فصل
في بيان سبب غلطهم في الألفاظ والحكم عليها
باحتمال عدة معان حتى أسقطوا الاتدلال بها
واللفظ منه مفرد ومركب*** في الاعتبار فما هما سيان
واللفظ في التركيب نص في الذي*** قصد المخاطب منه في التبيان
أو ظاهر فيه وذا من حيث نسبته الى الأفهام والأذهان
فيكون نصا عند طائفة وعند سواهم هو ظاهر التبيان
ولدى سواهم مجمل لم يتضح*** لهم المراد به اتضاح بيان
فالأولون لأالفهم ذاك الخطا***ب والفهم معناه طول زمان
طال المراس لهم لمعناه كما اشتدت عنايتهم بذاك الشأن
والعلم منهم بالمخطاب اذ هم*** أولى به من سائر الانسان
لهم أتم عناية بكلامه*** وقصوده مع صحة العرفان
فخطابه نص لديهم قاطع*** فيما أريد به من التبيان
لكن من هو ذانك دونهم في ذاك ولم*** يقطع بقطعهم على البرهان
ويقول يظهر ذا وليس بقاطع*** في ذهنه ولا سائر الأذهان
ولألفه بكلام من هو مقتد*** بكلامه من عالم الأزمان
هو قاطع بمراده وكلامه*** نص لديه واضح التبيان
والفتنة العظمى من المتسلق المخدوع ذي الدعوى وأخي الهذيان
لم يعرف العلم الذي فيه الكلا***م ولا ألف بهذا الشان
لكنه منه غريب ليس من*** سكانه كلا ولا الجيران
فهو الزنيم دعي قوم لم يكن*** منهم ولم يصحبهم بمكان
وكلامهم أبدا لديه مجمل*** وبمعزل عن أمرة الايقان
نشد التجارة بالزيوف يخالها*** نقدا صحيحا وهو ذو بطلان
حتى إذا ردت اليه ناله*** من ردها خزي وسوء هوان
فأراد تصحيحا لها اذا لم يكن*** نقد الزيوف يروج في الأثمان
ورأى استحالة ذا بدون الطعن في*** باقي النقود فجاء بالعدوان
واستعوض الثمن الصحيح بجهله*** وبظلمه يبغيه بالبهتان
عوجا ليسلم نقده بين الورى*** ويروّج فيهم كامل الأوزان
والناس ليسوا أهل نقد للذي*** قد قيل الا الفرد في الأزمان
والزيف بينهم هو النقد الذي*** قد راج في الأسفار والبلدان
اذ هم قد اصطلحوا عليه وارتضوا*** بجوازه جهرا بلا كتمان
فإذا أتاهم غيره ولو انه*** ذهب مصفى خالص العيقان
ردوه واعتذروا بأن نقودهم*** من غيره بمراسم السلطان
فإذا تعاملنا بنقد غيره*** قطعت جوامكنا من الديون
والله منهم قد سمعنا ذا ولم*** نكذب عليهم ويح ذي البهتان
يا من يريد تجارة تنجيه من*** غضب الاله وموقد النيران
وتفيده الأرباح بالجنات والحور الحسان ورؤية الرحمن
في جنة طابت ودام نعيمها*** ما للفناء عليه من سلطان
هيئ لها ثمنا يباع بمثلها*** لا تشتري بالزيف من أثمان
نقدا عليه سكة نبوية*** ضرب المدينة أشرف البلدان
أظننت يا مغرور بائعها الذي*** يرضى بنقد ضرب جنكيز خان
منتك والله المحال النفس أن*** طمعت بذا وخدعت الشيطان
فاسمع اذا سبب الضلال ومنشأ التخليط اذ يتناظر الخصمان
يحتج باللفظ لمركب عارف*** مضمونه بسياقه لبيان
واللفظ حين يساق بالتركيب محفوف به للفهم والتبيان
جند ينادي عليه مثل ندائنا بإقامة وأذان
كي يحصل الاعلام بالمقصود من*** ايراده ويصير في الأذهان
فيفك تركيب الكلام معاند*** حتى يقلقله من الأركان
ويروم منه لفظة قد حملت*** معنى سواها في كلام ثان
