ما أخبرنا عمرو بن محمد الباسي، عن زينب بنت الكمال سماعا، عن أعز بن العليق، عن شهدة بنت أحمد، سماعا، أنبأنا طراد بن محمد في أماليه، حدثنا الحسن بن عمر بن برهان، أنبأنا عثمان بن أحمد، هو ابن السماك، أنبأنا إسحاق بن إبراهيم الختَّلى، حدثنا الحسين ابن على بن يزيد الصدائي، عن أبيه، عن هارون بن عنترة، عن أبيه، عن على بن أبى طالب - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن شهر رجب شهر عظيم، من صام منه يوما كتب الله له صوم ألف سنة، ومن صام منه يومين كتب له صوم ألفى سنة، ومن صام منه ثلاثة أيام، كتب الله له صوم ثلاثة آلاف سنة، ومن صام منه سبعة أيام غلقت عنه أبواب جهنم، ومن صام منه ثمانية أيام فتحت له أبواب الجنة الثمانية، فيدخل من أيها شاء، ومن صام خمسة عشر بدلت سيئاته حسنات ونادى مناد من السماء قد غفر لك، فاستأنف العمل، ومن زاد زاده الله. وهو حديث موضوع، لا شك فيه. والمتهم به الخُتَّلي.
وروينا في القاضي، عن أبى الحسن بن صخر، حدثنا أبو العلاء: على بن أحمد الأهوازي، حدثنا على بن إسحاق المادري أخبرنا عمر بن مدرك، أخبرنا شهاب بن عثمان أبو مسعود، أخبرنا خالد الزيات، قال: بلغنا أن نوحا ركب السفينة أول يوم رجب وقال لمن معه، من الأنس والجن: صوموا هذا اليوم؛ فإنه من صام منكم بعدت النار عنه مسيرة سنة، ومن صام منكم سبعة أيام أغلقت عنه أبواب النيران السبعة، ومن صام منكم ثمانية أيام فتحت له أبواب الجنة الثمانية ومن صام منكم عشرة أيام قال الله له: سل نعطه، ومن صام منكم خمسة عشر يوم قال الله له: استأنف العمل فقد غفر لك ما مضى ومن زاد زاده الله. وهذا موقف، وسنده ضعيف.
ومنها:
ما أخبرنا به عمر بن محمد البالسى، وهذا الإسناد المتقدم إلى عثمان بن أحمد، حدثنا خلف بن الحسين بن حوامد، أخبرنا زكريا بن يحيى الحزاز، أخبرنا فضاله بن حصين، أخبرنا شديق أبو عبد الله عن الفرات ابن السائب، عن ميمون بن مهران، عن أبى ذر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من صام يوما من رجب عدل صيام شهر، ومن صام منه سبعة أيام غلقت عنه أبواب الجحيم السبعة، ومن صام منه ثمانية أيام فتحت له أبواب الجنة الثمانية، ومن صام عشر أيام بدّل الله سيئاته حسنات، ومن صام ثمانية عشر نادى مناد قد غفر الله ما مضى، - فاستأنف العمل. وروى هذين الحديثين عبد العزيز الكتاني في " فضل رجب " له عن على بن أحمد الرزار، عن عثمان بن أحمد بن السماك به. ورواه الحكم بن مروان، عن فرات بن السائب، عن ميمون بن مهران فقال: عن ابن عباس، بدل أبى ذر. أخرجه الحافظ أبو عبد الله الحسين بن فتحويه، عن ابن شيبة، عن سيف بن المبارك عنه ورشدين والحكم متروكان.
قرأت على فاطمة بنت محمد بن عبد الهادي، عن حسن بن عمر، أنبأنا مكرم ابن أبى الصقر، حضوراًً وإجازة، أنبأنا سعيد بن سهل الخوارزمي، أنبأنا أبو الحسن: عن بن الأخرم، أنبأنا الحسين بن أحمد بن فتحوبه. ولفظ المتن: أن رجب شهر عظيم، يضاعف الله فيه الحسنات، ويمحو فيه السيئات " من صام يوماً من رجب " - فذكره نحوه - وزاد فيه: " ومن صام منه ثلاثة أيام أدخل الجنة. ولم يقل: من صام ثمانية عشر، بل قال: من صام عشرة أيام لم يسأل الله شيئاً إلا أعطاه إياه، ومن صام منه خمسة عشر يوماً نادى مناد من السماء غفرت لك ذنوبك، وبدلت سيئاتك حسنات، فاستأنف العمل، ومن زاد زاده الله ".
