيــر!
كانـت تلك الأمــة من أولى الأمــم التي اعترفــت باستقــلال الولايات المتحــدة الأمريكية سنــة 1776م ، وعقدت معها معاهدة سلــم و صداقـة يـوم 05 سبتمبــر 1795م ،تبعتها معاهدتان أخريان ، وهي أيضاً تلك الامة التي ظلت بريطانيا العظمى تسعى وراءها لعقد تحالــف بحــري معها . اعترفــت بالجمهوريـة الفرنسيـة الأولى ، و أقرضت حكومــة الثورة الفرنسيــة قرضـاً مبلغــه خمســة ملاييــن من الفرنكــات الذهبيــة ، بدون فائدة . كما أنقذتهــا من المجاعــة ، بأن أمدتهــا ، أيام حروب تلك الثــورة ثم أثنــاء حــروب نابليون ، بقــرض آخر لشــراء القمح في بلد تلك الأمة ، بدون فائدة أيضاً ، وعقــدت معها (70) سبعيــن معاهدة و اتفاقيـــة ، كما حمتها مراراً من الغــزو الخارجي ، بل و حتى من التفتت و التمــزق الداخلي ، اذ استنجــدت فرنسا مراراً وفي مختلــف عهودها بتلك الأمـــة ، من فرانسـوة الأول الى ابنه هانــري الثاني ، الى هانــري الرابــع ، الى لويــس الرابــع عشــر ، الى الحكومــة المؤقتــة للثــورة الفرنسية و جمهوريتهــا الأولى !...
كما كانت تلك الأمــة أيضاً هي التي اضطــرت أمريكا ذات يــوم - بل طيلــة سنــوات عشــر ! - الى أن تسعى لدى أغلب دول أوروبا في ذلك العصر - ومنها روسيا القيصريــة -لتقنعها بالإنضمــام الى كتلــة أوروبيــة - أمريكية ضدها ! و عندما لم ينفعها كل ذلك لجــأت الى الخلافــة العثمانية ، علها تمارس ضغطاً على تلك الأمــة طالبــة منها الوساطــة لديها ، ولما لم يجدها ولا ذلك أيضــاً ، رضخــت في النهايـة لشــروط تلك الأمــة ، وهي مكرهــة صاغــرة ! فمــن هي تلك الأمــة يا تـــرى؟
إنها :
الــجــــزائــــــــــر،،،
مولود قاسم نايت بلقاسم