فيكون دبوس الشقاق وعدة*** للدفع فعل الجاهل الفتان
فيقول هذا مجمل واللفظ محتمل وذا من أعظم البهتان
وبذاك يفسد كل علم في الورى*** والفهم من خبر ومن قرآن
إذا أكثر الألفاظ تقبل ذاك في الـ***ـأفراد قبل العقد والتيان
لكن إذا ما ركبت زال الذي*** قد كان محتملا لدى الوحدان
فإذا تجرد كان محتملا لغير مراده أو في كلام ثان
لكن ذا التجريد ممتنع فان*** يفرض يكن لا شك في الأذهان
والمفردات بغير تركيب كمثل*** الصوت تنعقه بتلك الضان
وهنالك الاجمال والتشكيك والتجهيل والتحريف والاتيان بالبطلان
فإذا هم فعلوه راموا نقله*** لمركب قد حف بالتبيان
وقضوا على التركيب بالحكم الذي*** حكموا به للمفرد الوحداني
جهلا وتجهيلا وتدليسا*** وتلبيسا وترويجا على العميان
فصل
في بيان شبه غلطهم في تجريد اللفظ بغلط
الفلاسفة في تجريد المعاني
هذا هداك الله من إضلالهم*** وضلالهم في منطق الانسان
كمجردات في الخيل وقد بنى*** قوم عليها أوهن البنيان
ظنوا بأن لها وجودا خارجا*** ووجودها لو صح في الأذهان
أني وتلك مشخصات حصلت*** في صورة جزئية بعيان
لكنها كلية ان طابقت*** افرادها كاللفظ في الميزان
يدعونه الكلي وهو معين*** فرد كذا في المعنى هما سيان
تجريدا ذا في الذهن أو في خارج*** عن كل قيد ليس في الامكان
لا الذهن يعقله ولا هو خارج*** هو كالخيال لطيفة السكران
لكن تجردها المقيد ثابت*** وسواه ممتنع بلا امكان
فتجرد الأعيان عن وصف وعن*** وضع وعن وقت لها ومكان
فرض من الأذهان يفرضه كفر***ض المستحيل هما لها فرضان
الله أكبر كم دهى من فاضل*** هذا التجرد من قديم زمان
تجريد ذي الألفاظ عن تركيبها*** وكذاك تجريد المعاني الثاني
والحق أن كليهما في الذهن مفروض فلا تحكم عليه وهو في الأذهان
فيقودك الخصم المعاند بالذي*** سلمته للحكم في الأعيان
فعليك بالتفصيل إن هم أطلقوا*** أو أجملوا فعليك بالتبيان
فصل
في بيان تناقضهم وعجزهم
عن الفرق بين ما يجب تأويله وما لا يجب
وتمسكوا بظواهر المنقول عن*** اشياخهم كتمسك العميان
وأبو بأن يتمسكوا بظواهر النصين واعجبا من الخذلان
قول الشيوخ محرم تأويله*** اذ قصدهم للشرح والتبيان
فإذا تأولنا عليهم كان أبطـ***ـالا لما راموا بلا برهان
فعلى ظواهرها تمر نصوصهم*** وعلى الحقيقة حملها لبيان
يا ليتهم أجروا نصوص الوحي*** ذا المجرى من الاثار والقرآن
بل عندهم تلك النصوص طواهر*** لفظية عزلت عن الايقان
لم تغن شيئا طالب الحق الذي*** يبغي الدليل ومقتضى البرهان
وسطوا على الوحيين بالتحريف إذ*** سموه تأويلا بوضع ثان
فانظر الى الأعراف ثم ليوسف*** والكهف وافهم مفتضى القرآن
فإذا مررت بآل عمران فهمـ***ـت القصد فهم موفق رباني
وعلمت أن حقيقة التأويل تبـ***ـين الحقيقة لا المجاز الثاني
ورأيت تأويل النفاة مخالفا*** لجميع هذا ليس يجتمعان
اللفظ هم أنشوا له معنى بذا***ك الاصطلاح وذاك أكر دان
وأتو الى الحاد في الأسماء*** والتحريف للألفاظ بالبهتان
فكسوه هذا اللفظ تلبيسا وتد***ليسا على العميان والعوران