ومنها:
ما رواه الحافظ أبو محمد عبد العزيز وأحمد الكتابي في كتاب " فضل رجب " له، قال: ذكر أبو الحسن: على بن يعقوب بن يوسف، عن عمران القزويني البلاذري. قدم دمشق في سنة أربع وسبعين وثلاثمائة: وحدثهم بها، فقال:
حدثنا أبو سعيد: الحسن بن أحمد بن المبارك الطوسي، بتنيس، إملاء، سنة أربع وأربعين، أخبرنا العباس بن إبراهيم القراطيسي، بالموصل، أخبرنا محمد بن زوران السليطي، أخبرنا محمد بن عمر الأنصاري، عن مالك بن دينار، وأبان عن أنس بن مالك، قال: خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل رجب بجمعة، فقال: أيها الناس، إنه قد أظلكم شهر عظيم، شهر رجب، شهر الله، الأصم، تضاعف فيه الحسنات، وتستجاب فيه الدعوات، ويفرج عن الكربات، لا يرد فيه للمؤمنين دعوة، فمن اكتسب فيه خيراً ضوعف له فيه أضعافاً مضاعفة، والله يضاعف لمن يشاء. فعليكم بقيام ليله، وصيام نهاره، فمن صلى في يوم فيه خمسين صلاة يقرأ في كل ركعة ما تيسر من القرآن، أعطاه الله من الحسنات بعد الشفع والوتر، وبعد الشعر والوبر، ومن صام يوماً منه كتب له به صيام سنة، ومن خزن فيه لسانه لقنه الله حجته عند مساءلة منكر ونكير، ومن تصدق فيه بصدقة كان بها فكاك رقبته من النار، ومن وصل فيه رحمه وصله الله في الدنيا والآخرة، ونصره على أعدائه أيام حيانه، ومن عاد فيه مريضاً أمر الله كرام ملائكته بزيارته والتسليم عليه، ومن صلى فيه على جنازة فكأنما أحيا مؤودة، ومن أطعم مؤمناً فيه طعاما أجلسه الله يوم القيامة على مائدة عليها إبراهيم ومحمد، ومن سقى فيه شربة ماء سقاه الله من الرحيق المختوم، ومن كسا فيه مؤمناً كساه الله ألف حلة من حلل الجنة، ومن أكرم فيه يتيما، ومسح يده على رأسه غفر الله له بعدد كل شعرة مستها يده، ومن استغفر الله فيه مرة واحدة غفر الله له، ومن سبح الله تسبيحة أو هلل تهليلة كتب عند الله من الذاكرين الله كثيراً والذاكرات، ومن ختم فيه القرآن مرة واحدة ألبس هو ووالده يوم القيامة كل واحد منهم تاج مكلل باللؤلؤ والمرجان وأمن فزع يوم القيامة وهذا حديث موضوع وإسناده مجهول.
ومنها:
ما أخبرنا أبو الحسن المرداوي، بصالحية دمشق، أنبأنا أحمد بن على الجزري، وعائشة بنت محمد بن المسلم، قراءة عليهما، وأنا حاضر وإجازة ابن إبراهيم بن خليل الآدمي، أنبأنا منصور بن على الطبري ابنا عبد الجبار بن محمد الفقيه، أنبأنا الحافظ أبو بكر البيهقي، أنبأنا عبد الله الحافظ، أنبأنا أبو نصر رشيق بن عبد الله الرومي، إملاء من أصل كتابه، بالطابران، حدثنا الحسين بن أديس، أخبرنا خالد بن الهياج، عن أبيه، عن سليمان التيمي، عن أبى عثمان، عن سلمان الفارسي، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" في رجب يوم وليلة، من صام ذلك اليوم، وقام تلك الليلة كان كمن صام من الدهر مائة سنة، وقام مائة سنة، وهو لثلاث بقين من رجب، وفيه بعث، الله محمدًا.
هذا حديث منكر إلى الغاية. وهياج هو ابن بسطام الهروي: روى عن جماعة من التابعين. وضعفه ابن معين، وقال أبو داود: تركوه. وقال صالح بن محمد الحافظ، الملقب بجزرة: الهياج منكر الحديث لا يكتب من حديثه إلا حديثان أو ثلاثة؛ للاعتبار، ولم أكن أعلم أنه بكل هذا، حتى قدمت هراة، فرأيت عندهم أحاديث مناكير كثيرة لهم.
قال الحاكم أبو عبد الله: وهذه الأحاديث التي رآها صالح من أحاديث الهياج، الذنب فيها لابنه خالد، انتهى. وروينا قريباً من هذا المتن من حديث أنس بإسناد مظلم. رواه البيهقي أيضاً من طريق عيسى غنجار، عن محمد بن المفضل بن عطية، " في رجب ليلة يكتب للعامل فيها حسنات مائة سنة، وذلك لثلاث بقين من رجب، فمن صلى فيها اثنتي عشرة ركعة، يقرأ في كل ركعة فاتحة الكتاب وسورة من القرآن، يتشهد في كل ركعتين، ويسلم في آخرهن، ثم يقول: سبحان الله ولا إله إلا الله، والله وأكبر، مائة مرة، ويستغفر مائة مرة، ويصلي على النبي صلى الله عليه وسلم مائة مرة ويدعو لنفسه بما شاء من أمر دنياه وآخرته، ويصبح صائماً، فإن الله يستجيب دعاءه كله، إلا أن يدعو في معصية".
وروينا في جزء من فوائد هناد النسفي بإسناد له منكر، إلى الزهري، عن أنس. قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "بعثت نبيا في السابع والعشرين من رجب فمن صام ذلك اليوم كان كفارة ستين شهرا" وقد تقدم هذا موقوفاً على ابن عباس في حديث طويل.وروينا في فوائد أبى الحسن بن صخر، بسند باطل إلى علي بن أبي طالب، مثل هذا المتن، لكن قال فيه. "فمن صام ذلك اليوم ودعا عند إفطاره كانت كفارة عشر سنين". وروينا في جزء أبي معاذ الشاة المروزي، وفي " فصائل رجب " لعبد العزيز الكتاني من طريق حمزة، عن ابن شوذب، عن مطر الوراق، عن شهر بن حوشب، عن أبى هريرة - رضي الله عنه - قال:" من صام يوم سبع وعشرين من رجب كتب له صيام ستين شهرا، وهو اليوم الذي هبط فيه جبريل بالرسالة ". وهذا موقوف ضعيف الإسناد، وهو أمثل ما ورد في هذا المعنى.
ومنها:
وما أخبرنا أحمد بن الحسين، أنبأنا محمد بن أحمد بن سليم أخبرهم. أنبأنا عبد العزيز بن عبد المنعم. أنبأنا سعيد بن محمد: عطاف أنبأنا أبو القاسم بن السمرقندى، أنبأنا أبو الحسين بن النقور، أنبأنا أبو الحسن بن الجندي، أخبرنا أبو علي: إسماعيل بن العباس الوراق، أخبرنا الفضل بن يعقوب الرخامي، أخبرنا داود بن المحبر، أخبرنا سليمان بن الحكم - يعنى ابن عوانة - عن العلاء بن خالد، عن مكحول: أن رجلا سأل أبا الدرداء عن صيام رجب، فقال: سألت عن شهر كانت الجاهلية تعظمه في جاهليتها، وما زاده الإسلام إلا فضلا وتعظيما، ومن صام منه يوما تطوعا، يحتسب به ثواب الله ويبتغى به وجه الله مخلصاً أطفأ صومه ذلك اليوم غضب الله، وغلق عنه بابا من أبواب النار، ولو أعطى ملء الأرض ذهبا ما كان حقاً له، لا يستكمل أجره بشيء من الدنيا دون يوم الحساب، وله عشر دعوات مستجابات، فإن دعا بشيء في عاجل الدنيا أعطيه، وإلا أدخر له من الخير كأفضل ما دعا داع من أولياء الله، وأحبائه، وأصفيائه، ومن صام يومين كان له مثل ذلك، وله مع ذلك أجر عشرة من الصديقين في عمرهم بالغة أعمارهم، وشفع في مثل ما شفعوا فيه، فيكون في زمرتهم حتى يدخل الجنة معهم، ويكون من رفقائهم، ومن صام ثلاثة أيام كان له مثل ذلك، وقال الله له عند إفطاره. لقد وجب حق عبدي هذا، ووجبت له محبتي، أشهدكم يا ملائكتي أني قد غفرت ما تقدم من ذنبه، وما تأخر [فذكر الحديث بألفاظ نحو هذا الجنس يقول فيه]: ومن صام تسعة أيام منه رفع كتابه في عليين، وبعث يوم القيامة من الآمنين، ويخرج من قبره ووجه يتلألأ حتى يقول أهل الجمع هذا نبي مصطفى، وأن أدنى ما يعطى أن يدخل الجنة بغير حساب، ومن صام عشرة فبخ بخ بخ له مثل ذلك وعشرة أضعافه، وهو ممن يبدل الله - عز وجل - سيئاته حسنات ويكون من المقربين لله بالقسط، وكمن عبد الله ألف عام صائما قائما محتسبا، ومن صام عشرين يوما كان له مثل ذلك وعشرون ضعفا، وهو ممن يزاحم خليل الله في قبته، ويشفع في مثل ربيعة ومضر، كلهم من أهل الخطايا والذنوب، ومن صام ثلاثين يوما كان له من جميع ذلك ثلاثين ضعفا، ونادى مناد من السماء أبشر يا ولي الله بالكرامة العظمى، والكرامة: النظر إلى وجه الله الجليل في مرافقة النبيين والصديقين، والشهداء والصالحين، وحسن أولئك وفيقا. طوبى لك طوبى لك ثلاث مرات، غدا إذا انكشف الغطاء ’ فأفضيت إلى جسيم ثواب ربك الكريم. فإذا نزل به الموت سقاه ربه عند خروج نفسه شربة من حياض القدس، ويهون سكرة الموت، حتى ما يجد للموت ألماً، ويطلع في قبره رياه، ويظل في الموقف ريان، حتى يرد حوض النبي صلى الله عليه وسلم وإذا خرج من قبره شيعه سبعون ألفًاُ من النجائب من الدر والياقوت، ومعهم الطرائف والحلي والحلل، فيقولون: يا ولي الله. التجىء إلى ربك الذي أظميت له نهارك، وانحلت له جسمك، فهو من أول الناس دخول جنات عدن يوم القيامة مع الفائزين الذين رضي الله عنهم ورضوا عنه. ذلك هو الفوز العظيم. فإن كان له في كل يوم يصوم على قدر قوته. فتصدق به فهيهات هيهات - ثلاثا - لو اجتمع الخلائق على أن يقدر وأقدر ما أعطى ذلك العبد من الثواب، ما بلغوا معشار العشر مما أعطى ذلك العبد من الثواب.
قلت:
وهذا حديث موضوع ظاهر الوضع. قبح الله من وضعه فوالله لقد وقف شعري من قراءته في حال كتابته، فقبح الله من وضعه، ما آجراه على الله وعلى رسوله والمتهم به عندي: داود بن الحبر. أو العلاء بن خالد. كلاهما قد كذب، ومكحول لم يدرك أبا الدرداء ولا والله ما حدث به مكحول قط. وقد رواه عبد العزيز بن أحمد الكسائي، بطول في كتاب " فضائل شهر رجب " من طريق الحارث بن أسامة: عن داود بن المحبر.
فصل
قال ابن ماجة في السنن: أخبرنا إبراهيم بن المنذر، أخبرنا داود بن عطاء، أخبرنا زيد بن عبد الحميد، عن سليمان بن على بن عبد الله بن عباس، عن أبيه، عن ابن عباس، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: " نهى عن صوم رجب كله "
رواه الطبرانى في " الكبير" عن مسعد العطار، عن إبراهيم مثله. وداود بن عطاء المذكور، لينه ابن معين. ورواه البيهقى في " فضائل الأوقات " من هذا الوجه. وقال: داود بن عطاء ليس بالقوى. وإنما الرواية فيه من فعل النبي صلى الله عليه وسلم فحرف الرواة الفعل إلى النهي. ثم إن صح فهو محمول على التنزيه. والمعنى فيه ما ذكره الشافعي في القديم. قال: أكره أن يتخذ الرجل صوم شهر، يكمله من يبن الشهر، كما يكمل رمضان. قال: وكذلك أكره أن يتخذ الرجل يوما من الأيام. ،إنما كرهت هذا؛ لئلا يتأسى جاهل فيظن أن ذلك واجب.
قلت:
والحديث الذي أشار البيهقي إليه من رواية ابن عباس، أخرجه من طريق عثمان بن حكيم، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصوم حتى نقول لا يفطر، ويفطر حتى نقول: لا يصوم.
وروينا في " كتاب أخبار مكة " لأبى محمد الفاكهي، بإسناد لا بأس به، عن ابن عباس - رضي الله عنهما - أنه قال: لا تتخذوا رجبا عيدا، ترونه حتما مثل شهر رمضان، إذا أفطرتم منه صمتم وقضيتموه. وقال عبد الرزاق في " مصنفه "، عن ابن جريج، عن عطاء، كان ابن عباس، ينهى عن صيام رجب كله: ألا يتخذ عيدا. وهذا إسناد صحيح. ومثل هذا: ما رويناه في سنن سعيد بن منصور أخبرنا سفيان - يعنى ابن عيينة، عن مسعر، عن وبرة، هو ابن عبد الرحمن عن خرشة بن الحر، أن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - كان يضرب أيدي الرجال في رجب إذا رفعوها عن الطعام حتى يضعوها فيه، ويقول: إنما هو شهر كان أهل الجاهلية يعظمونه. وروى نحو ذلك، عن أبى بكرة.
فهذا النهى منصرف إلى من يصومه معظما لأمر الجاهلية. أما إن صامه لقصد الصوم في الجملة، من غير أن يجعله حتما، أو يخص منه أياما معينه يواظب على صومها، أو ليال معينة يواظب على قيامها، بحيث يظن أنها سنة. فهذا من فعله من السلامة مما استثنى، فلا بأس به. فإن خص ذلك، أو جعله حتما فهذا محظور. وهو في المنع بمعنى قوله صلى الله عليه وسلم: " لا تخصوا يوم الجمعة بصيام، ولا ليلتها بقيام " رواه مسلم.
وإن صامه معتقدا أن صيامه، أو صيام شيء منه أفضل من صيام غيره، فقي هذا نظر. ويقوم جانب المنع ما في الصحيح، عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: ما رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يتحرى صوم يوم يفضله على غيره إلا هذا اليوم: يوم عاشوراء. وهذا الشهر يعنى رمضان.
ومن ذلك: ما أنبانا نصر الله بن أحمد، شفاها أنبأنا محمد بن أحمد بن عبد الله الحراني، أخبرنا عبد الرحيم بن يوسف، أنبأنا عمر بن محمد أنبأنا محمد بن عبد الباقي، أنبأنا عبد الله بن محمد الخطيب أنبأنا عمر بن إبراهيم الكتاني أخبرنا أبو بكر النيسابوري، أخبرنا بحر، أخبرنا عبد الله بن وهب، حدثني معاوية بن صالح، عن أزهر بن سعيد، عن أمه، أنها كانت دخلت على عائشة، فذكرت لها أنها تصوم رجب، فقالت عائشة: صومي شعبان، فإن فيه الفضل. قد ذكر لرسول الله صلى الله عليه وسلم ناس يصومون رجب، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فأين هم من صيام شعبان.
ورواه عبد الرزاق في "مصنفه"،عن داود بن قيس، عن زيد بن أسلم، قال: ذكر لرسول الله صلى الله عليه وسلم قوم يصومون رجب، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: فأين هم من شعبان ؟ قال زيد: وكان أكثر صيام رسول الله بعد رمضان، شعبان. ويحتمل أن تحريه صلى الله عليه وسلم صيام عاشوراء بعينه كان لغير هذا المعنى، لأنه صدر أن صوم كان مفترضا قبل رمضان. وكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا فعل شيئا من الطاعات واظب عليه. وأما حديث عائشة - رضي الله عنها - ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم أكمل شهرا قد إلا رمضان، وما رأيت أكثر صياما منه في شعبان.
فظاهرة فضيلة الصوم في شعبان على غيره. لكن ذكر بعض أهل العلم أن السبب في ذلك، أنه كان صلى الله عليه وسلم ربما حصل له الشغل عن صيام الثلاثة أيام من كل شهر، بسفر أو غيره، فيقضيها في شعبان، فلذلك كان يصوم في شعبان أكثر مما يصوم في غيره، لأن لصيام شعبان فضيلة على صيام غيره ومما يقوي هذا التأويل: ما رواه أبو داود وغيره، من حديث العلاء بن عبد الرحمن، عن أبيه، عن أبى هريرة - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إذا دخل النصف من شعبان فلا تصوموا". وفي رواية، فلا يصومن أحد.
وفي رواية، إذا دخل النصف من شعبان فأمسكوا عن الصيام.
وقد ذكر بعض أهل العلم، أن معنى هذا النهى للمبالغة في الاحتياط، لئلا يختلط برمضان ما ليس بغيره، ويكون هذا بمعنى نهيه صلى الله عليه وسلم أن يتقدم أحد رمضان بيوم أو يومين.
قال أبو بكر الطرطوشى في كتاب " البدع والحوادث ": يكره صوم رمضان على ثلاثة أوجه.
أحدها: أنه إذا خصه المسلمون بالصوم من كل عام حسب العوام إما أنه فرض كشهر رمضان، وإما سنة ثابتة كالسنن الثابتة وإما لأن الصوم فيه مخصوص بفضل ثواب على صيام باقي الشهور. ولو كان من هذا شيء لبينه صلى الله عليه وسلم.
قال ابن دحية: الصيام عمل بر لا لفضل شهر رجب، فقد كان عمر - رضي الله عنه - ينهى عن صيامه. والله أعلم.